الباحث القرآني
ولَمّا كانَ في ذِكْرِ هَذِهِ الآيَةِ رُجُوعٌ إلى تَتْمِيمِ ما أحَلَّ مِنَ الرَّفَثِ في لَيْلِ الصِّيامِ عَلى أحْسَنِ وجْهٍ تَلاها بِالسُّؤالِ عَنْ غَشَيانِ الحائِضِ ولَمّا كانَ في النِّكاحِ شائِبَةٌ لِلْجِماعِ تُثِيرُ لِلسُّؤالِ عَنْ أحْوالِهِ وشائِبَةٌ لِلنَّسِّ والِانْتِفاعِ تَفْتُرُ عَنْ ذَلِكَ كانَ نَظْمُ آيَةِ الحَرْثِ بِآيَةِ العَقْدِ بِطَرِيقِ العَطْفِ أنْسَبَ مِنهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِئْنافِ فَقالَ: ﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ المَحِيضِ﴾ أيْ عَنْ نِكاحِ النِّساءِ فِيهِ مُخالَفَةٌ لِلْيَهُودِ.
قالَ الحَرالِيُّ: وهو (p-٢٧٥)مَفْعِلٌ مِنَ الحَيْضِ وهو مُعاهَدَةُ انْدِفاعِ الدَّمِ العَفِنِ الَّذِي هو في الدَّمِ بِمَنزِلَةِ البَوْلِ والعَذِرَةِ في فَضْلَتَيِ الطَّعامِ والشَّرابِ مِنَ الفَرَجِ ﴿قُلْ هو أذًى﴾ أيْ مُؤْذٍ لِلْجِسْمِ والنَّفْسِ لِأنَّ فِيهِ اخْتِلاطَ النُّطْفَةِ بِرَكْسِ الدَّمِ الفاسِدِ العَفِنِ - قالَهُ الحَرالِيُّ، وقالَ: حَتّى أنَّهُ يُقالُ إنَّ الَّتِي تُوطَأُ وهي حائِضٌ يَقَعُ في ولَدِها مِنَ الآفاتِ أنْواعٌ - انْتَهى.
ولِهَذا سَبَّبَ سُبْحانَهُ وتَعالى عَنْهُ قَوْلَهُ: ﴿فاعْتَزِلُوا النِّساءَ﴾ أيْ كَلِّفُوا أنْفُسَكم تَرْكَ وِقاعِهِنَّ، مِنَ الِاعْتِزالِ وهو طَلَبُ العَزْلِ وهو الِانْفِرادُ عَمّا شَأْنُهُ الِاشْتِراكُ - قالَهُ الحَرالِيُّ.
﴿فِي المَحِيضِ﴾ أيْ زَمَنِهِ، وأظْهَرَهُ لِئَلّا يُلْبِسَ لَوْ أضْمَرَ بِأنَّ الضَّمِيرَ لِمُطْلَقِ المُرادِ بِالأذى مِنَ الدَّمِ فَيَشْمَلُ الِاسْتِحاضَةَ وهي دَمٌ صالِحٌ يَسِيلُ مِن عِرْقٍ يَنْفَجِرُ مِن عُنُقِ الرَّحِمِ فَلا يَكُونُ أذًى كالحَيْضِ الَّذِي هو دَمٌ فاسِدٌ يَتَوَلَّدُ مِن طَبِيعَةِ المَرْأةِ مِن طَرِيقِ الرَّحِمِ ولَوِ احْتَبَسَ لَمَرِضَتِ المَرْأةُ، فَهو كالبَوْلِ والغائِطِ فَيَحِلُّ الوَطْءُ مَعَهُ دُونَ الحَيْضِ لِإسْقاطِ العُسْرِ - قالَهُ الإمامُ.
﴿ولا تَقْرَبُوهُنَّ﴾ أيْ في مَحَلِّ الإتْيانِ بِجِماعٍ ولا مُباشَرَةٍ في ما دُونَ الإزارِ وإنَّما تَكُونُ المُباشَرَةُ في ما عَلا عَنِ الإزارِ ﴿حَتّى﴾ ولَمّا كانَ فِيهِ ما أُشِيرَ إلَيْهِ (p-٢٧٦)مِنَ الرَّكْسِ قالَ: ﴿يَطْهُرْنَ﴾ أيْ بِانْقِطاعِهِ وذَهابِ إبّانِهِ والغُسْلِ مِنهُ، والَّذِي يَدُلُّ عَلى إرادَةِ ذَلِكَ مَعَ قِراءَةِ التَّشْدِيدِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا تَطَهَّرْنَ﴾ أيِ اغْتَسَلْنَ، فالوَطْءُ لَهُ شَرْطانِ: الِانْقِطاعُ والِاغْتِسالُ ورُبَّما دَلَّتْ قِراءَةُ التَّخْفِيفِ عَلى جَوازِ القُرْبانِ لا الإتْيانِ وذَلِكَ بِالمُباشَرَةِ فِيما سَفَلَ عَنِ الإزارِ ﴿فَأْتُوهُنَّ﴾ أيْ جِماعًا وخُلْطَةً مُبْتَدِئِينَ ﴿مِن حَيْثُ أمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ، وهو القُبُلُ عَلى أيِّ حالَةٍ كانَ ذَلِكَ؛ ولَمّا دَلَّ ما في السِّياقِ مِن تَأْكِيدٍ عَلى أنَّ بَعْضَهم عَزَمَ أوْ أحَبَّ أنْ يَفْعَلَ بَعْضَ ما تَقَدَّمَ النَّهْيُ عَنْهُ عَلَّلَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ (p-٢٧٧)مُكَرِّرًا الِاسْمَ الأعْظَمَ تَعْظِيمًا لِلْمَقامِ ولَمْ يُضْمِرْهُ إعْلامًا بِأنَّ هَذا حُكْمٌ عامٌّ لِما يَقَعُ مِن هَفْوَةٍ بِسَبَبِ الحَيْضِ أوْ غَيْرِهِ ﴿يُحِبُّ﴾ أيْ بِما لَهُ مِنَ الِاخْتِصاصِ بِالإحاطَةِ بِالإكْرامِ وإنْ كانَ مُخْتَصًّا بِالإحاطَةِ بِالجَلالِ ﴿التَّوّابِينَ﴾ أيِ الرَّجّاعِينَ عَمّا كانُوا عَزَمُوا عَلَيْهِ مِن ذَلِكَ ومِن كُلِّ ذَنْبٍ أوْجَبَ لَهم نَقْصَ الإنْسانِيَّةِ ولا سِيَّما شَهْوَةَ الفَرْجِ الإلْمامُ بِهِ، كُلَّما وقَعَتْ مِنهم زَلَّةٌ أحْدَثُوا لَها تَوْبَةً لِأنَّ ذَلِكَ مِن أسْبابِ إظْهارِهِ سُبْحانَهُ صِفَةَ الحِلْمِ والعَفْوِ والجُودِ والرَّحْمَةِ والكَرَمِ «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرُ لَهم» أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والتِّرْمِذِيُّ عَنْ أبِي أيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ.
وإذا أحَبَّ مَن يَتَكَرَّرُ مِنهُ التَّوْبَةُ بِتَكْرارِ المَعاصِي فَهو في التّائِبِ الَّذِي لَمْ يَقَعْ مِنهُ بَعْدَ تَوْبَتِهِ زَلَّةٌ إنْ كانَ ذَلِكَ يُوجَدُ أحَبُّ وفِيهِ أرْغَبُ وبِهِ أرْحَمُ، ولَمّا كانَ ذَلِكَ مِمّا يَعِزُّ التَّخَلُّصُ مِن إشْراكِهِ إمّا في تَجاوُزِ ما في المُباشَرَةِ أوْ في (p-٢٧٨)الجِماعِ أوَّلًا أوْ آخِرًا أتى بِصِيغَةِ المُبالَغَةِ.
قالَ الحَرالِيُّ: تَأْنِيسًا لِقُلُوبِ المُتَحَرِّجِينَ مِن مُعاوَدَةِ الذَّنْبِ بَعْدَ تَوْبَةٍ مِنهُ، أيْ ومِن مُعاوَدَةِ التَّوْبَةِ بَعْدَ الوُقُوعِ في ذَنْبٍ ثانٍ لِما يَخْشى العاصِي مِن أنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ كَذِبُهُ كُلَّما أحْدَثَ تَوْبَةً وزَلَّ بَعْدَها فَيُعَدُّ مُسْتَهْزِئًا فَيَسْقُطُ مِن عَيْنِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُبالِي بِهِ فَيُوقِفُهُ ذَلِكَ عَنِ التَّوْبَةِ.
ولَمّا كانَتِ المُخالَطَةُ عَلى الوَجْهِ الَّذِي نَهى اللَّهُ عَنْهُ قَذِرَةً جِدًّا (p-٢٧٩)أشارَ إلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿ويُحِبُّ﴾ ولَمّا كانَتْ شَهْوَةُ النِّكاحِ وشِدَّةُ الشَّبَقِ جَدِيرَةً بِأنْ تَغْلِبَ الإنْسانَ إلّا بِمَزِيدِ مُجاهَدَةٍ مِنهُ أظْهَرَ تاءَ التَّفَعُّلِ فَقالَ: ﴿المُتَطَهِّرِينَ﴾ أيِ الحامِلِينَ أنْفُسَهم عَلى ما يَشُقُّ مِن أمْرِ الطَّهارَةِ مِن هَذا وغَيْرِهِ، وهُمُ الَّذِينَ يُبالِغُونَ ورَعًا في البُعْدِ عَنْ كُلِّ مُشْتَبَهٍ فَلا يُواقِعُونَ حائِضًا إلّا بَعْدَ كَمالِ التَّطَهُّرِ؛ أيْ يَفْعَلُ مَعَهم مِنَ الإكْرامِ فِعْلَ المُحِبِّ وكَذا كُلُّ ما يَحْتاجُ إلى طَهارَةٍ حِسِّيَّةٍ أوْ مَعْنَوِيَّةٍ.
{"ayah":"وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِیضِۖ قُلۡ هُوَ أَذࣰى فَٱعۡتَزِلُوا۟ ٱلنِّسَاۤءَ فِی ٱلۡمَحِیضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ یَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَیۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلتَّوَّ ٰبِینَ وَیُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











