لما ذكر الله سبحانه وتعالى ما عاقب به بني إسرائيل من ضرب الذلة والمسكنة والغضب، بيّن سبحانه وتعالى أنه لا يظلم أحدًا، وأن المؤمنين من بني إسرائيل وغيرهم كلهم لهم أجرهم عند الله؛ فهذه مناسبة الآية لما قبلها أنه لما قال: ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ﴾ [البقرة ٦١] بيّن أن من آمن منهم وعمل صالحًا فإن الله لا يضيع أجرهم فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [البقرة ٦٢].
قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، ثم قال: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ هل الإيمان الثاني هو الأول وأنه كان بالأول مطلقًا ثم بُيِّن بقوله: ﴿بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾، أو أن الأول يراد به الإيمان المقيد؛ يعني ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ عام بما يجب الإيمان به ويكون قوله: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ قيدًا في قوله: ﴿وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ﴾ وعلى هذا فلا يكون فيه تكرار؟
فيه خلاف بين المفسرين، منهم من قال: إن قوله: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ هو معنى قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، ولكن الصحيح أن الله تعالى ذكر خمسة أصناف: الذين آمنوا، والذين هادوا، والنصارى، والصابئين، أربعة.
﴿مَنْ آمَنَ﴾ هذا عائد على قوله: ﴿الَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ﴾، ويكون المراد بالذين آمنوا أمة محمد ﷺ، ويكون المراد بالذين هادوا اليهود أتباع موسى، والنصارى أتباع عيسى.
والصابئين اختلف فيهم على عدة أقوال: فمنهم من يقول: إن الصابئين فرقة من النصارى، ومنهم من يقول: إنهم فرقة من اليهود، ومنهم من يقول: إنهم فرقة من المجوس، ومنهم من يقول: إنهم أمة مستقلة تدين بدين خاص بها، ومنهم من يقول: إنهم من لا دين لهم من كانوا على الفطرة ما يتدينون بدين، ولكنهم إذا آمنوا بالله واليوم الآخر صار لهم هذا الأمر، وهذا هو الأقرب؛ ولهذا سمت قريش النبي ﷺ الصابئ؛ لأنه خرج عن دين قومه، فالصابئون ليسوا فرقة من اليهود والنصارى، بل هم أمة مستقلة؛ وذلك لأن الأصل في العطف التغاير جنسًا ونوعًا.
ثم نقول: إن الصابئ معناها الخارج عن الدين، في اللغة العربية، فهؤلاء قوم لا يدينون بدين، على فطرتهم، هؤلاء إذا أرسلت إليهم الرسل فآمنوا بالله واليوم الآخر يؤجرون، أو لا أجر لهم لأنهم كانوا صابئين؟ يؤجرون؛ ولهذا أن نقول: اليهود لا يذمون لأنهم يهود، والنصارى لا يذم لأنه نصراني، لكن إذا آمنوا فلهم أجرهم، ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾، فيقول لك الله: أربعة أصناف: المؤمنين، واليهود، والنصارى، والصابئين، هؤلاء من آمن منهم بالله واليوم الآخر -يعني: الأصناف الثلاثة التي غير المؤمنين- من آمن بالله واليوم الآخر فإن الله لا يضيع أجرهم.
﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ ﴿أَجْرُهُمْ﴾ أي: ثوابهم، وسمى الله تعالى الثواب أجرًا؛ لأنه سبحانه وتعالى التزم على نفسه أن يجزي به، كالتزام المستأجر بدفع الأجرة لمن؟
* الطلبة: للأجير.
* الشيخ: للأجير.
* طالب: عندما قلنا ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ من أمة محمد ﷺ، فإذا جعلناها من أمة محمد، كيف نقول عندما ختم الله عز وجل ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾؟
* الشيخ: إيه، بس ﴿مَنْ آمَنَ﴾ هذه خاصة بـ﴿الَّذِينَ هَادُوا﴾.
* الطالب: يعني: بالثلاثة أصناف، ما هم بالأربعة؟
* الشيخ: لا، ما هم بالأربعة، بالأصناف الثلاثة فقط.
* طالب: الصابئين، قيل: إنهم هم المجوس؟
* الشيخ: لا، فرقة منهم.
* الطالب: من المجوس.
* الشيخ: إي نعم، ما هم بالمجوس؛ ولهذا ذكرهم الله في سورة الحج مع المجوس.
وهنا سنكمل الآية ونرجع إلى المقارنة بينها وبين سورة الحج كما قلت في الحج إن شاء الله.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، (...) ذكرنا منهم من يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ إنه عائد على الجميع، فهو بالنسبة للثلاثة واضح أنه لا بد من قيد: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ واضح؟ لكن بالنسبة للأولين يقولون: بالنسبة للأولين إذا جعلناه عائدًا على الأربعة يصير قوله: ﴿آمَنُوا﴾ مجملًا، و﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ مفصلًا أو مبينًا، مفصلًا مبينًا، فيكون ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ عائدًا على قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، لكن على وجه التبيين والتفصيل، أما إذا قلنا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ قسم مستقل، و﴿مَنْ آمَنَ﴾ هذه بدل من الذين هادوا والنصارى والصابئين، فلا إشكال، وقلنا: إن الأصل في الكلام الأرجح أن قوله: ﴿مَنْ آمَنَ﴾ يعود على الأصناف الثلاث؛ لأن الأصل في الكلام التأسيس، والإيمان إذا أطلق فالمراد به الإيمان بما يجب الإيمان به، من الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب وغير ذلك.
وقوله: ﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ هذه كفالة من الله عز وجل، وضمان والتزام بهذا الأجر، أجر ما هو ضايع ما يُدرى من عنده، معلوم عند من، عند؟
* طالب: ربهم.
* الشيخ: عند الله سبحانه وتعالى الذي لا يخلف وعده، ﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ [الروم ٦].
﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ الخوف هو الهم، أيش؟ مما يستقبل، والحزن: الغم على ما فاتك، هذا الفرق بينهما؛ ولهذا يقال لمن أصيب بمصيبة: حزِن ولّا خاف؟
* طالب: حزِن.
* الشيخ: حزِن، ويقال لمن يستقبل أمرًا مرعبًا أو مروعًا يقال؟
* طالب: خاف.
* الشيخ: خاف، إذن الخوف: الهم مما يستقبل، والحزن: الغم مما فات، يغتم الإنسان بسبب ما فات عليه من محبوب أو حصل له من مكروه.
* طالب: الغم ما قيل: إنه في الحاضر؟
* الشيخ: لا، الغم على المستقبل، الهم هو اللي يكون في الحاضر والمستقبل، هممت بالشيء، وألقيت همتي به، أما الغم فهو عبارة عن شيء يطبق على القلب، فيغتم به..
* الطالب: مما يقع.
* الشيخ: مما مضى، الغم مما مضى، والهم بما يستقبل.
وقوله: ﴿لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ منين؟ من كل ما يخاف في المستقبل، من عذاب القبر، وعذاب النار، وغير ذلك.
﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ على ما مضى من الدنيا؛ لأن الكافر يحزن على ما مضى من الدنيا ويتحسر ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٥٥) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ [الزمر ٥٤ - ٥٦]، حزن وتحسر، فهم ما يحزنون على ما مضى؛ لأنهم قد اغتنموه بطاعة الله سبحانه وتعالى، ولا يخافون من أمر مستقبل، كما في قوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام ٨٢]، ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
ثم ذَكَّرهم الله تعالى -ذَكَّر بني إسرائيل بأمر أخذه عليهم- فقال: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾ [البقرة ٦٣] يعني: اذكروا إذ أخذنا ميثاقكم، الميثاق: العهد الثقيل المؤكد، وسمي بذلك من الوِثاق، وهو: الحبل الذي يشد به المأسور، الحبل الذي يشد به المأسور يسمى: وثاقًا، قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾ [محمد ٤] أو ﴿الوِثَاق﴾، فالميثاق هو العهد الثقيل الذي يؤخذ على الإنسان، مأخوذ منين؟ من الوثاق، وهو الحبل الذي يشد به الأسير فيربطه.
﴿أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾ ﴿رَفَعْنَا فَوْقَكُمُ﴾ أي: فوق رؤوسكم، لكن ما هو مباشرة، فوق.
الطور: هو الجبل المعروف، رفعه الله تبارك وتعالى على بني إسرائيل لما تهاونوا بطاعة الله سبحانه وتعالى إنذارًا لهم، وقال لهم: ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ خذوه يعني: اقبلوه واعملوا به، ﴿بِقُوَّةٍ﴾ وأيش المراد بقوة هنا؟ الحزم والتنفيذ، يعني معنى ﴿بِقُوَّةٍ﴾ أي: بحزم وتنفيذ وتطبيق، وأيش ضده؟ ضده أن الإنسان يأخذه أخذًا ضعيفًا متساهلًا، فالمعنى: خذوه أخذًا مصحوبًا بقوة؛ ولهذا نعتبر أن الباء في قوله: ﴿بِقُوَّةٍ﴾ للمصاحبة، والقوة الحزم والنشاط، وضده الكسل والتراخي، ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾.
وقوله: ﴿مَا آتَيْنَاكُمْ﴾ أي: أعطيناكم، منين؟ من التوراة، من الكتاب، الذين آتيناهم الكتاب، يعني: خذوا هذا الكتاب التوراة التي جاء بها موسى ﷺ بقوة.
﴿وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ﴾ يعني: لا تهملوا شيئًا منه، وقوله: ﴿مَا فِيهِ﴾ (ما) اسم موصول يفيد؟ العموم، إذن: كل ما فيه اذكروه واعملوا به.
﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (لعل) هذه معناها: التعليل، أي: لأجل أن تتقوا الله عز وجل، فالأخذ بهذا الذي آتاهم الله سبحانه وتعالى على وجه القوة، وذكر ما فيه وتطبيقه يوجب التقوى؛ لأن الطاعات يجر بعضها بعضًا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة ١٨٣]، فالطاعات يجر بعضها بعضًا؛ لأن الطاعة إذا ذاق الإنسان طعمها نشط وابتغى طاعة أخرى، ويتغذى قلبه، كلما تغذى من هذه الطاعة رغب في طاعة أخرى، وبالعكس المعاصي، المعاصي توجب وحشة بين العبد وبين الله عز وجل ونفورا -والعياذ بالله- ويجر المعاصي بعضها بعضًا؛ ولهذا سبق لنا أن الله قال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ [البقرة ٦١].
إذن: وجه كون سبب الأخذ بكتاب الله سببًا للتقوى، وجه ذلك: أن الطاعات يجر بعضها بعضًا؛ لأن الإنسان إذا ذاق طعمها ووصلت إلى قلبه اشتهاها وطلبها وصار يتقدم، مثل طالب العلم إذا أدرك العلم ونال منه شيئًا تجده -يعني- يكون نهم؛ ولهذا قال بعض العلماء: طالبان منهومان: طالب الدنيا، وطالب العلم. وكذلك في الحقيقة طالب العبادة؛ فإنه دائمًا مشغوف بالعبادة.
﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ [البقرة ٦٤] بعد هذا الإنذار وكون الجبل فوقهم، في ذلك الوقت خضعوا وخشعوا، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ [الأعراف ١٧١]، هم في تلك الساعة هرعوا إلى السجود وسجدوا، ولكنهم مالوا في سجودهم ينظرون إلى الجبل خائفين منه؛ ولهذا يقال: إن سجود اليهود إلى هذه الأمة، وهو سجود مائل، تجده يسجد ولكن رافع إحدى عينيه، وقالوا: إن هذا السجود؛ سجدنا لله سبحانه تعالى على وجه التخويف فلا نزال نسجد به. فكان هذا سجودهم، هذا هو سجود اليهود.
* طالب: يعتبرونه قربى؟
* الشيخ: إي نعم، يعتبرونه قربى، وفي الحقيقة إن له نظيرًا في هذه الأمة وهو الكسوف، فإن الكسوف في الحقيقة خروج عن العادة الطبيعية، والقمر يكون بين الأرض وبين الشمس، أو الأرض تكون بين الشمس والقمر؛ ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (1059)، ومسلم (٩١٢ / ٢٤) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.]]، فالله سبحانه تعالى في بني إسرائيل جعل آية الإنذار أعظم من هذه الأمة؛ لأن هذه الأمة أقرب إلى قبول الحق والخوف من بني إسرائيل، فيخافون بهذا الكسوف، لكن بني إسرائيل ما يخافون بهذا الكسوف، ما يهبهم إلا جبل يعرفونه رفع فوقهم كأنه ظلة.
ومع الأسف إننا الآن فينا من شابه اليهود في هذه المسألة، وصاروا لا يتعظون بالكسوف، ما يتعظون إلا إذا رفعت الجبال فوق رؤوسهم -والعياذ بالله- وإلا فالواجب أن يعرف الإنسان ويش اللي أخرج هذا عن مجراه الطبيعي إلى أن صار بهذا الوضع، لو اجتمع العالم كلهم على أن يكسفوا الشمس أو أن يخسفوا القمر ما استطاعوا، فما الذي أخرجه إلا الله سبحانه وتعالى لأجل الإنذار والتخويف، وعلى قول من يقول بدوران الأرض، يقولون: إن حركة الأرض هي التي اختلت، فما يدرى لعل هذه الحركة، هذا الاختلال اللي حصل بها يؤدي إلى دمارها، وإلى خسوف وزلازل أعظم، إذن يجب علينا أن نخاف. فعلى كل حال أقول: إن هذا التخويف العلوي كما كان في بني إسرائيل كان في هذه الأمة.
يقول الله عز وجل: ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ ﴿تَوَلَّيْتُمْ﴾ يعني: أعرضتم وأدبرتم عن طاعة الله سبحانه وتعالى، ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ المشار إليه أيش؟
* طالب: رفع الجبل.
* الشيخ: رفع الجبل، ﴿رَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾ بعد هذه الإنابة وقت رفع الطور توليتم ولم تذكروها، ما ذكرتم أن الذي خوفكم بهذا الجبل أنه قد يعيد عليكم ذلك مرة أخرى.
﴿فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ ﴿فَلَوْلَا فَضْلُ﴾، (فضل) ويش إعرابه؟ مبتدأ، وخبره محذوف وجوبًا، كما قال ابن مالك: ؎وَبَعْدَ لَوْلَا غَالِبًا حَذْفُ الْخَبَرْ ∗∗∗ حَتْمٌ......................
يعني: ولولا فضل الله عليكم موجود، وإنما وجب حذفه اكتفاء بجواب لولا، ﴿لَكُنْتُمْ﴾ هذا جواب (لولا)، ﴿لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
قوله: ﴿فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ ما نوع هذا الفضل والرحمة؟ هو إرسال الرسل والنبيين إلى بني إسرائيل بعد رفع الطور، فإن الله ما تركهم، بل أرسل إليهم الرسل، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ﴾ [المائدة ٤٤]، إذن فضل الله هنا بأي شيء؟ بإرسال الرسل الذي هو مقتضى رحمته؛ لأنه سبحانه وتعالى يعلم أن الخلق لا يستقلون بمعرفة عبادة الله سبحانه وتعالى؛ فلهذا أرسل إليهم الرسل يرشدونهم ويبينون لهم.
﴿فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ اللام هذه واقعة في جواب (لولا) ﴿لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ الذين خسروا الدنيا والآخرة؛ لأن أخسر الناس هم الكفار، ما استفادوا من دنياهم ولا من آخرتهم، إذن ففي هذا إثبات يعني: أن الله تفضل على بني إسرائيل ورحمهم (...)؟
* الطلبة: بإرسال الرسل.
* الشيخ: بإرسال الرسل الذين يذكرونهم ويعظونهم ليرجعوا إلى الله.
﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [البقرة ٦٥] قوله: ﴿لَقَدْ﴾ اللام موطئة للقسم، وعلى هذا فالجملة؟
* طالب: مؤكدة.
* الشيخ: مؤكدة بثلاثة مؤكدات وهي؟
* الطالب: القسم المقدر واللام وقد.
* الشيخ: القسم المقدر واللام وقد، يعني: (ولقد) أصله؟ والله لقد.
﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا﴾ علمتم علم يقين وعرفتموهم المعرفة التامة، ﴿الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ﴾ الخطاب لمن؟ لبني إسرائيل، و﴿اعْتَدَوْا﴾ بمعنى تجاوزوا الحدود وطغوا.
وقوله: ﴿فِي السَّبْتِ﴾ أي: في حكم يوم السبت، وهو معروف: اليوم الذي بعد الجمعة، وهذا اليوم كان الله تبارك وتعالى حرم فيه العمل على بني إسرائيل، وحرم عليهم صيد السمك في ذلك اليوم؛ لأجل أن يتفرغوا للعبادة؛ لأنهم هم الذين اختاروا أن يكون يوم السبت لهم، فكان لهم يوم السبت، هذا اليوم الذي اختاروه لأنفسهم حرم الله عليهم فيه العمل وصيد السمك، ثم ابتلاهم سبحانه وتعالى بما حرمه عليهم، فيسره لهم في ذلك اليوم تيسيرًا بالغًا، فكان السمك إذا كان يوم السبت جاء على الماء شُرَّعًا، ويش معنى شُرّع؟
* طالب: ظاهر.
* الشيخ: طافيًا ظاهرًا من كثرته، وغير يوم السبت ما يرونه، وهذا لا شك أنه ابتلاء وامتحان من الله سبحانه وتعالى يمتحن به العباد، قد ييسر لهم المعاصي وأسباب المعصية تيسيرًا أكثر من أسباب الطاعة والخير؛ لأجل الامتحان والابتلاء، هؤلاء القوم ما صبروا على هذا البلوى -والعياذ بالله- فاتخذوا حيلة، وحفروا حفرًا إلى جانب البحر، وجعلوا بين هذه الحفر وبين البحر نهرًا، يعني: ساقية، إذا جاءت الحيتان شُرّعًا ضرب بها الهواء وأدخلها مع هذا النهر إلى هذه الحفر، فإذا هبط الهواء ما استطاعت هذه الحيتان أن ترجع؛ لأن النهر ضئيل ما تتمكن من المشي معه ربما يزول بالكلية، فصاروا إذا كان يوم السبت جاءت الحيتان وسقطت في هذه الحفر، وإذا كان بالليل أو من الغد جاؤوا وأخذوها، فقال لهم فقهاؤهم: كيف تأخذون وقد حرم عليكم؟ فقالوا: نحن ما صدناه إلا يوم الأحد، ما صدناه يوم السبت، حيلة، حيلة ظاهرة، ولَّا لا؟ هو صحيح أنهم ما صادوا إلا يوم الأحد، لكن فعلوا السبب الذي يصطادونه به متى؟
* الطلبة: يوم السبت.
* الشيخ: يوم السبت، إذن ففي الحقيقة أنهم صادوا يوم السبت، ولما كانت هذه -والعياذ بالله- الحيلة ظاهرها السلامة، وحقيقتها؟
* طالب: التورط.
* الشيخ: التورط بالمحرم، يعني: ظاهرها الصحة والحلال، وباطنها الفساد والحرام، ماذا عوقبوا؟ عوقبوا بأن كانوا كالآدميين في الظاهر، لكنهم في الباطن سباع ﴿فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ -أعوذ بالله- ﴿قُلْنَا لَهُمْ﴾ أي: للمعتدين، ﴿قُلْنَا لَهُمْ﴾ للذين اعتدوا، ﴿كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ قردة جمع قرد، وهو معروف، و﴿خَاسِئِينَ﴾ مبعدين -والعياذ بالله- مبعدين عن رحمة الله، فقلبوا إلى حيوان أشبه ما يكون بالإنسان، كما أن فعلهم أشبه ما يكون بالفعل الصحيح الحلال وهو حرام باطنًا، فكان الجزاء من جنس العمل.
في سورة المائدة: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ [المائدة ٦٠]، هل إن هؤلاء أهل القرية كانوا خنازير ولّا قردة؟ ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ﴾ في سورة الأعراف ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٦٤) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [الأعراف ١٦٣ - ١٦٦]، فيها آية ثالثة؟ المائدة: ﴿الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ﴾، فأنا ما رأيت أن أهل القرية هؤلاء كانوا قردة وخنازير إنما كانوا قردة، كانوا قردة فقط، مع أن بعض المفسرين قالوا: إن أهل هذه القرية صاروا إلى قردة وخنازير، فصار شبابهم قردة، وشيوخهم خنازير، ولكن هذا يحتاج إلى أن يثبت هذا بدليل شرعي، وإلا فالآية هنا وفي الأعراف ما ذكر الله فيها إلا أنهم كانوا قردة، ويكون الخنازير قومًا آخرين مسخوا، والعياذ بالله من ذلك.
وقوله: ﴿فَقُلْنَا لَهُمْ﴾ هذا القول ﴿كُونُوا﴾، ﴿قُلْنَا﴾ ﴿كُونُوا﴾، هذا الأمر أمر كوني ولّا شرعي؟
* الطلبة: كوني.
* الشيخ: كوني، هل يمكن أن يوجه على أنه أمر شرعي؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، ما يمكن، ولََّا لا؟ لأن الإنسان ما يقدر يقلب روحه، يقدر يقلب روحه؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: ما يقدر، فهو إذن أمر كوني، مثل قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران ٥٩]، (كن) هذا أمر كوني ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: أمر كوني.
﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾.
أولًا: هذه القصة مبسوطة في سورة الأعراف، وهذه القرية التي اعتدوا فيها لا شك أنها على البحر؛ لقوله: ﴿كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾، قيل: إنها أيلة، وقيل: غيرها، المهم ما يهمنا اسمها، يهمنا موقعها أنها على البحر.
ثانيًا: أن أهلها انقسموا إلى ثلاثة أقسام: قسم اعتدى وتحيل على محارم الله، وقسم اعتدل ونهى عن التحيل على محارم الله، وقسم ثالث سكتوا، بل إنهم ثبطوا؛ فإنهم قالوا للذين ينهون: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾، فأجابوهم بأن لا بد فيه من فائدتين أو فائدة واحدة: ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُون﴾، لا شك أن الذين ينهون عن السوء نجوا، أو لا؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: وأن الذين اعتدوا قلبوا، بقينا بالذين سكتوا ما نهوا ولا اعتدوا، ما شأنهم؟
* طالب: قلبوا.
* الشيخ: تجزم ها الجزم السريع؟
* الطالب: إي نعم، ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾.
* الشيخ: إيه، لكن ﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ﴾.
* طالب: باقي الجنس.
* الشيخ: ما يخالفه، بس الثاني ما عتوا عما نهوا عنه؟
* الطالب: هذه الضمائر ترجع لأهل هذه القرية..
* الشيخ: الساكتين لم ينكروا لكن هل نهوا؟
* الطالب: إي نعم، عتوا في أنهم لم ينهوا.
* الشيخ: انتظر، ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ﴾ ﴿إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ﴾ هذا المعتدون، ﴿إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا﴾ ﴿أُمَّةٌ مِنْهُمْ﴾ منين؟
* طالب: من الذين اعتدوا.
* الشيخ: من الذين اعتدوا؟ يعني: كأن بعض إخوانهم -بعض المعتدين- قال للذين ينهون: لا تنهون، وهم من المعتدين؟
* طالب: لا، هم من الساكتين؛ لأن الله عز وجل يقول: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ هم يقولون لهم..
* الشيخ: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ﴾ أهل القرية ﴿يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ﴾ منين؟ من المعتدين ولّا من أهل القرية؟
* الطلبة: من أهل القرية.
* الشيخ: من أهل القرية؟ ﴿قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ﴾ أهل القرية، ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا﴾ يخاطبون الذين؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، يخاطبون الذين نهوا ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا﴾ أي: الواعظون..
* طالب: هذا القول اللي قالوه يدخلهم في الطائفة الأولى؟
* الشيخ: نشوف؟ ﴿قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ هم ما قالوا يبررون الذين قالوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ﴾، ما قالوا يبررون فعل المعتدين، قالوه يائسين منهم، يعني: هم قالوا هذا ما به فائدة، هذا ما يوقف العذاب ﴿اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾، ما قالوا: لم تعظونهم لأنهم ما فعلوا شيئًا، لو كانوا كذلك لقلنا: إنهم راضون بفعلهم، لكن هم في الحقيقة مثل ما يوجد الآن، من الناس من ييأس: لأيش تنصح هذا؟ هذا ما به فائدة، هذا ما الله هاديه. هذا موجود الآن، هم قالوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ يعني: فلا فائدة من نصحهم، أجاب هؤلاء: بأننا ما نيأس، عندنا فائدة محققة، وهي المعذرة إلى الله عز وجل ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ﴾، ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ هذه مسألة محتملة؛ فإن الله يهدي قومًا من أضل الناس ويردهم إلى الحق، ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾، ﴿نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾، من؟
* الطلبة: المعتدون.
* الشيخ: المعتدون، ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾ الذين ينهون عن السوء، وسكت عن الباقين.
﴿وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾، من الذين ظلموا؟
* طالب: كلهم، اللي سكتوا واللي فعلوا.
* طالب آخر: يا شيخ، اللي ظلموا أليسوا قد نهوهم وأيسوا فيدخلون بمن نهوا عن السوء؟ ما أيسوا إلا قد فعلوا السبب.
* الشيخ: ما ندري عاد، خلوا نشوف المسألة حقيقةً تخالف فيها ابن عباس ومولاه، فنشوفها، ﴿وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ﴾ وهذه يقينا في الفاعلين ما هي في الذين قالوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ﴾، ﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾، فالذين قلبوا قردة الآن؟
* طالب: المعتدين.
* الشيخ: المعتدون، ولَّا لا؟ ﴿وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ فنحن الآن بقينا بالذين ظلموا، هل الساكتون ظلموا فيكون داخلين، أو أن الذين ظلموا هم الذين اعتدوا؟ إنما نحن الآن، أنا أتيقن من سياق الآية -والله أعلم- أن الذين سكتوا ما قلبوا قردة خاسئين.
* طالب: أخذوا بعذاب.
* الشيخ: أخذوا بعذاب بئيس، إنما أنهم قلبوا قردة، الذين قلبوا قردة هم الذين اعتدوا في السبت فقط، الذين اعتدوا في السبت هم الذين قلبوا بلا شك، ﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾؛ ولهذا بعض العلماء يقول -كما قلتم أو كما قال الأخ-: إن الذين سكتوا عذبوا، ولكن يجب على هذا القول أن لا يقال: إنهم عذبوا بأن قلبوا قردة خاسئين؛ لأن الآيات صريحة في أن الذين قلبوا قردة الذين اعتدوا فقط، لكن أخذوا بأيش؟
* طالب: بعذاب.
* الشيخ: ﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ ما بينه الله، ﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾، هذا إن دخلوا في لفظ: ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾، فإن لم يدخلوا فيه، فلا أخذوا بعذاب بئيس؛ ولهذا لو قال قائل: إن السلامة أن تسكت عن الذين سكتوا وتقول: هم ثلاثة أصناف: صنف نجوا يقينًا، وصنف عذبوا يقينًا، وصنف لم يتبين لنا أمرهم. ولا شك من حيث القواعد -قواعد الشريعة الإسلامية-: أن هؤلاء الذين سكتوا إن كانوا مقرين لهم فهم مثلهم، كانوا مقرين ويصير وجه عدوانهم إقرارهم للمنكر، وإن كانوا غير مقرين لهم -وهو الظاهر- ولكنهم آيسون منهم، فإنه لا يلحقهم عذابهم، ولكن قد يعذبون بسبب أنه يجب عليهم أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، سواء امتثل المأمور وارتدع المنهي أو لا، هذا الواجب؛ ولهذا هؤلاء العقلاء الأكياس -جمع كَيِّس- ﴿قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾، وحقيقة إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب أن يكون، حتى وإن لم يأتمر المأمور ولم ينته المنتهي؛ لأن فيه فائدتين عظيمتين هما: المعذرة إلى الله عز وجل، والثاني: أنه يحتمل أن يتقوا الله، وأنا أقول أيضًا: فيه فائدة ثالثة وهي: أن يعرف أن هذا منكر، ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لأننا لو سكتنا قلنا: والله ما نقدر الآن إن نحن نعمل، ولو أمرنا ما امتثل لنا، معناه: إذا سكتنا جاء أناس بعدنا أو في عصرنا وقال: هذا الناس يفعلون أمام العلماء ما قالوا شيء، وكم من أمور الآن يحتج بها علينا وعلى غيرنا بأن العلماء كنا نفعله وفلان حي ولا يقول شيء، هذا واضح؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: إلى الآن، فيه في الحقيقة ثلاث فوائد: المعذرة إلى الله سبحانه وتعالى، وبيان أن هذا منكر، والثالث: لعلهم يتقون.
* طالب: ويش المؤكدات ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ﴾؟
* الشيخ: فيه: اللام وقد.
* طالب: السبب؟
* الشيخ: يعني: السبب أنه أكده؟ السبب لأجل إقامة الحجة عليهم.
* الطالب: هم منكرين للحجة؟
* الشيخ: لا لا، سواء أقروا ولّا أنكروا، لكن فعلهم وإنكارهم للرسول ﷺ وتكذيبهم إياه فعل منكر؛ ولهذا قال: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ﴾، فإذا كانوا عالمين بهؤلاء وأنهم أصيبوا بهذه المصيبة لعدوانهم، فما بالكم تعتدون الآن وتكذبون الرسول عليه الصلاة والسلام وأنتم تعرفونه كما تعرفون أبناءكم.
* طالب: شيخ، ما هو الصواب؟
* الشيخ: أنا أتوقف فيه والله أعلم، الله أعلم، وإن حكمت فأنا أحكم أنهم أخذوا بعذاب بئيس لا أنهم قلبوا قردة.
* الطالب: ما يقال: الذين اعتدوا أن العذاب البئيس لهم أيضًا؟ قلبهم قردة عذاب لهم؟
* الشيخ: نعم نعم، أخذوا بعذاب بئيس وقلب القردة؛ لأنهم بلا شك هم داخلون في الذين ظلموا، الذين اعتدوا هم أول من يدخل في قوله: ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾.
* طالب: العذاب البئيس ما يكون نفسه هنا قلب القردة؟
* الشيخ: لا، هذا منه، هذا من العذاب البئيس.
* طالب: (...) اليائسين كانوا قردة؟
* الشيخ: إيه؛ لأنهم قالوا: ﴿اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾، وعقلًا ما راح أن أحد يقر إنسان ويرضى بفعله وهو يعلم أن فيهم.
* طالب: (...).
* الشيخ: (...) أبدًا، تعرف أن فعل هذا الرجل سبب للهلاك وترضى به؟ ما يمكن.
* طالب: شيخ قوله: ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ هذا صحيح (...)، لكن قوله حصر سبحانه وتعالى: ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾، هذا ما هو واضح؟
* الشيخ: بس هو بالمفهوم.
* الطالب: مفهومه أن من لم ينهوا..
* الشيخ: أن من لم ينهوا لم ينجوا، ومفهوم ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾؟
* الطالب: مجمل.
* الشيخ: مفهومه؟
* الطالب: مفهومه أن الذين لم يظلموا لم يؤخذوا بعذاب.
* الشيخ: هذا واحدة، ومفهوم ﴿الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ﴾: أن من لم يعتد في السبت؟ لم يقلب قردة وخنازير، إذن عندنا قلب القردة ما يمكن يكون وارد على الساكتين، والإنجاء ما يمكن وارد على الساكتين أيضًا ولَّا لا؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: لأنهم أنجينا الذين ينهون عن السوء، بقينا في أخذهم بالعذاب البئيس هل هم داخلون في الذين ظلموا لعدم قيامهم بما يجب من إنكار المنكر؟ فيكون أخذوا بعذاب بئيس ما بينه الله، أو أنهم ما ظلموا ولم يؤخذوا بالعذاب البئيس، ونسكت عنهم نقول: الله أعلم؟ يعني: نحن الآن نتأكد أنهم ما نجوا ولا أخذوا قردة خاسئين، ما أخذوا بهذا العذاب، بقينا في العذاب البئيس، هذا العذاب البئيس متى يتحقق عليهم؟ إذا تحقق أنهم ظالمون.
* الطالب: بس إن سكتنا ما نكون تركنا مفهوم ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ﴾؟
* الشيخ: لا، لأن عندنا منطوق، وله مفهوم معاكس.
* طالب: النصوص العامة.
* الشيخ: على كل حال، الحمد لله أن المسألة هذه ما هي بذات أهمية بالنسبة لنا، يعني ما يترتب عليها، حتى الحكم الشرعي بالنسبة للشريعة الإسلامية واضح في المسألة، الحكم الشرعي في الشريعة الإسلامية واضح، وهو أنه يجب إنكار المنكر، يجب مع القدرة أن الإنسان ينكر المنكر، ولكنه لا يجب أن يغير المنكر؛ لأن هناك يجب أن نعرف أيضًا الفرق بين الإنكار وبين التغيير، التغيير معناه إزالة المنكر، وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا واجب على كل حال؛ لأنه من جنس التبليغ، عندنا ثلاث مراتب: تبليغ وأمر وتغيير، وكل واحد غير الثاني، بعض الناس يظنون أن المعنى واحد والأمر مختلف؛ لأن التغيير إنما يكون بالسلطة والأمر، يعني: بسلطة التنفيذ، مثل الأمراء يغيرون ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: الأمير يقدر يغير يضرب أو مثلًا يريق الخمر، واضح؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: أو يقول، يقول، إن لم يستطع فبلسانه، لكن هو ما يستطيع يغير بيده، يغير بلسانه يأمر غيره، وغيره، أما مسألة الإنكار فهو واجب على كل أحد مع القدرة، كما هو معروف، والتبليغ أبلغ؛ لأن التبليغ يجب عليك لو ما رأيت المنكر، يجب عليك تقول للناس مثلًا: الزنا محرم، والسرقة محرمة، وشرب الخمر محرم، لو ما كانوا يشربونه، هذا التبليغ، والأمر بالمعروف يكون عند إضاعة المعروف، التبليغ يجب عليك تقول: الصلاة واجبة أو لا؟ صلاة الجماعة واجبة، والوضوء من كذا واجب، إلى آخر الواجبات، بلغها، الأمر، متى تأمر بها؟ إذا رأيت من تخلف عن فعلها، واضح؟ المنكر يجب تبلغ الناس أنه منكر، لكن متى تنهى عنه؟
طالب: (...) ذكره الله سبحانه وتعالى أنه لا تخرج الأسماك على ظهر الماء إلا (...) فيها الأسماك بكثرة، فهم أرادوا أن يحتالوا على الله سبحانه وتعالى، (...) صادوا شباكًا تدخل فيها الأسماك فتصيبها، ثم يأتون يوم الأحد، ويأخذون هذه الأسماك، فهم احتالوا على الله الحيلة.
* الشيخ: هي كيف الحيلة؟
* الطالب: الحيلة بأنهم اصطادوا الأسماك في يوم السبت، وأخذوها يوم الأحد.
* الشيخ: كيف يعني؟
* الطالب: يضعون شبكًا تدخل فيه، فهم الصيد حصل يوم السبت وكانوا أخذوا يوم الأحد.
* الشيخ: هذه (...) حيلة.
* طالب: (...) أنهم فتحوا الترع من خارج البحر، وجعلوا لها سواقي، فالموج يأتي ويدفع بالماء المحمل بالسمك، ويدخل داخل هذه السواقي فتسقط في الترع، ثم في اليوم الثاني تنحسر الماء، ويبقى السمك لا يستطيع الرجوع ويأخذوه يوم الأحد.
* الشيخ: إي نعم، هاتان صفتان بعضهم قال: إنهم يضعوا شباكًا تدخل فيه السمك في يوم السبت ولا تخرج منه، وبعضهم يقول: لا، إنهم يفتحون السواقي على مجتمع من الماء، ثم تدخله الأسماك، فبهذا الفعل يعتبر؟ ويش الحكم، حلال ولَّا حرام؟
* طالب: لا، حرام.
* الشيخ: كيف حرام؟ هم ما صادوا إلا يوم الأحد.
* الطالب: إنهم صادوا يوم السبت واحتالوا بأنهم صادوا يوم الأحد، لكن الصيد حصل في يوم السبت.
* الشيخ: إي نعم، يعني حيلة هذه؟
* الطالب: هذه حيلة.
* الشيخ: هذه حيلة، والحيل محرمة؟
* الطالب: والحيل محرمة.
* الشيخ: هل العقوبة من جنس الفعل؟
* طالب: العقوبة (...).
* الشيخ: كيف ذلك؟
* الطالب: لأنهم عوقبوا بأن مسخوا قردة، فصارت أشكالهم أشكال الحيوانات (...).
* الشيخ: أو أقرب ما يكون من الإنسان؟
* الطالب: إي نعم، وهو أقرب ما يكون.
* الشيخ: أقرب ما يكون للإنسان في الظاهر، نعم، وعملهم هذا أقرب ما يكون للحلال، ولكنه في حقيقته حرام، وهكذا القرود ظاهرها أنها تشبه الآدمي؛ لأنها تفهم، حتى إنهم يقولون: إنه قد يحصل اجتماع جنسي بين القرد والمرأة أحيانًا، يشتهيها كما يشتهيها الرجل، ولكنهم في الحقيقة، حقيقتهم أيش؟ حيوان، بهائم.
انقسم أصحاب هذه القرية إلى كم؟
* طالب: إلى ثلاثة أقسام: ناس اعتدوا، وأناس نهوا عن المنكر، وأناس سكتوا.
* الشيخ: سكتوا، الذين سكتوا هل كان لهم دور؟
* طالب: الذين سكتوا قالوا: كفوا عن ناس الله سبحانه وتعالى معذبهم.
* الشيخ: ﴿مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ﴾.
* الطالب: ﴿مُهْلِكُهُمْ﴾.
* الشيخ: ﴿عَذَابًا شَدِيدًا﴾.
* الطالب: ﴿عَذَابًا شَدِيدًا﴾.
* الشيخ: الغرض من هذا القول النهي عن موعظتهم أو أيش؟
* الطالب: الظاهر أنه النهي عن الفعل (...) يئسوا من رحمة الله.
* الشيخ: أيش قولك؟
* طالب: الظاهر أنهم يئسوا من الاستجابة.
* الشيخ: يعني: ما قصدهم النهي، يعني: ما قصدهم أنهم رضوا بالمنكر؟
* الطالب: ما رضوا.
* الشيخ: ما رضوا بالمنكر.
* الطالب: لكنهم يئسوا.
* الشيخ: لكنهم يئسوا، وقالوا: كيف تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا؟ والدليل على أنهم ما رضوا بالمنكر أنهم ذكروا عقوبتهم ﴿اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [الأعراف ١٦٤].
* طالب: هذا يعتبر تثبيط؟
* الشيخ: فيه نوع من التثبيط ما فيه شك، فيه نوع تثبيط، وقد يكون إنهم لما أيسوا أنهم ظنوا أن التذكير ما يجب إلا إذا نفع، كما في قوله تعالى : ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ [الأعلى ٩].
* الطالب: (...).
* طالب: الطائفة الثالثة فيها اختلاف (...) بين حال الطائفة التي اعتدت، وحال الطائفة التي.
* الشيخ: نهت، ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف ١٦٥].
* الطالب: فالطائفة الثالثة فيها اختلاف، هل هي تدخل في الذين ظلموا، أو أن الله عز وجل سكت عنها فنسكت عنها كما سكت، (...) أنها تدخل مع الظالمين (...).
* الشيخ: يعني: حتى إذا قلنا: إنه أخذت الثالثة فهم أخذوا بعذاب بئيس؛ لأن الذين قلبوا قردة هم الذين اعتدوا ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً﴾ [البقرة ٦٥]، وقال: ﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [الأعراف ١٦٦].
وحينئذٍ يبقى النظر: هل تدخل الطائفة التي قالت: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا﴾ في قوله: ﴿أَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾؟ أو ما تدخل؟ قلنا: إن فيها خلافًا بين أهل العلم؛ لأن الله تعالى ذكر طائفتين ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾، فصار عندنا منجَّى ومؤاخذ ومقلوب، المقلوب قطعًا هي الطائفة الثالثة المعتدية، والناجي الطائفة الناجية هذه واضحة، بقين: الذين ظلموا هل هم داخلون أو لا؟ كان نقول: ما يدخلون قطعًا؛ لأنهم ما هم بظالمين، لكن لما قال: ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾ قد يقول قائل: إن مفهوم ينهون هو قوله: ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾؛ لأن الله جعله قسيمًا له، ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾، فجعلهم قسيمًا له، وقسيم الذين ينهون عن السوء يشمل النوعين، الطائفتين: المعتدية، والتي قالت: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا﴾، ونحن نقول: الحمد لله، ما هو هذا الشيء من الأمور التي يلزمنا أن نرجح، نقول: الله أعلم، إذا ما تبين لنا ظاهرًا من القرآن فنقول: الله أعلم.
ثم قال الله تعالى: ﴿فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا﴾ [البقرة 66] ﴿فَجَعَلْنَاهَا﴾ اختلف في قوله: ﴿فَجَعَلْنَاهَا﴾ على من يعود الضمير في (ها)، (جعلناها) هل هي القرية لقوله: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ﴾، ويكون مرجع الضمير مفهومًا من السياق؟ أو هي عائد على العقوبة؟ فجعلنا العقوبة؛ لأن الله يقول: ﴿قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾، ﴿فَجَعَلْنَاهَا﴾ أي: هذه العقوبة.
نمشي على الأول: ﴿فَجَعَلْنَاهَا﴾ أي: هذه القرية، ﴿نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا﴾ ويش معنى النكال؟ التنكيل بمعنى أن يعامل الإنسان بما لا يمكنه أن يرجع إلى ما عوقب به، نكلته يعني: عاملته بعمل لا يمكنه أن يرجع إلى ما عاقبته به، فقوله: ﴿نَكَالًا﴾ يعني: جعلناها عقوبة تنكل ما بين يديها وما خلفها، أي: تمنعهم من أن يعودوا إلى نفس هذا العمل.
وقوله: ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا﴾ إذا قلنا: ضمير (ها) يعود على القرية، ويش معنى ﴿مَا بَيْنَ يَدَيْهَا﴾؟ ويش يقصد بها؟ ما بين يديها من القرى وما خلفها، يعني: ما كان قريبًا منها؛ لأنهم علموا بها، وسينتهون.
وقيل: إن المراد: لما بين يديها زمنًا لا مكانًا، ولكن فيه إشكال؛ لأننا إذا قلنا ما بين يديها هو مستقبلها، فكيف يصح أن يكون ما خلفها ينكل وقد مضت؟ أوما فهمتم؟ عندنا الآن: ما بين يديها مكانًا، أو ما بين يديها زمانًا، إذا قلنا: مكانًا، فالأمر واضح ولا فيه إشكال، إذا قلنا: زمانًا، فإن فيه إشكالًا؛ لأنك إذا جعلت ﴿مَا بَيْنَ يَدَيْهَا﴾ مستقبلها، ﴿وَمَا خَلْفَهَا﴾ ماضيها، لم يصح أن تكون نكالًا لماضيها؟ ويش السبب؟ لأن الذين مضوا ما هم منتفعين بها، مضوا وانتهوا، ولكنهم قالوا: إننا نجيب عن هذا الإشكال بأن نجعل ﴿مَا بَيْنَ يَدَيْهَا﴾ للحاضرين في عصرهم، ﴿وَمَا خَلْفَهَا﴾ لما بعدها، كقوله تعالى: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الكهف ٧٩]، فالخلف والوراء قد يراد به الأمام، المستقبل، وعلى هذا القول ما يكون فيه إشكال، لا يكون فيه إشكال.
فأيهما أعم: أن تُجعل نكالًا لما حولها من القرى، أو نكالًا لمن في عصرها ومن بعدهم؟
* الطلبة: الثانية أعم.
* الشيخ: الثانية أعم، نعم؛ لأن كل من يأتي بعدك فهو خلفك، ولَّا لا؟ فمن يأتي بعدك فهو خلفك، فعلى هذا يكون القول الثاني أرجح: أن المراد بما بين يديه والخلف زمنًا لا مكانًا، وتكون هذه العقوبة نكالًا لمن كان في عصرهم ومن كان بعدهم إلى يوم القيامة.
هذا إذا قلنا: إن الضمير في (ها) يعود على القرية، وفهمتم الإشكال الذي يرد على هذا القول، ويش الإشكال الذي يرد على هذا القول؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: العقوبة.
* الشيخ: إن (ها) تعود على القرية، وفيه إشكال وأجبنا عنه.
* طالب: الإشكال على القرية؟
* الشيخ: الإشكال على القرية: إنه لم يسبق لها ذكر، ما سبق لها ذكر، قولوا ما سبق لها ذكر، لكن أجبنا عنه شو هو؟
* طالب: بأنه مفهوم.
* الشيخ: بالسياق، مفهوم من السياق، بدليل قوله تعالى في سورة الأعراف: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾.
إذا قلنا بأن الضمير (ها) يعود على العقوبة، فجعلنا هذه العقوبة ﴿نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا﴾، يصير المراد: لما بين يديها وما خلفها من الأعمال، لا من الزمان ولا من المكان، يعني: جعلنا هذه العقوبة تنكِّلهم عما بين يديها من المعاصي وما خلفها، يعني: المعاصي اللي سبق أن فعلوها ما يفعلوها، ما يفعلونها، والمعاصي المستقبلة أيضًا ما يفعلونها؛ لأنهم كلما تذكروا هذه العقوبة خافوا منها، فهمتم ولَّا لا؟
ونحن قد ذكرنا فيما مر: أنه إذا كانت الآية القرآنية تحتمل معنيين لا يتنافيان وجب حملها عليهما، وإذا كانا يتنافيان وجب الترجيح، فيعمل بالراجح، فإن لم يوجد مرجح وجب التوقف، ولَّا لا؟ مرت علينا هذه القاعدة وهي نافعة في التفسير، وفي الحديث أيضًا، أنه إذا كانت الآية تحتمل معنيين أيش؟
* طلبة: وجب، لا يتنافيان.
* الشيخ: لا، لازم من شرط: لا يتنافيان، وجب حملها عليهما؛ لأن كلام الله أوسع من مفهومنا، وإذا كانا يتنافيان -يعني: كالضدين والمتناقضين مثلًا- فإنه لا يمكن أن نحملها على معنيين متضادين، تحمل على الراجح منهما إن وجد مرجح، فإن لم يوجد مرجح وجب علينا أن نتوقف.
* طالب: ذكرت أنه إذا كانت هاء الضمير تعود على العقوبة ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا﴾، يعني: إذا أرادوا أن يفعلوا معصية تذكروا هذه العقوبة؛ لأنه هو نزل فيهم العقوبة وأصبحوا قردة مع الحيوانات، فكيف تذكروا؟
* الشيخ: إي نعم، هؤلاء القردة ماتوا صحيح، هذا وارد، لكن هؤلاء الجماعة ثلاثة أصناف: صنف سكتوا، وصنف نهوا، وصنف اعتدوا فقلبوا قردة وماتوا، هؤلاء الأصناف الآخرين الذين بقوا، يعني يَرِد عليهم أن يخطئوا فيعصوا الله، أليس كذلك؟ يمكن أن يخطئوا فيعصوا الله، ولكن يذكرون هذا الشيء فيمتنعون منه.
* طالب: (...).
* الشيخ: عملًا، لكن الأخير ما يصح إلا إذا جعلنا (ها) تعود على العقوبة.
* الطالب: عودها على العقوبة ماذا يكون المعنى؟
* الشيخ: يكون المعنى: ﴿جَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا﴾ من الأعمال، يعني: تُنَكِّلُهم عن الأعمال، والمراد جنسهم؛ لأن السؤال الذي أورده الأخ وارد، لكن المراد جنسهم ولَّا اللي انقلبوا قردة ماتوا ما بقوا، فالمعنى أنهم يتذكرون إن أرادوا معصية سبق أن فعلوا جنسها تذكروا فارتدعوا، أو أرادوا معصية جديدة لم يسبق لها فعل جنسها أيضًا تذكروا وتركوا،
وقوله: ﴿وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ جعلناها موعظة، أي: مكان اتعاظ، مكان اتعاظ لمن؟ للمتقين الذين يتقون الله، أما الذين قلوبهم قاسية ما عندهم تقوى، فإنهم لا يتعظون بهذه الأدلة، ودائمًا يقيد الله سبحانه وتعالى المواعظ بالمتقين، ومن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وما أشبه ذلك؛ لأن القاسي قلبه لا يلين -نسأل الله العافية- ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس ٩٦، ٩٧].
من هذا النوع: ما يوجد الآن في عصرنا، توجد الزلازل والكسوفات والفيضانات والرياح العاصفة، المتقي يتعظ بها ويخاف، ويعلم أن الله أرسلها عقوبة، وغير المتقي لا يلين قلبه ولا يتعظ ويقول: هذه مسائل طبيعية، ما لعقاب الله سبحانه وتعالى فيها أثر أبدًا، هؤلاء ليسوا بمتقين في الحقيقة، وإلا فالزلازل من العقوبات ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾، والزلازل رجفة، رجفة في الأرض تزلزل بها ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [العنكبوت ٣٧].
ولهذا بعض الكتبة ما حذروا الناس من هذه الزلازل، ما حذروهم المعاصي، وإنما جعلوا يتكلمون ويقولون: هذه عبارة عن سلسلة زلازل ستمتد إلى جدة وإلى كذا وإلى كذا، أنا ذكروا لي واحدًا أمس يقول: كتبوا في الصحف أنها ستمتد إلى جدة وتروح كذا، وأن أهل جدة أخذهم من الخوف ما غاب وما حضر، وأنهم قالوا: سنرحل إلى مكة؛ لأن مكة ما جاءها زلزال، هكذا قالوا، وواحد حدثني من أهل جدة أمس عندنا يقول: حتى إنها اضطرت وزارة الإعلام أن تكذب هذا الخبر وتخلي ناس من الخبرا يتكلمون بالتلفزيون عن الزلازل وعن جدة ما يجيئها زلازل، وأن الزلازل أكثرها في البحار -من نعمة الله أنها أكثرها تكون في البحار، ما تكون في اليابس- هكذا سمعت ولا ما تبعت الخبر هذا؟ لكن كان الواجب على المسلمين، يا جماعة الواجب عليهم مو بهذا، الواجب أنهم يخوفون الناس مهما قلنا: إنها أسباب طبيعية، فمن الذي قدر أن يكون السبب الطبيعي في هذا الوقت المعين، وفي هذه الأمة المعينة إلا الله، معصيتهم مكتوبة، والطائفة مكتوبة، والزمن مقرر، والمكان مقرر، من قديم في الأزل، لنفرض أن هذه لها أسباب حسية، لكن تقديرها في زمن وفي الأمة التي سكنت على هذا الجزء الذي اهتز؟ هذا مو بتقدير الله؟ بتقدير الله عز وجل، إذن فهذا شيء مكتوب من قبل.
هؤلاء كتب عليهم أن يعصوا، ولكن طبعًا معلوم أنهم بين لهم الحق، لو اهتدوا لرفع عنهم العذاب مثل ما رفع عن قوم يونس، قوم يونس أخذهم العذاب لكن آمنوا، فرفع الله عنهم ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ﴾ [يونس ٩٨]، ﴿فَلَوْلَا﴾ بمعنى: ما كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها بعد أن نزل بأس الله بها إلا قوم يونس.
أنا قصدنا: أن المواعظ الشرعية التي تكون بالوحي أو المواعظ الكونية التي تكون بالفعل، بالتقدير، هذه ما ينتفع بها إلا المتقون المؤمنون العارفون بالله، أما غيرهم فلا ينتفعون بها، ﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا﴾ قطعة من العذاب تنزل عليهم من السماء ﴿يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ﴾ [الطور ٤٤]، نعم، نسأل الله العافية.
قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ [البقرة ٦٧] وهذه من بلايا بني إسرائيل، استمعوا إليه: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ قومه إضافة القوم إليه؛ لبيان أنه عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يقول لهم إلا ما فيه الخير؛ لأن الإنسان سوف ينصح لقومه أكثر مما ينصح لغيرهم، مع أن الرسل عليهم الصلاة والسلام ينصحون لأممهم عمومًا.
* طالب: ﴿فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً﴾ إذا كان هذا الضمير يعود إلى القرية، فكيف تكون القرية هي الموعظة؟
* الشيخ: قلنا: موعظة: مكان اتعاظ.
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ [البقرة ٦٧] من قومه؟ بنو إسرائيل، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ قالها في جوابٍ ذكره الله في أثناء القصة: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ [البقرة ٧٢].
قُتِلَ منهم نفس، وقد ذكر المفسرون هنا إسرائيليات كثيرة حول هذا الموضوع، ولكننا نحن لا يعنينا أن نعين من هذا القاتل ومن هذا المقتول، هل هو ابن عم؟ وهل هو يريد ماله؟ وهل هو يريد كذا؟ ما علينا من هذا، نعم، إنما قتلت نفس فَادَّارَؤوا فيها، يعني: تخاصموا وتدافعوا حتى كادت تثور الفتنة بينهم، ولا حاجة بنا إلى أن نعلل لماذا قتل أو لأي غرض، هذا ما هو من شؤوننا؛ لأن القرآن ما تكلم به، ولكن غاية ما يكون أن نأخذ عن بني إسرائيل ما لا يكون فيه قدح في القرآن أو تكذيب له، هم قتلوا نفسًا فادارؤوا فيها واختصموا، كل يدعي أن هؤلاء قتلوه، وكادت الفتن تقوم بينهم، فقالوا: ما حاجة إلى أننا نتقاتل ويُذهِب بعضنا بعضًا، نذهب إلى نبي الله موسى ويخبرنا من الذي قتله، فذهبوا إليه، فقال لهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ صدّر الأمر من الله، ما قال: آمركم، ولا قال: اذبحوا، قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾؛ ليكون أدعى إلى قبولهم وامتثالهم؛ لأنه لو قال: اذبحوا بقرة، قد يتوهم متوهم أن هذا من اجتهاداته، من موسى، لكن إذا قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ﴾ ارتفع إيهام الاجتهاد، ولَّا لا؟ ووجب أن يكون قولًا جادًّا لا هُزْءًا، شوف ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ﴾، ومع هذا اللفظ الصريح ﴿أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ قالوا: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾ -أعوذ بالله- أتهزأ بنا؟ مع أنه أسنده إلى الله، وهذا -والعياذ بالله- من عتوهم، كيف هو نبيهم ويعرفون أنه نبي ومؤمنون به، ويسند الأمر إلى الله، ثم يقولون: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾ هل هذا ممكن؟ ما يمكن، لو نسب الفعل إليه لقلنا، وإن كان بعيدًا، لكن قد يكون أنه يريد أن..، لكن هذا بعيد، يعني باعتبار أنه نبي ومعصوم عن أن يهزأ بالخلق ما يمكن يقع، لكننا نقول لهؤلاء تنزُّلًا مع عقولهم: لو أن موسى ﷺ قاله من عند نفسه لقلتم: لعل هذا اجتهاد منه وليس بأمر من الله، لكن ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ﴾ ثم يقولون: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾ ﴿هُزُوًا﴾ هذه مصدر، وهي بمعنى اسم المفعول، أي: أتتخذنا مهزوءًا به، ويجوز أن تكون هزءًا على بابها ويصير المعنى: أتتخذنا ذوي هزء، فحُذِف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، على كل حال هي بمعنى: أتهزأ بنا؟ لكنها أشد؛ لأن اتخاذ الشيء معناه: الاستمرار فيه، اتخذت الشيء، أي: جعلته مأخوذًا لي، كأنه أمر أقبله وأستمر فيه، فهو أعظم من قولهم: أتهزأ بنا؟ يعني: كأنك اتخذتنا ألعوبة، ألعوبة لك، تقول: ﴿أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾؟ ويش علاقة البقرة بهذا المقتول؟ هذا هزء، لكن ماذا أجاب؟
﴿قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾، ولم يقل: من المستهزئين ﴿قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾، والمراد بالجهل هنا ليس ارتكاب الخطأ عن غير عمد، ولكنه ارتكاب الخطأ عن عمد؛ لأن الجهل يطلق على السفه، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [النساء ١٧]، يعني: أعوذ بالله أن أكون من ذوي الجهل والسفه، فأتخذ عباد الله هزوًا، ولا سيما وأنا أسندت الأمر إلى الله، هذا أمر مستحيل؛ ولهذا استعاذ منه؛ لأنه أمر لا يليق، أولًا: لا يجوز بالنسبة إلى إسناد الأمر إلى الله وهو ليس منه، والشيء الثاني: أنه لا يجوز أن يتخذ الإنسان أحدًا من عباد الله هزوًا، لا سيما في مثل هذا المقام.
وفي هذا دليل على أن الهزء بالخلق من السفه.
* طالب: لم يقل: من المستهزئين، لأيش؟
* الشيخ: لأجل أن يبين أن الاستهزاء بالخلق أو اتخاذهم هزوًا من الجهالة والسفه.
* طالب: أنت قلت شيخنا: الاتخاذ بمعني الاستمرار في الفعل، إذن قول الله عز وجل: ﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ﴾ [الأعراف ١٤٨] فهم ما استمروا على ذلك؟
* الشيخ: لا لا، حتى جاء موسى.
* الطالب: يعني: ما استمروا طول حياتهم على ذلك.
* الشيخ: إي، ما هو لازم؛ لأن الاستمرار بحسب الشيء، ما هو بلازم أنهم يستمروا طول حياتهم، المعنى: أنهم بس مستمرين؛ لأن الفعل يدل على الاستمرار، اتخذت هذا ثوبًا، يعني: معناه بلبسه دائمًا حتى يبلى، وهؤلاء اتخذوه، ولولا أن موسى جاء لاستمروا عليه.
* طالب: هزوًا بضم الزاي، ولا؟
* الشيخ: هزوًا بضم الزاي، ما هي عندكم بضم الزاي؟
* الطلبة: إي نعم.
* الشيخ: وعندي فيها قراءتان أيضًا: ﴿هُزْءًا﴾ و﴿هُزُؤًا﴾ ، ثلاثة، عندي فيها قراءتان غير اللي في الأصل.
وفيها أيضًا ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ﴾ فيها قراءة التسكين ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرْكُمْ﴾ ، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرْكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ (...).
* طالب: أيش وجهه؟
* الشيخ: وجه هذا التخفيف، ولا ما لها وجه؟
(...)
قوله: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ﴾ ﴿أَعُوذُ﴾ بمعنى أعتصم بالله، والاستعاذة ما تكون إلا بالله سبحانه وتعالى، أو بأحد فيما يقدر عليه ولَّا لا؟ إي نعم «مَنِ اسْتَعَاذَكُمْ فَأَعِيذُوهُ» »[[أخرجه أبو داود (٥١٠٩)، من حديث ابن عمر رضي الله عنه.]].
﴿قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ إذن، تبرأ من اتخاذهم هزوًا، بل أبلغ من التبرؤ، سأل الله أن يعصمه منه، وأنه أمر جدير بأن يستعيذ المرء منه.
﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾ ما رأيكم لو أنهم ذهبوا وذبحوا بقرة، وامتثلوا ما أمروا به؟ انتهى الأمر؛ لأن (بقرة) مطلقة أيسر، لكن بقرة مطلقة ما فيها أي وصف، لكنهم -والعياذ بالله- شددوا فشدد الله عليهم، وهكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ» »[[أخرجه البخاري (٣٩)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]. نعم، كل أمور الإنسان اللي تطلب فيها التشديد تصاب بأشد، حتى في أمور الطهارة، نعم، بعض الناس مثلًا قد يصاب بوساوس، ثم ينفتح عليه ما هو أشد، أو يروح بيغسل ثوبه من شيء فيه شبهة (...) أصيب بنجاسة محققة، فيشتد عليه الأمر، فالحاصل لو أنهم ذبحوا بقرة -أي بقرة كانت- انتهى الموضوع، لكنهم -والعياذ بالله- ﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾، شوف هذا الأسلوب الجاهل: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ ما قالوا: ربنا، ولا ادع الله، كأنهم بعيدون من موسى ومن ربه سبحانه وتعالى، ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ جعلوه في منزلة المرسول لهم الخادم، نعم، الذي يدعو ربه هو -نسأل الله العافية- وهذا من عتوهم يدلك على أن بني إسرائيل -والعياذ بالله- عندهم عتو، وأن الله سبحانه وتعالى جعل موسى نبيًّا لهم، وأنهم جديرون بأن يكون لهم مثل موسى عليه الصلاة والسلام في القوة.
* فوائد في هذه الآية:
* أولًا: أن الله سبحانه وتعالى لا يظلم أحدًا، فكل من آمن بالله واليوم الآخر، فإن له أجرًا.
* الفائدة الثانية: ثمرة الإيمان بالله واليوم الآخر وهو ثبوت الأجر وانتفاء الخوف والحزن، الخوف من أين؟ مما يستقبل، والحزن على ما مضى.
* الفائدة الثالثة: أنه لا فرق في ذلك بين جنس وآخر، فالذين هادوا والنصارى والصابئون مثل المؤمنين إذا آمنوا بالله واليوم الآخر، وإن كان المؤمنون من هذه الأمة يمتازون على غيرهم وهم أكثر أجرًا، لكن لهم أجرهم.
* طالب: (...) الصابئون، القول الصحيح فيهم؟
* الشيخ: القول الصحيح أنهم من لا ينتسبون إلى دين في أصلهم، ما ينتسبون إلى دين، فإذا آمنوا بالله واليوم الآخر، يعني: مثل ما جاءتهم رسل ينتسبون إليهم.
* الفائدة الرابعة: أن الجزاء قد يختلف بحسب الأمم؛ لقوله: ﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ أجرهم، ما قال: الأجر وأطلق، ﴿أَجْرُهُمْ﴾، هذه الأمة يضاعف أجرها، والأمم السابقة لا يضاعف، أليس كذلك؟ إذن ﴿أَجْرُهُمْ﴾ تفيد هذا ولَّا لا؟ تفيد؛ لأنه أضاف الأجر إلى نفس المأجورين، فيعطون الأجر الذي قدر لهم وكتبه الله لهم، إن كان مضاعفًا فهو مضاعف، وإن كان غير مضاعف فهو غير مضاعف.
* الفائدة الخامسة: أنه إذا ذُكِر الثناء في الشر على طائفة، وكان منهم أهل خير، فإنه ينبغي ذكر أولئك الذين اتصفوا بالخير حتى لا يكون (...)؛ لأنه بعد ما قال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [البقرة ٦١] بين أن منهم من آمن بالله واليوم الآخر، وأن من آمن بالله واليوم الآخر، فله أجره ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا؛ لأنه من تمام الإيمان بالله: الإيمان بالرسل، والإيمان بملائكته، وكتبه، والقدر خيره وشره، كل هذا داخل في الإيمان بالله؛ لأن الله أخبر عنه.
قال: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ [البقرة ٦٣، ٦٤].
* في هاتين الآيتين:
* أولًا: تذكير الله تبارك وتعالى لهذه الأمة –يعني: بني إسرائيل- بما أخذ عليهم من عهد في قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾، وهذا التذكير معناه الالتزام، يعني: فالتزموا بالميثاق، أليس كذلك؟
* طالب: بلى.
* الشيخ : * ثانيًا ، عتو بني إسرائيل حيث لم يؤمنوا إلا من تحت السياط، كما يقولون، لماذا؟ ما آمنوا إلا حينما رفع فوقهم الطور، وقيل: إما أن تأخذوا ما آتيناكم بقوة، وإلا أسقطناه عليكم، فحينئذٍ آمنوا، وهذا الإيمان في الحقيقة شبه اضطراري، وكل إنسان بيؤمن على الأقل خوفًا من الهلاك.
* وفيه أيضًا: دليل على قوة الله عز وجل؛ لقوله: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾، وقد قال الله تعالى في آية أخرى: ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ﴾ [الأعراف ١٧١]، من يحمل جبل الطور؟ ما أحد يستطيع، ما أحد يستطيع من الخلق أن يحمله، ولكن الله تعالى بقدرته حمله وصار كالظلة، الأحجار العظيمة الثقيلة الكبيرة أمسكها الله بقدرته، كما أنه جل وعلا يمسك الطير ﴿صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ﴾ [الملك ١٩] إذا صار يقبض تقول: نعم يقبض إذا كان هكذا يدخل الهواء وحمل نفسه، لكن غريب أنه صافات، صافات ما تتحرك أجنحته، ومع ذلك تندفع أو تقف أحيانًا، من الذي أمسكهن؟ ما يمسكهن إلا الله. ففيها أيضًا: دليل على قدرة الله سبحانه وتعالى.
* وفيه أيضًا: دليل على أن الواجب على أهل الملة أن يأخذوا كتابهم بقوة مو بضعف ولين ومداراة، لا، لا بد بقوة، بالتطبيق والدعوة، تطبيق على أنفسهم والدعوة إلى ذلك بقوة بدون فتور، وبدون تراخي؛ لأنه ما تتم المسألة إلا بهذا.
* وفيه أيضًا: دليل على أن الأخذ بالكتاب المنزل يوجب التقوى، من أين نأخذه؟ من قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ أي: لأجل أن تكونوا من المتقين لله عز وجل.
* الفائدة السادسة: لؤم بني إسرائيل أنهم بعد هذا لما رجع الجبل إلى مكانه، ماذا كان؟ تولوا ﴿تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾، وهذا من اللؤم؛ لأن الواجب أن يذكروا الأمر الأول حتى يستقيموا ويستمروا على الأخذ بقوة، لكن هم تولوا من بعد ذلك، من بعد ما رأوا الآيات تولوا.
* الفائدة السابعة: بيان فضل الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل؛ لقوله: ﴿فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، وهذه الأمة -ولله الحمد- فضل الله عليها أكبر من فضل بني إسرائيل.
* وفيه: دليل على أن الإنسان لا يستقل بنفسه في التوفيق، من أين؟
وقوله: ﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ [البقرة ٦٨] فيها بيان سوء أخلاق بني إسرائيل؛ لأنهم لم يقولوا: ادعُ الله لنا بل قالوا: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ فكأنهم جعلوا أنفسهم في جانب وجعلوا موسى وربه في جانب.
وقوله: ﴿يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾ هذا الطلب ليس له وجه في الواقع؛ لأن اللفظ بيِّن ﴿أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ [البقرة ٦٧] والمطلق ليس مجملًا يحتاج إلى بيان، الذي يحتاج إلى بيان هو المجمل، وأما الشيء المطلق فإنه لا يحتاج إلى بيان لوضوح معناه، فإذا قلت مثلًا: أكرم رجلًا. ما يحتاج أن تقول: وأيش نوع هذا الرجل؟ إذا أكرمت أي رجل حصل المقصود ﴿أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ لو ذبحوا أي بقرة حصل المقصود، فالأمر بيِّن، ولكن لتعنتهم قالوا: ﴿يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾ صار هذا الطلب منهم تعنُّتًا لا استرشادًا؛ لأن الأمر واضح؛ وهو أن البقرة عند الإطلاق تشمل أي بقرة تكون، ولهذا لو ذبحوا أي بقرة صادفتهم لكفتهم.
﴿يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ﴾ كلمة ﴿مَا هِيَ﴾ يسأل بها عن الماهية؛ يعني ما هذا؟ من الحجر؟ من الطين؟ من الحديد؟ ما هي ما الماهية؟ لكن موسى عليه الصلاة والسلام فهم أنهم لم يسألوا عن الماهية؛ لأن ماهية البقرة معروفة ولّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: أحد تشكل عليه ماهية البقرة؟ هي من خشب ولا حديد ولا زبرجد ولا أيش؟
* الطلبة: لا، واضحة.
* الشيخ: ما تشكل، الماهية واضحة، فلا نقول: إن في هذا صرفًا لما سألوه وأنهم أُجيبوا بغير ما سألوا؛ لأنهم سألوا عن الماهية فأجيبوا ببيان سن البقرة، نقول: السؤال عن الماهية هنا معلوم لكل أحد أنه لم يكن، لماذا لا يكون؟
* الطلبة: لأنها معروفة.
* الشيخ: لأن ماهية البقرة معروفة.
﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ﴾ البِكر معروف اللي ما عمرها ولدت ولا قرعها الفحل، والفارض: تعرف بمقابلها، إذا كانت البكر هي الصغيرة التي لم يقرعها الفحل، فإن الفارض هي المسنة الكبيرة، وهذا -أي تفسير الكلمة، أو معرفة الكلمة بمعرفة ما يقابلها- له نظير في القرآن، مثل قوله تعالى: ﴿فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ [النساء ٧١] لو قال لك واحد وأيش معنى ثُبات؟ تروح تطلع القاموس تدور معناها؟
* الطلبة: لا، تبين.
* الشيخ: لا، يتبين معناها بما ذكر مقابلًا لها وهو قوله: ﴿أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ يصير (الثُّبَات) معناه؟
* الطلبة: متفرقين.
* الشيخ: إي نعم متفرقين أفرادًا.
﴿لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾
﴿عَوَانٌ﴾ أي: وسط، العوان بمعنى الوسط اللي لا هي كبيرة ولا صغيرة.
وقوله: ﴿بَيْنَ ذَلِكَ﴾ (ذا) اسم إشارة، والمشار إليه اثنان: الفارض والبكر، وفيه إشكال على هذا؛ لأنه سبق لنا في باب الإشارة أنه إذا كان المشار إليه اثنين وجب تثنية اسم الإشارة، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: وهنا اسم الإشارة مثنى ولا مفرد؟
* الطلبة: مفرد.
* الشيخ: مفرد، فما هو الجواب عن هذا؟ نقول: إن الجواب عنه: هو أن يقال ﴿بَيْنَ ذَلِكَ﴾ أي بين ذلك المذكور من الفارض والبِكر؛ يعنى معناها أنها لا تكون هكذا ولا هكذا، ولكنها عوان بين ذلك المذكور. قال: ﴿فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ﴾ هذا الأمر منين؟
* الطلبة: من موسى.
* الشيخ: من موسى يقول لبني إسرائيل: ﴿افْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ﴾، بأي شيء كان الأمر؟ في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ ولو أنهم امتثلوا وتعجلوا وذبحوا بقرة عوانًا بين ذلك لحصل المقصود. وهنا قال: ﴿افْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ﴾ حرصًا منه على مبادرتهم حتى لا يتشددوا مرة ثانية فيُشدد عليهم. وفي قوله: ﴿مَا تُؤْمَرُونَ﴾ من الآمر؟
* الطلبة: الله.
* الشيخ: الله سبحانه وتعالى، وفيه إشكال في باب الموصول حيث إنه خالف قاعدة قرأناها.
* طالب: رابط.
* الشيخ: وأيش الرابط؟
* الطالب: ما تؤمرونه.
* الشيخ: ما تؤمرونه، ولا ما تؤمرون به؟
* الطالب: به.
* الشيخ: نعم، ما تؤمرون به، وأيش مخالفة القاعدة؟
* الطالب: الحذف.
* الشيخ: لا، حذفه موافق للقاعدة كثير ﴿يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ [المؤمنون ٣٣]. هذا كثير.
* طالب: لا بد نستفيد من ذكره من الالتباس.
* الشيخ: ما فيه التباس، من يعرف؟ اقرؤوا الموصول في حذف العائد.
* طالب: لأن وصل الموصول قصير، مع التي..
* الشيخ: لا لا، ما هو قصير جملة كاملة تؤمرون.
* طالب: اختلاف العامل.
* الشيخ: ما هو ذكرنا أنه إذا حُذف العائد المجرور يشترط إذا كان مجرورًا بحرف أن يكون مجرورًا بحرف يطابق الحرف الذي جر به الموصول لفظًا ومعنًى ومتعلقًا، وهنا الموصول مفعول أصلًا، الموصول مفعول به منصوب ﴿فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ﴾ افعلوا الذي تؤمرون به، وقد ذكرنا فيما سبق أن بعض العلماء ما يشترط هذا الشرط، وأنه يقول: إذا دل عليه دليل جاز حذفه وإن لم يجر الموصول بما جر به العائد، وإلا ابن مالك يقول: ؎كَذَا الَّذِي جُرَّ بِمَا الْمَوْصُولَ جَرْ ∗∗∗ كَــمُــرَّ بِالَّــذِي مَــرَرْتُ فَــهْــوَبَــرْ
إذن يكون هذا شاهدًا للقول الثاني في المسألة وهو أنه يجوز حذف العائد المجرور وإن لم يكن الموصول مجرورًا، ومن باب أوْلى وأحرى أنه يجر أيضًا بحرف لم يجر به الموصول.
﴿فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ﴾ وكان عليهم أن يفعلوا وإن لم يأمرهم نبيهم به، لكن هم أهل عناد وتعنُّت، ولهذا أمرهم أمرًا ثانيًا، ومع هذا ﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا﴾ أعوذ بالله! وأيش عليكم من لونها؟! لكن كل هذا من باب التعنت والتشدد
﴿مَا لَوْنُهَا﴾ يعني: أي شيء لونها؛ سوداء، بيضاء، شهباء، ما هي؟
﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾ [البقرة ٦٩] شُدِّد عليهم، بالأول عوان بين البكر والفارض، وبينهما زمن يعني لو جاؤوا مثلًا بواحدة قريبة من البكر أو واحدة قريبة من الفارض كبيرة حصل المقصود، لكن هنا شُدد عليهم ﴿إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ﴾ وأيش خرج بها؟
* طالب: ما عداها.
* الشيخ: ما عدا الصفرة من الألوان هذه واحدة، وهذا نوع قليل، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: ثانيًا: ﴿فَاقِعٌ لَوْنُهَا﴾ الفاقع يعني الصافي؛ بمعنى أنه ما فيه ما يشوبه ويخرجه عن الصفرة، وقيل: معنى ﴿فَاقِعٌ لَوْنُهَا﴾ أي شديد الصفرة وهو كل ما كان صافيًا كان أبين في كونه أصفر.
أيضًا ﴿تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾ يعني ليست صفرتها أيضًا صفرة توجب الغم أو صفرة مستكرهة، بل هي صفرة تفتح السرور لمن نظر إليها، وهذا أيضًا فيه تشديد من وجوه: ﴿صَفْرَاءُ﴾ و﴿فَاقِعٌ لَوْنُهَا﴾ والثالث: ﴿تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾ هذا معناه أن كم بقرة يمشون عليها ما يحصل لهم هذا الشيء.
وذكر بعض العلماء أن هذا فيه دليل على أن اللون الأصفر مطلوب لقوله: ﴿تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾ وجعل هذه الجملة بيانًا للواقع وقال: إن من لبس نعلًا أصفر لم يزل في سرور، ولكن هذا ليس بصحيح.
وإذا دار الأمر بين كون الجملة تأسيسية أو لبيان الواقع فالواجب أن تكون تأسيسية، وعلى هذا فنقول: إن ﴿تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾ جملة مستقلة عما قبلها؛ يعني زائد على كونها صفراء فاقع لونها أيضًا تسر الناظرين، ليست صفرتها على وجه يغم الإنسان ولا على وجه يكرهه بل هي تسره.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: بين كون الجملة تأسيسية أو لبيان الواقع، مانو مفهوم؟ فإنها تأسيسية؛ يعنى تأسيسية بمعنى مستقلة تفيد معنى زائدًا عن الأول.
* طالب: شيخ، فيه حديث نهى عن لبس المعصفر؟[[أخرجه مسلم (٢٠٧٨ / ٣١) من حديث علي بن أبي طالب.]]
* الشيخ: إي نعم، المعصفر الأحمر يعني عصفر أحمر لونه.
* الطالب: بالنسبة لهذا الوصف الذي وصفه الله سبحانه وتعالى، الصفراء اللي، ولا مؤاخذة في البقرة الصفراء لونها بيبقى فعلًا جميل وبتكون صافية فعلًا يعني أي حتى لما الواحد يشتري من السوق أي بقرة عندنا السماسرة يدور اللي لونها أصفر كده وبتبص تلاقيها يعني مرغوبة وفي التمن أغلى من النوع التاني.
* الشيخ: طيب، هذا يعني دوره طيب، أظن أنتم.
* الطالب: فربنا يعني عايز يشدد عليهم.
* الشيخ: إي نعم. ﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾ هذا أيضًا طلب ثالث. ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا﴾ [البقرة ٧٠] اشتبه علينا البقرة المطلوبة، وفي الحقيقة هو في هذا اشتباه؟
* طالب: ما فيه.
* الشيخ: ذكر لهم أنها بقرة، وذُكر لهم سنها، وذكر لهم لونها، فأين التشابه؟ لكن بس آية من آيات الله سبحانه وتعالى لأجل أن يشدد الله عليهم ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام ١١٠] .
يقول: ﴿إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا﴾ صار بعضه يشبه بعضًا، المتشابه الذي يشبه بعضه بعضًا، إحنا ما ندري أيهم المقصود، وهذا من تعنتهم، وإلا فالأمر واضح. ﴿وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ﴾ الأخيرة هذه طيبة منهم ﴿وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ﴾ أخذوا على أنفسهم أنهم سيهتدون، ولكنهم علقوا ذلك بمشيئة الله. قال بعض السلف: لو لم يقولوا: إن شاء الله، ما اهتدوا إليها أبدًا، ولكن كلمة (إن شاء الله) من أسباب تحقيق المطلوب كما قيل لسليمان عليه الصلاة والسلام لما قال: «وَاللَّهِ لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً تَلِدُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ»، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «فَطَافَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً فَوَلَدَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ شِقَّ إِنْسَانٍ»، ما حصل له ولا إنسان واحد، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَكَانَ دَرَكًا لِحَاجَتِهِ، وَلَقَاتَلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ»[[متفق عليه، البخاري (٢٨١٩)، ومسلم (١٦٥٤ / ٢٤) بنحوه من حديث أبي هريرة.]] .
إذن، قولهم: إن شاء الله، هذه من الأمور المشروعة التي توجب للإنسان أن يصل إلى مطلوبه.
وقولهم: ﴿إِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ﴾ أكدوا الهداية هنا بمؤكدين وهما: إنّ، واللام، وتأكيد ثالث: الجملة الاسمية أبلغ من الجملة الفعلية، ما قالوا: وسنهتدي إليها إن شاء الله بل قالوا: ﴿وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ﴾.
جاوبهم على هذا: ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا﴾ هذا أيضًا تشديد زيادة على ما سبق. ﴿إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ﴾ الذلول على وزن (فَعُول)، وهي المتذلِّلة التي ذُللت لصاحبها، وصفها الذلول ﴿تُثِيرُ الْأَرْضَ﴾ و ﴿تَسْقِي الْحَرْثَ﴾ مذلَّلة تثير الأرض بالحرث. أقول: تثير الأرض هذه المذللة، المذللة التي تثير الأرض بالحرث يحرث عليها وأظنكم تعرفون كيف يحرث على البقر تعرفونه؟
* الطلبة: إي نعم (...)
* الشيخ: إي نعم زين، ﴿وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ﴾ يعني ما يُسنى عليها، ليست سانية ولا حارثة. وقوله: ﴿مُسَلَّمَةٌ﴾ أي من العيوب، ما فيها عيوب.
وقوله: ﴿لَا شِيَةَ فِيهَا﴾ يعني ليس فيها لون يخالف لونها، مأخوذة من الوشي، وشي الثوب؛ يعني تلوينه بألوان مختلفة يُسمى وشيًا، فـ(شية) مأخوذة من الوشي مثل (عِدة) مأخوذة من الوعد، فمعنى ﴿لَا شِيَةَ﴾ ليس فيها لون ثانٍ يخالف لونها، ولونها -كما سبق- صفراء، إذن هي صفراء ما فيها سواد، ولا فيها بياض، ولا فيها أي لون آخر، وهذا كله من زيادة التشديد عليهم.
وبهذا التقرير نعرف أنه لا حاجة بنا إلى ما ذكره كثير من المفسرين هنا من الإسرائيليات التي قالوا فيها: إن هذه البقرة كانت عند رجل بار بأمه، وأنهم اشتروها منه بملء مسكها ذهبًا؛ يعني بملء جلدها ذهبًا، هذه كلها من الإسرائيليات التي لا تُصدّق ولا تكذب ولكن ما ينبغي أن نُنزل عليها كلام الله؛ لأن كلام الله عز وجل ما فيه إشارة إلى هذا، ولو كان هذا من الأمور الواقعة لكان من الحكمة أن يذكر، لماذا؟ لما فيه من الحثّ على بر الوالدين حتى نعتبر، فالصواب أننا نقول في تفسير الآية ما قال الله عز وجل، ولا نتعرض للأمور الأخرى التي ذكرها المفسرون هنا من الحكايات.
﴿قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ﴾ شوف أعوذ بالله ﴿الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ﴾ طيب وبالأول؟
* الطلبة: على موجب كلامهم.
* الشيخ: على موجب كلامهم أنه في الأول ما أتيت بالباطل، وقد صدروا هذه القصة بقولهم: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ يعني الآن عرفنا أنك لست تستهزئ وإنما أنت صادق، هذا هو المتبادر من الآية الكريمة وليس بغريب على تعنتهم أن يقولوا مثل هذه الجملة، وقال بعض المفسرين اتقاء لهذا المعنى البشع، قال: إن المراد بقوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ أي بالبيان التام، يعني الآن بينت لنا أوصافها، فجعلوا الحق هنا بمعنى البيان، ولكن الصواب أن الحق هنا ضد الهزء والباطل، ويدل على ذلك أنهم صدَّروا هذه القصة بقولهم: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾ فبعد هذه المناقشات مع موسى والسؤالات والطلب من الله عز وجل قالوا: ﴿الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقّ﴾ وعرفنا أنك لست مستهزئًا بنا بل إنك جاد فيما تقول.
﴿فَذَبَحُوهَا﴾ يعني فطلبوها؛ لأن هذه الجملة فيها إيجاز يسمى في البلاغة: إيجاز الحذف، يعني إيجاز الحذف يُحذف جمل يدل عليه السياق، وإيجاز القصر يؤتى بجملة تشتمل على معانٍ كثيرة مع اختصارها، فقوله: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة ١٧٩] مثلًا وأيش يسمى هذا؟
* الطلبة: إيجاز قصر.
* الشيخ: هذا إيجاز قصر؛ لأن هذه الآية كلمات معدودة تدل على معانٍ كثيرة، لكن ﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ [القصص ٢٤، ٢٥]. هذه فيها إيجاز حذف ولّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لأن تقدير الآية: فسقى لهما، ثم ذهبتا إلى أبيهما وقصَّتا عليه القصة فأرسلهما إلى موسى، فجاءته إحداهما، أرسل إحداهما إلى موسى فجاءته إحداهما تمشي على استحياء إلى آخره. وهنا قوله: ﴿فَذَبَحُوهَا﴾ لو أخذنا الآية على ظاهرها لكانت البقرة تكون عندهم جاهزة، ولكنها لا بد من طلب، طلبوا بقرة تنطبق عليها هذه الأوصاف بالسن واللون والعمل، السن؟
* طالب: السن، ما فهمت السؤال.
* الشيخ: أقول هذه البقرة وجدوها بالأوصاف، وجدوا بقرة انطبقت عليها الأوصاف بالسن واللون والعمل.
* الطالب: لا السن، اللون.
* الشيخ: السن وأيش هو؟
* الطالب: السن بكر.
* الشيخ: لا، ما هي البكر.
* طالب: البكر يا شيخ.
* الشيخ: ﴿لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ﴾.
* طالب: ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾.
* الشيخ: ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ وفي اللون؟
* الطالب: صفراء، لا تشبه لا أبيض لا أحمر طاغ بيّن.
* الشيخ: زين، وأيش بعد؟ كمّل؟ ولَّا تنظر بعد؟
* طالب: ﴿فَاقِعٌ لَوْنُهَا﴾.
* الشيخ: ﴿فَاقِعٌ لَوْنُهَا﴾ وأما قوله ليس فيها لون آخر ذكره؟
* الطالب: ﴿لَا شِيَةَ فِيهَا﴾
* الشيخ: ﴿لَا شِيَةَ فِيهَا﴾ أيضًا في العمل؟
* الطالب: ﴿لَا ذَلُولٌ﴾.
* الشيخ: ﴿لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ﴾ إي نعم. وباعتبار السلامة هي أيضًا ﴿مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ﴾.
قال الله تعالى: ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ ﴿ذَبَحُوهَا﴾ كما أمرهم نبيهم ﴿وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾.
قوله: ﴿وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ هذه فيها كلام بين النحويين هل (كاد) مثل غيرها من الأفعال أو (كاد) عكس غيرها من الأفعال؛ لأن كاد بمعنى قارب ﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ [البقرة ٢٠] أي: يقرب من خطف أبصارهم.
فبعض العلماء يقول: إن (كاد) نفيها إثبات وإثباتها نفي، فإذا قلت: كاد يفعل كذا فمعناه أنه ما فعل، وإذا قلت: لم يكد يفعل كذا، فمعناه أنه فعل؛ لأن قوله شوف ﴿وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ هم فعلوا ولّا لا؟
* الطلبة: فعلوا.
* الشيخ: فعلوا، ولكن الصواب بلا شك أنها كغيرها نفيها نفي وإثباتها إثبات، فإذا قلت: ما كاد يفعل، فمعناه أنه لم يفعل ولم يقارب الفعل، وحينئذٍ هل هؤلاء ما قاربوا الفعل؟ يقول: لولا قوله: ﴿فَذَبَحُوهَا﴾ لقلنا: إنهم ما ذبحوها ولا قاربوا أن يذبحوها.
فإذا قال قائل: هذا يؤدي إلى التناقض؛ لأنكم إذا قلتم: ﴿فَذَبَحُوهَا﴾ وما قاربوا أن يفعلوا صار تناقضًا؟
فيقال: لا تناقض لاختلاف الزمن، فهم ما كادوا يفعلونه قبل الذبح؛ يعني كل سؤالاتهم السابقة تعنت لعلهم يتخلصون ﴿فَذَبَحُوهَا﴾ على مضض، فيكون نفي المقاربة مخالفًا للفعل في شنو؟ في الزمن، وحينئذٍ لا تناقض؛ لأن التناقض لو قلنا: ذبحوها في وقت لم يقاربوا ذبحها لكان هذا متناقضًا؛ لأن الذابح لا يقال: إنه ما يكاد يفعل؛ لأن الذابح فعل.
إذن (كاد) كغيرها من الأفعال ومعناها (قارب)، فإذا دخل عليها شيء من أدوات النفي نفى المقاربة، وإذا انتفت المقاربة انتفى الفعل ولّا لا؟
* الطلبة: إي نعم.
* الشيخ: إذا قلت: ما قاربت أن أفعل، معلوم أنك ما فعلت، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: وأما إثباتها إثبات، فإذا قلت: كدت أن أفعل، معناه قاربت الفعل، لكن ما فعلت، قاربت الفعل ولكنني لم أفعل واضح يا جماعة؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: إذا قررنا هذا، أو إذا ثبت تقريرنا هذا يبقى في الآية الكريمة ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ كيف تقولون: إن (ما كادوا يفعلون) معناها: ما قاربوا أن يفعلوا والله يقول: ﴿فَذَبَحُوهَا﴾ هذا تناقض؟ فماذا نقول في الجواب؟
نقول: لا تناقض لاختلاف الزمن، فما كادوا يفعلون بالأول، ما قاربوا أن يفعلوا لتعنتهم، وفي الأخير فعلوا، وحينئذٍ لا تناقض، الإنسان بنفسه دائمًا يشعر بأنه لن يفعل هذا الفعل أبدًا، ثم لا يدري إلا وهو فاعله.
ما تقولون في قول الله تعالى: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ [النور ٤٠]؟ ما تنقض علينا ما قلنا؟
* الطلبة: لا.
* طالب: لم يرها.
* الشيخ: لم يرها يعني؟
* الطلبة: لم يرها.. شاهد لنا.
* الشيخ: إيه، شاهد لنا، يعني يظن بعض الناس أن ﴿لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ يعني يراها بمشقة، يظن بعض الناس يتبادر إلى ذهنه هذا؛ إن ﴿لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ أي أنه يراها بمشقة، والأمر ليس كذلك بل ﴿لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ معناه ما يراها، ولا يقارب رؤيتها، فيكون إذن هذا شاهدًا لما قررناه.
إذا قلت: كدت أطير فرحًا بنجاحي، هل أنا طرت؟
* الطلبة: قاربت.
* الشيخ: قاربت، ولكن لم أطِر، إذن هذا ماشي على الباب يعني، فقول بعض النحويين رحمهم الله: إن نفيها إثبات وإثباتها نفي، ليس بصحيح، وقد أبطل هذا ابن هشام في كتابه المغني.
* طالب: على ماذا استندوا؟
* الشيخ: استندوا لأنه إذا قال: ما كدت أن أفعل فهي تدل على أني؟
* الطالب: ما كنت فاعلًا.
* الشيخ: إني ما فعلت هذا الشيء، إني ما كدت أن أفعله، ولكني فعلته استدلوا بالآية، وفي الحقيقة ما يصير هذا. قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ» »[[متفق عليه، البخاري (٥٩٦)، ومسلم (٦٣١ / ٢٠٩) من حديث جابر بن عبد الله.]] هل الرسول صلاها قبل الغروب ولّا لا؟
* الطلبة: صلى قبل الغروب.
* الشيخ: قبل الغروب؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: شوف ما قاربت أن أصلي العصر حتى قاربت الشمس الغروب.
* الطلبة: ما قاربت.
* الشيخ: هل صلاها قبل الغروب ولّا لا؟
* الطلبة: صلاها قبل الغروب.
* الشيخ: لا يا أخي؛ لأنه لما قال ابن عمر[[كذا، والصواب: عمر بن الخطاب، كما في البخاري (٥٩٦)، ومسلم (٦٣١ / ٢٠٩). ]] اللي قال هكذا، فقال الرسول: «وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا»، ثم قاموا إلى بطحان فتوضؤوا وصلوا بعدما غربت الشمس».
* الطالب: لا، الظاهر صلوها بعد الغروب.
* الشيخ: إي، صلوها بعد الغروب؛ لأنه هنا قال: «مَا كِدْتُ أُصَلِّي»، يعني ما قاربت الصلاة، ما قال: ما صليت حتى كادت، قال: ما قاربت أن أصلي؛ يعني ما أمكنني لشدة القتال أن أكون قريبًا من الصلاة، قريبًا من الصلاة ما هو فاعلًا للصلاة، قريبًا منها حتى كادت الشمس أن تغرب، لما قاربت الشمس الغروب.
* طالب: صلّى.
* الشيخ: لا، مو صلى، قاربتُ الصلاة، لما قاربت الشمس الغروب قاربت الصلاة فلما غربت صليت.
* الطالب: يا شيخ اللي قاله ما هو عمر؟
* الشيخ: قالها عمر والرسول قال: «وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا» ».
* الطالب: قال: ما أيقظتني حتى (...).
* الشيخ: إيه إي نعم، اللي قالها عمر كما قلنا أخيرًا؛ اللي قاله عمر وقال الرسول: «وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا»، ثم قاموا فصلوا.» فهنا الحديث ما يدل على أن عمر صلاها قبل الغروب بدلالة أنه ما قارب أن يصليها حتى قاربت الشمس الغروب، فلما قاربت الشمس الغروب قارب صلاتها، قارب أن يصلي، ثم هل صلَّى أو ما صلى؟
الحديث يدل على أنه ما صلى قام هو والرسول بعد الغروب وتوضؤوا من بطحان وصلوا.
قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ [البقرة ٧٢] قرر الله القصة قبل أن يذكرهم بالسبب، قرر الله القصة لبني إسرائيل قبل أن يبين السبب، ما سبب قول موسى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾؟
هذا هو السبب أنهم قتلوا نفسًا فادارؤوا فيها، تدافعوا، كل منهم يدعي أن هذا هو القاتل، وبلا شك أن هذا يحصل به فتنة عظيمة، والمقتول قد مات، ولا يمكن أن يخبر من الذي قتله بعد موته، فأراهم الله تبارك وتعالى بل أمرهم سبحانه وتعالى أن يذبحوا هذه البقرة لتكون آية، ويعرف القاتل لهذا القتيل، فهم بعد أن قتلوا هذه النفس وادارؤوا فيها، وأضاف القتل إليهم وإن كان بعضهم بلا شك لم يرضَ به، فالذين يطالبون بقتل القاتل لم يرضوا به، لكن -كما مر علينا من قبل- أن الشيء إذا فعله الأمة وسكت الباقون يعتبر فعلًا للجميع.
وقوله: ﴿ادَّارَأْتُمْ﴾ أيش معنى الادراء؟
* طالب: التدافع.
* الشيخ: معناه الاختلاف والتدافع، كل واحد منهم يدافع عن نفسه التهمة. ومنه «ادْرَؤُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» »[[قال ابن كثير في تحفة الطالب (ص ٢٢٦): لم أرَ هذا الحديث بهذا اللفظ، وأقرب شيء إليه ما رواه الترمذي عن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ: «ادْرَؤُوا الحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ؛ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ». قال: وروي موقوفًا وهو أصح. وانظر نصب الراية (٣ / ٣٣٣)، والمقاصد الحسنة (ص٧٤).]] أي ادفعوها ﴿فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا﴾ قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ في هذا دليل على أنهم كتموا؛ لأن القاتلين لو اعترفوا بالقتل حصلت المدارأة؟
* الطلبة: لا، ما حصلت.
* الشيخ: ما تحصل المدارأة ولا يحصل شيء، ولكنهم كتموا فأخرج الله تبارك وتعالى ما كتموه بهذه الآية العظيمة.
* طالب: الأسئلة التي حصلت منهم هل كان قصدهم التخلص؟
* الشيخ: يبدو -والله أعلم- أنهم تعنتوا ليتخلصوا منها؛ لأن قوله: ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ [البقرة ٧١] يدل على هذا مثل ما إن الإنسان لو أمرك بشيء وأنت مثلًا تكره أن تمتثل تجدك تتعنت، وأيش تبغي، وأيش لونه، وأيش؟
* طالب: ألا يدل على حرصهم على التطبيق؟
* الشيخ: لا أبدًا، ولهذا الله يذكرهم هذا الشيء توبيخًا لهم، لو كان هذا حرصًا على التطبيق لكانوا يمدحون على هذا الأمر ما يقول الله: ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾؛ لأن هذا فيه غاية الشناعة عليهم والعياذ بالله.
* طالب: شيخ، الأسئلة هذه كانت في مجلس واحد أو في عدة مجالس؟
* الشيخ: الله أعلم، ما أدري في مجلس واحد أو أنها في مجالس وهم يطلبون هذه البقرة ثم يرجعون إليه فيختلفون فيها ثم يرجعون إليه، الله أعلم، ما ندري.
قال: ﴿فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ كل ما تكتمونه من الأمور فإن الله تعالى مخرجه. وهل هذا خاص بهم أو حتى في هذه الأمة؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، هذا في يوم القيامة يوم القيامة معروف (...)، والعطف يقتضي المغايرة، فلا يصح تفسير الرحمة بالفضل، ولكن الفضل من آثار الرحمة.
* وفيه أيضًا: إثبات الأسباب وربطها بمسبباتها لقوله: ﴿فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ﴾ [البقرة ٦٤].
فهذا صريح في إثبات الأسباب، ولا أحد ينكر الأسباب إلا الأشاعرة فإنهم جاؤوا بأمر يضحك منه السفهاء دون العقلاء، وأيش قالوا؟ قالوا: الأسباب غير مؤثرة وآثارها تحصل عندها لا بها، فإذا دخلت ورقة في النار فاحترقت قالوا: النار ما أحرقتها، لكن احترقت عندها لا بها، وإذا أكلت طعامًا فشبعت، قالوا: ما شبعت بالطعام، ولكن عنده لا به مع أن الطعام لو يكدس عندك ولا تأكله ما شبعت، وكذلك النار لو تبقى عندها الأوراق والعيدان ما احترقت.
قالوا: أيضًا إذا ضربت زجاجة بحجر وانكسرت لم يحصل الانكسار بالحجر، ولكن عند الحجر، بينما أنك لو تضع ثقل الحجر هذا أربع مرات على الزجاج من دون قذف ما انكسر مع أنها على ظهرها على ظهر الزجاج ما هو بس عنده، فالمهم أن هذا الشيء يضحك منه السفهاء فضلًا عن العقلاء، وكل هذا من باب تنزيه أن يكون في ملك الله سبحانه وتعالى ما لا تتعلق به المشيئة، وهذا نقول: الله جعل الأسباب موجبة لمسبَّباتها وجعل المسبَّبات مربوطة بالأسباب، وهذا من حكمته.
* طالب: وجوب تبليغ ما أنزل الله لقوله ﴿وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ﴾.
* الشيخ: إيه ﴿اذْكُرُوا مَا فِيهِ﴾ إن كان لغيركم فهذا يدل على وجوب التبليغ، إن كان المعنى اذكروه في نفوسكم لأجل الاتعاظ فليس فيه دليل.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [البقرة ٦٥].
* فيها توبيخ الموجودين في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام على عدم الإيمان به، وجه ذلك؟
* طالب: العلم.
* الشيخ: أنهم علموا ما حل بأسلافهم من النكال بسبب المخالفة، فكان عليهم أن يكون ذلك موعظة لهم يرتدعون به عن معصية الله.
* وفيه أيضًا دليل على تحريم الحيل، وأن المتحيل لا يخرج عن العدوان لقوله: ﴿الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ﴾ أولًا، الحيل أبلغ من الإتيان بالشيء على وجه الصراحة أولًا: لأنها جامعة بين المفسدة المترتبة على هذا الممنوع وبين مفسدة الخداع لله سبحانه وتعالى، فالمتحيل على الربا واقع في الربا وزائدًا على ذلك أنه خادع الله عز وجل، وأنت إذا تأملت حيل اليهود في السبت وحيلهم في بيع شحوم الميتة وقد حرمت عليهم ثم جملوها وباعوها وأكلوا ثمنها وجدت أنه أسهل مما يتحيل به كثير من الناس اليوم على الربا، أسهل ومع ذلك أحل الله بهم نقمته، ونهانا الرسول عليه الصلاة والسلام كما في المسند بسند لا بأس به أن الرسول ﷺ قال: «لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ الْيَهُودُ؛ فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهَ بِأَدْنَى الْحِيَلِ» »[[لم نجد هذا الحديث في المسند، وإنما أخرجه ابن بطة في إبطال الحيل (ص٤٦-٤٧) من حديث أبي هريرة، قال الحافظ ابن كثير في التفسير (١ / ٢٩٣) و(٣ / ٤٩٣): «وهذا إسناد جيد»، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (٣/١٢٣): «هذا إسناد جيد يصحح مثله الترمذي وغيره تارة ويحسنه تارة».]].
* الفائدة، هذه فائدة ثانية: أن المتحيل على المحرم واقع فيه ولا تنفعه الحيلة.
* الفائدة الثالثة: بيان حكمة الله في مناسبة العقوبة للذنوب، كذا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: لأن العقوبة أنهم قُلبوا قردة خاسئين، أولًا، فالذنب اللي فعلوه أنهم فعلوا شيئًا صورته صورة المباح، ولكن حقيقته غير مباح، صورة القرد شبيهة بالآدمي، ولكنه ليس بآدمي، فهذه أن الجزاء من جنس العمل، ويدل لذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ﴾ [العنكبوت ٤٠] إلى آخره.
* وفيه أيضًا دليل على قدرة الله عز وجل لقوله: ﴿كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ فكانوا في لحظة ما هم في توالد أنهم صاروا وأولادهم قردة، هم بلحظة انقلبوا -والعياذ بالله- قردة.
* الفائدة الخامسة: إثبات القول لله عز وجل لقوله: ﴿فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾.
* الفائدة السادسة: أن الذين قُلبوا قردة من هذه القرية هم الذين اعتدوا في السبت، أما الذين نُهوا عن السوء فقد نجوا، وأما الذين قالوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ [الأعراف ١٦٤] فهؤلاء سُكت عنهم، أو نقول: أخذوا بعذاب بئيس لكن ما قلبوا قردة.
* الفائدة السابعة في قوله: ﴿فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا﴾: أن العقوبات فيها تنكيل لغير العامل، ولّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لقوله: ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا﴾ إما زمانًا وإما مكانًا، وقلنا: ﴿مَا بَيْنَ يَدَيْهَا﴾ بالنسبة للزمان يعني الموجودين في عصرهم ﴿وَمَا خَلْفَهَا﴾ من يأتي بعدهم، أما إذا كان مكانًا فالمسألة واضحة اللي بين يديها اللي أمامها واللي خلفها من حولها يعني ما بين يديها وما خلفها من حولها.
* طالب: الفائدة؟
* الشيخ: الفائدة أن العقوبات تكون تنكيلًا لغير العامل.
* الفائدة الثامنة: يمكن أن نأخذ من هذا فائدة الحدود الشرعية التي تثبت في الدنيا، الحدود الشرعية وعقوباتها؛ عقوبة الزنا، عقوبة السرقة، إلى آخره. من فوائدها أيش؟
* الطلبة: أنها نكال.
* الشيخ: أنها نكال لغير الفاعل وللفاعل أن يعود مرة أخرى إلى هذا الذنب.
* الفائدة التاسعة: أن الذين ينتفعون من مثل هذه المواعظ هم المتقون.
* الفائدة العاشرة: أن المواعظ قسمان: كونية وشرعية، كونية هي قدرية، كونية وشرعية، هنا كونية ولا شرعية؟ الموعظة؟
* الطلبة: كونية.
* الشيخ: كونية قدرية؛ لأن الله أحل بهم العقوبة التي تكون نكالًا لما بين يديها وما خلفها ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾ [يونس ٥٧]. هذه موعظة شرعية، أيهما أقوى؟ المواعظ الشرعية أو الكونية؟
* الطلبة: الكونية.. حسب.
* الشيخ: أما للحمير فالكونية أعظم، وأما للمؤمنين فالشرعية أعظم؛ لأن انتفاع المؤمن بالشرائع أعظم من انتفاعه بالقضاء بالمقدورات، لكن بليد الحمار ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ [الجمعة ٥]. هذا يتعظ بالأمور الكونية أعظم. ومع ذلك إذا جاءت قسوة في القلب..
لقوله: ﴿مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ ومهما يكتم المرء يعلمه الله سبحانه وتعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾ [البقرة ٢٣٥].
وفيه * -الفائدة السادسة-: بيان نعمة الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل في بيان الأمر الواقع، فإن من نعمة الله أن يبين لهم الأمر الواقع حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم، ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: ألا يستفاد به -أيضًا- أن بيان الأمور الخفية التي يحصل فيها الاختلاف والنزاع من نعمة الله؟ إي نعم، يعني: مثلًا إذا اختلفنا في أمور وكاد الأمر يتفاقم حتى يصل إلى الفتنة، ثم أظهر الله ما يبينه، فإن هذا من نعمة الله سبحانه وتعالى علينا؛ لأنه يزيل بذلك هذا الخلاف وهذا النزاع.
* طالب: ما يستفاد شيء من ذكر السبب بعد حكاية الأمر؟
* الشيخ: بعد حكاية القصة؟
* الطالب: إي، تأخيره.
* الشيخ: فائدة تأخير ذكر السبب قبل القصة هو المبادرة بذكر النعمة قبل بيان سببها.
﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا﴾ ﴿قُلْنَا﴾ على لسان موسى، كذا ولَّا لا؟
* فيستفاد منه: أن قول الرسول قول لمرسله، طبعًا إذا كان بأمره، قول الرسول الذي يكون بأمر الله يكون قولًا لله.
* الفائدة الثانية: أن البعض الذي ضرب به هذا القتيل من البقرة غير معلوم، ويش الدليل؟
* الطلبة: ﴿بِبَعْضِهَا﴾.
* الشيخ: لقوله: ﴿بِبَعْضِهَا﴾، أبهمه الله، ومحاولة بعض المفسرين أن يعينوه محاولة ليس لها داعٍ؛ لأن المقصود الآية.
* الفائدة الثالثة: أنه ينبغي لطالب العلم أن يعتني بالمعنى، معنى القصة وغرضها دون من وقعت عليه؛ ولهذا نرى أنه من التكلف ما يفعله بعض الناس إذا جاء في الحديث: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، كذا وكذا، تجد بعض الناس يتعب ويتكلف في تعيين هذا الرجل، وهذا ليس بلازم، المهم ما هو؟ معنى القصة وموضوعها، أما أن تعرف ما هذا الرجل، ما هذا الأعرابي، ما هذه الناقة مثلًا، ما هذا الحمار؟ ما هو لازم إذ إن المقصود في الأمور معانيها وما توصل إليه، فلا يضر الإبهام في هذا الأمر من قوله: ﴿بِبَعْضِهَا﴾، والله تعالى قد عينه لهم ما فيه شك، أو أن الله أبهمه عنا نحن فقط فقال: ﴿بِبَعْضِهَا﴾ ولم يُبيِّنه لنا؛ لأن هذا ما هو أمر مهم.
* ونستفيد منه فائدة: إذا كانوا قد أمروا أن يضربوه ببعضها فقط ولا عين لهم، نستفيد منه فائدة: أن المبهم في أمور متعددة أيسر على المكلف من المعين، يعني: إذا قيل لك: افعل بعض هذه الأشياء، أسهل مما إذا قيل لك: افعل هذا الشيء، ولَّا لا؟ فيكون في هذا توسعة على العباد إذا خيروا في أمور متعددة (...).
وصفهم بالقسوة بقسوة القلب؛ لقوله: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾.
* وفيها أيضًا: دليل على لؤم بني إسرائيل الذين جاءتهم هذه النعم، ومع ذلك فإنهم لم يلينوا للحق، بل قست قلوبهم على ظهور هذه النعم عندهم.
وفيها أيضًا * -الفائدة الثالثة-: ﴿فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ﴾ تشبيه المعقول بالمحسوس؛ لأن الحجارة أمر محسوس، والقلب قسوته أمر معقول، إذ إنه ليس المعنى أن القلب اللي هو المضغة يقسو، القلب هو هو، لكن المراد أنه يقسو بإعراضه عن الحق واستكباره عليه، فهو أمر معنوي شُبه بالأمر الحسي، وهذا من بلاغة القرآن: تشبيه المعقول بالمحسوس حتى يتبين.
* وفيه: أن الحجارة أقسى شيء يضرب به المثل، ولم يقل: كالحديد؛ لأن الحديد يلين بالنار.
* وفيه أيضًا: دليل على أن الحجارة تفترق عن قلوبهم؛ لأن فيها خيرًا، وهي: ﴿مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾، وهؤلاء -والعياذ بالله- على العكس.
* وفيها أيضًا: دليل على سعة علم الله سبحانه وتعالى؛ لقوله: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ أو ﴿عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ وهذه الصفة من صفات الله سبحانه وتعالى السلبية أو الثبوتية؟
* طالب: السلبية.
* الشيخ: هي سلبية ولّا ثبوتية؟ هل أن الله نفاها عن نفسه ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ﴾ أو أثبتها؟
* الطلبة: نفاها.
* الشيخ: هل قال: إن الله غافل؟ أو ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ﴾؟
* الطلبة: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ﴾.
* الشيخ: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ﴾، فهي صفة سلبية، وقد مر علينا أن الصفات السلبية التي ينفيها الله سبحانه وتعالى عن نفسه تتضمن أمرين هما: نفي هذه الصفة، وإثبات كمال ضدها، فهنا نقول في قوله: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ نفي غفلة الله سبحانه وتعالى عن عملهم ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ﴾.
* وفيها: إثبات كمال ضد ذلك، وهو العلم والمراقبة أن الله سبحانه وتعالى رقيب على أعمالهم عالم بها ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.
* وفي هذه الآية من الفوائد: أن الجمادات تعرف الله عز وجل؛ لقوله: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾، وهذا دليل على أنها تعرف الله، وهذا أمر معلوم من آيات أخرى في قوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجمعة ١]، ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء ٤٤].
* وفيها أيضًا من الفوائد: عظمة الله عز وجل؛ لقوله: ﴿مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾؛ لأن الخشية هي الخوف المقرون بالعلم؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر ٢٨]، فمن علم عظمة الله سبحانه وتعالى فلا بد أن يخشاه ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾.
* وفي الآية أيضًا: دليل على كمال قدرة الله سبحانه وتعالى؛ حيث جعل هذه الحجارة الصماء تتفجر منها الأنهار، ولَّا لا؟ وكان موسى ﷺ يضرب بعصاه الحجر، فينبجس ويتفجر عيونًا بقدرة الله تبارك وتعالى.
{"ayahs_start":62,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِینَ هَادُوا۟ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِـِٔینَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ","وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُوا۟ مَاۤ ءَاتَیۡنَـٰكُم بِقُوَّةࣲ وَٱذۡكُرُوا۟ مَا فِیهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ","ثُمَّ تَوَلَّیۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَۖ فَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَكُنتُم مِّنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ","وَلَقَدۡ عَلِمۡتُمُ ٱلَّذِینَ ٱعۡتَدَوۡا۟ مِنكُمۡ فِی ٱلسَّبۡتِ فَقُلۡنَا لَهُمۡ كُونُوا۟ قِرَدَةً خَـٰسِـِٔینَ","فَجَعَلۡنَـٰهَا نَكَـٰلࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهَا وَمَا خَلۡفَهَا وَمَوۡعِظَةࣰ لِّلۡمُتَّقِینَ","وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦۤ إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُكُمۡ أَن تَذۡبَحُوا۟ بَقَرَةࣰۖ قَالُوۤا۟ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوࣰاۖ قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡجَـٰهِلِینَ","قَالُوا۟ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ یُبَیِّن لَّنَا مَا هِیَۚ قَالَ إِنَّهُۥ یَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةࣱ لَّا فَارِضࣱ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَیۡنَ ذَ ٰلِكَۖ فَٱفۡعَلُوا۟ مَا تُؤۡمَرُونَ","قَالُوا۟ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ یُبَیِّن لَّنَا مَا لَوۡنُهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ یَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةࣱ صَفۡرَاۤءُ فَاقِعࣱ لَّوۡنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّـٰظِرِینَ","قَالُوا۟ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ یُبَیِّن لَّنَا مَا هِیَ إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَـٰبَهَ عَلَیۡنَا وَإِنَّاۤ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ لَمُهۡتَدُونَ","قَالَ إِنَّهُۥ یَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةࣱ لَّا ذَلُولࣱ تُثِیرُ ٱلۡأَرۡضَ وَلَا تَسۡقِی ٱلۡحَرۡثَ مُسَلَّمَةࣱ لَّا شِیَةَ فِیهَاۚ قَالُوا۟ ٱلۡـَٔـٰنَ جِئۡتَ بِٱلۡحَقِّۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا۟ یَفۡعَلُونَ","وَإِذۡ قَتَلۡتُمۡ نَفۡسࣰا فَٱدَّ ٰرَ ٰٔۡ تُمۡ فِیهَاۖ وَٱللَّهُ مُخۡرِجࣱ مَّا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ","فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ كَذَ ٰلِكَ یُحۡیِ ٱللَّهُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَیُرِیكُمۡ ءَایَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ","ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَ فَهِیَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ أَشَدُّ قَسۡوَةࣰۚ وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا یَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَـٰرُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا یَشَّقَّقُ فَیَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَاۤءُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا یَهۡبِطُ مِنۡ خَشۡیَةِ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ"],"ayah":"فَجَعَلۡنَـٰهَا نَكَـٰلࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهَا وَمَا خَلۡفَهَا وَمَوۡعِظَةࣰ لِّلۡمُتَّقِینَ"}