الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ هذه الجملة معطوفة على الجمل السابقة التي وقعت فيها الأسئلة من أصحاب النبي ﷺ، بخلاف أسئلة اليهود لنبيهم موسى عليه السلام حينما أمرهم أن يذبحوا بقرة، فقالوا: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾ [البقرة ٦٨] إلى أن قال الله تعالى: ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ [البقرة ٧١]. أما الصحابة رضي الله عنهم فإنما يسألون النبي ﷺ عن الأحكام من أجل أن يقوموا بما يكون الجواب موجبًا له.
قوله: ﴿عَنِ الْمَحِيضِ﴾ كلمة المحيض تصلح أن تكون مصدرًا ميميًّا فتكون بمعنى الحيض، وتصلح أن تكون اسم مكان فيكون المراد به مكان الحيض، أو اسم زمان فيكون المراد به زمان الحيض، ولننظر أي هذه الاحتمالات أولى بسياق الآية، قال الله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ أَذًى﴾ هذا الجواب، ﴿هُوَ﴾ أي المحيض ﴿أَذًى﴾ وهذا يرجح الاحتمال الأول أن المحيض مصدر ميمي، يعني يسألونك عن الحيض ﴿قُلْ هُوَ أَذًى﴾ أذى لمن؟ للزوج أو للزوجة أو لهما معًا؟ أثبت الطب أنه أذى لهما معًا، وأنه يحصل فيه ضرر على الزوج كما أن فيه ضررًا على المرأة، ولهذا قال: ﴿هُوَ أَذًى﴾ والأذى يطلق على الشيء المكروه والشيء المستقذر وهو كذلك.
﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ﴾ الفاء هنا للتفريع، أو للسببية، أي فيتفرع على كونه أذى توجيهُ الأمر إليكم باعتزال النساء، أو فبسبب كونه أذى اعتزلوا النساء في المحيض، وقوله: ﴿اعْتَزِلُوا النِّسَاءَ﴾ أي الحائضات؛ لقوله: ﴿فِي الْمَحِيضِ﴾ والمراد بالمحيض هنا مكانُ الحيض وزمانُه، أي اعتزلوا النساء فلا تجامعوهن في فروجهن لأنه مكان الحيض، ولا زمن الحيض لأنه وقت الحيض، فيكون المحيض هنا ظرف زمان وظرف مكان، اعتزلوا النساء في المحيض، وقوله: ﴿اعْتَزِلُوا النِّسَاءَ﴾ بأي شيء؟ لا شك أن المراد به الجماع وليس المراد به أن نعتزلهن في المؤاكلة والمشاربة والمساكنة لا؛ لأن الذي تعلق به التحريم وهو مكان الحيض أو زمانه إنما يُنتفع به بماذا؟ بالوطء بالجماع، فالمعنى: اعتزلوهن في الجماع.
﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ ﴿لَا تَقْرَبُوهُنَّ﴾ أي النساء في المحيض حتى يطهرن، وفي قوله: ﴿لَا تَقْرَبُوهُنَّ﴾ دليل على أنه يجب اجتناب الجماع وما حوله، وعلى هذا فلا يحل للرجل من زوجته إذا كانت حائضًا إلا ما فوق الإزار، وأما ما دونه فلا يحل؛ لأن الله يقول: ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ﴾ وإلى هذا ذهب كثير من أهل العلم كما سنبين إن شاء الله في الفوائد.
وقوله: ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ في قراءة: ﴿حَتَّى يَطَّهَّرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ وهذه القراءة تناسب الجملة التالية ﴿حَتَّى يَطَّهَّرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ ، وأما على قراءة ﴿حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ فالمراد بها: حتى يَطْهُرن من الحيض، فالقراءتان إذن: ﴿حَتَّى يَطَّهَّرْنَ﴾ أي يغتسلن كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة ٦] فالِاطِّهار بمعنى الاغتسال، وأما ﴿حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ فالمعنى: يَطْهُرن من الحيض، يقال: طَهُرت المرأة من حيضها أي انقطع، فعلامة الطهر للمرأة هو القَصة البيضاء بأن لا تتغير القطنة إذا احتشت بها، يعني إذا دخلت القطنة في الفرج وخرجت بيضاء فهذا هو علامة الطهر، وهذا هو الغالب في النساء أن الطهر هو البياض، لكن بعض النساء لا يرى ذلك، تعرف الطهر بانقطاع الحيض فقط ولا ترى القصة البيضاء، وعلى هذا فيكون الآية الكريمة دالة على منع إتيان المرأة حتى تطهر من الحيض ويكون الطهر بحسب ما يكون من حال المرأة، والغالب أن الطهر هو القصة البيضاء.
وقوله: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ ﴿تَطَهَّرْنَ﴾ هل المراد بالتطهر الاغتسال أو المراد بالتطهر تطهير المحل من الدم وإن لم تغتسل؟
* طالب: الأول.
* الشيخ: ذهب بعض العلماء إلى أن المراد حتى يغسلن دم الحيض، ولكن جمهور أهل العلم على أن المراد ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ أي اغتسلن، وقالوا: إن القرآن يفسر بعضه بعضًا، فقد قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة ٦] وليس المراد بقوله: ﴿اطَّهَّرُوا﴾ اغسلوا أثر الجنابة، بل المراد اغتسلوا، وعليه فيكون قوله: ﴿إِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ يعني اغتسلن. على قراءة: ﴿حَتَّى يَطَّهَّرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ لا فرق بين الجملتين، لكن على قراءة: ﴿حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ فإن ظاهر الآية الكريمة ﴿حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ أنه إذا طهرت المرأة فليس جماعها كجماعها قبل الطهر وإن كان ممنوعًا، لكن ليس كجماعها؟
* الطلبة: قبل الطهر.
* الشيخ: وهو كذلك، فإن جماعها بعد الطهر وقبل الاغتسال لا يوجب الكفارة على القول بوجوبها، وأيضًا فإنه يبيح لها الصيام إذا طَهُرت ولم تَطَهَّر أبيح لها الصيام، وأيضًا فإنه يباح لها يباح الطلاق؛ لأنها الآن طاهرة فتكون مطلقة للعدة، فتبيَّن أن هناك فرقًا في الأحكام بين الطهر والتطهر.
وقوله: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ الفاء رابطة للجواب جواب الشرط وهو قوله: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾، وقوله: ﴿فَأْتُوهُنَّ﴾ أي جامعوهن، كُنِّي بالإتيان عن المجامعة.
وقوله: ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ قيل: إن (من) بمعنى (في)، أي فَأْتوهن في المكان الذي أمركم الله بإتيانه وهو الفرج، وقيل: (من) للابتداء فهي على بابها، أي فَأْتوهن من هذه الطريق، من هذه الطريق من حيث أمركم الله، وما الذي أمرنا الله به؟ ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ أمرنا الله أن نطأهن في الفروج لقوله في الآية التي بعدها: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ والحرث هو موضع الزرع، وموضع الزرع هو القُبُل، فيكون معنى قوله: ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ أي من قُبُلهن وليس من الدبر، وقوله: ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ ولم يبين الجهة التي نأتي بها المرأة من حيث أمرنا الله، ولهذا يجوز للإنسان أن يجامع زوجته مقبلة ومدبرة، يعني من قدام ومن خلف لكن في صمام واحد أي في الفرج، ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾.
وقد ذهب ابن حزم رحمه الله إلى أنه يجب على المرء كلما طهرت زوجته أن يجامعها؛ لقوله: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ﴾ والأصل في الأمر الوجوب.
* طالب: الوجوب والفورية.
* الشيخ: إي نعم، ولكن الجمهور خالفوه كما سيأتي إن شاء الله تعالى في بيان ذلك في الفوائد.
ثم قال عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ هذا تعليل لما سبق من الأوامر وهي: اعتزال النساء في المحيض، وإتيانهن من حيث أمر الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ يحب التوابين أي يُثيبهم على توبتهم.
* طالب: .(...)
* الشيخ: لا، كيف؟ اللي يقولها الآن معلمكم، معلمكم يقول: يحب أي يُثيب التوابين على توبتهم.
* طالب: أوَّل المعلم، فما نستطيع؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: المعلم أوَّل.
* طلبة: تأويل.
* الشيخ: إي يعني معناه يجب أن نرد على معلمنا إذا أخطأ إذن ﴿يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ المحبة صفة غير الثواب، الثواب من آثار المحبة ولوازمها، والمحبة صفة في ذات الله عز وجل، وهي محبة حقيقية لائقة بجلال الله وعظمته، غير مشبهة لمحبة المخلوق للمخلوق، هذا هو الذي عليه سلف الأمة وأئمتها، وقد مر البحث في هذا كثيرًا، وبينا أن من أهل العلم بل من المسلمين من حرَّف هذا المعنى وقال: إن معنى (يحب) أي يثيب، ولكن هذا ليس بصحيح.
وقوله: ﴿التَّوَّابِينَ﴾ التواب على وزن فَعَّال، ووزن (فعَّال) تأتي للمبالغة أي للكثرة، وتأتي للنسبة ولو لم يكن إلا مرة، فما المراد به هنا؟ ﴿التَّوَّابِينَ﴾ الكثير التوبة، أو ﴿التَّوَّابِينَ﴾ المنتسبين للتوبة ولو مرة واحدة؟
* طالب: يشمل هذا وذاك.
* الشيخ: الظاهر أنه يشمل، يشمل هذا وهذا، ولا ينبغي أن نحملها على النسبة فقط؛ لأننا لو حملناها على النسبة فقط لكان من عصى ثم تاب وعصى ثم تاب وعصى ثم تاب غير محبوب عند الله، والله عز وجل يقول: ﴿يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ حتى الذي يُكثر من الذنب ويُعقبه بتوبة فإن الله سبحانه وتعالى يحبه، ولهذا ليس من شرط التوبة ألا يعود إلى الذنب، هذا ليس من شرطه، شرط التوبة أن يعزم على ألا يعود، فإن عاد وسولت له نفسه بالعودة فإنه يتوب الله عليه إذا تاب، إذن الرب عز وجل يحب التوابين. ومن هم التوابون؟ التوابون كثيرو التوبة، والتوبة هي الرجوع من معصية الله إلى طاعته، وقد سبق لنا أن شروطها خمسة؟
* طالب: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فعل، وألا يعود إلى الذنب.
* الشيخ: وألا يعود أو وأن يعزم ألا يعود؟
* الطالب: وأن يعزم ألا يعود إلى الذنب، أعرف منها ثلاثة.
* طالب آخر: وإن كانت حقوق يرد الحقوق والمظالم إلى أهلها.
* الشيخ: لا، هذه داخلة في الإقلاع.
* طالب: أن تكون قبل الموت وقبل طلوع الشمس من مغربها.
* الشيخ: أن تكون في زمن القبول.
* الطالب: في زمن القبول وقبل طلوع الشمس.
* الشيخ: في زمن القبول يدخل هذا وهذا، في واحد بعد بقي عليه؟
* طالب: الإخلاص.
* الشيخ: الإخلاص لله، فشروط التوبة إذن خمسة: الإخلاص لله، والندم على الذنب، والإقلاع عنه، والعزم على ألا يعود، وأن تكون التوبة في وقت القبول أو في زمن القبول، أما الأول فشرط التوبة الإخلاص لأن التوبة من أجَلِّ العبادات، والعبادات من شرطها الإخلاص، فلو تاب الإنسان من ذنبه مراعاةً لشعور أحد من الناس أو مُراءاة للناس فإن توبته لا تقبل، وإذا لم يندم على ما مضى من الذنب وصار فِعْل الذنب وعدمه سواء فإنها لا تقبل توبته لأنه ما صدق في رجوعه، الراجع الصادق هو الذي يندم يقول: ليتني ما فعلت، وإذا لم يقلع فليس بصادق، بل هو إلى الاستهزاء أقرب منه إلى التوبة، رجل يقول: اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك من الغيبة، يا فلان ما شفت فلان هذا السيئ الخلق. تاب ولَّا لا؟
* طالب: ما تاب.
* الشيخ: ما تاب، واحد يقول: اللهم إني أتوب إليك من أكل الربا، تعال يا ولد خذ مئة بمئة وعشرين، تائب؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: هذا ما تاب. واحد يقول: اللهم إني أتوب إليك من حقوق الناس، وهو عند القاضي يدَّعي ما ليس له وينكر ما عليه، تائب؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: ما هو تائب، ليس بتائب، التوبة الرجوع، هذا ما رجع. الرابع: أن يعزم على ألا يعود في المستقبل، فإن لم يعزم فليس بصادق في توبته، فكأنه بيقول: ما أنا بعائد، لكن في نفسه أنه لو سنحت الفرصة لفعل الذنب، فهذا ليس بتائب.
الخامس: أن تكون في زمن القبول وهو: أن تكون قبل حضور الأجل، فإن كان بعد حضور الأجل وانقطاع الأمل فإنها لا تقبل، كقول الله تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء ١٨] ما ينفع بعد ما شاهد العذاب ما تنفع، ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ [غافر ٨٤، ٨٥] ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس ٩٠] ماذا قيل له؟ ﴿آلْآنَ﴾ [يونس ٩١] ما ينفع ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس ٩١] هذه ليست توبة، كذلك أن تكون التوبة قبل طلوع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس من مغربها لا تنفع التوبة، قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام ١٥٨] فسر النبي عليه الصلاة والسلام بعض آيات الله بأنها طلوع الشمس من مغربها، وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَخْرُجَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»[[أخرجه أبو داود (٢٤٧٩) من حديث معاوية. ]] هذه شروط التوبة. وهل يشترط للتوبة أن يقلع عن جميع الذنوب؟ أو تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره؟ نشوف الآن الشروط اللي معنا، هل من الشروط ألا يصر على ذنب؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لا، إذن تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره، ولكن هذا التائب لا يستحق الوصف المطلق للتائبين؛ لأن الذي عنده مطلق توبة لا توبة مطلقة فلا يستحق الوصف المطلق للتائبين ولا المدح والثناء للتائبين، وقال بعض أهل العلم: إنها لا تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره من جنسه، أفهمتم؟ فمثلًا لو تاب من النظر المحرم لكنه يتكلم الكلام المحرم مع النساء تقبل توبته؟ قال بعض العلماء: لا تقبل لأن الجنس واحد، وكذلك لو تاب من الزنا زنا الفرج وهو مصر على زنا العين واليد والرجل واللسان فإنها لا تقبل لأن الجنس واحد، ولكن الجمهور على أن ذلك ليس بشرط، وأنها تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره ولو من جنسه.
وقوله تعالى: ﴿وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ التوبة تطهير القلب، و﴿الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ تطهير الأبدان، يحب الذين يتطهرون من الأنجاس والأرجاس، ومن ذلك المتجنبون لوطء الحائض، المتجنبون لوطء الحائض لأنهم أيش؟ متطهرون في الواقع، فالله تبارك وتعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين.
ثم قال تعالى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ ﴿نِسَاؤُكُمْ﴾ يعني زوجاتكم ﴿حَرْثٌ لَكُمْ﴾ أي موضع حرث لكم كما تكون الأرض حرثًا للزارع يبث فيها الحب فيخرج الحب وينمو ويُنتفع به، كذلك النساء بالنسبة للرجال حرث يضع فيها الإنسان هذا الماء الدافق فينزرع في الرحم حتى ينمو ويخرج بشرًا سويًّا، فالنساء حرث للرجال، ولهذا قال: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ﴾ الفاء هذه للسببية أو للتفريع ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ والمراد بالحرث هنا أيش؟ موضع الحرث وهو الفرج، ائتوه ﴿أَنَّى شِئْتُمْ﴾ (أنَّى) بمعنى حيث فهي ظرف مكان بمعنى ائتوا هذا الحرث من أي جهة شئتم: من جهة القُبُل يعني الأمام، من جهة الخلف، من جهة الجنب، من أي جهة، المهم أن يكون الإتيان في الحرث، وقد زعمت اليهود أن الرجل إذا أتى المرأة من دُبُرها في قُبُلها صار الولد أحول، وكذبوا في ذلك، وقد أنزل الله تكذيبهم في هذه الآية: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾. وسيأتي إن شاء الله الفوائد على هذه الجمل فوائد كثيرة.
قال: ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾ وأيش نقدم؟ نقدم الطاعات وما ينفعنا عند الله عز وجل، وإنما قال: ﴿قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾ بعد قوله: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ حتى لا ننشغل بهؤلاء النساء عن تقديم ما ينفعنا يوم القيامة ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾ ومن التقديم للنفس أن يبتغي الإنسان بالجماع تحصين فرجه وتحصين فرج امرأته، وطلب الولد الصالح، والتسمية عند الجماع وما أشبه ذلك مما يقارن الجماع من الأعمال الصالحة بالنية، مثلًا الإنسان قد يجامع زوجته لكن من الناس من يريد مجرد قضاء الوطر فقط هذا لا شك أنه مفيد كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» قالوا: يا رسولَ اللهِ، أَيَأْتي أحدُنا شهوتَه وَيكونُ له فيها أجرٌ؟ قال: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ»[[أخرجه مسلم (١٠٠٦ / ٥٣) من حديث أبي ذر.]] ولكن أفيد من ذلك ما أشار الله إليه في هذه الآية الكريمة: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ﴾ ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾ بماذا؟
* طالب: بالعمل الصالح.
* الشيخ: بالنية في العمل الصالح الذي يترتب على النية، فينوي الإنسان مثلًا بجِماعِه هذا قضاء الوطر والتمتع بما أباح الله له، والاستغناء به عما حرم الله، ثانيًا: ينوي بذلك تحصين فرجه وفرج امرأته؛ لأنه لا شك أن هذا فيه تحصين الفرج؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنِ امْرَأَةٍ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ، فَإِنَّمَا مَعَهَا -يَعْنِي مَعَ أَهْلِهِ- مِثْلُ الَّذِي مَعَهَا»[[أخرجه الترمذي (١١٥٨) من حديث جابر بن عبد الله.]] إذن فالجماع مُحصِّن للفرج، وإلا لكان النفس تتعلق بهذا الذي رأته ثم تحصل الفتنة.
ثالثًا: ينوي بجماعه أن يرزقه الله تعالى ولدًا صالحًا، وما أفضل الولد إذا وُفِّق الإنسان لولد صالح ينفعه في حياته وبعد مماته، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»[[أخرجه مسلم (١٦٣١ / ١٤) من حديث أبي هريرة.]].
رابعًا: أن يفعل ما ينبغي أن يُفعل حال الجماع مثل التسمية عند الجماع فيقول: «بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا» قال النبي عليه الصلاة والسلام: «فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَينَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا»[[متفق عليه؛ البخاري (١٤١) ومسلم (١٤٣٤ / ١١٦) من حديث ابن عباس.]] كل هذا داخل تحت قوله تبارك تعالى: ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾.
ثم قال: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ الله أكبر، لما أمر بالتقديم لأنفسنا أمرنا أن نجتنب ما حرم الله علينا فقال: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ وهذا يشمل كل ما يتعلق بالمرأة في مسألة الجماع مما يخالف شريعة الله مثل أن يجامعها في الدبر مثلًا، فإن هذا ليس من تقوى الله عز وجل، بل هو من معصيته.
وقوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾ شوف ﴿اعْلَمُوا﴾ وهذا تنبيه للإنسان أن يعلم فهو كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ [الحج ٧٣] استمِع للمثل، هنا قال: ﴿وَاعْلَمُوا﴾ تنبيه؛ لأن تعلم أنك ملاقي الله عز وجل، ﴿أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾، هذا اللقاء لقاء حقيقي ولَّا المراد ﴿مُلَاقُوهُ﴾ أي ملاقو ثوابه أو عقابه؟ الأول، لقاء حقيقي، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٤٤٣) ومسلم (١٠١٦ / ٦٧) من حديث عدي بن حاتم.]] كل إنسان سوف يلاقي الله عز وجل فاستعِد لهذه الملاقاة، انظر ماذا أعددت لها، وهذه الملاقاة ليست والله ببعيدة ما أقربها، مهما طال بك الزمن فإنه قريب ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ﴾ [الأحقاف ٣٥] ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ [النازعات ٤٦] فما أسرع هذه الملاقاة التي ستكون بينك وبين ربك يكلمك عز وجل مكالمة منه إليك ليس بينك وبينه ترجمان، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ -عَلَى شِمَالِهِ- فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ»[[أخرجه البخاري (٧٥١٢) من حديث عدي بن حاتم.]] وقوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾ هل يشمل ذلك النظر إلى وجه الله الكريم؟ نعم ربما يشمله، ربما يشمله كما استدل به بعض أهل العلم، أو استدل بها بعض أهل العلم على ثبوت رؤية الله عز وجل في الآخرة.
ثم قال لما حذر هذا التحذير العظيم: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾ لو كانت قلوبنا حية لكان لهذه الكلمة وقْعٌ في نفوسنا؛ لأنها من كلام الله عز وجل مصدرة بـ (اعلموا) لكن والله القلوب ميتة والشكوى إلى الله عز وجل، لما جاء بهذه الجملة العظيمة المنذرة المخيفة قال: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الحمد لله، ﴿بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، هذه الملاقاة ملاقاة خير، وهنا قال: ﴿بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ولم يذكر المبشَّر به حتى يكون عامًّا لكل ما فيه بشارة في الدنيا وفي الآخرة، ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس ٦٢ - ٦٤] ولهذا قال هنا: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ولم يذكر وقت البشارة ولا مكانها ولا نوعها، إذن فهي بشارة عامة شاملة، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا أَوْ تُرَى لَهُ»[[أخرجه مسلم (٢٦٤٢ / ١٦٦) عن أبي ذر.]] فأنت بشِّر كل مؤمن بكل خير، حتى في ملاقاة الله عز وجل بشِّرْه؛ لأن الله سبحانه وتعالى إذا قرر المؤمن بذنوبه ماذا يقول له؟ يقول: «قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٤١) ومسلم (٢٧٦٨ / ٥٢) من حديث عبد الله بن عمر.]] حساب يسير آخره هذه البشارة العظيمة «سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ».
* طالب: لها سبب نزول يا شيخ الآية آخر؟
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: هي ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُم﴾ [البقرة ٢٢٣].
* الشيخ: إي ذكرناها قبل قليل، قصة اليهود الذين قالوا: إذا أتى الإنسان امرأته من دبرها في قبلها صار الولد أحول، فقال الله: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾.
* الطالب: فيه بعض المفسرين قالوا: إن المهاجرين كانوا يفعلون كذا والأنصار لأ؟
* الشيخ: داخلة في هذا أقول: داخلة في هذا.
يقول: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ اختلف العلماء في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ﴾ فقال بعضهم: المعنى لا تُكثروا الحلف إذا كنتم تريدون البر والتقوى والإصلاح، لا تُكثروا الحلف بالله، فلا تجعلوا الله تعالى معروضًا في أيمانكم دائمًا، ولا شك أن هذا منهي عنه، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يكثر الحلف بالله، بل يجب أن يكون في قلبه من تعظيم الله عز وجل ما يمنعه أن يجعله عرضة في كل شيء، يعترض أو يعرض الله عز وجل في كل شيء.
وقال بعض المفسرين: لا تجعلوا الله مانعًا لأيمانكم من البر والتقوى والإصلاح بين الناس ﴿لَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا﴾ يعني عرضة مانعة لكم من البر والتقوى والإصلاح، وهذا المعنى أقرب من الأول وإن كان الأول معنى محتملًا لكن هذا أقرب ويؤيده قول النبي ﷺ: «إِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا تَحَلَّلْتُ مِنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣١٣٣) ومسلم (١٦٤٩ / ٧) من حديث أبي موسى الأشعري.]] وقال لعبد الرحمن بن سمرة: «إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٦٢٢) ومسلم (١٦٥٢ / ١٩) من حديث عبد الرحمن بن سمرة. ]] وعلى هذا يكون معنى الآية: لا تجعلوا الأيمان مانعًا لكم من البر، ويكون قوله: ﴿أَنْ تَبَرُّوا﴾ يكون مؤولًا بمصدر منصوب بنزع الخافض أي: عرضة عن بِرِّكم، وقوله: ﴿أَنْ تَبَرُّوا﴾ هذا إذا حلف على ترك الواجب، نقول: لا تجعل اليمين مانعًا لك من فعل الواجب، ماذا يصنع؟
* طالب: يكفِّر عن يمينه.
* الشيخ: يكفِّر عن يمينه ويفعل الواجب، مثل أن قال: والله لا أكلم فلانًا، وفلان مؤمن يحرم هجره، نقول الآن: حلفت وأيش هو عليه؟
* طالب: كفارة.
* الشيخ: على أيش؟
* الطالب: على الواجب.
* الشيخ: على ترك الواجب، فيجب عليك أن تكفر عن يمينك وأن تكلمه. قال: والله لا أصلي مع الجماعة. صلِّ مع الجماعة يا ولد، صلِّ مع الجماعة. لا والله عنادًا لكم والله ما أصلي مع الجماعة، هذا يمكن يقع من بعض السفهاء، ماذا نقول له؟ صل مع الجماعة، قال: والله أنا حلفت عاد، مضى مني يمين، ماذا نقول له؟ لا تجعل الله عرضة لأيمانك عن البر، قم بالواجب وكفر عن يمينك.
وقوله: ﴿وَتَتَّقُوا﴾ هذا فيما إذا حلف على فعل محرم ما هو على ترك واجب، على فعل محرم، قال: والله لأجحدن مال فلان الذي عليَّ، حلف على أيش؟
* طالب: محرم.
* الشيخ: على فعل محرم، وهو جحد الحق الواجب عليه، ماذا نقول له؟ نقول: كفر عن يمينك وأدِّ الحق إلى صاحبه. والله حلفتُ جرى مني يمين إني لأجحده. نقول: هذا يمين لا يعيقك عن التقوى، اتق الله عز وجل وقم بما أوجب الله عليك من إعطاء صاحب الحق حقه.
طيب إنسان قال: والله لأضربن فلانًا، هو ما فعل جناية لكن صار في نفسه عليه شيء قال: والله لأضربن فلانًا، صار بينهم خصومة، قال: والله لأضربه، والله ما يروح مني إلا أنا جارح رأسه وداق عنقه، وأيش نقول؟ نقول: يا أخي هذا حرام، اتق الله عز وجل وكفر عن يمينك وأْتِ الذي هو خير، كفر عن يمينك ولا تضرب هذا الرجل أو تدق عنقه أو لا. ولهذا قال أهل العلم: إن الحنث في اليمين تجري فيه الأحكام الخمسة: تارة يكون واجبًا، وتارة يكون حرامًا، وتارة يكون سنة، وتارة يكون مكروهًا، وتارة يكون مباحًا، لكن في قسم المباح حفظ اليمين فيه أولى، حفظ اليمين أولى في المباح.
قال: ﴿أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ﴾ أيضًا بعض الناس يصلح بين رجلين فيحصل منهما إساءة عليه، يقول: والله ما عمري أصلح بين الناس أبدًا، لأيش؟ قال: لأن ها دولاأصلحت بينهم ولحقني منهم الضرر، والله يكفيك شر مَن تُحسن إليه. وأيش نقول له؟
* طالب: اتقِ الله وأصلح.
* الشيخ: نقول: كفر عن يمينك وأصلح بين عباد الله، قال: أنا جرى مني يمين؟ نقول: هذا اليمين الحمد لله كل شيء يمكن أن يحلل. إن كفر عن اليمين قبل الحنث يسمى أيش؟ يسمى تَحِلَّة، وإن كفر بعد الحنث يسمى كفارة، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ [التحريم ١، ٢] ولهذا جاء في الحديث الذي أشرت إليه قبل قليل: «إِلَّا تَحَلَّلْتُ يَمِينِي -أو قال: عَنْ يَمِينِي- وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ»[[سبق تخريجه.]] وعلى هذا فنقول للذي أقسم ألا يصلح بين الناس: أصلح بين الناس وكفر عن يمينك، أو تحلل من يمينك وأصلح بين الناس.
قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ الجملة هذه لا شك أن فيها نوعًا من التهديد، فإن الإنسان إذا جعل الله عرضة لأيمانه عن البر والتقوى والإصلاح بين الناس لا شك أنه مستحق للَّوْم وللعقاب، فإن الله نهاه، ولهذا ختم الآية بقوله: ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ سميع لما يقال، عليم بما يُفعل بل بكل شيء، كما قال الله تعالى: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق ١٢] هذان الاسمان من أسماء الله من الأسماء المتعدية أو اللازمة؟
* طالب: المتعدية.
* الشيخ: المتعدية، إذن لا يتم الإيمان بها إلا بثلاثة شروط، الأول: أن يؤمن بأنها اسم من أسماء الله دالة على ذات الله عز وجل.
ثانيًا: يعتقد أنها دالة على صفة من صفات الله متضمنة لذلك.
والثالث: أن يؤمن بما يترتب عليها من الحُكْم والآثار. فـ﴿سَمِيعٌ﴾ أي ذو سمع يسمع به، ﴿عَلِيمٌ﴾ ذو علم يعلم به، والغرض أو الحكمة من ختم الآية بهذين الاسمين الكريمين: التحذير من مخالفة الإنسان ربه، فإنه إذا خالف الله فالله سميع عليم.
* طالب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، الفائدة الأولى، فوائد قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ الآية.
* الفائدة الأولى: أن لفظ الإيمان أخص من لفظ التوحيد، لقوله: ﴿حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾، ولقوله: ﴿حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾ ولم يقل: ولا تنكحوا المشركات حتى يوحدن، ولم يقل: ولا تُنكحوا المشركين حتى يوحدوا. الفائدة الثانية..
إذن الرابعة والعشرين والخامسة والعشرين: إثبات أن إجابة دعوة الله عز وجل إنما تكون بإذنه؛ لقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة ٢٢١].
السادسة والعشرون: إثبات الإذن لله، وليس المراد بالإذن ما يقوم به السمع، المراد بالإذن الأمْر؛ لقوله تعالى: ﴿بِإِذْنِهِ﴾، وقد بيَّنا في التفسير أن إذن الله عز وجل ينقسم إلى ثلاثة أقسام.
* طالب: ينقسم إلى قسمين.
* الشيخ: إلى ثلاثة.
* طالب: قسمين.
* الشيخ: مصمم؟ إلى قسمين: إذْن شرعي، وإذْن كوني، وهذه من الفوائد يمكن الإنسان لو يتأمل يجد أكثر من هذا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [البقرة ٢٢٢].
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ ما المراد بالمحيض؟
يقال في هذه الآية: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ﴾ ما قيل فيما قبلها من قوله: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ﴾، * فيُستفاد منها: تتابُع أسئلة الصحابة رضي الله عنهم على رسول الله ﷺ.
* ويُستفاد منها: حِرص الصحابة على العلم؛ حيث يسألون رسول الله ﷺ عن مثل هذه الأمور.
* ويُستفاد منها: أنه لا ينبغي أن يستحي الإنسان عن سؤال العِلْم مهما كان
من الأمور الباطنة؛ لقوله: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾.
* ويُستفاد منها أيضًا: أن الله عز وجل قد يتولَّى الإجابة فيما سُئِل عنه رسول الله ﷺ؛ حيث قال: ﴿قُلْ هُوَ أَذًى﴾.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: تقديم العِلَّة على الحُكم حتى يرِد الحُكم على الذهن وهو مستعد لقبوله، من أين يؤخذ؟
من قوله: ﴿هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ [البقرة ٢٢٢].
وتقديم العِلَّة على الحكم فيه الفائدة التي أشرنا إليها وهي أن يرد الحكم على الذهن وهو مستعد لقبوله.
* ويُستفاد منها: أن المحيض أذى وهو الحيض؛ لأنه قَذَر ونَجِس؛ ولهذا أمَر النبي عليه الصلاة والسلام بغَسْله قليلِه وكثيره، فقد كانت النساء تُصيب ثيابهن الحيض فيسألن النبي ﷺ عن ذلك فيأمرهن أن يَقْرصْنه، تحكُّه أولًا ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: وجوب اعتزال المرأة حال الحيض؛ لقوله: ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ وقد بَيَّنت السُّنة ماذا يُعتزل فيه وهو الجماع، لقول النبي ﷺ: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ»[[أخرجه مسلم (٣٠٢ / ١٦) من حديث أنس.]].
* ويُستفاد من الآية الكريمة: مِنَّة الله على الرجل والمرأة في اعتزالها حال الحيض؛ لأنه أذى، مضر بالمرأة ومضر بالرجل، الوطء حال الحيض.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: النهي عن قُرْبانهن حتى يَطْهُرن؛ لقوله: ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ﴾ فإن قلت: كيف يُجمع بين هذه الآية وبين قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ»[[سبق تخريجه.]] فإن هذا يقتضي قُرْبانهن؟
قلنا، أو فالجواب أن نقول: إن النهي عن القُرْبان مُبيَّن؛ بأن لا يقرب الإنسان الجماع؛ ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا كان الرجل لا يملك نفسه فإنه لا يَقرب الفرْج، ولا يستمتع بما دون الإزار، وجعلوا ذلك وجهًا للجمع بين جواب النبي ﷺ حين سُئل: ماذا يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقال: «مَا فَوْقَ الْإِزَارِ»[[أخرجه أبو داود في سننه (٢١٢) من حديث عبد الله بن سعد، و(٢١٣) من حديث معاذ بن جبل واللفظ له.]] وبين قوله: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ».[[سبق تخريجه.]]
* ويُستفاد من الآية الكريمة: تحريم الوطء بعد الطُّهر قبل الغُسل؛ لقوله: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ﴾ [البقرة ٢٢٢]، وفي قراءة أخرى: ﴿حَتَّى يَطَّهَّرْنَ﴾ يعني: يغتسلن، وفيه ردٌّ على قول من قال من أهل العلم: إن المراد بذلك غَسْل الفرْج وإزالة الأذى، وأنه يجوز للرجل أن يَطَأ زوجته بعد الطُّهر من حيضها وإن لم تغتسل إذا غسل المحل.
الدليل: قوله: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ فإن معناها: إذا اغتسَلْنَ، كما قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة ٦] فالاطِّهار والتطهُّر معناه الاغتسال.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: وجوب جماع الزوجة بعد طُهرها من الحيض.
* طالب: لا يلزم.
* طالب آخر: على قول الظاهرية.
* طالب آخر: يباح.
* الشيخ: ﴿فَأْتُوهُنَّ﴾.
نقول: نعم، قال به بعض أهل العلم، قال: إنه يجب على الرجل إذا اغتسلت زوجته من الحيض أن يُجامعها؛ لأن الله يقول: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ﴾، ولكن هذا القول ضعيف جدًّا، والصواب أن الأمر فيه لرفع الحَظْر ولا نقول: للإباحة، الصواب أن الأمر بعد النهي لرفع الحَظْر، فهو يرفع الحظر، ثم يُبقي الحكم على ما كان عليه قبل النهي.
انتبهوا للفرق بين قولنا: إن الأمر بعد النهي للإباحة، وبين القول بأن الأمر بعد النهي لرفع الحظر، بينهما فرق، إذا قلنا: إن الأمر بعد النهي للإباحة فمعناه أن النهي رَفَعَ الحكم الأول، ألْغَاه، ثم جاء الأمر بعد النهي فأباح المَنْهِيَّ عنه، وأما إذا قلنا: إن الأمر بعد النهي رفع للحظر فقط، فمعناه أنه ارتفع النهي وبَقِي الحكم على ما كان عليه من قبل النهي، وعلى هذا فيكون قوله تعالى: ﴿فَأْتُوهُنَّ﴾ أمرًا بعد الحظر يفيد رُجوع الحكم إلى ما كان عليه قبل النهي، وإتيان المرأة إن لزم منه معاشرتها بالمعروف كان من الأمر المطلوب وإلا فلا.
ولا ريب أن النساء يختلفن، فبعض النساء ترغب أن يأتيها الزوج، فيكون إتيانه لها من باب المعاشَرة بالمعروف المطلوبة في قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء ١٩].
وبعض النساء لا يَهُمُّها ذلك، وبعض النساء ربما تكره ذلك.
فالحاصل أن الأمر هُنا رفع للحظر فيُبقِي الأمر على ما كان عليه من قبل الحظر، ونحن نقول لأبي محمد علي بن حزم:
ما تقول في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة ٢]؟
هل تُوجِب على المحرم إذا حلَّ من إحرامه أن يحمل البندق لأجل أن يصطاد الصيد؟
سيقول: لا، والأمر في الآية هذه كالأمر في آية المائدة؛ لأن الله قال: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة ٢]، فهو أمْر بعْد النهي، فالحاصل أن الصحيح أنَّ الأمر بعد النهي رفْعٌ للحظر، ورد للأمر على ما كان عليه قبل الحظر.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: أنه لا يجوز للإنسان أن يتعدَّى حُدود الله، لا زمانًا ولا مكانًا فيما أباح الله له من إتيان أهله، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: إثبات محبَّة الله عز وجل؛ لقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ والمحبة حقيقيَّة لله عزَّ وجل على الوجه اللائق به، وهكذا جميع ما وصف الله به نفسَه من المحبة والرضا والكراهة والغضَب والسَّخَط وغيرها كلها حقيقة ثابتة لله على الوجه اللائق به.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: إثبات أمْر الله عز وجل، وأن أمرَه واجِب الطاعة حسب ما تقتضيه النصوص الشرعية لقوله: ﴿مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: فضيلة التوبة، وأنها أمر مطلوب، من أين؟
* الطالب: من قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾.
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: إن كان الله يحب التوابين فهو مطلوب.
* الشيخ: فإنه مطلوب من الإنسان أن يفعل ما يحبه الله عز وجل.
فإذن * يُستفاد من الآية الكريمة: فضيلة التوبة، وأنها من أسباب محبة الله للعبد.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: أن صفة المحبة من صفات الله الفعلية لا الذاتية، كيف؟
لأنها عُلِّقت بالتوبة، والتوبة من فِعْل العبد تتجدَّد، فكذلك محبة الله عز وجل تتعلَّق بأسبابها، وكل صفة من صفات الله تتعلق بأسبابها فهي من الصفات الفعلية.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: محبَّة الله تعالى للمتطهِّرين لقوله: ﴿وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: حُسْن أسلوب القرآن؛ لأنه جَمَعَ في هذه الآية بين التطهُّر المعنويِّ والتطهُّر الحِسِّي، من أين تؤخذ؟
* يُستفاد من الآية حُسن أسلوب القرآن حيث جمع بين التطهر الحِسِّي والمعنوي.
* طالب: الطهارة الحسية طهارة البدن (...) والطهارة المعنوية طهارة..
* الشيخ: لا، ما عندي عِلم.
* طالب: ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾.
* الشيخ: لا لا.
* طالب: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة ٢٢٢] من الآية الأخيرة؟
* الشيخ: طيب وين التطهر الظاهر والباطن أو الحسي والمعنوي؟
* الطالب: التوابين هي التوبة الباطنية.
* الشيخ: نعم، التوبة الطهارة الباطنية.
* الطالب: والمتطهرين..
* الشيخ: الطهارة الحسية؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: طيب، صحيح؟
* الطلبة: صحيح.
* الشيخ: نعم، * ويستفاد من الآية الكريمة: تعْليل الأحكام الشرعية؛ لقوله: ﴿هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا﴾.
* وبناءً على ذلك يُستفاد منها: إثبات حكمة الله عز وجل، وأنه لا يَشْرَع شيئًا إلا لحكمة ولَّا لا؟
لأنه قال: ﴿هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ فإذن ما دام الله علَّل ذلك فمعناه أنه ما شرعه إلا لحكمة، وهذا مُقتضى اسمه تبارك وتعالى: الحكيم.
* ويُستفاد من الآية الكريمة فائدة -لننظر فيها- وهي: حِكمة الله تعالى في حيْض المرأة؛ حيث قال بعض الأطباء: إن في ذلك مَصلحة للرجل؛ لأنه يحجزه عن الجماع، وإدامة الجماع ضرر على الإنسان، وفي بيت مشهور بيت حكمة قال:
؎ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ لِلْأَنَامِ ∗∗∗ وَدَاعِيَةُ الصِّحِيحِ إِلَى السِّقَامِ ؎دَوَامُ مُدَامَةٍ وَدَوَامُ وَطْأٍ ∗∗∗ وَإِدْخَالُ الطَّعَامِ عَلَى الطَّعَامِ
نعم، واحد متغدي منتنًا بطنه، يِسَيِّل على صديقه، وإذا عنده طعام: لحم وعصب وما أشبه ذلك، ويأكل منها اللحم والعصب وهو مملوء البطن وأيش يكون هذا؟
هذا إدخال طعام على طعام خطر عليه، وأما الْمَدامة فهي الخمر، ومعلوم أن الخمر فَساد للعقل والدين والبدن، لا سيما إذا أُدمن والعياذ بالله، وكذلك الوطء مُنهك للبدن؛ ولهذا من حِكمة الله عز وجل أن الإنسان إذا جامَعَ يجب عليه أن يغْتسل ليتطهر وليُعيد نشاط بدنه إليه.
أقول: هذه الفائدة يمكن أن تؤخذ من الآية؟ حِكمة الله عز وجل في الحيض وفي أمر الرجال باعتزال النساء فيه؛ لأجل أن يحافظوا بعض الشيء على صحتهم يمكن هذا؟
* طالب: يُقال: إنما شُرع لنا أن فيه مصلحة لنا في ديننا ودنيانا؛ وذلك لأنه فيه أذى يعني للرجل والمرأة، ولذلك نهانا الله عنه وجميع ما شُرع لنا وأبيح لنا فيه الخير.
* الشيخ: هذا ما فيه إشكال، لكن نحن نريد الخير الْمُعيَّن ولَّا ما فيه شهادة، نحن نعرف ونعلم جميعًا كلنا والحمد لله أن الله ما شرع شيئًا إلا لحِكمة وخيرٌ للعباد في معاشِهم ومعادهم، هذا ما فيه إشكال، لكن نريد تلك المصلحة المعينة، هل هي صحيحة أم لا؟
* طالب: الظاهر أنها غير ظاهرة؛ لأن النبي ﷺ أباح الوطء ما دون..
* الشيخ: أباح الاستمتاع؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: بما دون الفرج؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: لكن بس هو صحيح.
* طالب: أقول: بالنسبة للمرأة صحيح هذا، لكن بالنسبة للرجل قد (...).
* الشيخ: لا، وأيضًا والاستمتاع بما دون الفرج، الاستمتاع بما دون الفرج يمكن ينهك البدن أكثر لأن ذاك استمتاع طبيعي، وهذا استمتاع في الغالب غير طبيعي، وهو غير ما أباحه الله.
المهم خلاص انسحبت من هذا، ما فيها فائدة.
ثم قال تعالى.. فيه فائدة غير هذه؟
* طالب: في المحبة قلنا: فعلية، لماذا لا نقول: ذاتية فِعلية؟
* الشيخ: قد نقول: إنها ذاتية فِعلية، ممكن أن نقول؛ لأن الله يعلم من هذا الرجل أنه سيكون من التوابين والمتطهرين فيحبه، لكنه لا يحبه حتى يوجد هذا الشيء.
* طالب: إثبات المحبة (...)، الحب والبغض لله، هذا هو القائم في نفسه؟
* الشيخ: هو قائم في نفسه لا شك، ولذلك قلنا لكم: الصِّفات الفعلية منها معنوي، ومنها غير معنوي، منها معنوي ومنها فِعلي، لكن نقول: إن المحبة تتعلق بالمحبوب، والمحبوب يكون حادِثًا، لكن الله تعالى يعلم أن شيئًا سيكون مما يُحِب فيحب هذا الشيء وقت وجوده.
* طالب: شيخ، تفريق بعضهم بين ﴿تَقْرَبُوهُنَّ﴾ و (تَقْرُبُوهُنَّ)؟
على أن تقرَبوهن التلبس بهن، وتَقْرُبُوهُنَّ يعني: تدنون منهن.
* الشيخ: والأولى أيش معناها؟
* الطالب: تَقْرَبُوهُنَّ أي: تتلبسون.
* الشيخ: لا لا، ما هو بصحيح؛ لأن ﴿لَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ [الإسراء ٣٢] يشمل كل ما يدعو إلى الزنا، فهو منهيٌّ عن الزنا وعن أسبابه.
* الطالب: شيخ أنه ذكرها بالفتح لأنها عامة وأشمل، يقول: لكن ولم يذكرها بالضم لأنها خاصة بالدنو والقرب؟
* الشيخ: لا أبدًا، يقال: قَرُب يَقْرُب، وقَرَب يَقْرَب، بس هي من باب.. يسمون هذا أبواب الأوزان، ولا أظن بينها هذا الفرق.
ثم قال تعالى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة ٢٢٣].
* يُستفاد من هذه الآية الكريمة: أن النساء حرْث للرجال، بمعنى مَوْضع زراعة.
* ويُستفاد من هذه الآية الكريمة: أن الرجل حُرٌّ في هذا الحرث، إن شاء فَعَلَ وإن شاء لم يَفْعَلْ؛ لقوله: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ إلا أنه مُوقَّت في أربعة أشهر على رأي بعض أهل العِلم أو فيما جرى به العرف على رأي آخر.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: جواز إتيان المرأة في محل الحَرْث من أي جهة؛ لقوله: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾.
وهل يُستفاد من الآية الكريمة مشروعية كَوْن الإنسان ينوي بجِماعه الولد؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: من أين تؤخذ؟ غير ﴿قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾، في قوله: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ﴾ فجعل الله تعالى الإتيان للحرث، فكأنه إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يأتيَ المرأة من أجْل طلب الولد، وقد ذكروا عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه ما جَامَعَ إلا بقصد نية الولد أو إلا بقصد الولد.
وعلى كل حال الناس يختلفون في هذا، ولا مانع من أن الإنسان يريد بذلك الولد ويريد بذلك قضاء الوطر.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: أنه يُشرَع للمرء أن يُقدِّم لنفسِه عند الجماع لقوله: ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة ٢٢٣].
وقد ذكرنا في التفسير معنى قوله: ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾، وأن من معناها أيش؟
التسمية وإرادة تحصين الفرج، وإرادة الولد، كذا؟
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن إتيان المرأة من مصالح الإنسان الخاصة؛ لقوله تعالى: ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾ فكأن هذا إشارة من الله عز وجل إلى أن المصلحة لنا لا لغيرنا فقدِّم لنفسك.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: وُجوب تقوى الله؛ لقول الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾.
* ويُستفاد منها: وجوب التمشِّي في معاملة الأهل في إتيانهم وترْكهم على أيش؟ على ما شرع الله؛ لأن ذلك من تقوى الله، فيجب عليك أن تتمشَّى في مُعاشرة أهلك فعلًا وتَرْكًا على ما شرعه الله.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: إثبات البَعْث، من أين تؤخذ؟
* طالب: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾.
* الشيخ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾.
* ويستفاد منها: إثبات رؤية الله، من أين تؤخذ؟
* الطلبة:﴿أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾.
* طالب: ما يلزم.
* الشيخ: ما يلزم من الملاقاة في النظر؟
* طالب: لا يلزم.
* الشيخ: لاقاه، أيش معناه؟
* طالب: قابله.
* الشيخ: قابله وأيش اللي بيقابل مغط عيونه، استدل بعض العلماء بهذه الآية على أنها تفيد إثبات رؤية الله؛ لأن الملاقاة الأصل عدم الحاجب، الأصل عدم الحاجب فيكون دالًّا على إثبات رؤية الله.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: تهديد الإنسان من المخالفة؛ لأنه لما أَمَرَ بالتقوى قال: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: أن من البلاغة إذا أخبرْتَ الإنسان بأمْر هام أن تُقدِّم بين يدي الخبر ما يقتضي انتباهه، من أين؟
* الطلبة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾.
* الشيخ: ﴿وَاعْلَمُوا﴾، ما قال: اتقوا الله فإنكم ملاقوه، قال: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾، وهذا مما يَزيد الإنسان انتباهًا وتحسُّبًا لهذه الملاقاة.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: أن المؤمنين ناجون من أَوْضار هذه الملاقاة؛ لقوله: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
* ويُستفاد منه: أن البشارة للمؤمنين مُطلقة حيث قال: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ولم يذْكُر المُبَشَّر به.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: أن البشارة للمؤمنين في الدنيا وفي الآخرة، وجهه عدم التقييد، وقد قال الله تعالى في آية أخرى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس ٦٤]، وسئل النبي ﷺ عن الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرَى له فقال: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ»[[أخرجه مسلم (٢٦٤٢ / ١٦٦) من حديث أبي ذر.]].
* ويُستفاد من الآية الكريمة: تحذِير غير المؤمنين من هذه الملاقاة، من أين تُؤخذ؟
لأنه لما أمَرَنَا أن نعلم بأننا ملاقوه قال: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يعني: وأنذر غير المؤمنين، وهذا قريب من قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل ٨١].
* الطلبة: يعني: وسرابيل تقيكم البرد.
* الشيخ: تقيكم الحر والبرد، فهنا قال: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: فضيلة الإيمان؛ لأن الله علَّق البشارة عليهم فقال: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
* ويُستفاد منه: جَواز إتيان الرجل امرأته من دُبرها في قبلها؛ لقوله: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾، وكانت اليهود -عليهم لعائن الله- يقولون: إن الرجل إذا أتى امرأته من دُبُرها في قُبُلها صار الولد أحْوَل، فكذَّبهم الله عز وجل.
* طالب: شيخ، ما يؤخذ من قوله تعالى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ حث الرجال على المحافظة على نسائهم؛ لأنه قال: ﴿نِسَاؤُكُمْ﴾ وقال: ﴿حَرْثٌ لَكُمْ﴾؟
* الشيخ: نعم، يُستفاد منها، يستفاد من الإضافة ﴿نِسَاؤُكُمْ﴾، و﴿حَرْثٌ لَكُمْ﴾ يُستفاد منه أنه ينبغي للإنسان أن يُحافظ على هذه المرأة التي أُضيفت له، وعلى أنها حرثه كما يحافظ على حرث أرضه.
* ويُستفاد منها أيضًا فائدة أخرى: وهو أنه لا ينبغي للإنسان أن لا يُقلِّل من النسل؛ لقوله: ﴿حَرْثٌ لَكُمْ﴾، وإذا كانت حرثًا فهل الإنسان عندما يحرث أرضًا هل يُقلِّل من الزرع ولَّا يُكثر من الزرع؟
يكثر من الزرع، هذا هو الغالب لا شكَّ، يكثر من الزرع فنقول: هذا أيضًا ينبغي للإنسان أن يكثر من الأولاد ما استطاع.
وأما القول بتحديد النسل فإن هذا لا شك أنه من دسائس أعداء المسلمين، يريدون من المسلمين أن لا يكثُروا؛ لأنهم إذا كثروا أرعبوهم، إذا كثروا استغنوا بأنفسهم عنهم، إذا كثروا حرثوا الأرض وشغلوا التجارة، وحصل بذلك ارتفاع للاقتصاد وغير ذلك، فإذا بقوا مستحسرين قليلين صاروا أذِلَّة، وصاروا محتاجين لغيرهم في كل شيء.
وما رأيكم في امرأة تقول: أنا أريد أن أتناول حبوب منع الحمل لأنني إذا حملت تعبت، كنت قبل الحمل أصعد إلى السطح وأنزل وأخرج وأجيء، وأجلس بهدوء وأقوم بهدوء، لكن لما حملت كبر البطن وثقُل الولد صرت أتعب، أقوم أنا على جُموعي في العاجِن وأجلس بكل كلافة، والدرج لا أصعدها، وإذا أتى الوَضْع فحدِّث ولا حرج من التعب؟ وأيش نقول؟ أعظم الله أجرك، ما (...) أعظم الله أجرك، لكن نقول: هذا أمر طبيعي، فإن الله يقول: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ [الأحقاف ١٥] ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ [لقمان ١٤]. هذا أمر لا بُدَّ منه كيف يجي ولد بدون أي تعب؟!
* طالب: ولا تسمح له أن يتزوج غيرها، هي تَبْلع الحبوب ولا تسمح أن يتزوج غيرها.
* الشيخ: عجيب، هذا المشكل.
* طالب: شيخ، قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾ [البقرة ٢٢٣] إن الملاقاة شاملة للكافر والمؤمن، والرؤية خاصة بالمؤمن؟
* الشيخ: إي نعم، لكن ملاقاة الكافِر قد يحتجب الله عنه بدليل قوله: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين ١٥].
* طالب: إذن ما فيها دلالة؟
* الشيخ: لا فيها؛ لأن الأصل في الملاقاة عدَم الاحتجاب إلا بدليل، شنو يلاقيه بدون نظر؟
* طالب: لكن، هل كل مؤمن يرى الله في الجنة؟
* الشيخ: نعم.
* طالب: كل مؤمن؟
* الشيخ: كل مؤمن في الجنة يرى الله.
* طالب: أليس في الجنة درجات؟!
* الشيخ: إي نعم درجات، لكن يختلفون في رؤية الله، منهم من يراه كل يوم، ومنهم من يراه كل أسبوع أو كل شهر الله أعلم، لكن لا شكَّ أنهم يختلفون، إنما ما من مؤمن إلا يرى الله ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾ [القيامة ٢٢ - ٢٥] ولم يذكر الله وجوهًا أُخرى.
ثم قال: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة ٢٢٤].
* الطالب: ألا يعتبر هذا اعتراضًا على الله؟
* الشيخ: ما هو؟
* الطالب: تحديد النسل (...)؟
* الشيخ: لا ما هو اعتراض على الله عز وجل، لكنه خِلاف الأَوْلى، والصحابة كانوا يعزلون والقرآن ينزل، والعَزْل معناه أنه يمنع الحمل.
* طالب: لعِلَّة ظاهرة؟
* الشيخ: لا ما أمرهم الرسول.
* طالب: أقول: لعلة ما عرضوه على الرسول ﷺ فراح (...).
* الشيخ: لا، حديث جابر: «كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٢٠٧)، ومسلم (١٤٤٠ / ١٣٦) واللفظ له من حديث جابر بن عبد الله.]] لكن هم سألوا الرسول عن العَزْل فقال: «ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ»[[أخرجه مسلم (١٤٤٢ / ١٤١) من حديث جُدامة بنت وهب.]].
فهذا يدل على أن الأولى ترْكُه، وأنه لا ينبغي إلا لحاجة مع أن أهْل العلم يقولون: يحرم على الرجل أن يعزل عن الْحُرَّة إلا بإذنها؛ لأن النَّسل من حقها.
﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
* يُستفاد من الآية الكريمة: النهي عن كثرة الأيمان؛ لقوله: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ﴾؛ لأن الآية فيها معنيانِ كما سبق، لكن على قول من يقول: ﴿لَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ﴾ لا تُكثروا الأيْمان به لأجل أن تكونوا من أهل البِرِّ والتقوى والإصلاح، فعلى هذا الرأي يكون في الآية دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يُكثر الأيْمان بالله، ويدُل لذلك قوله تعالى: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة ٨٩].
وعلى الرأي الثاني يُستفاد منها: أنه لا ينبغي للإنسان أو يُنهى الإنسان عن جَعْل اليمين حاجزًا يمنعه عن البر والتقوى والإصلاح، فالمعنى يختلف ولَّا لا؟
يختلف؛ لأن المعنى على الوجه الثاني أن الإنسان إذا حلف على شيء وهو عمل بر، لا يقول: والله ما أفعله؛ لأني حلفتُ على تركه، إذا حلف على فِعل شيء وهو حرام ما يفعله ويقول: لأني حلفت؛ ولهذا قال: ﴿أَنْ تَبَرُّوا﴾ هذا في فِعْل الخير، ﴿وَتَتَّقُوا﴾ في فِعل المحرم، أو في ترك المحرم، ﴿وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ﴾ واضحة.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: وجوب احترام الله عز وجل على الوجه الأول؛ لقوله: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ﴾.
* ويُستفاد منها: أن الإنسان إذا حلف على يمين ورأى غيرها خيرًا منها فإنه يفْعل الخير ويُكفِّر عن اليمين؛ لقوله: ﴿أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ﴾.
* ويُستفاد منها: الحث على البِرِّ، ووجهه: أنه إذا كان الله نهانا أن نجعل اليمين مانعًا من فِعْل البر، فما بالك إذا لم يكن هناك يمين؟!
وكذلك الحث على التقوى وعلى الإصلاح.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: فضيلة الإصلاح بين الناس؛ لقوله: ﴿وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ﴾ فنصَّ عليه مع أنه من البِرِّ، والتنصيص على الشيء بعد التعميم، وأيش يدل عليه؟ على الاهتمام به والعناية به، ولا ريب أن الإصلاح بين الناس من الأمور الهامة لما فيه من رَأْب الصدع، ولَمّ الشعث، وجمع الشَّمل، وهذا خلاف من -والعياذ بالله- مَنْ يفعلون ما يُوجب القطيعة بين الناس مثل النَّميمة، النميمة تُوجب القطيعة بين الناس؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ».[[متفق عليه؛ البخاري (٦٠٥٦)، ومسلم (١٠٥ / ١٦٨) واللفظ له من حديث حذيفة بن اليمان.]]
* الشيخ: * ويُستفاد منها: إثبات اسمين من أسماء الله وهما السميع والعليم، وما تضمَّناه من صفة، وما تضمناه من حُكم وأثر.
* ويُستفاد منها: تحذير الإنسان مِن المخالفة، وجهه أنه إذا كان الله سميعًا عليمًا فإياكَ أن تخالف ما أمرك به، فإنك إن خالفته بما يُسمع سمعك، وبما يُعلم علِمك، فاحذر الله عز وجل.
* طالب: بالنسبة للرأي الأول في الحلف يقول: لا تجعلوا الله (...).
{"ayahs_start":222,"ayahs":["وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِیضِۖ قُلۡ هُوَ أَذࣰى فَٱعۡتَزِلُوا۟ ٱلنِّسَاۤءَ فِی ٱلۡمَحِیضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ یَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَیۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلتَّوَّ ٰبِینَ وَیُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِینَ","نِسَاۤؤُكُمۡ حَرۡثࣱ لَّكُمۡ فَأۡتُوا۟ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡۖ وَقَدِّمُوا۟ لِأَنفُسِكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّكُم مُّلَـٰقُوهُۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ","وَلَا تَجۡعَلُوا۟ ٱللَّهَ عُرۡضَةࣰ لِّأَیۡمَـٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّوا۟ وَتَتَّقُوا۟ وَتُصۡلِحُوا۟ بَیۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ"],"ayah":"وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِیضِۖ قُلۡ هُوَ أَذࣰى فَٱعۡتَزِلُوا۟ ٱلنِّسَاۤءَ فِی ٱلۡمَحِیضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ یَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَیۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلتَّوَّ ٰبِینَ وَیُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق