الباحث القرآني
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ فيها قراءتان، ﴿رِهَان﴾ فيها قراءتان؟
* طالب: فيها قراءة ﴿فَرُهُنٌ﴾ .
* الشيخ: ﴿فَرُهُنٌ﴾. و﴿رِهَانٌ﴾ هل بينهما فرق من حيث الصيغة؟
* طالب: ﴿فَرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ يعني: بمعنى.
* الشيخ: من ناحية الصيغة يعني، هل كلهم مفرد ولا يختلفن؟
* الطالب: ﴿فَرُهُنٌ﴾ مو مفرد أكثر من واحد.
* الشيخ: جمع. و﴿رِهَانٌ﴾؟
* الطالب: مفرد.
* الشيخ: مفرد، ورهن؟
* الطالب: رهان (...).
* الشيخ: إذن هي جمع، يعني هما في الصيغة سواء، كلها جمع رهن.
قوله: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ ويش معنى ﴿اؤْتُمِنَ﴾؟
* طالب: الذي اؤتمن أي الذي يعطي (...) ﴿الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ الذي يعطي (...) يعني إذا كنتم في الحضر فإن أمن بعضكم بعضًا (...).
* الشيخ: وأيش معنى ﴿اؤْتُمِنَ﴾ بس، ما نبغي إلا هذا؟
* الطالب: أي كان أمينًا.
* الشيخ: أي جُعل أمينًا، صح.
قوله: ﴿فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ إعرابه؟
* طالب: ﴿آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ فعل وفاعل.
* الشيخ: لا.
* طالب: نقول: الفاء على حسب ما قبلها أو عاطفة.
* الشيخ: لا، ما هي على حسب ما قبلها ولا عاطفة، هي على حسب ما قبلها لكن مفهومة؟
* طالب: واقعة في جواب الشرط.
* الشيخ: نعم، واقعة في جواب الشرط.
* الطالب: إنَّ حرف توكيد ينصب الاسم ويرفع الخبر، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم إن. و﴿آثِمٌ﴾ خبر مرفوع، و﴿قَلْبُهُ﴾ فاعل، وهو مضاف، والضمير مضاف إليه.
* الشيخ: صح. فيها وجه آخر؟ فيها وجه آخر.
* طالب: مبتدأ وخبر.
* طالب: (...)
* الشيخ: لا.
* طالب: مبتدأ.
* الشيخ: أيها؟
* الطالب: ﴿قَلْبُهُ﴾ خبر، ﴿آثِمٌ قَلْبُهُ﴾، ﴿آثِمٌ﴾ مبتدأ، ﴿قَلْبُهُ﴾ خبر، والجملة خبرها.
* الشيخ: ﴿فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾.
* الطالب: إنه: إن واسمها.
* الشيخ: و﴿آثِمٌ﴾ خبرها.
* الطالب: لا، و﴿آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ الجملة خبر، ما هي مبتدأ وخبر.
* الشيخ: وين المبتدأ فيها؟
* الطالب: ﴿آثِمٌ﴾.
* الشيخ: ﴿آثِمٌ﴾ هو المبتدأ؟
* الطالب: لا، ﴿قَلْبُهُ﴾.
* الشيخ: ﴿قَلْبُهُ﴾ مبتدأ، و﴿آثِمٌ﴾؟
* الطالب: خبره.
* الشيخ: خبره، يعني: فإنه قلبه آثم.
يقول الله عز وجل: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ إلى آخره.
يستفاد من هذه الآية الكريمة: أن للسفر أحوالًا تخالف حال الحضر، وهو كذلك، له أحوال تخالف حال الحضر في العبادات والمعاملات وغيرها، ففي العبادات يختلف في الصلاة والصيام والطهارة، في المعاملات مر علينا الوصية في السفر إذا لم يجد الإنسان من يُشهده من المسلمين، فإنه يشهد كفارًا، إما أهل الكتاب أو عموم الكفار على القول الراجح، في غيرها: أن المسافر له دعوة لا تُرد؛ يعني السفر من أسباب إجابة الدعاء، فالمهم أن للسفر أحكاما تخالف أحكام أيش؟ الحضر، ومنها هذه الآية فيستفاد منها: أن الإنسان إذا كان مسافرًا وداين شخصًا ولم يجد كاتبًا، فإن الطريق لإثبات حقه أن يرهن أو أن يرتهن ويقبض الرهن، أن يرتهن ويقبض الرهن، مثال ذلك: أقرضت شخصًا وأنت وإياه في السفر وليس عندكما كاتب، فقلت: أعطني رهنًا أرتهنه للتوثق بحقي فأعطاك، واضح؟
* ومن فوائد الآية الكريمة: عناية الله عز وجل بحفظ أموال عباده؛ يعني: أن سبحانه وتعالى ذكر حتى هذه الصورة: أن الإنسان إذا داين غيره ولم يجد كاتبًا، فإنه يرتهن، حفظًا لماله وخوفًا من النزاع والشقاق في المستقبل، فينكر من عليه الحق وتحصل الخصومة والنزاع.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز الرهن؛ لقوله: ﴿فَرِهَانٌ﴾، ولكن ذلك مشروط حسب ما في الآية بالسفر، سواء كان قصيرًا أو طويلًا، وبأن لا نجد كاتبًا، فهل هذا الشرط معتبر؟
الجواب: دلت السنة على عدم اعتباره، لا عدم الكاتب ولا السفر، فقد« اشترى النبي ﷺ ثلاثين صاعًا من الشعير لأهله ورهن درعه عند يهودي حتى مات »[[أخرجه ابن ماجه (٢٤٣٧) وأحمد (١٣١٦٩) من حديث أنس.]]، وهذا يدل على جواز الرهن في الحضر حتى مع وجود الكاتب.
إذا قال قائل: إذا كان الأمر هكذا فما الجواب عن الآية؟
الجواب عن الآية: أن الله تعالى ذكر صورة إذا تعذر فيها الكاتب، فلدينا ما يثبت به الحق أو ما يتوثق به الحق وهو الرهن، فذكر هذه الصورة لا على أنها شرط للحكم، يعني: كأنه قال: إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه، وإن كنتم في السفر وليس عندكم كاتب فأيش؟
* الطلبة: فارتهنوا.
* الشيخ: فارتهنوا، ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾.
نحن قلنا: جواز الرهن، وأظن سبق لنا تعريف الرهن، سبق في هذه الآية.
استدل بعض العلماء في هذه الآية على: أن من شرط صحة الرهن القبض، واستدل آخرون بهذه الآية على: أن من شرط لزوم الرهن القبض، ولم يعتبر آخرون هذا الشرط، فلدينا الآن ثلاثة أقوال: هل قبض الرهن شرط لصحته؟ هل قبض الرهن شرط للزومه؟ هل قبض الرهن من باب التوثقة أو من باب زيادة التوثقة وليس شرطا للصحة ولا للزوم؟
فهذه ثلاثة أقوال، فمن العلماء من يقول: إن قبض الرهن شرط للصحة؛ لأن الله قال: ﴿فَرِهَانٌ﴾ وصفها ما أطلقها قال: ﴿مَقْبُوضَةٌ﴾، وعلى هذا: فرهن بلا قبض لا يصح، وهذا قال به بعض العلماء، وهو رواية عن أحمد بن حنبل رحمه الله.
والقول الثاني: أن الرهن شرط للزوم، فالرهن يصح، لكن إن قبضه المرتهن صار لازمًا وإن لم يقبضه، فإن قبضه وكيله أو من اتفق عليه الراهن والمرتهن ليقبضه فالرهن أيضًا لازم، وإن بقي عند الراهن فالرهن غير لازم، وهذا هو المشهور من المذهب.
والقول الثالث: أن القبض ليس شرطًا للزوم ولا للصحة، وأن الرهن يصح ويلزم بدون قبض إذا كان مُعينًا، وهذا القول هو الصحيح وهو الذي عليه العمل.
لا بد أن نبحث: الآية الكريمة على أي الأقوال تدل، الذين قالوا: إن القبض شرط للصحة وأنك لو رهنت شيئا ولم تُقبِّضه، فالرهن غير صحيح والمرهون تتصرف فيه كما شئت، وإذا أردتما أن تعيدا الرهن فلا بد من عقد جديد، يقول: إن الله قال: ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ فوصفها بأنها مقبوضة، والوصف قيْد في الموصوف، فإن لم تكن مقبوضة فلا تصح.
والذين قالوا بأنها شرط للزوم، قالوا: لأن الرهن يتم بجميع شروطه وأركانه بدون قبض، فإذا قال: رهنتك هذه السيارة وشاهدها وعرفها، فقد تم العقد لتمام الشروط وانتفاء الموانع، وأما القبض فهو شرط للزوم، وعلى هذا: فإذا بقي عند الراهن، ثم جاء المرتهن من الصباح مثلًا من الليل أو ما أشبه ذلك وأخذه يحتاج إلى تجديد عقد؟ لا يحتاج؛ لأن العقد صحيح، لكنه ما دام عند الراهن فهو ليس بلازم، بمعنى أن الراهن له أن يتصرف في هذا الرهن بما شاء من بيع أو هِبة أو وقف أو غير ذلك.
وهؤلاء احتجوا لصحة العقد بأنه عقد تام الشروط واقع من أهله، فلزم أن يكون صحيحًا، وأما لزوم الرهن فلا يلزم إلا بالقبض؛ لقوله: ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾.
القول الثالث: قالوا: إنه ليس شرطًا للصحة –أي: القبض- قالوا: إن القبض ليس شرطا للصحة ولا شرطًا للزوم، وأن الرهن يصح ويلزم بدون قبض ولو كان عند الراهن، إذا كان المرتهن قد أذن ببقائه عند الراهن، قلنا: هذا القول هو الصحيح، وإذا كان هذا القول هو الصحيح فإننا نحتاج إلى الجواب عن أيش؟ عن الآية الكريمة.
الجواب عن الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى ذكر الرهن في صورة لا يمكن أن يتم التوثق فيها به إلا بقبضه؛ لأن المسألة مفروضة، والمتعاملان أو المتداينان في السفر وليس عندهما كاتب، كيف يتوثق الدائن بدينه إلا برهن مقبوض؟ إذا لم يقبض قد ينكر من عليه الدين، قد ينكر أصل الرهن فيحصل النزاع، فلا يمكن أن يتوثّق بدينه إلا بقبض، فهي عبارة –أي: الآية الكريمة- عبارة عن قضية معينة القبض فيها من تمام التوثقة وليس بشرط.
ثانيًا: يقولون: ألستم قد ألغيتم قيد السفر مع أنه صريح في الشرطية؟ ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ﴾، فسيقولون: بلى، وسيقول بعضهم: لا؛ لأن بعض العلماء قال: لا يجوز الرهن إلا في السفر، وأخذ بالشرط والقيد، لكن من لم يأخذ به سيقول: نعم، ألغي شرط كونه في السفر؛« لأن النبي ﷺ رهن وهو في الحضر »[[أخرجه ابن ماجه (٢٤٣٧) من حديث أنس.]]، وهذا صحيح، لكننا نحتجّ به عليه ونقول: هذا دليل على أن الشروط المذكورة في الآية ليست شروطًا للصحة، لو كانت شروطًا للصحة ما رهن النبي ﷺ درعه في الحضر، ما رهنه في الحضر.
إذن فالقول الراجح هو: أن هذا من باب تمام التوثق فقط، وليس شرطًا للصحة ولا للزوم، وهذا هو الذي عليه العمل، ما زال الناس يرتهنون أموال المدينين وهي باقية عندهم، ربما تسمعون أن الشخص يُسلم في التمر أو في البُرّ على صاحب البستان ويرهن البستان أيضًا، وصاحب البستان لم يُقَبِّضْه اللي هو باقٍ فيه يعمل فيه، الآن الرهن صندوق التنمية العقاري البيوت مرهونة وهي عند من؟
* الطلبة: عند أصحابها.
* الشيخ: عند أصحابها، ولا يزالون يرون أن هذا رهن لازم تام، وهو كذلك.
* من فوائد الآية الكريمة: أن القول قول المرتهِن فيما إذا اختلفا في قدر الدين، وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من يقول: إن القول قول الراهن، ومنهم من يقول: إن القول قول المرتهِن، ومنهم من يُفصّل.
صورة المسألة: أعطيتك قرضًا مقداره عشرة آلاف ريال ورهنت السيارة، سيارتك وأخذتها أحرزتها عندي قبضتها؛ لأني خشيت إن بقيت في يدك أن تتلفها، فأبقيتها عندي، ثم عند طلب الوفاء زعم الراهن صاحب السيارة أن القرض خمسة آلاف ريال فقط، وأنا قلت: إنه عشرة، من القول قوله؟
* الطلبة: (...)
* الشيخ: فيه خلاف أو فيه تفصيل، قال بعض العلماء: إن القول قول الراهن، وهذا هو المذهب، القول قول الراهن من الراهن؟
* طالب: صاحب السيارة.
* الشيخ: المدين، صاحب السيارة، لماذا؟ قالوا: لأنه غارم، والقاعدة أن الغارم هو المقبول قولُه، وهذه القاعدة مأخوذة من قول الرسول ﷺ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»[[أخرجه الترمذي (١٣٤١) والدارقطني (٣١٩١) من حديث من حديث عبد الله بن عمرو.]]؛ لأن الغارم مُدعًى عليه، فنحن مثلا في المثال اللي ذكرنا اتفقنا على خمسة آلاف أو لا؟
* طالب: عشرة.
* الشيخ: يا أخي، على خمسة، اتفقنا على خمسة أنا أقول: عشرة، والخمسة داخلة في العشرة، وأنت تُقر بها، إذن اتفقنا على خمسة آلاف أو لا؟ الخمسة الزائدة على الخمسة أنا مدعيها وأنت غارمها تنفيها، فالقول قول الراهن؛ لأنه غارم بناءً على هذا الحديث: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»، كذا ولَّا لا؟
القول الثاني: أن القول قول المرتهِن، وعلّلوا ذلك بأن الله تعالى جعل الرهن بدلًا عن الكتابة: ﴿وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾، وإذا اختلف الدائن والمدين في قدر الدين نرجع إلى أيش؟ إلى الكتابة، فكما أن الكتابة الوثيقة اللي مكتوبة كما أنها حُجة للدائن، فكذلك الرهن حجة له، فيكون له بمنزلة الوثيقة، وهذا ظاهر كلام شيخنا عبد الرحمن في التفسير.
ولكن القول الثالث: التفصيل في المسألة وهو الصحيح، التفصيل يقول: إن القول قول المرتهِن ما لم يدعِ أكثر من قيمة الرهن، فهمتم؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: القول قول المرتهن ما لم يدعِ أكثر من قيمة الرهن، فمثلًا هذه السيارة تساوي عشرة، وأنا أقول: أيها المرتهن، إن الدين عشرة، يقبل قولي، أنت تقول: خمسة وأنا أقول عشرة، يقبل قولي؛ لأن معي قرينة وهي: أن الغالب أن الإنسان لا يرهن شيئًا إلا إذا كان مقدار دينه أو أكثر، أو أقل، هذا بالنسبة للراهن، ما يعطي إلا مقدار دينه أو أقل، ما يعطي أكثر من دينه هذا الغالب، فإذا ادعى أن مقداره كذا وكذا وهو لا يزيد على ثمن أيش؟ الرهن، فالقول قول المرتهِن، وإن زاد فما زاد فالقول فيه قول الراهن، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ومذهب الإمام مالك، وهو أقرب من القولين السابقين.
فإذا طبقنا هذه المسألة على القول بأنه القول قول الراهن، هذا الرجل رهن سيارة بعشرة آلاف ريال، ولما جئنا للتقاضي قال صاحب السيارة الراهن: إن دينك الذي تطلبني عشرة ريالات من القول قوله؟
* الطلبة: المرتهن.
* الشيخ: لا، على المذهب القول قول الراهن، هل جرى العرف بأن شخصًا يرهن سيارة تساوي عشرة آلاف ريال بعشرة ريال؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: أبدًا، هذا شيء يكذبه الواقع؛ ولهذا نقول: إن قول شيخ الإسلام رحمه الله كما تشهد له القرينة يشهد له الواقع أيضًا، لو قبلنا قول الراهِن مطلقًا لأدى بنا أن نقول ما لا يصدقه أحد.
ولو ادعى المرتهن أيضًا ما لا يصدقه الواقع ما هو أكثر ما نقبل، لو أنه مثلًا أعطاه السيارة قيمتها عشرة آلاف ريال وعند الاستيفاء قال: إن الدين مليون ريال، يقبل؟
* الطلبة: لا يقبل.
* الشيخ: لأيش؟ لأنه ما جرت العادة أن شخصًا يعطي مليونًا من الدراهم ويرهن سيارة بعشرة آلاف ريال، هذا بعيد، بل ظاهر كلام * الشيخ: لو أنه ادَّعى أن الدين خمسة عشر ألف ريال وهي عشرة أنه لا يُقبل؛ لأنه ادعى ما قيمته ما هو أكثر من قيمة الرهن، فلا يُقبل.
ألا يمكن أن يقال في هذه المسألة: إن التفصيل على وجه آخر، وإنه إذا ادعى ما يُقارب، فالقول قوله ولو زادت على قيمة الرهن؟ يعني: مثلًا لو قال: إنه اثني عشر ألفا والرهن يساوي عشرة يمكن؟
* الطلبة: يمكن.
* الشيخ: يمكن؛ لأن هذا أحيانًا يقع يقول: أنا أرهن السيارة بعشرة ولا يضيع حقي كله، لكن على كل حال كلام شيخ الإسلام هو من أحسن الأقوال وهو الأرجح، وإن كان القول الثاني: إنه يرجع إلى القرائن قولًا قويًّا، لكن ما أدري هل قال به أحد أم لا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه إذا حصل الائتمان من بعضنا لبعض لم يجب رهن ولا إشهاد ولا كتاب؛ لقوله: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾؛ ولهذا قال كثير من العلماء: إن هذه ناسخة لما سبق من قوله: ﴿إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾، ومن قوله: ﴿أَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾، وقوله هنا: ﴿إِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ﴾ ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾، وأنه عند الائتمان لا يجب شيء من ذلك.
ولكن القول بأنها ناسخة على سبيل العموم فيه نظر، ولو قيل: إنها ناسخة فيما ليس فيه الخطر لكان له وجه، يعني: فيما جرت العادة بالتبادل فيه بدون إشهاد ولا كتابة لكان قولًا لا بأس به، أما أن نجعله في الأمور اللي فيها الخطر، عقارات أو ديون كثيرة عظيمة تحتاج إلى كتابة أو إشهاد، فالقول بأن هذه الآية ناسخة، في النفس منه شيء؛ ولهذا اعترض بعض العلماء على القول بأنها ناسخة وقال: كيف يكون ناسخة في سياق واحد أول الآية ثم يجيء آخرها ينسخ؟! ولكن هذا الاعتراض عليه اعتراض، فها هو الصيام في آيتين؛ الآية الأولى منهما تخيير، والثانية إلزام، يعني: فلا مانع من أن يكون النسخ في آيتين متجاورتين كما في هذه الآية.
لكن نحن نقول: إنه إذا كان الشيء هامًّا وله خطر، فإن الكتابة قد تكون واجبة لا سيما إذا كان الإنسان يتصرف لغيره.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب أداء الأمانة على من ائتمن.
ويتفرع من ذلك: تحريم الخيانة؛ لقوله: ﴿فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾، فإذا وجب أداء الأمانة حرُمت الخيانة، كذا؟
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لو تلفت العين بيد الأمين، فإنه لا ضمان عليه ما لم يتعدَّ أو يُفرط؛ لقوله: ﴿فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾، فسماها الله أمانة، والأمين يده غير متعدية، فلا يضمن إلا إذا حصل تعدٍّ أو تفريط.
ومن التعدي: إذا أُعطي الإنسان أمانة للحفظ تصرّف فيها كما يفعل بعض الناس، يُعطى أمانة للحفظ ثم يتصرف فيها ببيع أو شراء أو غير ذلك، ويقول: إذا جاء صاحبها فأنا مستعد أن أعطيه، نقول: هذا حرام ما يجوز، لا يجوز لك أن تفعل هذا، إذا أردت أن تفعل فاستأذن من صاحبها، وإذا أذن لك صارت عندك قرضًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه يجب على هذا الذي ائتمن أن لا يغتر بثقة الناس به؛ لقوله: ﴿وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ﴾، فإن الإنسان إذا ائتمن ربما يغتر بثقة الناس به ولا يهتم بالأمور، فيقول: الناس واثقون بي، ولا يهتم، فأمره الله تعالى بأن يتقي الله قال: ﴿وَلْيَتَّقِ اللَّهَ﴾.
والتقوى سبقت لنا مرارًا بأنها: اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره وترك نواهيه.
قال: ﴿وَلْيَتَّقِ اللَّهَ﴾، وأردفها بقوله: ﴿رَبَّهُ﴾، ففيه فائدة، وهي: أن الإنسان في هذه المقامات ينظر إلى مقام الربوبية كما ينظر إلى مقام الألوهية، فبنظره إلى مقام الألوهية يفعل هذا تعبدًا لله تعالى وتقرُّبًا له، وبالنظر إلى مقام الربوبية يحذر المخالفة؛ لأن الرب هو الذي له الخلق والملك والتدبير، فلا بُدَّ أن يقرن الإنسان بين مقام الألوهية ومقام الربوبية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات ما دل عليه هذان الاسمان، وهما: الله والرب، وهو توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، ويتضمنان توحيد الأسماء والصفات؛ لأن المعبود لا بد أن يكون أهلًا للعبادة، والرب لا بد أن يكون أهلًا للربوبية، ولا يتحقق ذلك إلا بكمال الصفات؛ ولهذا نقول: توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، والتوحيدان يتضمنان توحيد الأسماء والصفات؛ إذ لا يُعبد إلا من كان متصفًا بصفات الكمال؛ ولهذا قال إبراهيم لأبيه: ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ [مريم ٤٢].
ثم قال عز وجل: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾.
يستفاد من الآية الكريمة: تحريم كتمان الشهادة؛ يعني إخفاءها، وهل المراد الشهادة على الغير، أو على الغير والنفس؟
* الطلبة: تشمل الاثنين.
* الشيخ: تشمل المعنيين؛ لأن الإنسان يشهد على نفسه، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ [النساء ١٣٥]. وشهادته على نفسه إقراره واعترافه بالحق الذي عليه، فالآية فيما يظهر شاملة للأمرين: شهادة الإنسان لغيره على غيره، ولغيره على نفسه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن كتم الشهادة من الكبائر لوجود العقوبة الخاصة بها، وهي قوله: ﴿فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾.
* ومن فوائدها: عظم كتم الشهادة؛ لأنه أضاف الإثم فيها إلى القلب، وإذا أثم القلب أثمت الجوارح؛ لقول النبي ﷺ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩) من حديث النعمان بن بشير. ]]، ولقوله: «التَّقْوَى هَاهُنَا»[[أخرجه مسلم (٢٥٤٦) من حديث أبي هريرة.]].
التقوى في القلب، ليست التقوى في اللسان ولا في الأفعال ولا في الأحوال، التقوى في القلب، قد يكون الإنسان مُتقيًا بفعله، متقيًا بقوله، غير مُتقٍ بقلبه.
ثم قال عز وجل: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة ٢٨٣].
* يستفاد من الآية الكريمة: تحريم كتمان الشهادة؛ يعني إخفاءها.
وهل المراد الشهادة على الغير، أو على الغير والنفس؟ تشمل المعنيين؛ لأن الإنسان يشهد على نفسه كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ [النساء ١٣٥]. وشهادته على نفسه إقراره واعترافه بالحق الذي عليه، فالآية فيما يظهر شاملة للأمرين: شهادة الإنسان لغيره على غيره ولغيره على نفسه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن كتم الشهادة من الكبائر لوجود العقوبة الخاصة بها وهي قوله: ﴿فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾.
* ومن فوائدها: عِظم كتم الشهادة؛ لأنه أضاف الإثم فيها إلى القلب، وإذا أثم القلب أثمت الجوارح لقول النبي ﷺ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٢) ومسلم (١٥٩٩ / ١٠٧) من حديث النعمان بن بشير.]] ولقوله: «التَّقْوَى هَاهُنَا»[[أخرجه مسلم (٢٥٦٤ / ٣٢).]] التقوى في القلب ليست التقوى في اللسان، ولا في الأفعال، ولا في الأحوال، التقوى في القلب، قد يكون الإنسان متقيًا بفعله، متقيًا بقوله غير متقٍ بقلبه، ولَّا لا؟
تجده بفعله يتزيَّا بزي المسلم الخالص من إعفاء اللحى، والوقار، والسكينة، وكذلك يقول قول المسلم الخالص: أستغفر الله، اللهم اغفر لي، ويذكر، ويُهلل، ويُكبر، هذه لا شك أنها تقوى في الظاهر، لكن هل هي دليل على أن في الباطن تقوى؟
* طالب: الغالب.
* الشيخ: الغالب نعم، هذا وهو بالنسبة لنا هو الحكم؛ يعني بالنسبة لنا إذا رأينا تقواه ظاهرًا وجب علينا أن نحكم بتقواه باطنًا، يعني ما لنا إلا الظاهر، ولهذا قال الرسول ﷺ لأسامة بن زيد حين قتل المشرك الذي قال: لا إله إلا الله وبارقة السيف على رأسه قال له: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟». قال: نعم، وما زال يقولها حتى تمنى أسامة أنه لم يكن أسلم بعد[[متفق عليه؛ البخاري (٤٢٦٩)، ومسلم (٩٦ / ١٥٨) من حديث أسامة بن زيد.]] فنحن ما لنا إلا الظاهر، لكن إذا دلت الدلائل أو شهدت الشواهد على أنه منافق في الباطن لم ينتفع بتقواه الظاهرة، لم ينتفع ولا يعتبر، ولهذا قال الله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ [المنافقون ١] شوف أكدوا الجملة بثلاث مؤكدات، الشهادة وأيش بعد؟ و(إن) و(اللام) ﴿نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ هذا وأيش نحكم بالظاهر؟ أنهم مؤمنون تمامًا، ولهذا أكدوا، لكن شوف المؤكد هذا أُكد بمقابل ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ شهادة بشهادة، وتوكيد بتوكيد، وتوكيد بتوكيد، ﴿يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ تأمل قوله: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾ قبل أن يقول: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ لأجل أن لا يتبادر إلى الذهن ما لا ينبغي حتى يُعلم أن الرسول حق بعلم الله عز وجل، وأن شهادة هؤلاء شهادة كذب، المهم أن الله قال: ﴿وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ﴾ وقلت لكم: إن هذه تتضمن توحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات.
* طالب: رجل أقرض آخر ألف ريال، ثم جحده الذي اقترض، ثم جاء اللي اقترض ائتمن هذا الشخص بعد زمن بما اقترض بألف، هل جزاؤه أن يخونه؟
* الشيخ: قال النبي ﷺ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ»[[أخرجه أبو داود (٣٥٣٥) من حديث أبي هريرة.]].
* طالب: ما هو الحق؟
* الشيخ: ما هو حق، حق خفي، أقول: هذا حق خفي، ما يجوز بخلاف الإنسان الذي لا ينفق عليك وهو ممن تجب نفقته، فهذا إذا قدرت على شيء من ماله فخذ.
* طالب: شيخ، أليس هذا من تغيير المنكر؟
* الشيخ: لا يا أخي، تغيير المنكر أنك تيجي تنصحه، تقول له: اتقِ الله، أعطني الأمانة، أما أن تخونه لا.
* الطالب: شيخ، معلوم من الفساق أنهم يحتجون بهذا الحديث؟
* الشيخ: نعم، أحسنت، لا يقول لك يحتج بهذا الحديث ويضرب بأطراف أصابعه على صدره حتى يكاد ينخفس من شدة التحقيق «التَّقْوَى هَاهُنَا»[[سبق تخريجه.]]. نقول له: صدقت. قال النبي عليه الصلاة والسلام: «التَّقْوَى هَاهُنَا» ولكن الذي قال: «التَّقْوَى هَاهُنَا» هو الذي قال: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ»[[سبق تخريجه.]]، ففساد ظاهرك دليل على فساد باطنك شئت أم أبيت.
* طالب: شيخ، قول الذين يقولون: إن الرهان لا بد أن يكون مقبوضة، يشترطون في الرهان أن تكون مقبوضة؟
* الشيخ: لصحتها أو للزومها؟
* الطالب: لصحتها، رددنا عليهم (...) السفر؛ يعني الله عز وجل اشترط في الآية السفر، وهم يردون علينا بأننا أخرجناه بمخرج وهو الرسول ﷺ فعل ذلك في الحضر، كيف نرد عليهم؟
* الشيخ: رددنا عليهم قلنا: هذا دليل على أن هذه القيود ليست شرطًا في صحة الحكم، لكنها تصير لقضية واقعة، وإلا لو كانت شرطًا لكان أول الآية أشد شرطية من آخرها.
* الطالب: لكن إذا أخرج الشرط مخرج، وهو فعل الرسول ﷺ؟
* الشيخ: دل على أنها غير معتبرة.
* الطالب: لماذا يدل على أنه فقط فقد هذا الشرط وباقي (...)؟
* الشيخ: ما يدل على هذا؛ لأنه وأيش الذي أخرج هذا؟
* الطالب: السنة.
* الشيخ: طيب، وأيش الذي أخرج هذا القيد من القرآن بالسنة؟
* طالب: فِعل الرسول ﷺ.
* الشيخ: طيب، إذن معناه أن هذه الشروط ما هي إلا لزيادة التوثقة فقط، مثل ما جاءت السنة ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾ [البقرة ٢٨٢] جاءت السنة بشهادة رجل واحد مع اليمين.
قال الله سبحانه تعالى: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ سبق لنا الكلام على هذا، وبينا أن الله أضاف الإثم إلى القلب؛ لأن القلب بصلاحه يصلح الجسد.
يقول الله عز وجل: ﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾. ثم قال: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾.
قوله: ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ (ما) اسم موصول، والاسم الموصول يفيد العموم فيشمل كل ما نعمل من أعمال القلوب وأعمال الجوارح؛ أعمال الجوارح أفعال بالأركان وأقوال باللسان، وأعمال القلوب حركة القلب بالمحبة والبغض والخوف والرجاء وما أشبه ذلك، كذلك أيضًا أقوال القلوب وهي التصديق والإقرار والطمأنينة بالشيء، فهذه أربعة أشياء: أقوال القلوب وأعمالها، وأقوال الجوارح وأعمالها، أقوال الجوارح مخصوصة باللسان هو الذي يقول، هو الذي ينطق، وأقوال القلب قلنا: هو الإقرار والاعتراف؛ يعني الإيمان بالشيء والتصديق والطمأنينة به، هذا قول القلب، أعمال الجوارح هي الأفعال كالقيام والقعود والركوع والسجود وما أشبهها، أعمال القلوب؛ حركة القلب بالخوف والرجاء والتوكل والمحبة والكراهة، وما أشبه ذلك، فالأعمال كلها تدور على هذه الأقسام الأربعة، وهي أعمال القلوب وأقوالها، وأعمال الجوارح وأقوالها، وإلى هذا أشار شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية حيث قال: ومن أصول أهل السنة والجماعة أن الدين والإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح.
فقوله: ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ يشمل هذا كله، كل ما نعمل فالله سبحانه وتعالى عالم به، بل زد على ذلك أنه يعلم ما لم نعمل مما سنعمل، ونحن لا نعلمه، فإن الله تعالى يعلم ما سيكون على الكيفية التي يكون عليها.
وقوله: ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ إذا قال قائل: ما فائدة التقديم هنا؟
إن قال: لمراعاة الفواصل، قلنا: والنون تأتي في الفواصل كثيرًا، مثل: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ [يوسف ١٩]. وإن قال: للحصر، قلنا: لا يصح؛ لأن الله يعلم كل شيء، لا يختص علمه بما نعمل فقط فلا وجه للحصر.
إذن ما الفائدة؟ الفائدة: شدة التحذير والتنبيه كأنه يقول: لو لم يعلم شيئًا -وحاشاه من ذلك- لكان عالِمًا بعملنا، فمن قوة التحذير والإنذار صِيغ الأسلوب مَصاغ أيش؟ الحصر، وهو قطعًا لا يراد به الحصر؛ لأننا لو أردنا به الحصر لكان هذا يقتضي أن الله لا يعلم إلا ما نعمله والأمر ليس كذلك.
وقوله: ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ إذا قال قائل: هل نستفيد من هذا أن من أسماء الله العليم؟ قلنا: ربما نقول ذلك وقد لا نقوله، قد نقول: إن الاسم إذا قيد بمتعلَّق فإنه ينقلب إلى وصف، فيكون عليم بكذا ليس كقوله: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة ١٣٧]؛ لأن هذا قُيد، عليم به، فكان وصفًا وليس اسمًا، أما لو قال: وهو العليم الحكيم لكان هذا اسمًا بلا شك.
من فوائد الآية الكريمة: التهديد بكون الله سبحانه وتعالى عالِمًا بما نعمل، وجه التهديد تقديم المعمول؛ لأنه -كما أشرنا- لا يفيد الحصر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الرد على غلاة القدرية الذي يقولون: إن الله لا يعلم بأعمال العباد إلا إذا وقعت، فإن قوله: ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ يتضمن ما قد عملناه بالفعل وما سنعمله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي التحذير في مقام التحذير والترغيب في مقام الترغيب؛ لأنه لما قال: ﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ فالمناسب هنا التحذير أو الترغيب؟
* طالب: التحذير.
* الشيخ: المناسب التحذير، وهذا مطابق للبلاغة.
{"ayah":"۞ وَإِن كُنتُمۡ عَلَىٰ سَفَرࣲ وَلَمۡ تَجِدُوا۟ كَاتِبࣰا فَرِهَـٰنࣱ مَّقۡبُوضَةࣱۖ فَإِنۡ أَمِنَ بَعۡضُكُم بَعۡضࣰا فَلۡیُؤَدِّ ٱلَّذِی ٱؤۡتُمِنَ أَمَـٰنَتَهُۥ وَلۡیَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥۗ وَلَا تَكۡتُمُوا۟ ٱلشَّهَـٰدَةَۚ وَمَن یَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥۤ ءَاثِمࣱ قَلۡبُهُۥۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق