الباحث القرآني

وَأما المَكْر الَّذِي وصف بِهِ نَفسه فَهو مجازاته للماكرين بأوليائه ورُسُله فيقابل مَكْرهمْ السيئ بمكره الحسن فَيكون المَكْر مِنهُم أقبح شَيْء ومِنه أحسن شيء، لأنه عدل ومجازاة، وكَذَلِكَ المخادعة مِنهُ جَزاء على مخادعة رسله أوليائه فَلا أحسن من تِلْكَ المخادعة والمَكْر. وَأما كَون الرجل يعْمل بِعَمَل أهل الجنَّة حَتّى ما يكون بَينه وبَينها إلّا ذِراع فَيَسْبق عَلَيْهِ الكتاب فَإن هَذا عمل أهل الجنَّة فِيما يظْهر للنّاس ولَو كانَ عملا صالحا مَقْبُولًا للجنة قد أحبه الله ورضيه لم يُبطلهُ عَلَيْهِ. وَقَوله لم يبْق بَينه وبَينها إلّا ذِراع يشكل على هَذا التَّأْوِيل فَيُقال لما كانَ العَمَل بِآخِرهِ وخاتمته لم يصبر هَذا العامِل على عمله حَتّى يتم لَهُ بل كانَ فِيهِ آفَة كامنة ونكتة خذل بها في آخر عمره فخانته تِلْكَ الآفة والداهية والباطنة في وقت الحاجة فَرجع إلى مُوجبها وعملت عَملها ولَو لم يكن هُناكَ غش وآفَة لم يقلب الله إيمانه لقد أوردهُ مَعَ صدقه فِيهِ وإخلاصه بِغَيْر سَبَب مِنهُ يَقْتَضِي إفساده عَلَيْهِ والله يعلم من سائِر العباد ما لا يُعلمهُ بَعضهم من بعض وَأما شَأْن إبْلِيس فَإن الله سُبْحانَهُ قالَ للْمَلائكَة ﴿إنِّي أعْلَمُ ما لا تعلمُونَ﴾ فالرب تَعالى كانَ يعلم ما في قلب إبْلِيس من الكفْر والكبر والحسد ما لا يُعلمهُ المَلائِكَة فَلَمّا أمروا بِالسُّجُود ظهر ما في قُلُوبهم من الطّاعَة والمحبة والخشية والانقياد فبادروا إلى الِامْتِثال وظهر ما في قلب عدوه من الكبر والغش والحسد فَأبى واستكبر وكانَ من الكافرين. وَأما خوف أوليائه من مكره فَحق فَإنَّهُم يخافُونَ أن يخذلهم بِذُنُوبِهِمْ وخطاياهم فيصيرون إلى الشَّقاء فخوفهم من ذنوبهم ورجاؤهم لِرَحْمَتِهِ. وَقَوله ﴿أفأمنوا مكر الله﴾ إنَّما هو في حق الفجار والكفّار ومعنى الآيَة فَلا يعْصى ويأمن مُقابلَة الله لَهُ على مكر السَّيِّئات بمكره بِهِ إلّا القَوْم الخاسرون والَّذِي يخافه العارفون بِالله من مكره أن يُؤَخر عَنْهُم عَذاب الأفْعال فَيحصل مِنهُم نوع اغترار فيأنسوا بِالذنُوبِ فيجيئهم العَذاب على غرّة وفترة وأمر آخر وهو أن يغفلوا عَنهُ وينسوا ذكره فيتخلى عَنْهُم إذا تخلوا عَن ذكره وطاعته فيسرع إلَيْهِم البلاء والفتنة فَيكون مكره بهم تخليه عَنْهُم وأمر آخر أن يعلم من ذنوبهم وعيوبهم ما لا يعلمونه من نُفُوسهم فيأتيهم المَكْر من حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ وأمر آخر أن يمتحنهم ويبتليهم بِما لا صَبر لَهُم عَلَيْهِ فيفتنون بِهِ وذَلِكَ مكر.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب