الباحث القرآني

(p-٣١٢)ولَمّا بَيَّنَ حُكْمَ الصِّبْيانِ والأرِقّاءِ الَّذِينَ هم أطْوَعُ لِلْأمْرِ، وأقْبَلُ لِكُلِّ خَيْرٍ، أتْبَعَهُ حُكْمَ البالِغِينَ مِنَ الأحْرارِ فَقالَ: ﴿وإذا بَلَغَ الأطْفالُ مِنكُمُ﴾ أيْ مِن أحْرارِكم ﴿الحُلُمَ﴾ أيِ السَّنَّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ إنْزالُ المَنِيِّ بِرُؤْيَةِ الجِماعِ في النَّوْمِ، هَذا أصْلُهُ، والمُرادُ سِنُّ مُطْلَقِ الإنْزالِ ﴿فَلْيَسْتَأْذِنُوا﴾ عَلى غَيْرِهِمْ في جَمِيعِ الأوْقاتِ ﴿كَما اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ عَلى ما بَيَّنَ في أوَّلِ الآياتِ القائِلَةِ ﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكم حَتّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ [النور: ٢٧] ونَقَلَ ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ يَحْيى بْنِ أبِي كَثِيرٍ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أنَّ الغُلامَ إذا كانَ رَباعِيًا فَإنَّهُ يَسْتَأْذِنُ في العَوْراتِ الثَّلاثِ عَلى أبَوَيْهِ، فَإذا بَلَغَ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنْ عَلى كُلِّ حالٍ. ولَمّا كانَتْ آياتُ الِاسْتِئْذانِ أتْقَنَ حاسِمٍ لِمَوادِّ الشَّرِّ، وتَرْكُها أعْظَمَ فاتِحٍ لِأبْوابِ الفِتَنِ، وكانَ إخْراجُ الكَلامِ في أحْكامِ الحَلالِ والحَرامِ، مَعَ التَّهْذِيبِ والبَيانِ، في النِّهايَةِ مِنَ الصُّعُوبَةِ، وكانَ فَطْمُ النُّفُوسِ عَمّا ألِفَتْ في غايَةٍ مِنَ العُسْرِ شَدِيدَةٍ، أشارَ سُبْحانَهُ إلى ذَلِكَ بِتَكْرِيرِ آيَةِ البَيانِ، إشارَةً إلى أنَّها - لِما لَها مِنَ العُلُوِّ - جَدِيرَةٌ بِالتَّأْكِيدِ، وإلى أنَّ البُلَغاءَ يَسْتَبْعِدُونَ القُدْرَةَ عَلى البَيانِ كُلَّما أُرِيدُ عَلى هَذا السَّنَنِ (p-٣١٣)فَقالَ: ﴿كَذَلِكَ﴾ أيْ مِثْلَ ذَلِكَ البَيانِ الَّذِي بَيَّنَهُ في آياتِ الأحْكامِ ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ﴾ بِما لَهُ مِن صِفاتِ الكَمالِ ﴿لَكُمْ﴾ مَعَ ما لَكم مِن خِلالِ النَّقْصِ ﴿آياتِهِ﴾ أيِ العَلاماتِ الدّالَّةَ عَلَيْهِ مِن هَذِهِ الفَرْعِيّاتِ وما رَقَتْ إلَيْهِ الأصْلِيّاتُ، فَأضافَها إلَيْهِ سُبْحانَهُ تَعْظِيمًا لَها، إشارَةً إلى أنَّها مُقَدِّمَةٌ لِلْآياتِ الإلَهِيّاتِ، لِأنَّ مَن لَمْ يَتَفَرَّغْ مِن مُكَدِّراتِ الأفْكارِ، لَمْ يَطِرْ ذَلِكَ المَطارَ، وحَثًّا عَلى تَدَبُّرِ ما تَقَدَّمَ مِنها لِاسْتِحْضارِ ما دَعَتْ إلَيْهِ مِنَ الحُكْمِ، وفَصَلَتْ بِهِ مِنَ المَواعِظِ، وتَنْبِيهًا عَلى ما فِيها مِنَ العُلُومِ النّافِعَةِ دِينًا ودُنْيا، وزادَ في التَّرْغِيبِ في العِلْمِ والحِكْمَةِ إشارَةً إلى أنَّ ذَلِكَ سَبَبُ كُلِّ سَعادَةٍ فَقالَ: ﴿واللَّهُ﴾ أيِ المُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ ﴿عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ رَوى الطَّبَرانِيُّ وغَيْرُهُ ”عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «قالَ: لَمّا كانَتْ صَبِيحَةٌ احْتَلَمْتُ دَخَلْتُ عَلى النَّبِيِّ ﷺ فَأخْبَرْتُهُ أنِّي قَدِ احْتَلَمْتُ، فَقالَ:“ لا تَدْخُلْ عَلى النِّساءِ "، فَما أتى عَلَيَّ يَوْمٌ كانَ أشَدَّ مِنهُ» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب