الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ تَسْخِيرِهِ [[في أ::تسخير".]] الْبَحْرَ الْمُتَلَاطِمَ الْأَمْوَاجِ، وَيَمْتَنُّ عَلَى عِبَادِهِ بِتَذْلِيلِهِ لَهُمْ، وَتَيْسِيرِهِ لِلرُّكُوبِ فِيهِ، وَجَعْلِهِ السَّمَكَ وَالْحِيتَانَ فِيهِ، وَإِحْلَالِهِ [[في ت: "وإجلاله".]] لِعِبَادِهِ لَحْمَهَا حَيَّهَا وَمَيِّتَهَا، فِي الْحَلِّ وَالْإِحْرَامِ [[في أ: "والحرم".]] وَمَا يَخْلُقُهُ فِيهِ مِنَ اللَّآلِئِ وَالْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ، وَتَسْهِيلِهِ لِلْعِبَادِ اسْتِخْرَاجَهَا مِنْ قَرَارِهَا حِلْيَةً يَلْبَسُونَهَا، وَتَسْخِيرِهِ الْبَحْرَ لِحَمْلِ [[في ت: "كحمل".]] السُّفُنِ الَّتِي تَمْخُرُهُ، أَيْ: تَشُقُّهُ. وَقِيلَ: تَمْخُرُ الرِّيَاحَ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ بِجُؤْجُئِهَا وَهُوَ صَدْرُهَا المسنَّم -الَّذِي أَرْشَدَ الْعِبَادَ إِلَى صَنْعَتِهَا، وَهَدَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ، إِرْثًا عَنْ أَبِيهِمْ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ رَكِبَ السُّفُنَ، وَلَهُ كَانَ تَعْلِيمُ صَنْعَتِهَا، ثُمَّ أَخَذَهَا النَّاسُ عَنْهُ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، وَجِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، يَسِيرُونَ مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، وَبَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَإِقْلِيمٍ إِلَى إِقْلِيمٍ، تَجْلِبُ مَا هُنَا إِلَى هُنَالِكَ، وَمَا هُنَالِكَ إِلَى هُنَا [[في ف، أ: "تجلب ما هاهنا إلى هناك وما هناك إلى هاهنا".]] ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أَيْ: نِعَمَهُ وَإِحْسَانَهُ. وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ [[في ت: "معاوية بن محمد".]] الْبَغْدَادِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ [عُمَرَ، عَنْ] [[زيادة من ف، أ، ومسند البزار.]] سُهَيل بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رَفَعَهُ] [[زيادة من مسند البزار.]] قَالَ: كَلَّمَ اللَّهُ هَذَا الْبَحْرَ الْغَرْبِيَّ، وَكَلَّمَ الْبَحْرَ الشَّرْقِيَّ، فَقَالَ لِلْبَحْرِ الْغَرْبِيِّ: إِنِّي حَامِلٌ فِيكَ عِبَادًا مِنْ عِبَادِي، فَكَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ فِيهِمْ [[في ت، ف، أ: "بهم".]] ؟ قَالَ: أُغْرِقُهُمْ. فَقَالَ: بَأْسُكُ فِي نَوَاحِيكَ. وَأَحْمِلُهُمْ عَلَى يَدَيَّ. وحَرّمه الْحِلْيَةَ وَالصَّيْدَ. وَكَلَّمَ هَذَا الْبَحْرَ الشَّرْقِيَّ فَقَالَ: إِنِّي حَامِلٌ فِيكَ عِبَادًا مِنْ عِبَادِي، فَمَا أَنْتَ صَانِعٌ بِهِمْ؟ فَقَالَ: أَحْمِلُهُمْ عَلَى يَدَيَّ، وَأَكُونُ لَهُمْ [[في ف: "بهم".]] كَالْوَالِدَةِ لولدها. فأثابه الحلية والصيد [[مسند البزار برقم (١٦٦٩) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (٥/٢٨١) : "رواه البزار وجادة، وفيه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ العمري وهو متروك". ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه (١٠/٢٣٣، ٢٣٤) من هذا الطريق قال: "وتابعه أبو عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، فرواه عن عمه عبد الله بن وهب، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ سهيل عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص عن كعب الأحبار، وخالفهما خالد بن عبد الله الواسطي، فرواه عن سهيل عن النعمان بن أبي عياش الزرقي عن عبد الله بن عمرو موقوفا لم يجاوزه، ورفعه غير ثابت".]] . ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ مَنْ رَوَاهُ عَنْ سُهَيْلٍ غَيْرُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ [[في ف: "عمرو".]] وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَقَدْ رَوَاهُ سُهَيْلٌ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ [[في أ: "عباس".]] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو [[في ت، أ، هـ: "عمر" وهو خطأ.]] مَوْقُوفًا [[رواه الخطيب البغدادي في تاريخه (١٠/٢٣٤) من طريق سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الله، عن سهيل بن أبي صالح به. وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (١/٢٠) : "قلت: الموقوف على عبد الله بن عمرو بن العاص أشبه، فإنه قد كان وجد يوم اليرموك زاملتين مملوءتين كتبا من علوم أهل الكتاب، فكان يحدث منهما بأشياء كثيرة من الإسرائيليات منها المعروف والمشهور والمنكور والمردود، فأما المعروف فتفرد به عبد الرحمن بن عبد الله بن عمرو بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو القاسم المدني قاضيها. قال فيه الإمام أحمد: ليس بشيء وقد سمعته منه، ثم مزقت حديثه كان كذابا وأحاديثه مناكير. وكذا ضعفه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والجوزجاني والبخاري وأبو داود والنسائي. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مناكير وأفظعها حديث البحر".]] . ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى الْأَرْضَ، وَمَا جَعَلَ فِيهَا مِنَ الرَّوَاسِي الشَّامِخَاتِ وَالْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ، لِتَقِرَّ الْأَرْضُ وَلَا تَمِيدُ، أَيْ: تَضْطَرِبُ بِمَا عَلَيْهَا مِنَ الْحَيَوَانِ فَلَا يَهْنَأُ لَهُمْ عَيْشٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا﴾ [النَّازِعَاتِ: ٣٢] . وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: لَمَّا خُلقت الْأَرْضُ كَانَتْ تَمِيدُ، فَقَالُوا مَا هَذِهِ بِمُقِرَّةٍ عَلَى ظَهْرِهَا أَحَدًا فَأَصْبَحُوا وَقَدْ خُلقت الْجِبَالُ، لَمْ [[في ت، ف: "فلم".]] تَدْرِ الْمَلَائِكَةُ مِمّ خُلِقَتِ الْجِبَالُ [[تفسير عبد الرزاق (١/٣٠٦) .]] . وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادة: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْأَرْضَ، جَعَلَتْ تَمُورُ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: مَا هَذِهِ بِمُقِرَّةٍ عَلَى ظَهْرِهَا أَحَدًا، فَأَصْبَحَتْ صُبْحًا وَفِيهَا رَوَاسِيهَا. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَال، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيب، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [[في أ: "طلحة".]] ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ قَمَصَتْ وَقَالَتْ: أَيْ رَب، تَجْعَلُ عليَّ بَنِي آدَمَ يَعْمَلُونَ عَلَيَّ الْخَطَايَا وَيَجْعَلُونَ عَلَيَّ الْخَبَثَ؟ قَالَ: فَأَرْسَى اللَّهُ فِيهَا مِنَ الْجِبَالِ مَا تَرَوْنَ وَمَا لَا تَرَوْنَ، فَكَانَ إِقْرَارُهَا كَاللَّحْمِ يَتَرَجْرَجُ. [[في أ: "ترجرج".]] [[تفسير الطبري (١٤/٦٢) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنْهَارًا وَسُبُلا﴾ أَيْ: وَجَعَلَ فِيهَا أَنْهَارًا تَجْرِي مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ، رِزْقًا لِلْعِبَادِ، يَنْبُعُ فِي مَوْضِعٍ وَهُوَ رِزْقٌ لِأَهْلِ مَوْضِعٍ آخَرَ، فَيَقْطَعُ الْبِقَاعَ وَالْبَرَارِيَ وَالْقِفَارَ، وَيَخْتَرِقُ [[في ت، ف: "ويخرق".]] الْجِبَالَ وَالْآكَامَ، فَيَصِلُ إِلَى الْبَلَدِ الَّذِي سُخِّر لِأَهْلِهِ. وَهِيَ سَائِرَةٌ فِي الْأَرْضِ يُمْنَةً وَيُسْرَةً، وَجَنُوبًا وَشِمَالًا وَشَرْقًا وَغَرْبًا، مَا بَيْنَ صِغَارٍ وَكِبَارٍ، وَأَوْدِيَةً تَجْرِي حِينًا وَتَنْقَطِعُ [[في ت: "وتقطع".]] في وقت، وما بين نبع وجمع، وَقَوِيِّ السَّيْرِ وَبَطِيئِهِ، بِحَسَبِ مَا أَرَادَ وَقَدَّرَ، وَسَخَّرَ وَيَسَّرَ فَلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ. وَكَذَلِكَ جَعَلَ فِيهَا سُبُلًا أَيْ: طُرُقًا يُسْلَكُ فِيهَا مِنْ بِلَادٍ إِلَى بِلَادٍ، حَتَّى إِنَّهُ تَعَالَى لَيَقْطَعُ الْجَبَلَ حَتَّى يَكُونَ [[في أ: "ليكون".]] مَا بَيْنَهُمَا مَمَرًّا وَمَسْلَكًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٣١] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَعَلامَاتٍ﴾ أَيْ: دَلَائِلَ مِنْ جِبَالٍ كِبَارٍ وَآكَامٍ صِغَارٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، يَسْتَدِلُّ بِهَا الْمُسَافِرُونَ برًا وَبَحْرًا إِذَا ضَلُّوا الطَّرِيقَ [بِالنَّهَارِ] [[زيادة من ت، ف.]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ أَيْ: فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَعَنْ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَلامَاتٍ﴾ يَقُولُونَ: النُّجُومُ، وَهِيَ الْجِبَالُ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى عَظَمَتِهِ، وَأَنَّهُ لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَوْثَانِ، الَّتِي لَا تَخْلُقُ شَيْئًا بَلْ هُمْ يُخْلَقُونَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ ثُمَّ نَبَّهَهُمْ عَلَى كَثْرَةِ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أَيْ: يَتَجَاوَزُ عَنْكُمْ، وَلَوْ طَالَبَكُمْ بِشُكْرِ جَمِيعِ نِعَمِهِ لَعَجَزْتُمْ عَنِ الْقِيَامِ بِذَلِكَ، وَلَوْ أَمَرَكُمْ بِهِ لَضَعُفْتُمْ وَتَرَكْتُمْ، وَلَوْ عَذَّبَكُمْ لَعَذَّبَكُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، يَغْفِرُ الْكَثِيرَ، وَيُجَازِي عَلَى [[في ت: "ويتجاوز عن".]] الْيَسِيرِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَقُولُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ لِمَا كَانَ مِنْكُمْ مِنْ تَقْصِيرٍ فِي شُكْرِ بَعْضِ ذَلِكَ، إِذَا تُبْتُمْ وَأَنَبْتُمْ إِلَى طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ مَرْضَاتِهِ، ﴿رَحِيمٌ﴾ بِكُمْ أَنْ يُعَذِّبَكُمْ، [أَيْ] [[زيادة من ت، ف.]] : بَعْدَ الْإِنَابَةِ وَالتَّوْبَةِ [[تفسير الطبري (١٤/٦٤) .]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب