الباحث القرآني

﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ وأنَّ اللَّهِ تَوّابٌ حَكِيمٌ﴾ التِفاتٌ إلى خِطابِ الرّامِينَ والمَرْمِيّاتِ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ لِتَوْفِيَةِ مَقامِ الِامْتِنانِ حَقَّهُ، وجَوابُ "لَوْلا" مَحْذُوفٌ لِتَهْوِيلِهِ والإشْعارِ بِضِيقِ العِبارَةِ عَنْ حَصْرِهِ، كَأنَّهُ قِيلَ: ولَوْلا تَفَضُّلُهُ تَعالى عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ وأنَّهُ تَعالى مُبالَغٌ في قَبُولِ التَّوْبَةِ حَكِيمٌ في جَمِيعِ أفْعالِهِ وأحْكامِهِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها ما شَرَعَ لَكم مِن حُكْمِ اللِّعانِ لَكانَ ما كانَ مِمّا لا يُحِيطُ بِهِ نِطاقُ البَيانِ، ومِن جُمْلَتِهِ أنَّهُ تَعالى لَوْ لَمْ يَشْرَعْ لَهم ذَلِكَ لَوَجَبَ عَلى الزَّوْجِ حَدُّ القَذْفِ مَعَ أنَّ الظّاهِرَ صِدْقُهُ لِأنَّهُ أعْرَفُ بِحالِ زَوْجَتِهِ وأنَّهُ لا يَفْتَرِي عَلَيْها لِاشْتِراكِهِما في الفَضاحَةِ، وبَعْدَ ما شَرَعَ لَهم ذَلِكَ لَوْ جَعَلَ (p-160)شَهاداتِهِ مُوجِبَةً لِحَدِّ الزِّنا عَلَيْها لَفاتَ النَّظَرُ لَها، ولَوْ جَعَلَ شَهاداتِها مُوجِبَةً لِحَدِّ القَذْفِ عَلَيْهِ لَفاتَ النَّظَرُ لَهُ، ولا رَيْبَ في خُرُوجِ الكُلِّ عَنْ سُنَنِ الحِكْمَةِ والفَضْلِ والرَّحْمَةِ فَجَعَلَ شَهاداتٍ كُلٍّ مِنهُما مَعَ الجَزْمِ بِكَذِبِ أحَدِهِما حَتْمًا دارِئَةً لِما تَوَجَّهَ إلَيْهِ مِنَ الغائِلَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وقَدِ ابْتُلِيَ الكاذِبُ مِنهُما في تَضاعِيفَ شَهاداتِهِ مِنَ العَذابِ بِما هو أتَمُّ مِمّا دَرَأتْهُ عَنْهُ وأطَمُّ، وفي ذَلِكَ مِن أحْكامِ الحِكَمِ البالِغَةِ وآثارِ التَّفَضُّلِ والرَّحْمَةِ ما لا يَخْفى، أمّا عَلى الصّادِقِ فَظاهِرٌ، وأمّا عَلى الكاذِبِ فَهو إمْهالُهُ والسَّتْرُ عَلَيْهِ في الدُّنْيا ودَرْءُ الحَدِّ عَنْهُ وتَعْرِيضُهُ لِلتَّوْبَةِ حَسَبَما يُنْبِئُ عَنْهُ التَّعَرُّضُ لِعُنْوانِ تَوّابِيَّتِهِ، سُبْحانَهُ ما أعْظَمَ شَأْنَهُ وأوْسَعَ رَحْمَتَهُ وأدَقَّ حِكْمَتَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب