الباحث القرآني

وأما قوله تعالى: ﴿يُحِبُّ التَّوّابِينَ ويُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ﴾ ففيه معنى آخر سوى ما ذكره وهو أن الطهر طهران طهر بالماء من الأحداث والنجاسات وطهر بالتوبة من الشرك والمعاصي وهذا الطهور أصل لطهور الماء وطهور الماء لا ينفع بدونه بل هو مكمل له معد مهيأ بحصوله فكان أولى بالتقديم لأن العبد أول ما يدخل في الإسلام فقد تطهر بالتوبة من الشرك ثم يتطهر بالماء من الحدث. * (فائدة) قوله تعالى: ﴿وَيَسْألونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هو أذى فاعْتَزِلُوا النِّساءَ في المَحِيضِ﴾ ولم يقل فيه تعليقا لحكم الاعتزال بنفس الحيض وأنه هو سبب الاعتزال وقال تعالى: ﴿قُلْ هو أذى﴾ ولم يقل الحيض لأن الآية جار: ﴿قُلْ هو أذى﴾ فإنه إخبار بالواقع والمخاطبون يعلمون أن جهة كونه أذى هو نفس كونه حيضا بخلاف تعليق الحكم به فإنه إنما يعلم بالشرع فتأمله. * (موعظة) ويحك لا تحقر نفسك فالتائب حبيب، والمنكر صحيح. إقرارك بالإفلاس عين الغنى. تنكيس رأسك بالندم هو الرفعة. اعترافك بالخطأ نفس الإصابة عرضت سلعة العبودية في سوق البيع فبذلت الملائكة نقد ﴿ونحن تسبح بحمدك﴾ فقال آدم ما عندي إلا فلوس الإفلاس نقشها ﴿ربنا ظلمنا أنفسنا﴾ فقيل هذا الذي ينفق على خزانة الخاص. أنين المذنبين أحب إلينا من زجل المسبحين. * (فائدة) الحائض إذا انقطع دمها فهي كالجنب فيما يجب عليها ويحرم فيصح صومها وغسلها وتجب عليها الصلاة ولها أن تتوضأ وتجلس في المسجد، ويجوز طلاقها على أحد القولين إلا في مسألة واحدة فإنها تخالف الجنب فيها وهي جواز وطئها فإنه يتوقف على الاغتسال والفرق بينها وبين الجنب في ذلك أن حدث الحيض أوجب تحريم الوطء وحدثه لا يزول إلا بالغسل بخلاف حدث الجنابة فإنه لا يوجب تحريم الوطء ولا يمكن ذلك فيه ألبتة. واستثنى بعض الفقهاء مسألة أخرى وهي نقض الشعر للغسل فإنه يجب على الحائض في أحد القولين دون الجنب ولا حاجة إلى هذا الاستثناء فتأمله. فصول: في أحكام الوطء في الدبر: فمنها أنه من الكبائر، ومنها أنه يوجب القتل إذا كان من غلام. نص عليه أحمد في إحدى الروايتين والثانية حده حد الزاني كقول مالك والشافعي فإن كان من زوجه أو أمة أوجب التعزير. وفي الكفارة وجهان أحدهما عليه كفارة من وطئ حائضا اختاره ابن عقيل. والثاني لا كفارة فيه وهو قول أكثر الأصحاب ومنها أن للزوجة أن تفسخ النكاح به وذكره غير واحد من أصحابنا. وإن كان من امرأة أجنبية فاختلف أصحابنا في حده فالذي قاله أبو البركات وأبو محمد وغيرهما حده حد الزاني. وقال ابن عقيل في فصوله: "فإن كان الوطء في الدبر في حق أجنبية وجب الحد الذي أوجبناه في اللواط وعلى هذا فحده القتل بكل حال وإن كان في مملوكه فذهب بعض أصحابنا أنه يعتق عليه وأجراه مجرى المثلة الظاهرة. وهو قول بعض السلف. قال النسائي في سننه الكبير: "الإباحة للحاكم أن يقول للمدعى عليه احلف قبل أن يسأله المدعى أنبأ هناد بن السري عن أبي معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال قال رسول الله ﷺ: "من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان" فقال الأشعت فيّ والله كان ذلك كان بيني وبين رجل من اليهود دار فجحدني فقدمته إلى رسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ: "ألك بينه فقلت: لا فقال: لليهودي احلف فقلت: والله إذا يحلف فيذهب حقي فأنزل الله: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وأيْمانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ الآية. قال النسائي: "لا نعلم أحدا تابع أبا معاوية على قوله: "فقال لليهودي احلف" انتهى. ويسوغ للحاكم أن يقول له احلف إذا قصد به الزجر والتخويف أو كان يعلم أن المدعى قاصدا لتحليفه أو كان يعلم أن المدعى عليه بريء من الدعوى فإنه في قصده الصور الثلاث قد أعان على البر والتقوى وظهور الحق وأكثر أوضاع الحكام ورسومهم لا أصل لها في الشريعة. والله المستعان. * [فَصْلٌ: الحِكْمَةُ في الفَرْقِ بَيْنَ المُسْتَحاضَةِ والحائِضِ في الوَطْء] وَأمّا قَوْلُهُ: " وحَرَّمَ وطْءَ الحائِضِ لِأجْلِ الأذى، وأباحَ وطْءَ المُسْتَحاضَةِ مَعَ وُجُودِ الأذى، وهُما مُتَساوِيانِ " فالمُقَدِّمَةُ الأُولى صادِقَةٌ، والثّانِيَةُ فِيها إجْمالٌ؛ فَإنْ أُرِيدَ أنَّ أذى الِاسْتِحاضَةِ مُساوٍ لِأذى الحَيْضِ كَذَبَتْ المُقَدِّمَةُ، وإنْ أُرِيدَ أنَّهُ نَوْعٌ آخَرُ مِن الأذى لَمْ يَكُنْ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُما تَفْرِيقًا بَيْنَ المُتَساوِيَيْنِ، فَبَطَلَ سُؤالُهُ عَلى كِلا التَّقْدِيرَيْنِ. وَمِن حِكْمَةِ الشّارِعِ تَفْرِيقُهُ بَيْنَهُما؛ فَإنَّ أذى الحَيْضِ أعْظَمُ وأدْوَمُ وأضَرُّ مِن أذى الِاسْتِحاضَةِ، ودَمُ الِاسْتِحاضَةِ عِرْقٌ، وهو في الفَرْجِ بِمَنزِلِهِ الرُّعافِ في الأنْفِ، وخُرُوجُهُ مُضِرٌّ، وانْقِطاعُهُ دَلِيلٌ عَلى الصِّحَّةِ، ودَمُ الحَيْضِ عَكْسُ ذَلِكَ، ولا يَسْتَوِي الدَّمانِ حَقِيقَةً ولا عُرْفًا ولا حُكْمًا ولا سَبَبًا؛ فَمِن كَمالِ الشَّرِيعَةِ تَفْرِيقَها بَيْنَ الدَّمَيْنِ في الحُكْمِ كَما افْتَرَقا في الحَقِيقَةِ، وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب