الباحث القرآني

(وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة) لما ذكر سبحانه مشروعية الكتابة والإشهاد لحفظ الأموال ودفع الريب، عقب ذلك بذكر حالة العذر عن وجود الكاتب، ونص على حالة السفر فإنها من جملة أحوال العذر، ويلحق بذلك كل عذر يقوم مقام السفر، وجعل الرهان المقبوضة قائمة مقام الكتابة أي فإن كنتم مسافرين ولم تجدوا كاتباً في سفركم فرهان مقبوضة، و " على " هنا بمعنى في، وفيه إشارة أن " على " استعارة تبعية شبّه تمكنهم من السفر بتمكن الراكب مركوبَه. قال أهل العلم: الرهن في السفر ثابت بنص التنزيل، وفي الحضر بفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وآله وسلم رهن درعاً له من يهودي. وأفاد قوله (مقبوضة) اشتراط القبض في الرهن والاكتفاء به من المرتهن ووكيله، وقرأ الجمهور (كاتباً) أي رجلاً يكتب لكم، وقرئ " كتاباً " قال ابن الأنباري: فسره ابن مجاهد فقال: معناه فإن لم تجدوا مداداً في الأسفار. وقرىء " فرهن " بضم الراء والهاء جمع رهان، وقرىء فرهن، وقراءة الجمهور (فرهان) قال الزجاج: يقال في الرهن رهنت وأرهنت، وكذا قال ابن الأعرابي والأخفش. وقال أبو علي الفارسي: يقال أرهنت في المعاملات، وأما في القرض والبيع فرهنت، وقال ابن السكيت: أرهنت فيهما بمعنى أسلفت، والمرتهن الذي يأخذ الرهن والشيء مرهون ورهين، وراهنت فلاناً على كذا مراهنة خاطرته، وقد ذهب الجمهور إلى أنه يصح الارتهان بالإيجاب والقبول من دون قبض. (فإن أمن بعضكم بعضاً) أي الدائن المديون على حقه فلم يرتهنه يعني إن كان الذي عليه الحق أميناً عند صاحب الحق لحسن ظنه به وأمانته واستغنى بأمانته عن الارتهان (فليؤد الذي اؤتمن) وهو المديون (أمانته) أي الدين الذي عليه، والأمانة مصدر سُمي به الذي في الذمة وأضافها إلى الذي عليه الدين من حيث أن لها إليه نسبة. (وليتق الله ربه) في أن لا يكتم من الحق شيئاً وفي أداء الحق عند حلول الأجل من غير مماطلة ولا جحود، بل يعامله المعاملة الحسنة كما أحسن ظنه فيه، وفيه مبالغات من حيث الإتيان بصيغة الأمر الظاهرة في الوجوب، والجمع بين ذكر الله والرب وذكره عقب الأمر بأداء الدين، وفيه من التحذير والتخويف ما لا يخفى. (ولا تكتموا الشهادة) نهي للشهود أن يكتموا ما تحملوه من الشهادة إذا دعوا لإقامتها وهو في حكم التفسير لقوله (ولا يضار كاتب) أي لا يضارِر بكسر الراء الأولى على أحد التفسيرين المتقدمين (ومن يكتمها) يعني الشهادة (فإنه آثم) أي فاجر (قلبه) خص القلب بالذكر لأن الكتم من أفعاله ولكونه رئيس الأعضاء وهو المضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد كله. وإسناد الفعل إلى الجارحة التي تعمله أبلغ، وهو صريح في مؤاخذة الشخص بأعمال القلب، وارتفاع القلب على أنه فاعل أو مبتدأ وآثم خبره على ما تقرر في علم النحو، ويجوز أن يكون قلبه بدلاً من آثم، بدل البعض من الكل، ويجوز أيضاً أن يكون بدلاً من الضمير الذي في آثم الراجع إلى من. وقرىء قلبه بالنصب كما في قوله إلا من سفه نفسه (والله بما تعملون عليم) فيه وعيد وتحذير لمن كتم الشهادة ولم يظهرها، ويقال لهذه الآية آية الدين. وأخرج البخاري في تاريخه وأبو داود وغيرهما عن أبي سعيد الخدري أنه قرأ هذه الآية، وقال هذه نسخت ما قبلها. (وأقول) رضي الله عن هذا الصحابي الجليل، ليس هذا من باب النسخ فهذا مقيد بالائتمان وما قبله ثابت محكم لم ينسخ، وهو مع عدم الائتمان. وعن سعيد ابن المسيب أنه بلغه أن أحدثَ القرآن بالعرش آية الدين، وعن ابن شهاب قال: آخر القرآن عهداً بالعرش آية الربا وآية الدين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب