الباحث القرآني
العامل في هذا المصدر هو المصدر؛ يعني: فأن يشهد أحدهم أربع شهادات، وخبر المبتدأ اللي هو شهادته محذوف، قدره المؤلف بقوله: يدفع عنه حد القذف، ﴿شَهَادَةُ﴾ مبتدأ، و﴿أَرْبَعَ﴾ أيش نقول في إعرابه؟
نائب مناب المصدر.
أين عامله؟ عامله ﴿شَهَادَةُ﴾، المبتدأ (...) خبر؟
خبره، يقول: محذوف، تقديره: يدفع عنه حد القذف، معناه: فأن يشهد أحد أربع شهادات بالله.. إلى آخره، يدفع عنه حد القذف، والمؤلف رحمه الله ما ذكر القراءة الثانية، وهي قراءة الرفع.
﴿فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ﴾ [النور ٦]، على قراءة الرفع نقول: ﴿شَهَادَةُ﴾ مبتدأ، وخبره ﴿أَرْبَعُ﴾، خبره ﴿أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ﴾.
﴿أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ﴾: ﴿بِاللَّهِ﴾؛ يعني: لا بد أن يقول: أشهد بالله، متعلقة بـ﴿شَهَادَاتٍ﴾، ما يكفي أن يقول: أشهد أن امرأته كذا وكذا، بل لا بد أن يقول: أشهد بالله؛ لتتضمن الشهادة شهادة وقسمًا، أشهد بالله، ولهذا أجيبت بجواب القسم، وأيش هو جواب القسم؟ إنه لمن الصادقين، صار لا بد أن يشهد شهادة بالله ليكون شهادة مقرونة بالقسم، والدليل على هذا أنه أجيب بما يجاب به القسم، وهو قوله: ﴿إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [النور ٦]، فهذه الجملة الخبرية مؤكدة بالشهادة والقسم وإن واللام، أربعة مؤكدات، وتكرر أربع مرات، فيصير تأكيدًا من وراء تأكيد، فإخباره عن زوجته بأنها زنت مؤكد بهذه الأربعة، عدّهم؟
* طالب: (...).
الشيخ: واللام والنون، أيش بعد؟ والشهادة، شهادة واحدة؟ أربع شهادات؛ يعني: وأشهد بالله أني لمن الصادقين.
وقولنا: ﴿مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ الصادق: هو المخبر بما يطابق الواقع.
وقوله: فيما رمى به زوجته من الزنا؛ يعني: لا بد أن يقول هذا أو معناه، إما يقول: فيما رميتها به من الزنا، أو: فيما قذفتها به من الزنا، أو ما أدى هذا المعنى، المهم لا يكفي أن يقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين، ما يكفي هذا، وأيش السبب؟
لأنه قد ينوي به الصادقين في غير هذه القضية، وظاهر القرآن الكريم أنه يجزي؛ لأنه ما قال: فيما رميتها به من الزنا لمن الصادقين، ويكون هذا وإن نوى (لمن الصادقين) في قول آخر ما ينفعه؛ لأنه كما جاء في الحديث: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ»[[أخرجه مسلم (١٦٥٣ / ٢٠) من حديث أبي هريرة.]]، فأنت وإن نويت خلاف ذلك فأنت إنما استشهدت على أي شيء؟
على ما رميتها به من الزنا، استشهدت على ما رميتها به من الزنا، فسواء ذكرته أم لم تذكره لا يختلف الحكم، ولهذا القرآن لم يقيده بذلك، وأيش يكون بناء عليه؟ على أن المقام يعينه، وأن نيته خلاف ذلك لا تنفعه، لماذا؟
لأن اليمين على ما يصدقك به صاحبك؛ يعني خصمك، على ما يصدقك به صاحبك.
* طالب: (...).
* الشيخ: أي نعم، لكن لو أنه قال ذلك، أو هي طلبت ذلك مثلًا، أو الحاكم طلب منه ذلك، فإنه أولى؛ لأجل أن يطمئن الإنسان أكثر، للطمأنينة؛ يعني لو طلب القاضي منه ذلك، القاضي مثلًا خاف أنه يتأوّل -وإن كان تأوله لا ينفعه- فإنه إذا أمره يجيبه على هذا الشيء؛ إذا أمره أن يقول ذلك يجيبه.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما يجب عليه أيش؟
* طالب: (...) على ما رميتها به من الزنا.
* الشيخ: لا، ما يجب، على ما رميتها به من الزنا ما يجب؛ لأنه ليس موجودًا في الآية، لكن المقام يعيّنه.
لو قال: أشهد بالله إني لصادق، هل يجزي ولّا لا بد أن يقول: (لمن الصادقين)؟
والله هذه المسألة الفقهاء يقولون: لا بد أن يكون باللفظ، وفي نفسي من ذلك شيء؛ لأن هذه ليست ألفاظ ذِكر يتعبد الإنسان بها، إنما هي ألفاظ يقصد بها إثبات ما شهد به، وهو لا شك أن الأولى والأحرى والأبرأ أن يقول ذلك بلفظ القرآن، لكن لو قال: إني لصادق، فالظاهر أنه يجزئ؛ لأن المقصود بقوله: ﴿إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾، المقصود إثبات الصفة أو الشهادة بالله على صدقه.
قال: ﴿وَيَدْرَأُ﴾ [النور ٨] يدفع ﴿عَنْهَا الْعَذَابَ﴾، شوف الآن الرجل إذا قذف زوجته بالزنا وأتى بالشهود، أتى بشهود أربعة يشهدون بأن هذه المرأة زنت، ورأوا ذكر الزاني في فرجها يحتاج لعانًا ولّا ما يحتاج؟
* طلبة: لا ما يحتاج.
* الشيخ: لا يحتاج، كذا؟ لأن الله إنما ذكر هذا فيمن لم يكن له شاهد إلا نفسه، ثانيًا: إذا شهد على ما رماها به أربع شهادات وأقرت بذلك انتهى الأمر أيضًا، إذا أقرت بذلك انتهى الأمر، وأُقيم عليها الحد، إذا لم تقر بذلك فإنها حينئذ تلاعن، كذا؟ إذا سكتت لا أنكرت ولا أثبتت؟ فما الحكم؟
ينظر ما يستفاد من الآية ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ﴾ [النور ٨].
﴿وَالْخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ ، ﴿وَالْخَامِسَةَ﴾ ؛ يعني: وشهادته الخامسة، ﴿أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ أنا عندي مشكولة بالنصب؟
* طلبة: بالرفع (...).
* الشيخ: إي، على الوجه الذي مشى عليه المؤلف، ما يكون من حذف الجمل.
* طلبة: (...).
* الشيخ: ﴿وَالْخَامِسَةُ﴾ بالرفع، لا ﴿أَرْبَعَ﴾ بالنصب، هذه قراءة ثانية، غير مشكولة، (...)، لا في ذلك، أيش نقول؟
* طالب: المتن كده، ما تنفعش.
* الشيخ: إي، طيب.
* طالب: (قوله: خبر المبتدأ هو شهادة أحدهما، أما قوله: ﴿وَالْخَامِسَةُ﴾ فهو معطوف على مبتدأ، والخبر المحذوف خبر عن المعطوف والمعطوف عليه، وقوله: ﴿أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [النور ٧]، ﴿أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ﴾ (...) بدل من (الخامسة)، أو على تقدير حرف الجر، أي بأن لعنه، انتهى، قوله: فهو معطوف على المبتدأ غير متعين (...)، و(أن لعنة الله) خبر، والجملة مبتدرة بين مبتدأ وخبر محذوف.
قوله: تدفع عنه حد القذف هذا المقدر).
* الشيخ: (...).
* طالب: (هذا قول يتبع الوصف، عند قوله تعالى: ﴿أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ﴾ ، قوله: نصب على المصدر، أي الاصطلاحي النحوي، وهو كل ما انتصب على المفعولية مطلقًا، فإنه يسمى عند النحاة مصدرًا، وإن كان غير مصدر، بمعنى اللفظ الدال على الحدث وحده، وما هنا نعت من مصدر محذوف تقديره شهادةُ أربع.
* الشيخ: شهادةً أربع.
* الطالب: تقديره شهادةً سأربع، هذا وقرئ بالسبعة أيضًا ﴿أَرْبَعُ﴾ برفعها على الخبرية، ولا حذف في الكلام، وقوله: ﴿وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ﴾ إلى آخره، بالرفع لا غير، باتفاق السلف، وقوله: ﴿أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ﴾ بالنصب لا غير).
* الشيخ: ﴿وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾، ﴿الْخَامِسَةُ﴾ مبتدأ، و﴿أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ﴾ خبره، تأويله مصدر.
وقوله: ﴿لَعْنَتَ اللَّهِ﴾ اللعنة: هي الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وقوله: ﴿إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ هذا شرط في الدعاء على نفسه باللعنة؛ يعني: إن كان كاذبًا فلعنة الله عليه؛ يعني: وإن كان صادقًا فلا لعن، وقوله: ﴿إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ في أي شيء؟
فيما رمى به زوجته من الزنا، فإنه مستحق للعنة الله التي هي الطرد والإبعاد، ومناسبة ذكر اللعنة هنا في مقابل كذبه؛ لأنه في الحقيقة يتضمن كلامه إبعاد زوجته، واتهامها بما هي بريئة منه، ولذلك جاء بذكر اللعنة، بخلاف المرأة، فإنها تأتي بأمر آخر، كما سيذكر إن شاء الله.
وقوله: ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ﴾ يدفع عنها العذاب، أي: حد الزنا الذي ثبت بشهادته، نحن قلنا: إذا رمى الرجل زوجته بالزنا فلا يخلو من ثلاث حالات:
إما أن يقيم بينة فهنا يقام عليها الحد بالبينة.
وإما أن تُقِرّ فيقام عليها الحد بالإقرار.
وإما أن تُنْكر، وفي حال إنكارها يطلب اللعان، فإذا شهد الرجل أربع شهادات بالله أقيم عليها الحد، لكن لها أن تدفع هذا الحد بشهادات تنقض شهادة الرجل، إذن العذاب في قوله: ﴿عَنْهَا الْعَذَابَ﴾ المراد به: حد الزنا.
وأما قول فقهائنا -رحمهم الله: إن المراد بالعذاب الحبس، فهذا قول ضعيف جدا؛ لأنه لا ذكر للحبس في الآية، بل إن الآية صريحة في أن الذي يندفع هو العذاب، والعذاب هو الحد، حد القذف، بدليل قوله في الآية فيما سبق: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، فالمراد بالعذاب إذن يتعين أن المراد بالعذاب هو حد الزنا.
أما قول الفقهاء -رحمهم الله: إن العذاب الحبس حتى تقر أو تلاعن، فهذا قول لا دليل عليه، وهو ضعيف جدًّا، والصواب: أن المراد بالعذاب حد القذف، إذن إذا أنكرت المرأة ويش نعمل؟ نقول للرجل: اشهد على ما قلت أربع شهادات بالله إنك لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين، فإذا شهد ويش يثبت؟ ثبت عليها الحد، حد الزنا، الرجم إن كانت محصنة، والجلد مع التغريب إن كانت غير محصنة.
* طالب: كيف تكون مش محصنة؛ لأنه ده زوج بيتهم زوجته؟
* الشيخ: يمكن يعقد عليها ولا يجامعها، فتكون غير محصنة، وبعدين لها -بعد أن ثبت الحد عليها بشهادة الزوج- لها أن تسقط الحد هذا (...)؟ بشهادات تقابل شهادات الزوج، ولهذا يقول الله عز وجل: ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ﴾ أي: شهادتها ﴿أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ فيما رماها به من الزنا.
* طالب: يعني تسجن؟
* الشيخ: تسجن حتى تُقِر أو تلاعن.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، لكن ما يخلو تلاعن.
* طالب: ويش لون يعني (...).
* الشيخ: (...) إذا شهد عليها، فإن لاعن قبلنا منه، وإن أبى لا نقيم عليها حد الزنا؛ نحبسها حتى تقر بالزنا أو تلاعن، أما الآية فتدل على أنه إذا لم تلاعن يقام عليها الحد مباشرة.
يقول: ﴿أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ فيما رماها به من الزنا، يقابل قوله: ﴿إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ فيما رماها به من الزنا.
و﴿الْخَامِسَةَ﴾ [النور ٩] يعني: وتشهد الخامسة ﴿أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [النور ٩]، في ذلك ﴿الْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِين﴾، في مقابل ﴿أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾.
لكن لماذا اختير لها الغضب دون اللعنة؟
لسببين: لأن الغضب أشد من اللعنة، الغضب -والعياذ بالله- أن الله يغضب عليها يلزم منه اللعنة وزيادة، بخلاف اللعنة فهى طرد وإبعاد عن الرحمة، لكن هذا طرد وإبعاد مع غضب، فهو أشد، وإنما اختير لها ذلك -يعني الغضب مع أنه أشد من اللعنة- لسببين:
السبب الأول: أن رمي الزوج إياها بالزنا أقرب إلى الصدق من إنكارها؛ لأنه يبعد أن الزوج يرمي زوجته بالزنا، بعيد جدًّا، إلا إذا تيقن ذلك، لكن إنكارها هي أمر متوقع؛ لأنها تدرأ عن نفسها عار الفاحشة، وكذلك عن أهلها، مثلما قالت المرأة: «لا أفضح قومي سائر اليوم»[[أخرجه البخاري (٤٧٤٧) من حديث ابن عباس.]]. فعلى كل حال الغضب أشد من اللعنة، واختير للمرأة؛ لأن رمي الزوج إياها بالزنا أقرب إلى الصدق والواقع من إنكارها، فكان إنكارها أعظم، لذلك رتب عليه إن كان صادقًا أن يغضب الله عليها.
الوجه الثاني: أنها تقول: ﴿أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾، وإذا كان من الصادقين فقد أنكرته هى، وحادت عن الحق مع علمها به، إذا قالت: ﴿غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾، وصار صادقًا، صار معناه أنها خالفت الحق أيش بعد؟ مع علمها به، الفرض أنه صادق، ولو صار صادقًا وهي تنكر، والفعل مفعول بها هي، وهي تقول: لا، ما هو بصحيح، وهو صادق في أنه صحيح، ويش يناسبها؟ صارت عالمة الحق فأنكرته، ومن علم الحق ورده..
* طالب: أشد.
* الشيخ: أشد، لكِنْ جزاؤه الغضب، ولهذا ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة ٧] من هم المغضوب عليهم؟ الذين علموا الحق فأنكروه مثل اليهود، و﴿الضَّالِّينَ﴾ الذي لم يقولوا بالحق؛ لجهلهم به، فالحاصل يا جماعة الآن أنه اختير لها الغضب، وهو أشد من اللعنة؛ لأمرين:
الأول: أن شهادة الزوج عليها بالزنا أقرب من إنكارها إياه، ليش؟ لاستبعاد أن يرمي الزوج زوجته بالزنا وهي حليلته، ولقرب أن المرأة تنكر دفعًا للعار عنها وعن أهلها.
الوجه الثاني: أنه إذا كان صادقًا والمرأة تنكره صارت ترد الحق مع علمها به، ومن رد الحق مع علمه به فجزاؤه الغضب، كما في اليهود الذين ردوا الحق مع علمهم به فجوزوا بالغضب، ﴿أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾.
* طالب: الوجه الثاني أنها أشد أنه هو يستطيع أن يطلقها؟
* الشيخ: أي نعم، لكن ما هو مطلقها، هو لا يطلقها، لو كان يريد الطلاق ما احتاج أن يرميها، كان طلقها وانتهى الموضوع.
* طالب: (...).
* الشيخ: كيف الزيادة؟ أصلًا ما يمكن يقدم الإنسان على رمي زوجته بالزنا بمجرد الظنون أبدًا، ما يمكن، إلا شيئًا شافه ما يمكن يصبر عليه؛ لأن هذا عار عليهم على الذل، ولهذا -كما سيأتينا إن شاء الله في حديث الإفك- ما يمكن أن الإنسان العفيف (...) أن الله يبتليه بامرأة تزني ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ﴾ [النور ٢٦]، فلهذا هو نفسه يجد من العار أن يشهر عند الناس أن امرأته زانية، لكن هي تجد من نفسها أن من العار أن تقر على نفسها بالزنا، فهى تحاول أن تنكر، أن غضب الله عليها..
* طالب: (...) فطلقها؟
* الشيخ: (...).
* طالب: (...).
* الشيخ: ما يخالف؛ لأنه ربما إن هي تقر ويثبت عليها حد الزنا، وحينئذ يتخلص بدون مطالبة.
* طالب: وممكن يتخلص (...).
* الشيخ: خلاص، (...).
* طالب: (...) ما يصير عليها (...).
* الشيخ: لا، أصل هذا الولد يجب إذا حصل هذا الشيء منها، يجب عليه إن يستبرئها بحيضة، فإن قُدّر أنها أتت بولد، يعني لما استبرأها ما حاضت، حملت، فالولد له؛ لأن النبي ﷺ يقول: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢٠٥٣)، ومسلم (١٤٥٧ / ٣٦) من حديث عائشة.]]، حتى لو فرضنا أنه حسب تقدير الله من هذا الزاني فهو ولد الرجل؛ لأن الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ.
* طالب: لكن إذا لاعن ينفي الولد.
* الشيخ: إذا لاعن ينفي الولد؟ انتهى الموضوع.
* طالب: تنفي الولد.
* الشيخ: اللعان لنفي الولد فيه خلاف، المذهب ما يجوز يلاعن لنفي الولد، لازم يقذفها أولًا بالزنا ثم يلاعن وينفي الولد، والصحيح أنه يجوز أن يلاعن لنفي الولد فقط، بأن يقول: ما أقول: زنت، لكن هذا الولد ليس مني وألاعن على ذلك. ويقول في اللعان: أشهد بالله، ويشهد أربع مرات إنه لمن الصادقين أن الولد ليس له، و﴿أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾.
* طالب: (...).
* الشيخ: قد تكون مكرهة ما زنت، أو مشتبه فيها مثلا؛ لأن مسألة الزنا صعب، ولهذا أوجب الله فيه الحد، وهذا الرجل لو نفى ولده ما وجب عليه الحد.
* طالب: ما يجب عليه الحد؟
* الشيخ: لا هي ولا هو، لا هي نقول: إن هذا الولد يكون زنًا، ولا هو أيضًا، ونقول: هذا العمل يكون قذفًا، لو فرضنا على القول الصحيح أنها إذا حملت وليس لها زوج فإنها تحد، إلا إذا ادعت شبهة، لكن اللي لها زوج ما يمكن نأتيها ولا نقربها، يحتمل أنه زوجها.
* طالب: (...).
* الشيخ: قلنا: إنه لما كان لعانه هذا يتضمن إبعادها عن نفسه وعن أولادها، وكذلك إبعادها عن العفة، ما أحد يدعو على نفسه باللعنة، جزاء وفاقًا.
* طالب: هذه المرأة (...).
* الشيخ: هذه إن شاء الله تأتينا بالفوائد.
* * *
* طالب: قال رحمه الله تعالى: وعن عبادة قال:« صلى رسول الله ﷺ الصبح، فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال: «إِنِّي أُرَاكُمْ تَقْرَؤُونَ وَرَاءَ إِمَامِكُمْ»، قال: قلنا: يا رسول الله إي والله، قال: «لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا». رواه أبو داود والترمذي[[أبو داود (٨٢٣)، والترمذي (٣١١).]].
وفي لفظ: «فَلَا تَقْرَؤُوا بِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ إِذَا جَهَرْتُ بِهِ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ»، رواه أبو داود والنسائي والدارقطني[[أخرجه أبو داود (٨٢٤)، والنسائي (٩٢٠)، والدارقطني (١٢١٧).]] وقال: كلهم ثقات.
وعن عبادة: «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَقْرَأَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ إِذَا جَهَرْتُ بِالْقِرَاءَةِ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ» رواه الدارقطني[[أخرجه الدارقطني (١٢١٧).]]، وقال: رجاله كلهم ثقات.
وروى عبد الله بن شداد: «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامُ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ..»[[أخرجه ابن ماجه (٨٥٠)، وأحمد في المسند (١٤٦٤٣) من حديث جابر بن عبد الله.]].
* * *
* الشيخ: أو للتخلص منها مثلًا، ولهذا -هذا والله أعلم- الحكمة في أنه لم يحد، لكن من راعى المعنى قال: الآية السابقة تدل على أن الرمي بالزنا يوجب الحد، وهذا الآية تدل على أن رمي المرأة بالزنا يوجب اللعان، فتبقى الآية هناك بالنسبة للأجنبي على عمومها، وهذه بالنسبة للزوجة على خصوصها، لكن السنة –الحقيقة- هى الفاصلة، والنبي ﷺ ما حد الرجل الذي قذف امرأته بشريك ابن سحماء[[أخرجه البخاري (٢٦٧١) من حديث ابن عباس، أخرجه مسلم (١٤٩٦ / ١١) من حديث أنس.]] لكن الذين يقولون: يحد، يجيبون عن هذا، يقولون: من قال: إن شريك ابن سحماء طالب بحقه؟
وحد القذف لا يجب إلا بالمطالبة، لكننا نقول ردًّا على هذا: مسألة كون حد القذف لا يجب إلا بالمطالبة محل نظر؛ لأن عموم الآية: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ لا تقيد ذلك بالمطالبة، وكون هذا حقًّا خاصًّا للمقذوف محل أيضا نظر، وغير مسلم (...)؛ لأن تدنيس أعراض المسلمين ليس حقًّا شخصيًّا في الواقع، يتعلق بأيش؟ يتعلق بعموم المجتمع الإسلامي، وإفساد له، ولهذا أنا أميل إلى أن حد القذف يجب، وإن لم يطالب به المقذوف، المهم أن يثبت، حتى لو أن المقذوف صار ما فيه خير، ولا يريد أن يدافع عن عرضه وسكت، نقول: المسلمون هم الذين يدافعون عن عرضك، ويقام الحد عليه.
وفي هذا أيضًا، في الآية إثبات الأسباب والموانع، من قوله: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ [النور ١٠]، فإن هذه الآية فيها مانع وفيها سبب، فالسبب ذنوب مثلًا وما نحن عليه من الأخطاء، والمانع الذي يمنع من العقوبة هو فضل الله ورحمته.
(...) إثبات التواب اسمًا من أسماء الله لقوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ﴾ [النور ١٠].
وإثبات الحكيم اسمًا من أسمائه، والحكيم كما أشرنا إليه أولًا يتضمن معنى الحكم والحكمة، والحكم كوني وشرعي والحكمة في الإيجاد والصورة، أيش بعد؟
* الطلبة: والغاية.
* الشيخ: والغاية، وهذه أيضًا الأشياء الثلاثة في الحكمة، في الحكم القدري والحكم الشرعي، أيش تسأل؟
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا أبدًا، هو ما تبين الأمر ورجحان قول الزوج إلا بعد الوضع، كيف نحيل الحكم على أمر ما تبين من قبل، ثم لو فرض أن فيه أمارات وقرائن وهو ما يمنع، اللهم إلا أن الأمارات في الحقيقة والقرائن قد تؤدي إلى كون المقذوف ليس محصنًا، فلا يجب الحد بقذفه، وإنما يجب التعزير؛ لأن قذف غير المحصن يوجب التعزير، على كل حال فهذه الأمارات ما ظهرت إلا بعد.
* طالب: ما الفرق بين الملاعنة والوضع (...).
* الشيخ: لا بد من اللعان لا بد منه، فيه أيضًا هذا البحث ذكرنا بمسألة الولد، هل ينتفي الولد عن الزوج باللعان ولّا ما ينتفي؟
* طالب: ينتفي.
* الشيخ: نعم، إن نفاه في لعانه انتفى، وإلا فهو ولده، إذن لا بد من أن يصرح بنفيه وإلا فهو ولده؛ لأن الْوَلَد لِلْفِرَاشِ، كما قال النبي ﷺ، «وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»، إذا سكت عن الولد فهو ولده، وإن نفاه انتفى.
فيما إذا نفاه من أبوه؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: ليس له أب شرعًا، أما قَدَرًا فله أب، ضروريًّا، لكن شرعًا ليس له أب، إلى من ينسب؟
* الطلبة: إلى أمه.
* الشيخ: ينسب إلى أمّه، وترثه أمه ميراث أمّ وأب، ولّا ميراث أيه؟
* طالب: أم وأب.
* الشيخ: هو ما ينسب إلى أمه، ويش تصير أمه، تكون أمه أمًّا وأبًا.
ينبني على ذلك صورة، لو مات هذا الإنسان هذا الولد عن أمه التي ولدته وعن إخوته الأشقاء؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، عمره ما فيه أشقاء، ما يمكن يكون أشقاء، ما يمكن يصير أشقاء، لكن عن إخوته من أمه، كذا؟ لأن إخوته من أمه (...)، ما يمكن يصيرون أشقاء.
كيف يكون الميراث؟ إذا قلنا إن الأم أم وأب حجبتهم الأم، فصار الميراث لها وليس لإخوته شيء؛ يصير لها السدس على أنها أم، كذا؟ والباقي لها تعصيبًا على أنها أب، وهذا هو الصحيح، لحديث: «تَحُوزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ: لَقِيطَهَا، وَعَتِيقَهَا، وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ»[[أخرجه أبو داود (٢٩٠٦)، والترمذي (٢١١٥)، وابن ماجه (٢٧٤٢) من حديث واثلة بن الأسقع. ]]، المذهب يقولون: إنها ترثه ميراث أم فقط، ويكون العاصب له عصبة أمه، وعلى هذا فيكون للأم هنا السدس، والباقي لإخوته من أمه؛ لأنهم هم عصبة الأم، أبناؤها، فيكون الباقي لهم.
﴿وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ﴾ [النور ١٠]؛ لقبول التوبة في ذلك وغيره، ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما حكم به في ذلك وغيره، فبين الحق في ذلك وعاجل بالعقوبة من يستحقها.
قوله: (لولا) هذه شرطية ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾، ويسمونها حرف امتناع لوجود؛ يعني أنها منعت شيئًا لوجود شيء، هنا ننظر ما هو الذي امتنع لوجود شيء؟
الذي امتنع هو الجواب المحذوف، جواب لولا المحذوف، وهو ما قدره المؤلف بقوله: (لبين الحق في ذلك وعاجل بالعقوبة من يستحقها) هذا هو الذي امتنع لوجود أي شيء؟
لوجود فضل الله ورحمته، فالحاصل أن الذي منع جواب (لولا) في هذه الآية هو فضل الله ورحمته، وأما ﴿فَضْلُ﴾ فهو مبتدأ وخبره محذوف؛ لأن (لولا) يحذف بعدها الخبر وجوبًا، قال ابن مالك رحمه الله:
؎وَبَعْدَ لَوْلَا غَالِبًا حَذْفُ الْخَبَرْ ∗∗∗ حَتْمٌ.....................
يعني لازم، فهنا (لولا) إذن تحتاج إلى جواب، جوابها مقدر، وتحتاج إلى خبر مبتدأ وهو محذوف أيضًا، ويحذف وجوبًا بعد (لولا) غالبًا، كما قال ابن مالك رحمه الله.
وقوله: ﴿لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ إلى آخره، الفضل من آثار الرحمة في الحقيقة، لكن الرحمة تكون فيما يضطر إليه العبد وزيادة، وتكون في الزيادة أيضًا، والفضل في الزيادة فقط، فيكون عطف الرحمة هنا على الفضل من باب عطف العام على الخاص؛ لأن الفضل من آثار الرحمة لكنه أخص منها، حيث إنه زائد على ما يحتاج إليه العبد ويضطر إليه، وأما الرحمة فتكون فيما يحتاج إليه العبد، وفيما زاد على ذلك.
يقول المؤلف: (بالستر في ذلك) هذا بناء على خصوص الآية في المتلاعنين، والصواب أن الآية عامة؛ يعني: لولا فضل الله عليكم ورحمته في هذا وغيره -ما هو بس في الستر- لحصل لكم ما لم يحصل لكم الآن، فالصواب إبقاء الآية على عمومها، وأنه لولا هذا الفضل والرحمة من الله ما حصل لهم الذي حصل من هذا التيسير وهذا التشريع الحكيم.
وقوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ﴾ معطوف على ﴿فَضْلُ﴾؛ يعني: ولولا أيضًا أن الله تواب حكيم، تواب سبق لنا أن التواب كثير التوبة، وأن توبة الله على عباده تنقسم إلى قسمين: أحدهما التوفيق للتوبة، والثاني قبول التوبة، ومنه قوله تعالى: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة ١١٨]، وتطلق التوبة من العبد إلى الله، وهي من العبد إلى الله معناها: الرجوع من معصيته إلى طاعته، فالعبد تواب، والله تواب، لكن فرق بين تواب التي يوصف بها الله وتواب الذي يوصف بها العبد، فتواب التي يوصف بها الله معناها: الموَفِّق للتوبة القابل لها، وتواب التي يوصف بها العبد معناها: الرَجَّاع إلى الله سبحانه وتعالى من معصيته إلى طاعته.
﴿حَكِيمٌ﴾ سبق لنا أنها مشتقة من الحكم والحِكْمة، فتكون بمعنى حاكم وبمعنى مُحْكِم، ﴿حَكِيمٌ﴾ مشتقة من الحكم والحكمة فهي بمعنى حاكم ومحكم، والحكم لله سبحانه وتعالى ينقسم إلى كوني وشرعي، ومر علينا قريبًا في التوحيد، والحكمة تكون في الحكم الكوني، وتكون كذلك في الحكم الشرعي، فمحل الحكمة الحكمان؛ يعني: الحكم الكوني والحكم الشرعي.
والحكمة -أيضًا كما مر علينا سابقًا- تكون حكمة في الإيجاد وحكمة في الصورة وحكمة في الغاية؛ يعني حكمة الله ليست هي غايات الأمور، لا، في الإيجاد وفي الصورة وفي الغاية، كيف في الإيجاد وفي الصورة وفي الغاية؟
يعني أن الله لا يوجد شيئًا إلا لحكمة، ثم إيجاده على صورة معينة حكمة أخرى، ثم الغاية من هذا الإيجاد حكمة ثالثة، إذن فحكمة الله سبحانه وتعالى تتعلق بالإيجاد، أيش تقول؟
* طالب: حكمة الله في الإيجاد وفي الصورة وفي الغاية.
* الشيخ: حكمة الله في الإيجاد والصورة والغاية، فمثلًا إيجاد الشمس هذا لحكمة، وهو حكمة إيجاده، كونها على هذه الصورة المعينة وبهذه الحرارة وبهذه المسافة عن الأرض وبهذا السير المعين هذه أيش اسمه؟ حكمة في الصورة، هذه أيضًا حكمة، الغاية منها -وهي مصالح الخلق- هذه أيضًا حكمة.
إيجاد الإنسان حكمة، وكونه على هذا الوجه من الصورة حكمة، والغاية من إيجاده حكمة، وهكذا في الأمور الكونية والشرعية، فإن تشريع الشرائع حكمة وكونها على هذا الوجه المعين حكمة، والغاية منها وهو إصلاح الخلق حكمة أيضًا، فالحاصل إذن أن حكمة الله سبحانه وتعالى تكون في أيش؟
* طلبة: في الإيجاد والصورة والغاية.
* الشيخ: في الإيجاد والصورة والغاية.
﴿وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ [النور ١٠]، الحكيم قلنا: إن معناها حاكم ومُحْكِم؛ أي: متقن؛ أي: ذو حكمة، المحكم بمعنى: ذو الحكمة، والحكمة كما عرفتم الآن تكون في الشرع وفي القدر؛ لأنها تكون في الحكمين، وتكون في الإيجاد والصورة والغاية أظن الأمر واضح.
جواب (لولا) ﴿لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ أيش الجواب؟ يقول المؤلف رحمه الله: (لبين الحق في ذلك وعاجل بالعقوبة من يستحقها)، المؤلف قصر هذه الآية ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ قصرها على قصة المتلاعنين؛ يعني: لولا أن الله تفضل علينا ورحمنا لبين الحق في ذلك؛ أي: بين كذب الزوج إن كان كاذبًا وكذب المرأة إن كانت هي الكاذبة، وعاجل بالعقوبة من يستحقها من أحدهما؛ لأن أحدهما كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لما تلاعنا: «اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا أَحَدٌ تَائِبٌ؟»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٥٣٤٩)، ومسلم (١٤٩٣ / ٦) من حديث ابن عمر.]]؛ يعني يعرض لهما بالتوبة، يقول: حداكما غلط هذا، الزوج ولّا الزوجة؟ وهذا صحيح، ويعرض عليهما التوبة، فهل أحد يتوب.
والمؤلف -رحمه الله- يرى أن هذه الآية خاصة بقصة المتلاعنين، والصواب أنها عامة فيها وفي غيرها، لماذا؟ لأن الله لم يقيدها، قال: ﴿لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾، ولّا قال في ذلك.
ثم العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإذن يكون الجواب المقدر غير ما قدره المفسر، يكون ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ ما حصل لكم هذه المصالح، وانتفت عنكم تلك المفاسد، وهذا عامّ، أعم مما قاله المؤلف.
* الطالب: الخبر (...)؟
* الشيخ: لا الخبر محذوف، غير جملة، الجملة هذه جواب (لولا).
* الطالب: خبر (...)؟
* الشيخ: لا، جواب (لولا)، ما تقول: خبر لولا، أما ﴿فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ خبره محذوف، والتقدير: موجود، ولولا فضل الله عليكم ورحمته موجودان لحصل كذا وكذا، طيب نرجع إلى استنباط الفوائد من هذه الآيات.
* أولًا: يستفاد من هذه الآيات: الحكمة في تشريع الله، في الشرع، الحكمة في التشريع؛ لأن هذه الآية مستثناة في الحكم من قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور ٤]، لو هذه الآية بقيت على ما هي عليه لوجب أن يجلد الزوج، الآية ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ﴾ في هذا الحكمة في التشريع، حيث خص الأزواج بهذا الحكم من حكم الذين يرمون المحصنات ولّا لا؟ هذا النوع من التخصيص ويش نوعه؟ متصل ولّا منفصل؟ يلا يا أصحاب أصول الفقه يا اللي تريدون تقرؤون بالروضة، جماعة يريدون يبدؤون بالروضة، وهم لا يعرفون التخصيص متصل ولّا منفصل؟
* طالب: ما هو من علم البلاغة هذا يا شيخ.
* الشيخ: لا لا، من علم أصول الفقه، ما يوجد شيء، ما هو التخصيص المتصل؟
* طالب: (...).
* الشيخ: (...)، بأي طريق ما هي طرقه؟
يكون بالاستثناء والصفة والشرط ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ﴾ [العصر ٢، ٣]، الصفة: أكرم الطالب المجتهد، المجتهد؛ خصيته بالصفة متصلة.
الشرط: أكرم الطالب إن اجتهد، قرر (روضة الناظر) إن كانوا يعرفون أصول الفقه.
هذا النوع اللي عندنا هل هو واحد من هذه الثلاثة؟
لا؛ لأنها آية مستقلة، فالتخصيص إذن منفصل، فهذه الآية خصصت عموم قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾؛ لأنه لو بقيت الآية تلك على عمومها لكان الزوج إذا قذف زوجته يثبت له الأحكام الثلاثة السابقة، لكن الزوج انفرد عن غيره بهذا الحكم، فإذن هذه الآية أو تخصيص الأزواج من عموم قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ هذا خصص بمخصص منفصل؛ لأنه نص مستقل.
ما هي الحكمة من تخصيص الأزواج بهذا الحكم دون غيرهم من القَذَفة؟ نحن قلنا: إن هذا من حكمة التشريع، فما هي الحكمة؟
الحكمة أن الزوج لا يمكن أن يقذف زوجته بالزنا إلا والأمر كما قال، ليش؟
لأن زنا زوجته عار عليه؛ لأنها هي حرثه، فإذا قذفها بالزنا أصبح الأمر شديدًا وعظيمًا، إذ أن هذا يوجب التشكك في أولاده عند الناس، ويوجب العار عليه حيث يقال: هذا الرجل ديوث كان يقر الفاحشة في أهله؛ لأن النفوس قد تقول ليش؟ يعني ما هذه بأول مرة يعثر، ما هو بعاثر إلا المرة الثانية والثالثة وما أشبه ذلك، إذ أن الزنا عادة ما يأتي علنا يأتي سرًّا، والسر ما هو يظهر في أول مرة، ولهذا لما كان زنا الزوجة عارًا على الزوج صار لا يمكن أن يقذف زوجته بالزنا إلا والأمر كما ذكر، ولهذا خص من بين سائر القاذفين بهذا الحكم، أن يعتبر قذفه هو، يعتبر رميًا ولّا شهادة؟
* الطلبة: شهادة.
* الشيخ: يعتبر شهادة.
* الفائدة الرابعة: أنه لا يصح اللعان إذا قذف أجنبية ثم تزوجها؛ لأنه لو قذف امرأة أجنبية ثم تزوجها فلا لعان، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾ [النور ٦]، فلو قذف امرأة أجنبية ثم تزوجها فلا لعان بينهما، وإنما يُحَدّ للقذف.
* خامسًا: عموم الآية ﴿أَزْوَاجَهُمْ﴾.
* طالب: تبقى زوجته؟
* الشيخ: أي نعم، وتبقى زوجة له.
عموم الآية ﴿أَزْوَاجَهُمْ﴾ يشمل ما قبل الدخول وبعد الدخول، فلو عقد على امرأة ثم رماها بالزنا أجري بينهما اللعان؛ لأنها زوجته.
* فيها أيضًا: أن رمي غير الزوجة ولو الأم أو البنت أو الأخت ممن يلحقهم عاره ليس كقذف الزوجة، بمعنى أن الرجل لو قذف أقرب الناس إليه بالزنا طبق عليه أيش؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أحكام القاذفين الثلاثة السابقة، بخلاف الزوج، ووجه ذلك ما سبق من الإشارة إلى الحكمة.
* ومن الفوائد أيضًا: أن البدل يجعل له حكم المبدل منه، فلما كانت البينة على الزنا أربعة شهود، وكان الزوج إذا قذف زوجته في الزنا يعتبر شاهدًا، والتعدد الشخصي في حقه ممتنع أو لا؟ جعل التعدد في نفس الشهادة، فيكون هذا تقريرًا للقاعدة المشهورة المعروفة أن البدل له حكم المبدل منه، فلما كانت شهادة الزوج على زوجته بالزنا بمنزلة شهادة الرجل صار تكرارها بمنزلة تكرار الرجال وتعدد الشهود.
* وفيه أيضًا من الفوائد: تعظيم هذا الأمر بحيث لا يكتفى فيه بالشهادة المجردة، بل لا بد من شهادة مقرونة بأيش؟ بيمين، شهادة مقرونة بيمين فيقول: أشهد بالله.
* وفيه أيضًا: وجوب قرن هذه الشهادة المؤكدة باليمين، وجوب قرنها في الخامسة بأيش؟ باللعنة بالنسبة للزوج، وبالغضب بالنسبة للزوجة.
* ومن الفوائد أيضًا: أنه يجب أن يبدأ الزوج باللعان، أيش الدليل؟ ﴿فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ﴾، ثم قال: ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ﴾، ولا يتم العذاب عليها إلا إذا شهد الزوج، مفهوم؟ هذا من جهة الدليل.
من جهة النظر أن الزوج مدَّعٍ في الحقيقة، وأيهما يُبدأ به المدعي ولّا المنكر؟ الذي يطلب منه إثبات الحكم للدعوى المدعي، هو الذي يقال: هات بينة، إذا لم يوجد بينة رجعنا إلى المنكر، إلى المدَّعَى عليه، فعلى كل حال فيه من الفوائد أنه يجب البداءة بشهادات الزوج، الدليل من الآية أنه لما قال: ﴿شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ﴾، قال: ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ﴾، ولا يتم العذاب إلا بشهادة الزوج، هذا من جهة الأثر أو الدليل؟ من جهة النظر أن الزوج بمنزلة المدعي، والمدعي هو الذي يطلب منه أولا إثبات مدعاه.
* وفيه أيضًا من فوائدها: أنه لا بد أن يؤكد الشهادة بـ(إنَّ) و(اللام) مع اليمين، السابقة لقوله: ﴿إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾، فلو قال: أشهد بالله بأني صادق، فإنه لا يكفي لا بد أن يأتي بـ(اللام)؛ لأن (اللام) تفيد زيادة تأكيد وتقوية، فلا بد من الإتيان بها.
* وفيه دليل على جواز الدعاء معلقا بالشرط، وين هو؟ ﴿إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾، وهي تقول: ﴿إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾، ففيه دليل على جواز الدعاء معلقا بالشرط، وقد جاء مثله أو قريب منه في الاستخارة: «اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ»[[أخرجه البخاري (١١٦٢) من حديث جابر بن عبد الله.]] إلى آخره، وكما جاء الشرع مفيدًا في دعاء الخالق جاء مفيدًا أيضًا في الشرع؛ يعني في الأحكام الشرعية، مثل ما قال النبي ﷺ لضباعة بنت الزبير «لما قالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأجدني شاكية، قال: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي، فَإِنَّ لَكِ عَلَى رَبِّكِ مَا اسْتَثْنَيْتِ»[[أخرجه مسلم (١٢٠٧ / ١٠٥)، والنسائي (٢٧٦٦) من حديث ابن عباس، واللفظ له.]]، وكما يجوز الشرط في دعاء المسألة يجوز الشرط أيضًا في دعاء العبادة كما في حديث ضباعة بنت الزبير، وهذا يشهد لرؤيا قصصتها عليكم رآها شيخ الإسلام ابن تيمية، يقول: إنه رأى النبي ﷺ، وكان يشكل عليه جنائز تقدم إليه، ويشكل عليه أنهم مسلمون، فرأى النبي ﷺ ذات ليلة، فسأله عن أشياء من جملتها عن الرجل يُقَدَّم إلى الإمام ليصلي عليه وهو يشك في إسلامه، فقال له النبي ﷺ: عليك بالشرط يا أحمد.
أيش لون الشرط؟ مثل: اللهم إن كان مؤمنًا فاغفر له وارحمه؛ لأن هذا حقيقة، هي أن يُشْكل الإنسان في إسلام الجنازة المقدمة، فيقول: اللهم إن كان مؤمنًا فاغفر له وارحمه، وهذا جائز، وشاهده هذه الآية، وحديث الاستخارة هذا في دعاء المسألة، وفي دعاء العبادة، وأيش الدليل؟ حديث ضباعة بنت الزبير: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي، فَإِنَّ لَكِ عَلَى رَبِّكِ مَا اسْتَثْنَيْتِ».
* وفيه دليل على ثبوت الحد على المرأة بلعان الزوج إلا إذا أنكرت ولاعنت، هل يؤخذ من الآية ولّا ما يؤخذ؟ ثبوت الحد على المرأة بلعان الزوج من أين يؤخذ؟
* الطلبة: ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ﴾.
* الشيخ: ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ﴾، والعذاب هو الحد، والدليل على أن العذاب هو الحد قوله تعالى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وأما من فسر العذاب بالحبس بأنها تُحبس حتى تقر أو تلاعن؛ فهذا قول لا دليل عليه ولا معول عليه.
إذن يثبت الحد على المرأة بلعان الزوج كما تدل عليه الآية، وهل يثبت بغيره؟ البينة، إذا أتى بالبينة، وهذا مفهوم من الآية السابقة: ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ [النور ٤]، ويثبت بأمر ثالث، وهو؟
* الطلبة: الإقرار.
* الشيخ: إقرار المرأة إذا أقرت، إذا أنكرت المرأة وقالت: أبدًا، هو كاذب، حينئذ نقول: لاعن، أجيبيه على شهاداته، فإذا أجابته على شهاداته سقط عنها العذاب، وإن لم تُجب أقيم عليها الحد.
* في هذا أيضًا دليل على الحكمة في اللعان، حيث خص الرجل باللعنة، بالدعاء على نفسه باللعنة، والمرأة في الدعاء على نفسها بالغضب، وهذا سبقت الإشارة إليه، يبين لنا ذلك؟
* طالب: (...) فيه إبعاد لها عن العفة.
* الشيخ: أي نعم؛ يعني كون الزوج يلعن نفسه إن كذب؛ لأن في إتهامه إياها بالزنا إبعادًا لها عن العفة.
* الطالب: وعن نفسه.
* الشيخ: وعن نفسه وأولاده، فناسب أنه يدعو على نفسه باللعن الذي هو الطرد والإبعاد، وبالنسبة لها؟
* الطالب: بالنسبة لها أن غضب الله عليها لما علمت الحق وأنكرته، فناسب أن..
* الشيخ: لأنه إذا كان كاذبًا، إذا كان مش صادق
* طالب: إذا كان صادقًا فهي قد علمت..
* الشيخ: فقد علمت الحق وأنكرته، وهذا شأنه الغضب، أو عقوبته الغضب، كل من علم الحق ورده فإنه يعاقب بالغضب، هذه واحدة، والثاني؟
* طالب: أن الزوج مظنة دعواه الصدق؛ لأنه هو يلحقه العار باتهامها بالزنا، فلما كان قضيتها الصدق، صار نصيبه أقل باللعنة، صار نصيبه أقل من الغضب، فهذا..
* الشيخ: وهي أقرب إلى الكذب؛ لأنها تريد أن تدفع عن نفسها وعن أهلها العار؛ فلذلك خصت بالغضب، واضح؟
إذن يؤخذ من هذا الحكمة في المغايرة بين الزوج والزوجة فيما يدعو أحدهما به على نفسه، فالمرأة في الغضب والزوج في اللعنة، ما رأيكم لو أنه عكس، وقال: الزوج غضب الله عليه، والزوجة لعنة الله عليها، يصح ولّا ما يصح؟
* طلبة: ما يصح.
* الشيخ: لا يصح، حتى قال العلماء: لو أبدل الغضب بالسخط، (...) هي الغضب بالسخط، أو أبدل اللعنة بالطرد والإبعاد عن رحمة الله، فإنه لا يصح اتِّباعًا للفظ، وهذا في الحقيقة محل نظر؛ لأنه -خصوصًا الطرد والإبعاد- السخط قد يكون بينه وبين الغضب فرق، لكن الطرد والإبعاد عن رحمة الله هو معنى اللعن، إلا أنه مع ذلك نقول: لا ينبغي العدول عما جاء به القرآن، أنه يقول للزوج: قل: لعنة الله عليه، وللزوجة: غضب الله عليها.
هل يشترط أن يقول: فيما رميتها به من الزنا، وتقول هي: فيما رماني به من الزنا، أو لا يشترط؟
* طالب: ظاهر القرآن لا يشترط.
* الشيخ: ظاهر القرآن لا يشترط، وكذلك ظاهر السنة، حينما لاعن النبي ﷺ بين هلال بن أمية وزوجته ما قال: لمن الصادقين فيما رميتها به، ولا قالت هي: لمن الكاذبين فيما رماني به، ولهذا الصحيح أن هذا ليس بشرط.
فإذا قيل أليس من الجائز أن يتأول ﴿لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ في قضية أخرى؟
* طلبة: بلى.
* الشيخ: الجواب: بلى، من الجائز، لا شك أنه من الجائز أن يتأول، ويقول: لمن الصادقين؛ أي: في أمر آخر، لكن هذا التأويل ينفعه ولّا لا؟
* طلبة: ما ينفعه.
* الشيخ: لا ينفعه؛ لأن تأويل الظالم لا ينفعه، فإن يمينه على ما يصدقه به صاحبه، وعلى ما يقتضيه المقام، ولكن لو ذكر: فيما رميتها به من الزنا، وقالت هي: فيما رماني به من الزنا، لكان هذا أبين وأوضح، إلا أنه ليس بواجب.
* طالب: غير الظالم يا شيخ.
* الشيخ: غير الظالم ذكرنا أن المظلوم ينفعه قولًا واحدًا، ومن ليس بظالم ولا مظلوم محل خلاف بين العلماء، والأولى ألا يتأول؛ لأنه يؤدي إلى تهمته إذا تبين الأمر على خلاف ما أظهر، تبين تهمته، وأدى إلى أنه ما يوثق في كلامه، وكلما قال شيئًا خافوا من تأوله مثل ذات المرة، أما إذا صار مظلومًا فهذا ضرورة أنه يتأول.
* وفيه أيضًا: بيان فضل الله ورحمته على عباده بالشرع والقدر؛ لقوله: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾، فإن هذا يتعلق بالشرع وبالقدر، أما بالشرع فهو لولا أن الله تفضل علينا ورحمنا وشرع للأزواج ما شرع من اللعان لكان الزوج يقع في حرج عظيم؛ لأنه إن تكلم، وأيش اللي يُعمل به؟
* طالب: يقام عليه الحد.
* الشيخ: يقام عليه حد القذف، وإن سكتَ سكتَ على أمر عظيم، لكن من رحمة الله أن الله شرع اللعان، وهذا فضل ورحمة في الشرع.
كذلك في القدر، بالنسبة لقضية المتلاعنين، وهو ما أشار إليه المؤلف، أنه لولا أن الله سبحانه وتعالى يحب الستر لفضح المرأة، وأظهر آية تدل على صدق الزوج، أو بالعكس، إذا كان الزوج كاذبًا، لكن من رحمة الله أن الله سبحانه وتعالى يستر على عباده في الدنيا مثل هذه الأمور، ثم يجازيهم عليها في الآخرة.
في هذه الآية ما ذُكر حكم قذف الرجل لو عينه الزوج، لو قال: زنا بها فلان، فهل يُحد لقذف فلان؛ لأنه ليس زوجه طبعا؟
* طالب: تعين؟
* الشيخ: عَيَّن إيه؟ أو نقول: لأن الزنا هنا واحد، والله تعالى جعل شهادات الزوج بمنزلة إقامة البينة، لكن بالنسبة للزوجة لا بالنسبة لمن قذفها به، فيصير من قذفها به يسلم من الحد، ولا يصير له حق في إقامة حد القذف على الزوج، أو نقول هذا القذف يوجب اللعان بالنسبة للزوجة ويوجب الحد بالنسبة للأجنبي؟
* طالب: إن عَيَّن شخصًا..
* الشيخ: عَيَّن إيه؟ قال: فلان بن فلان، قال: هذه المرأة زنا بها فلان.
* طالب: لازم أربع شهادات، أربعة رجال.
* الشيخ: صحيح، ما خاف الأجنبي، ما حُد للزنا إذا لاعن الزوج، ما حددنا الأجنبي للزنا، لكن هل يُحَد الزوج لقذف الرجل ولّا ما يحد هذا السؤال؟
* طالب: لا يحد.
* طالب آخر: قد تكون للبينة، الخروج للبينة، إذا أراد أن يأتي بالبينة.
* الشيخ: لا، لا، على كل حال الحديث أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك ابن سحماء، فعَيَّن الرجل الذي زنا بها، ولم يحده النبي ﷺ حد القذف، ولهذا الصحيح من أقوال أهل العلم أنه لا يُحد بقذف الرجل ولو عيّنه، لكن لا ينبغي مثل هذا؛ أن يقذفها بشخص معين لأجل ألا يدنس عرضه؛ لأن المسألة ما هي بثابتة بالشهود، فالأولى أن يقول: إنها زنت، ولا يُعَيِّن، لكن لو عَيَّن فإن السنة تدل على أنه لا يُحد للرجل، السبب في ذلك هو ما أشار إليه محمد إسماعيل، ما أدري عن قصد ولّا عن غير قصد، أو رمية من غير رامٍ، هو أن الأصل هنا والمقصود قذف الرجل الأجنبي ولّا الزوجة؟
* طلبة: الزوجة.
* الشيخ: الزوجة، وهو ما عَيَّن الرجل إلا لزيادة إثبات قذف الزوجة؛ يعني هو ما قال: فلان زنا بامرأتي، وأراد أنه يدنس الرجل هذا، هو في الحقيقة المسألة للتخلص منها مثلًا، فلهذا -هذا والله أعلم- الحكمة في أنه لم يُحد، لكن من راعى المعنى قال الآية السابقة تدل على أن الرمي بالزنا يوجب الحد، وهذه الآية تدل على أن رمي المرأة بالزنا يوجب اللعان، فتبقى الآية هناك بالنسبة للأجنبي على عمومها، وهذه بالنسبة للزوجة على خصوصها، لكن السنة الحقيقة هي الفاصلة، «والنبي ﷺ ما حد الرجل الذي قذف امرأته بشريك ابن سحماء»[[أخرجه مسلم (١٤٩٦ / ١١) من حديث أنس.]].
{"ayahs_start":4,"ayahs":["وَٱلَّذِینَ یَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ثُمَّ لَمۡ یَأۡتُوا۟ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَاۤءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَـٰنِینَ جَلۡدَةࣰ وَلَا تَقۡبَلُوا۟ لَهُمۡ شَهَـٰدَةً أَبَدࣰاۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ","إِلَّا ٱلَّذِینَ تَابُوا۟ مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَ وَأَصۡلَحُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ","وَٱلَّذِینَ یَرۡمُونَ أَزۡوَ ٰجَهُمۡ وَلَمۡ یَكُن لَّهُمۡ شُهَدَاۤءُ إِلَّاۤ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَـٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَـٰدَ ٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ","وَٱلۡخَـٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَـٰذِبِینَ","وَیَدۡرَؤُا۟ عَنۡهَا ٱلۡعَذَابَ أَن تَشۡهَدَ أَرۡبَعَ شَهَـٰدَ ٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡكَـٰذِبِینَ","وَٱلۡخَـٰمِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَیۡهَاۤ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ","وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِیمٌ"],"ayah":"وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق