الباحث القرآني
(p-٦٠)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ﴾ في سَبَبِ نُزُولِها قَوْلانِ.
أحَدُهُما: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وجَّهَ غُلامًا مِنَ الأنْصارِ يُقالُ لَهُ: مُدْلِجُ بْنُ عَمْرٍو إلى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ وقْتَ الظَّهِيرَةِ لِيَدْعُوهُ، فَدَخَلَ فَرَأى عُمَرَ عَلى حالَةٍ كَرِهَ عُمَرُ رُؤْيَتَهُ عَلَيْها، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ودِدْتُ لَوْ أنَّ اللَّهَ أمَرَنا ونَهانا في حالِ الِاسْتِئْذانِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ»، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
والثّانِي: «أنَّ أسْماءَ بِنْتَ مَرْثَدٍ كانَ لَها غُلامٌ، فَدَخَلَ عَلَيْها في وقْتٍ كَرِهَتْهُ فَأتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقالَتْ: إنَّ خَدَمَنا وغِلْمانَنا يَدْخُلُونَ عَلَيْنا في حالَةٍ نَكْرَهُها، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ»، قالَهُ مُقاتِلٌ.
(p-٦١)وَمَعْنى الآيَةِ: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أيْمانُكم؛ وفِيهِمْ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ أرادَ الذُّكُورَ دُونَ الإناثِ، قالَهُ ابْنُ عُمَرَ.
والثّانِي: الذُّكُورَ والإناثَ، رَواهُ أبُو حُصَيْنٍ عَنْ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. ومَعْنى الكَلامِ: لِيَسْتَأْذِنْكم مَمالِيكُكم في الدُّخُولِ عَلَيْكم. قالَ القاضِي أبُو يَعْلى: والأظْهَرُ أنْ يَكُونَ المُرادُ: العَبِيدَ الصِّغارَ والإماءَ الصِّغارَ، لِأنَّ العَبْدَ البالِغَ بِمَنزِلَةِ الحُرِّ البالِغِ في تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلى مَوْلاتِهِ، فَكَيْفَ يُضافُ إلى الصِّبْيانِ الَّذِينَ هم غَيْرُ مُكَلَّفِينَ؟!
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الحُلُمَ﴾ وقَرَأ عَبْدُ الوارِثِ: " الحُلْمَ " بِإسْكانِ اللّامِ ﴿مِنكُمْ﴾ أيْ: مِن أحْرارِكم مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ ﴿ثَلاثَ مَرّاتٍ﴾ أيْ: ثَلاثَةَ أوْقاتٍ؛ ثُمَّ بَيَّنَها فَقالَ: ﴿مِن قَبْلِ صَلاةِ الفَجْرِ﴾ وذَلِكَ لِأنَّ الإنْسانَ قَدْ يَبِيتُ عُرْيانًا، أوْ عَلى حالَةٍ لا يُحِبُّ أنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ فِيها ﴿وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكم مِنَ الظَّهِيرَةِ﴾ أيِ: القائِلَةِ ﴿وَمِن بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ﴾ حِينَ يَأْوِي الرَّجُلُ إلى زَوْجَتِهِ، ﴿ثَلاثُ عَوْراتٍ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: " ثَلاثُ عَوْراتٍ " بِرَفْعِ الثّاءِ مِن " ثَلاثُ "، والمَعْنى: هَذِهِ الأوْقاتُ هي ثَلاثُ عَوْراتٍ، لِأنَّ الإنْسانَ يَضَعُ فِيها ثِيابَهُ، فَرُبَّما بَدَتْ عَوْرَتُهُ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: " ثَلاثَ عَوْراتٍ " بِنَصْبِ الثّاءِ؛ قالَ أبُو عَلِيٍّ: وجَعَلُوهُ بَدَلًا مِن قَوْلِهِ: ﴿ثَلاثَ مَرّاتٍ﴾ والأوْقاتُ لَيْسَتْ عَوْراتٍ، ولَكِنَّ المَعْنى: أنَّها أوْقاتُ ثَلاثِ عَوْراتٍ، فَلَمّا حُذِفَ المُضافُ أُعْرِبَ [بِإعْرابِ المَحْذُوفِ] . وقَرَأ أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، والأعْمَشُ: " عَوَراتٍ " بِفَتْحِ الواوِ، ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ﴾ يَعْنِي: المُؤْمِنِينَ الأحْرارَ ﴿وَلا عَلَيْهِمْ﴾ يَعْنِي: الخَدَمَ (p-٦٢)والغِلْمانَ ﴿جُناحٌ﴾ أيْ: حَرَجٌ ﴿بَعْدَهُنَّ﴾ أيْ: بَعْدَ مُضِيِّ هَذِهِ الأوْقاتِ أنْ لا يَسْتَأْذِنُوا، فَرَفَعَ الحَرَجَ عَنِ الفَرِيقَيْنِ، ﴿طَوّافُونَ عَلَيْكُمْ﴾ أيْ: هم طَوّافُونَ عَلَيْكم ﴿بَعْضُكم عَلى بَعْضٍ﴾ أيْ: يَطُوفُ بَعْضُكم وهُمُ المَمالِيكُ عَلى بَعْضٍ وهُمُ الأحْرارُ.
* فَصْلٌ
وَأكْثَرُ عُلَماءِ المُفَسِّرِينَ عَلى أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَحْكَمَةٌ، ومِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ ذَلِكَ ابْنُ عَبّاسٍ، والقاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وجابِرُ بْنُ زَيْدٍ، والشَّعْبِيُّ. وحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ أنَّها مَنسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإذا بَلَغَ الأطْفالُ مِنكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا﴾؛ والأوَّلُ أصَحُّ، لِأنَّ مَعْنى هَذِهِ الآيَةِ: وإذا بَلَغَ الأطْفالُ مِنكم، أوْ مِنَ الأحْرارِ الحُلُمَ، فَلْيَسْتَأْذِنُوا، أيْ: في جَمِيعِ الأوْقاتِ في الدُّخُولِ عَلَيْكم ﴿كَما اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ يَعْنِي: كَما اسْتَأْذَنَ الأحْرارُ الكِبارُ، الَّذِينَ هم قَبْلَهم في الوُجُودِ، وهُمُ الَّذِينَ أُمِرُوا بِالِاسْتِئْذانِ عَلى كُلِّ حالٍ؛ فالبالِغُ يَسْتَأْذِنُ في كُلِّ وقْتٍ، والطِّفْلُ والمَمْلُوكُ يَسْتَأْذِنانِ في العَوْراتِ الثَّلاثِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: يَعْنِي: العُجْزَ، واحِدُها: قاعِدٌ، ويُقالُ: إنَّما قِيلَ لَها: قاعِدٌ، لِقُعُودِها عَنِ الحَيْضِ والوَلَدِ، وقَدْ تَقْعُدُ عَنِ الحَيْضِ والوَلَدِ ومَثْلُها يَرْجُو النِّكاحَ، ولا أراها سُمِّيَتْ قاعِدًا إلّا بِالقُعُودِ، لِأنَّها إذا أسَنَّتْ عَجَزَتْ عَنِ التَّصَرُّفِ وكَثْرَةِ الحَرَكَةِ، وأطالَتِ القُعُودَ، فَقِيلَ لَها: " قاعِدٌ " بِلا هاءٍ، لِيَدُلَّ حَذْفَ الهاءِ عَلى أنَّهُ قُعُودُ كِبَرٍ، كَما قالُوا: " امْرَأةٌ حامِلٌ "، لِيَدُلُّوا بِحَذْفِ الهاءِ عَلى أنَّهُ حَمْلُ حَبَلٍ، وقالُوا في غَيْرِ ذَلِكَ: قاعِدَةٌ في بَيْتِها، وحامِلَةٌ عَلى ظَهْرِها.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ﴾ أيْ: عِنْدَ الرِّجالِ؛ ويَعْنِي بِالثِّيابِ: (p-٦٣)الجِلْبابُ والرِّداءُ والقِناعُ الَّذِي فَوْقَ الخِمارِ، هَذا المُرادُ بِالثِّيابِ، لا جَمِيعَ الثِّيابِ، ﴿غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ﴾ أيْ: مِن غَيْرِ أنْ يُرِدْنَ بِوَضْعِ الجِلْبابِ أنْ تُرى زِينَتُهُنَّ؛ والتَّبَرُّجُ: إظْهارُ المَرْأةِ مَحاسِنَها، ﴿وَأنْ يَسْتَعْفِفْنَ﴾ فَلا يَضَعْنَ تِلْكَ الثِّيابَ ﴿خَيْرٌ لَهُنَّ﴾، قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: والعَرَبُ تَقُولُ: امْرَأةُ واضِعٌ: إذا كَبِرَتْ فَوَضَعَتِ الخِمارَ، ولا يَكُونُ هَذا إلّا في الهَرِمَةِ. قالَ القاضِي أبُو يَعْلى: وفي هَذِهِ الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى أنَّهُ يُباحُ [لِلْعَجُوزِ] كَشْفُ وجْهِها ويَدَيْها بَيْنَ يَدَيِ الرِّجالِ، وأمّا شَعْرُها، فَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ كَشَعْرِ الشّابَّةِ.
{"ayahs_start":58,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لِیَسۡتَـٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِینَ مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡ وَٱلَّذِینَ لَمۡ یَبۡلُغُوا۟ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَـٰثَ مَرَّ ٰتࣲۚ مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ وَحِینَ تَضَعُونَ ثِیَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِیرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَاۤءِۚ ثَلَـٰثُ عَوۡرَ ٰتࣲ لَّكُمۡۚ لَیۡسَ عَلَیۡكُمۡ وَلَا عَلَیۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّۚ طَوَّ ٰفُونَ عَلَیۡكُم بَعۡضُكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲۚ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ","وَإِذَا بَلَغَ ٱلۡأَطۡفَـٰلُ مِنكُمُ ٱلۡحُلُمَ فَلۡیَسۡتَـٔۡذِنُوا۟ كَمَا ٱسۡتَـٔۡذَنَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَایَـٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ","وَٱلۡقَوَ ٰعِدُ مِنَ ٱلنِّسَاۤءِ ٱلَّـٰتِی لَا یَرۡجُونَ نِكَاحࣰا فَلَیۡسَ عَلَیۡهِنَّ جُنَاحٌ أَن یَضَعۡنَ ثِیَابَهُنَّ غَیۡرَ مُتَبَرِّجَـٰتِۭ بِزِینَةࣲۖ وَأَن یَسۡتَعۡفِفۡنَ خَیۡرࣱ لَّهُنَّۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ"],"ayah":"وَإِذَا بَلَغَ ٱلۡأَطۡفَـٰلُ مِنكُمُ ٱلۡحُلُمَ فَلۡیَسۡتَـٔۡذِنُوا۟ كَمَا ٱسۡتَـٔۡذَنَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَایَـٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق