الباحث القرآني

ثم قال: (﴿وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ﴾ [النور ٥٩] أيها الأحرار ﴿الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا﴾ في جميع الأوقات ﴿كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي: الأحرار الكبار). إذا بلغوا الحلم يقول المؤلف: (﴿مِنْكُمُ﴾ أيها الأحرار)؛ وذلك لأن المماليك كما سبق لا يستأذنون إلا في الأوقات الثلاثة سواء كانوا كبارًا أو صغارًا؛ ولهذا قيدها المؤلف بالأحرار لمفهوم الآية الأولى. وقوله: بلغوا ﴿الْحُلُمَ﴾ (الحلم) هو كناية عن البلوغ بالإنزال، و(الحلم) بمعنى الاحتلام أو بمعنى العقل؛ وذلك لكمال عقولهم لكن الأول أولى؛ لأنه ما يشترط في هذا كمال العقل؛ وكمال العقل يحصل بكمال أربعين سنة. وقوله: إذا بلغ الحُلُم ﴿فَلْيَسْتَأْذِنُوا﴾ لم يذكر الله سبحانه وتعالى سوى بلوغ الحُلُم، والمعروف أن هناك شيئين آخرين يحصل بهما البلوغ هما تمام خمس عشرة سنة وإنبات شعر العانة؛ لكن هذان الأمران فيهما خلاف بين العلماء؛ فمنهم من يرى أنه لا بلوغ إلا بالإنزال وأن تمام خمس عشرة سنة ليس علامة على البلوغ، بل علامة على قدرة الإنسان على الجهاد؛ لأن الذين أخذوا بها إنما أخذوا بحديث ابن عمر رضي الله عنه حينما عرض على النبي ﷺ عام أحد فلم يجزه، وعرض عليه عام الخندق فأجازه، وكان له عام الخندق خمس عشرة سنة[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٦٤)، ومسلم (١٨٦٨ / ٩١).]]. لكن في رواية للحاكم أنه قال: «فلم يجزني ولم يرني بلغت »[[أخرجه الحاكم في المستدرك (٦٥٠١) من حديث البراء بن عازب.]]، والثانية: «فأجازني ورآني بلغت»[[سبق تخريجه.]]، لكن كلمة: (بلغت) هل معناه بلغت سن التكليف أو بلغت الحالة التي يمكنني فيها أن أجاهد؟ فيه احتمال، لكن عمر بن عبد العزيز رحمه الله ورضي عنه كتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة سنة ورآهم قد بلغوا[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٦٤)، ومسلم (١٨٦٨ / ٩١).]]. وقال: إذا كان هذا السن حدًّا لصلاحهم للقتال فهو حد لبلوغهم. ويرى بعض العلماء كأبي حنيفة أن حد البلوغ ثماني عشرة سنة لا خمس عشرة سنة، وهذا هو الذي مشى عليه نظام العمل والعمال هنا؛ لأن الذي وضعه فيما يظهر إنسان أجنبي ما يعرف إلا المذهب المعروف الشائع عند عامة المسلمين، وهو مذهب أبي حنيفة الذي يقيِّدُه بثماني عشرة سنة، إنما مذاهب الأئمة الثلاثة أن البلوغ يحصل بخمس عشرة سنة. أما إنبات العانة فنفس الشيء أيضًا فيه الخلاف، والذين قالوا: إنه ليس علامة على البلوغ، قالوا: إن كون الرسول عليه الصلاة والسلام يكشف عن مُؤْتَزَر بني قريظة فمن أنبت قتله ليس ذلك دليلًا على أنه مكلَّف، بل هو دليل على أنه من أهل القتال فيقتلُه النبي عليه الصلاة والسلام، لكن المشهور من المذهب ما هو معروف لديكم من أن البلوغ يحصل بواحد من ثلاثة أشياء. قال: ﴿فَلْيَسْتَأْذِنُوا﴾ شوف ﴿فَلْيَسْتَأْذِنُوا﴾، وجَّه الخطاب لهم؛ لأنهم إذا بلغوا الحلم صاروا أهلًا للتكليف وتوجيه الخطاب إليهم. وقوله: ﴿كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي: من عامة الناس الذين يستأذنون في جميع الأوقات. ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ ﴿كَذَلِكَ﴾ أي: مثل ذلك البيان يبيِّن، وقد قلنا: إن الكاف اسم بمعنى: مثل، وهي مفعول مطلق لـ ﴿يُبَيِّنُ﴾، وهنا الآية الكريمة مثل الآية التي قبلها إلا الفرق في قوله: ﴿آيَاتِهِ﴾ بدل: ﴿الْآيَاتِ﴾، ولعل هذا والله أعلم من باب التنويع في الخطاب أو في الأسلوب وإلا فمعناهما سواء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب