الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿والَّذِينَ يَرْمُونَ أزْواجَهم ولَمْ يَكُنْ لَهم شُهَداءُ إلا أنْفُسُهم فَشَهادَةُ أحَدِهِمْ أرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إنَّهُ لَمِنَ الصادِقِينَ﴾ ﴿والخامِسَةُ أنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إنْ كانَ مِنَ الكاذِبِينَ﴾ ﴿وَيَدْرَأُ عنها العَذابَ أنْ تَشْهَدَ أرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إنَّهُ لَمِنَ الكاذِبِينَ﴾ ﴿والخامِسَةَ أنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إنْ كانَ مِنَ الصادِقِينَ﴾ ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ وأنَّ اللهِ تَوّابٌ حَكِيمٌ﴾
لِما نَزَلَتِ الآيَةُ المُتَقَدِّمَةُ في الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ تَناوَلَ ظاهِرُها الأزْواجَ وغَيْرَها، فَقالَ سَعْدُ بْنُ عِبادَةَ: يا رَسُولَ اللهِ إنْ وجَدْتُ مَعَ امْرَأتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حَتّى آتِيَ بِأرْبَعَةٍ؟ واللهِ لَأضْرِبَنَّهُ بِالسَيْفِ غَيْرَ مُصَفَّحٍ عنهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أتَعْجَبُونَ مِن غَيْرَةِ سَعْدٍ ؟ لَأنا أغْيَرُ مِنهُ واللهُ أُغْيَرُ مِنِّي»، وفي ألْفاظِ سَعْدٍ رِواياتٌ مُخْتَلِفَةٌ، هَذا (p-٣٤٤)نَحْوَ مَعْناها، ثُمْ جاءَ بَعْدَ ذَلِكَ هِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ الواقِفِيُّ فَرَمى زَوْجَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ السَحْماءِ البَلَوِيِّ، فَعَزَمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلى ضَرْبِهِ حَدَّ القَذْفِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، عِنْدَ ذَلِكَ فَجَمَعَهُما رَسُولُ اللهِ ﷺ في المَسْجِدِ، وتَلاعَنا فَتَلَكَّأتِ المَرْأةُ عِنْدَ الخامِسَةِ لَمّا وُعِظَتْ وقِيلَ: إنَّها مُوجِبَةٌ، فَقالَتْ: لا أفْضَحُ قَوْمِي سائِرَ اليَوْمِ ولَجَّتْ، وفَرَّقَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَيْنَهُما، ووَلَدَتْ غُلامًا كَأنَّهُ جَمَلٌ أورَقُ، ثُمْ كانَ -بَعْدَ ذَلِكَ- الغُلامُ أمِيرًا بِمِصْرَ وهو لا يَعْرِفُ لِنَفْسِهِ أبًا. وجاءَ أيْضًا عُوَيْمِرٌ العَجْلانِيُّ فَرَمى امْرَأتَهُ ولاعَنَ، والمَشْهُورُ أنَّ نازِلَةَ هِلالٍ قَبْلُ وأنَّها سَبَبُ الآيَةِ، وقِيلَ: نازِلَةُ عُوَيْمِرٍ قَبْلُ، وهو الَّذِي وسَّطَ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ عاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ.
و"الأزْواجُ" في هَذا الحَكَمِ يَعُمُ المُسْلِماتِ والكافِراتِ والإماءَ، فَكُلَّهُنَّ يُلاعِنُهُنَّ الزَوْجُ لِلِانْتِفاءِ مِنَ الحَمْلِ، وتَخْتَصُّ الحُرَّةُ بِدَفْعِ حَدِّ القَذْفِ عن نَفْسِها.
(p-٣٤٥)وَقَرَأ الجُمْهُورُ: "أرْبَعَ شَهاداتٍ" بِالنَصْبِ، وهو كانْتِصابِ المَصْدَرِ، والعامِلُ في ذَلِكَ قَوْلُهُ: "فَشَهادَةُ"، ورَفْعُ "الشَهادَةِ" عَلى خَبَرِ ابْتِداءٍ تَقْدِيرُهُ: فالحَكَمُ أو فالواجِبُ، أو عَلى الِابْتِداءِ بِتَقْدِيرِ: فَعَلَيْهِمْ أنْ يَشْهَدُوا، أو بِتَقْدِيرِ حَذْفِ الخَبَرِ وتَقْدِيرِهِ في آخِرِ الآيَةِ: كافِيَةٌ أو واجِبَةٌ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "بِاللهِ" مِن صِلَةِ "شَهاداتٍ"، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن صِلَةِ "فَشَهادَةُ".
وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ عن عاصِمْ: "أرْبَعُ شَهاداتٍ" بِالرَفْعِ، وذَلِكَ عَلى خَبَرِ قَوْلِهِ تَعالى: "فَشَهادَةُ"، قالَ أبُو حاتِمْ: لا وجْهَ لِلرَّفْعِ لَأنَّ الشَهادَةَ لَيْسَتْ بِأرْبَعِ شَهاداتٍ، و"بِاللهِ" -عَلى هَذِهِ القِراءَةِ- مِن صِلَةِ "شَهاداتٍ"، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن صِلَةِ "فَشَهادَةُ" لَأنَّكَ كُنْتَ تَفْصِلُ بَيْنَ الصِلَةِ والمَوْصُولِ بِالخَبَرِ الَّذِي هو " أرْبَعَ شَهاداتٍ ".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهُ لَمِنَ الصادِقِينَ﴾ في قَوْلِ مَن نَصَبَ ﴿أرْبَعُ شَهاداتٍ﴾ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مِن صِلَةِ "شَهادَةُ"، وهي جُمْلَةٌ في مَوْضِعِ نَصْبٍ لَأنَّ "الشَهادَةَ" أوقَعَتْها مَوْقِعَ المَفْعُولِ بِهِ، ومِن رَفَعَ ﴿أرْبَعُ شَهاداتٍ﴾ فَقَوْلُهُ: ﴿إنَّهُ لَمِنَ الصادِقِينَ﴾ مِن صِلَةِ "شَهاداتٍ" لِعِلَّةِ الفَصْلِ المُتَقَدِّمَةِ في قَوْلِهِ: "بِاللهِ".
وقَرَأ حَفْصٌ عن عاصِمْ: "والخامِسَةَ" بِالنَصْبِ في الثانِيَةِ، وقَرَأها بِالنَصْبِ فِيهِما طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، وأبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ، والحَسَنُ، والأعْمَشُ، وقَرَأ الجُمْهُورُ فِيهِما: "والخامِسَةُ" بِالرَفْعِ، فَأمّا مَن نَصَبَ فَإنْ كانَ مِن قِراءَتِهِ نَصْبُ قَوْلِهِ تَعالى: "أرْبَعَ شُهُداتٍ" فَإنَّهُ عَطَفَ "الخامِسَةَ" عَلى ذَلِكَ لَأنَّها مِنَ الشَهاداتِ، وإنْ كانَ يَقْرَأُ: "أرْبَعُ شَهاداتٍ" بِالرَفْعِ فَإنَّهُ جَعَلَ نَصْبَ قَوْلِهِ: "والخامِسَةَ" عَلى فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مُتَقَدِّمُ الكَلامِ، تَقْدِيرُهُ: وتَشْهَدُ الخامِسَةَ، وأمّا مِن رَفَعَ قَوْلَهُ: "والخامِسَةَ" فَإنْ كانَ يَقْرَأُ: "أرْبَعُ شَهاداتٍ" بِالرَفْعِ فَقَوْلُهُ: "والخامِسَةُ" عَطْفٌ عَلى ذَلِكَ، وإنْ كانَ يَقْرَأُ "أرْبَعَ شَهاداتٍ" بِالنَصْبِ فَإنَّهُ حَمَلَ قَوْلَهُ: "والخامِسَةُ" عَلى المَعْنى؛ لَأنَّ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فَشَهادَةُ أحَدِهِمْ أرْبَعُ شَهاداتٍ﴾: عَلَيْهِمْ أرْبَعُ شَهاداتٍ والخامِسَةُ، واسْتَشْهَدَ أبُو عَلِيٍّ لِهَذا بِحَمْلِ الشاعِرِ:
؎ ومُشَجَّجٌ أمّا سَواءُ.....البَيْتُ............................
(p-٣٤٦)عَلى قَوْلِهِ:
؎ .................... ∗∗∗ إلّا رَواكِدَ جَمْرِهِنَّ هَباءٌ
لَأنَّ المَعْنى: ثُمْ رَواكِدَ. ولا خِلافَ في السَبْعِ في رَفْعِ قَوْلِهِ تَعالى: "والخامِسَةُ" في الأُولى، وإنَّما خِلافُ السَبْعِ في الثانِيَةِ فَقَطْ، فَنَصْبُهُ حَمْلٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿أنْ تَشْهَدَ أرْبَعَ﴾، "والخامِسَةَ" عَلى القَطْعِ والحَمْلِ عَلى المَعْنى.
(p-٣٤٧)وَقَرَأ نافِعٌ: "أنْ لَعْنَةُ اللهِ"، و"أنْ غَضِبَ اللهُ"، وقَرَأ الأعْرَجُ، والحَسَنُ، وقَتادَةُ، وأبُو رَجاءٍ، وعِيسى: "أنْ لَعْنَةُ اللهِ"، و"أنْ غَضَبَ اللهِ"، وهَذا عَلى إضْمارِ الأمْرِ، وهي المُخَفَّفَةُ كَما هي في قَوْلِ الشاعِرِ:
؎ في فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا ∗∗∗ أنْ هالِكٌ كُلُّ مَن يَحْفى ويَنْتَعِلُ
وقَرَأ باقِي السَبْعَةِ: "أنَّ لَعْنَةَ اللهِ" و"أنَّ غَضَبَ اللهِ" بِتَشْدِيدِ النُونِ فِيهِما ونَصْبِ اللَعْنَةِ والغَضَبِ، ورَجَّحَ الأخْفَشُ القِراءَةَ بِتَثْقِيلِ النُونِ لَأنَّ الخَفِيفَةَ إنَّما يُرادُ بِها التَثْقِيلُ ويُضْمَرُ مَعَها الأمْرُ والشَأْنُ، وما لا يَحْتاجُ مَعَهُ إلى إضْمارٍ أُولى.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
لا سِيَّما وأنَّ الخَفِيفَةَ -عَلى قِراءَةِ نافِعٍ - في قَوْلِهِ تَعالى: "أنْ غَضَبَ اللهِ" قَدْ ولِيَها (p-٣٤٨)الفِعْلُ، قالَ أبُو عَلِيٍّ: وأهْلُ العَرَبِيَّةِ يَسْتَقْبِحُونَ أنْ يَلِيَها الفِعْلُ إلّا أنْ يَفْصِلَ بَيْنَها وبَيْنَهُ بِشَيْءٍ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿عَلِمَ أنْ سَيَكُونُ﴾ [المزمل: ٢٠]، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفَلا يَرَوْنَ ألا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ قَوْلا﴾ [طه: ٨٩]، وأمّا قَوْلُهُ: ﴿وَأنْ لَيْسَ لِلإنْسانِ إلا ما سَعى﴾ [النجم: ٣٩] فَذَلِكَ لِقِلَّةِ تَمَكِّنِ "لَيْسَ" في الأفْعالِ، وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْ بُورِكَ مَن في النارِ﴾ [النمل: ٨] فَـ "بُورِكَ" عَلى مَعْنى الدُعاءِ فَلَمْ يُجُزْ دُخُولُ الفاصِلِ لِئَلّا يُفْسِدَ المَعْنى.
و"العَذابُ المُدْرَأُ" في قَوْلِ العُلَماءِ: الحَدُّ، وحَكى الطَبَرِيُّ عن آخَرِينَ أنَّهُ الحَبْسُ، وهَذا قَوْلُ أصْحابِ الرَأْيِ، وأنَّهُ لا حَدَّ عَلَيْها إنْ لَمْ تُلاعِنَ، ولَيْسَ يُوجِبُهُ عَلَيْها قَوْلُ الزَوْجِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وظاهِرُ الحَدِيثِ الوَقْفَةُ في الخامِسَةِ حِينَ تَلَكَّأتْ ثُمْ مَرَّتْ في لِعانِها أنَّها كانَتْ تَحُدُّ لِقَوْلِ النَبِيِّ ﷺ لَها: «فَعَذابُ الدُنْيا أيْسَرُ مِن عَذابِ الآخِرَةِ».
وجُعِلَتِ اللَعْنَةُ لِلرَّجُلِ الكاذِبِ لَأنَّهُ مُفْتَرٍ مُباهِتٌ بِالقَوْلِ فَأُبْعِدَ بِاللَعْنَةِ، وجُعِلَ الغَضَبُ الَّذِي هو أشَدُّ عَلى المَرْأةِ الَّتِي باشَرَتِ المَعْصِيَةَ بِالفِعْلِ ثُمْ كَذَّبَتْ وباهَتَتْ بِالقَوْلِ، فَهَذا مَعْنى هَذِهِ الألْفاظِ، واللهِ أعْلَمُ.
ولا بُدَّ أنْ نَذْكُرَ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ ما يَتَعَلَّقُ بِها مِن مَسائِلَ اللِعانِ إذْ لا يُسْتَغْنى عنها في مَعْرِفَةِ حُكْمِهِ وحَيْثُ يَجِبُ، أجْمَعَ مالِكٌ وأصْحابُهُ عَلى وُجُوبِ اللِعانِ بِادِّعاءِ رُؤْيَةِ زِنًى لا وطْءَ مِنَ الزَوْجِ، وكَذَلِكَ مَشْهُورُ المَذْهَبِ، وقَوْلُ مالِكٍ إنَّ اللِعانَ (p-٣٤٩)يَجِبُ بِنَفْيِ حَمْلٍ يُدَّعى قَبْلَهُ اسْتِبْراءٌ، وحَكى اللَخْمِيُّ عن مالِكٍ أنَّهُ قالَ مَرَّةً: لا يُنْفى الوَلَدُ بِالِاسْتِبْراءِ لَأنَّ الحَيْضَ يَأْتِي عَلى الحَمْلِ، وقالَهُ أشْهَبُ في كِتابِ ابْنِ المَوّازِ، وقالَهُ المُغِيرَةُ، وقالَ: لا يُنْفى الوَلَدُ إلّا بِخَمْسِ سِنِينَ.
واخْتَلَفَ المَذْهَبُ في أنْ يَقْذِفَ الرَجُلُ أو يَنْفِيَ حَمْلًا ولا يُعَلِّلُ ذَلِكَ لا بِرُؤْيَةٍ ولا بِاسْتِبْراءٍ، فَجُلُّ رُواةِ مالِكٍ عَلى أنَّ ذَلِكَ لا يُوجِبُ لِعانًا، بَلْ يَحُدُّ الزَوْجُ، قالَهُ ابْنُ القاسِمْ، ورُوِيَ عنهُ أيْضًا أنَّهُ قالَ: يُلاعِنُ ولا يُسْألُ عن شَيْءٍ.
واخْتُلِفَ -بَعْدَ هَذا القَوْلِ بِاللِعانِ بِالِاسْتِبْراءِ- في قَدْرِ الِاسْتِبْراءِ، فَقالَ مالِكٌ، والمُغِيرَةُ -فِي أحَدِ قَوْلَيْهِ-: يَجْزِي في ذَلِكَ حَيْضَةٌ، وقالَ أيْضًا مالِكٌ: لا يَنْفِيهِ إلّا ثَلاثُ حِيَضٍ.
وأمّا مَوْضِعُ اللِعانِ فَفي المَسْجِدِ وعِنْدَ الحاكِمْ، والمُسْتَحَبُّ أنْ يَكُونَ في المَسْجِدِ بِحَضْرَةِ الحاكِمْ، وكَذَلِكَ يَسْتَحِبُّ [أنْ يَكُونَ] بَعْدَ العَصْرِ تَغْلِيظًا بِالوَقْتِ، وكُلُّ وقْتٍ مُجْزٍ.
ومِن قَذَفَ امْرَأتَهَ وهي كَبِيرَةٌ لا تَحْمِلُ تَلاعَنا، هو لِرَفْعِ الحَدِّ، وهي لِدَرْءِ العَذابِ، وإنْ كانَتْ صَغِيرَةً لا تَحْمِلُ لاعَنَ هو لِدَفْعِ الحَدِّ، ولَمْ تَلاعِنْ هي لَأنَّها لَوْ أقَرَّتْ لَمْ يَلْزَمْها شَيْءٌ، وقالَ ابْنُ الماجَشُونِ: لا حَدَّ عَلى قاذِفِ مَن لَمْ يَبْلُغْ، قالَ اللَخْمِيُّ: فَعَلى هَذا لا لِعانَ عَلى زَوْجِ الصَغِيرَةِ الَّتِي لا تَحْمِلُ.
والمُسْتَحَبُّ مِن ألْفاظِ اللِعانِ أنْ يَمْشِيَ مَعَ تَرْتِيبِ القُرْآنِ ولَفْظِهِ، فَيَقُولُ الزَوْجُ: (p-٣٥٠)أشْهَدُ بِاللهِ لَرَأيْتُ هَذِهِ المَرْأةَ تَزْنِي، وإنِّي في ذَلِكَ لِمَنِ الصادِقِينَ، ثُمْ يَقُولُ في الخامِسَةِ: لَعْنَةُ اللهِ عَلَيَّ إنْ كُنْتُ مِنَ الكاذِبِينَ، وقالَ أصْبَغُ: لا بُدَّ أنْ يَقُولَ: "كالمِرْوَدِ في المُكْحُلَةِ"، وقِيلَ: لا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وكَذَلِكَ يَقُولُ أشْهَبُ: لا بُدَّ أنْ يَقُولَ: بِاللهِ الَّذِي لا إلَهَ إلّا هُوَ، وأمّا في لِعانِ نَفْيِ الحَمْلِ فَقِيلَ: يَقُولُ الرَجُلُ ما هَذا الوَلَدُ مِنِّي ولَزَنَتْ، وقالَ ابْنُ القاسِمْ في المُوازَنَةِ: لا يَقُولُ "وَزَنَتْ" مِن حَيْثُ يُمْكِنُ أنْ تَغْضَبَ، ثُمْ تَقُولُ: غَضَبُ اللهِ عَلَيَّ إنْ كانَ مِنَ الصادِقِينَ، فَإنْ مَنَعَ جَهْلُهُما مِن تَرْتِيبِ هَذِهِ الألْفاظِ وأتَيا بِما في مَعْناها أجْزَأ ذَلِكَ.
وحَكى اللَخْمِيُّ عن مُحَمَّدِ بْنِ أبِي صُفْرَةَ أنَّهُ قالَ: اللِعانُ لا يَرْفَعُ العِصْمَةَ لِقَوْلِ عُوَيْمِرٍ: كَذَبْتُ عَلَيْها يا رَسُولَ اللهِ إنْ أمْسَكْتُها، قالَ: "فَأُحْدِثُ طَلاقًا"، ومَشْهُورُ المَذْهَبِ أنَّ نَفْسَ تَمامِ اللِعِانِ بَيْنَهُما فُرْقَةٌ، ولا يَحْتاجُ مَعَها إلى تَفْرِيقِ حاكِمْ، وابْنُ أبِي صُفْرَةَ هَذا لَيْسَ بِعَدَدٍ يُزاحَمُ بِهِ الجُمْهُورُ. ومَذْهَبُ الشافِعِيِّ أنَّ الفِرْقَةَ حاصِلَةٌ إثْرَ لِعانِ الزَوْجِ وحْدَهُ، وقالَ أبُو حَنِيفَةَ وأصْحابُهُ: لا تَفْرِيقَ إلّا بِحُكْمِ السُلْطانِ بَعْدَ تَمامِ لِعانَهُما، فَإنْ ماتَ أحَدُهُما بَعْدَ تَمامِ لِعانَهُما وقَبْلَ حُكْمِ القاضِي ورِثَهُ الآخَرُ، ومَذْهَبُ "المُدَوَّنَةِ" أنَّ اللِعانَ حُكْمُ تَفْرِيقِهِ حُكْمُ الطَلاقِ، ويُعْطى لِغَيْرِ المَدْخُولِ بِها نَفْسُ الصَداقِ، وفي مُخْتَصَرِ ابْنِ الجَلّابِ: لا شَيْءَ لَها، وهَذا عَلى أنَّ تَفْرِيقَ اللِعانِ فَسَخٌ، وقالَ ابْنُ القِصارِ: تَفْرِيقُ اللِعانِ عِنْدَنا فَسْخٌ.
وتَحْرِيمُ اللِعانِ أبَدِيٌّ بِإجْماعٍ فِيما أحْفَظُ مِن مَذْهَبِ مالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ، ومِن فُقَهاءِ الكُوفَةِ وغَيْرِهِمْ مَن لا يَراهُ مُتَأبِّدًا، وإنْ أكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِعانِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ، ورُوِيَ عن عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أبِي سَلَمَةَ أنَّهُ إنْ أكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِعانِ كانَ خاطِبًا مِنَ الخُطّابِ. وإنْ تَقَدَّمَتِ المَرْأةُ في اللِعانِ فَقالَ ابْنُ القاسِمْ: لا تُعِيدُ، وقالَ أشْهَبُ: تُعِيدُ.
والجَوابُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ﴾ الآيَةُ. مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: (p-٣٥١)لِكَشَفَ الزُناةَ بِأيْسَرَ مِن هَذا، أو لَأخَذَهم بِعِقابٍ مِن عِنْدِهِ، أو نَحْوَ هَذا مِنَ المَعانِي الَّتِي أوجَبَ تَقْدِيرُها إبْهامُ الجَوابِ.
{"ayahs_start":6,"ayahs":["وَٱلَّذِینَ یَرۡمُونَ أَزۡوَ ٰجَهُمۡ وَلَمۡ یَكُن لَّهُمۡ شُهَدَاۤءُ إِلَّاۤ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَـٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَـٰدَ ٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ","وَٱلۡخَـٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَـٰذِبِینَ","وَیَدۡرَؤُا۟ عَنۡهَا ٱلۡعَذَابَ أَن تَشۡهَدَ أَرۡبَعَ شَهَـٰدَ ٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡكَـٰذِبِینَ","وَٱلۡخَـٰمِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَیۡهَاۤ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ","وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِیمٌ"],"ayah":"وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق