الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهم فَأنْزَلْنا عَلى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ﴾ ﴿وَإذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنا اضْرِبْ بِعَصاكَ الحَجَرَ فانْفَجَرَتْ مِنهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهم كُلُوا واشْرَبُوا مِن رِزْقِ اللهِ ولا تَعْثَوْا في الأرْضِ مُفْسِدِينَ﴾
رُوِيَ أنَّهم لَمّا جاؤُوا البابَ دَخَلُوا مِن قِبَلِ أدْبارِهِمُ القَهْقَرى، وفي الحَدِيثِ أنَّهم دَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلى أسْتاهِهِمْ، وبَدَّلُوا، فَقالُوا حَبَّةٌ في شَعْرَةٍ، وقِيلَ: قالُوا: حِنْطَةٌ حَبَّةٌ حَمْراءُ فِيها شَعْرَةٌ، وقِيلَ: شُعَيْرَةٌ، وحَكى الطَبَرِيُّ أنَّهم قالُوا: "حَطِّي شَمَقاثا أزِبَةَ"، وتَفْسِيرُهُ ما تَقَدَّمَ. والرِجْزُ: العَذابُ.
(p-٢٢٥)وَقالَ ابْنُ زَيْدٍ، ومُقاتِلٌ، وغَيْرُهُما: إنَّ اللهَ تَعالى بَعَثَ عَلى الَّذِينَ بَدَّلُوا ودَخَلُوا عَلى غَيْرِ ما أمَرُوا الطاعُونَ فَأذْهَبَ مِنهم سَبْعِينَ ألْفًا. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أماتَ اللهُ مِنهم في ساعَةٍ واحِدَةٍ نَيِّفًا عَلى عِشْرِينَ ألْفًا، وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ "رِجْزًا" بَعْضُهُمُ الراءُ وهي لُغَةٌ في العَذابِ والرِجْزُ أيْضًا اسْمُ صَنَمٍ مَشْهُورٍ، والباءُ في قَوْلِهِ "بِما" مُتَعَلِّقَةٌ بـِ "فَأنْزَلْنا"، وهي باءُ السَبَبِ.
و"يَفْسُقُونَ" مَعْناهُ يَخْرُجُونَ عن طاعَةِ اللهِ. وقَرَأ النَخْعِيُّ، وابْنُ وثّابٍ، "يَفْسُقُونَ" بِكَسْرِ السِينِ، يُقالُ: فَسَقَ يَفْسُقُ ويَفْسِقُ بِضَمِّ السِينِ وكَسْرِها، و"إذْ" مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ: "اذْكُرْ"، و"اسْتَسْقى" مَعْناهُ: طَلَبَ السُقْيا، وعَرَفَ اسْتَفْعَلَ طَلَبَ الشَيْءِ، وقَدْ جاءَ في غَيْرِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واسْتَغْنى اللهُ﴾ [التغابن: ٦]، بِمَعْنى غَنِيٌّ، وقَوْلُهُمْ: اسْتَعْجَبَ بِمَعْنى عَجَبَ، ومَثَّلَ بَعْضُ الناسِ في هَذا بِقَوْلِهِمْ: "اسْتَنْسَرَ البُغاثُ"، و"اسْتَنْوَقَ الجُمَلُ"، إذْ هي بِمَعْنى انْتَقَلَ مِن حالٍ إلى حالٍ. وكانَ هَذا الِاسْتِسْقاءُ في فَحْصِ التِيهِ فَأمَرَهُ اللهُ تَعالى بِضَرْبِ الحَجَرِ آيَةً مِنهُ، وكانَ الحَجَرُ مِن جَبَلِ الطُورِ عَلى قَدْرِ رَأْسِ الشاةِ يُلْقى في كَسْرِ جَوالِقَ ويَرْحَلُ بِهِ، فَإذا نَزَلُوا وُضِعَ في وسَطِ مَحَلَّتِهِمْ، وضَرْبَهُ مُوسى.
وذَكَرَ أنَّهم لَمْ يَكُونُوا يَحْمِلُونَ الحَجَرَ لَكِنَّهم كانُوا يَجِدُونَهُ في كُلِّ مَرْحَلَةٍ في مَنزِلَتِهِ مِنَ المَرْحَلَةِ الأُولى، وهَذا أعْظَمُ في الآيَةِ.
ولا خِلافَ أنَّهُ كانَ حَجَرًا مُنْفَصِلًا مُرَبَّعًا تَطْرُدُ مِن كُلِّ جِهَةٍ ثَلاثُ عُيُونٍ إذا ضَرَبَهُ مُوسى ﷺ، وإذا اسْتَغْنَوْا عَنِ الماءِ ورَحَلُوا جَفَّتِ العُيُونُ.
(p-٢٢٦)وَفِي الكَلامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَضَرَبَهُ "فانْفَجَرَتْ"، والِانْفِجارُ: انْصِداعُ شَيْءٍ عن شَيْءٍ، ومِنهُ الفَجْرُ، والِانْبِجاسُ في الماءِ أقَلُّ مِنَ الِانْفِجارِ.
و"اثْنَتا" مُعْرَبَةٌ دُونَ أخَواتِها لِصِحَّةِ مَعْنى التَثْنِيَةِ، وإنَّما يُبْنى واحِدٌ مَعَ واحِدٍ، وهَذِهِ إنَّما هي اثْنانِ مَعَ واحِدٍ، فَلَوْ بُنِيَتْ لَرَدَّ ثَلاثَةٌ واحِدًا، وجازَ اجْتِماعُ عَلامَتَيِ التَأْنِيثِ في قَوْلِهِ: ﴿اثْنَتا عَشْرَةَ﴾ لِبُعْدِ العَلامَةِ مِنَ العَلامَةِ، ولِأنَّهُما في شَيْئَيْنِ، وإنَّما مُنِعَ ذَلِكَ في شَيْءٍ واحِدٍ نَحْوُ "مُسْلِماتٍ" وغَيْرُهُ. وقَرَأ ابْنُ وثّابٍ، وابْنُ أبِي لَيْلى، وغَيْرُهُما: "عَشْرَةَ" بِكَسْرِ الشِينِ، رُوِيَ ذَلِكَ عن أبِي عَمْرٍو، والأشْهُرُ عنهُ الإسْكانُ، وهي لُغَةُ تَمِيمٍ، وهو نادِرٌ لِأنَّهم يُخَفِّفُونَ كَثِيرًا وثَقَّلُوا في هَذِهِ. وقَرَأ الأعْمَشُ "عَشَرَةَ" بِفَتْحِ الشِينِ، وهي لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ، ورُوِيَ عنهُ كَسْرُها وتَسْكِينُها، والإسْكانُ لُغَةُ الحِجازِ. و"عَيْنًا" نُصِبَ عَلى التَمْيِيزِ، والعَيْنُ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ، وهي هُنا مَنبَعُ الماءِ. و"أُناسٍ" اسْمُ جَمْعٍ لا واحِدَ لَهُ مِن لَفْظِهِ، ومَعْناهُ هُنا: كُلُّ سِبْطٍ؛ لِأنَّ الأسْباطَ في بَنِي إسْرائِيلَ كالقَبائِلِ في العَرَبِ، وهم ذُرِّيَّةُ الِاثْنَيْ عَشَرَ أولادُ يعْقُوبَ عَلَيْهِ السَلامُ، والمَشْرَبُ المَفْعَلُ مَوْضِعُ الشُرْبِ، كالمُشَرِّعِ مَوْضِعُ الشُرُوعِ في الماءِ، وكانَ لِكُلِّ سِبْطٍ عَيْنٌ مِن تِلْكَ العُيُونِ لا يَتَعَدّاها.
وفِي الكَلامِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: وقُلْنا لَهُمْ: كُلُوا المَنَّ والسَلْوى واشْرَبُوا الماءَ المُنْفَجِرَ مِنَ الحَجَرِ المُنْفَصِلِ: وبِهَذِهِ الأحْوالِ حَسُنَتْ إضافَةُ الرِزْقِ إلى اللهِ وإلّا فالجَمِيعُ رُزِقَهُ، وإنْ كانَ فِيهِ تَكَسُّبٌ لِلْعَبْدِ.
(p-٢٢٧)"وَلا تَعْثَوْا" مَعْناهُ: ولا تُفَرِّطُوا في الفَسادِ، يُقالُ: عَثى الرَجُلُ يَعْثِي عَثْوًا وعَثِيَ يَعْثى عُثْيًا إذا أفْسَدَ أشَدَّ فَسادٍ، والأُولى هي لُغَةُ القُرْآنِ، والثانِيَةُ شاذَّةٌ.
وتَقُولُ العَرَبُ: عَثا يَعْثُو عَثْوًا، ولَمْ يَقْرَأْ بِهَذِهِ اللُغَةِ لِأنَّها تُوجِبُ ضَمَّ الثاءِ مَن "تَعْثَوْا، وتَقُولُ العَرَبُ: عاثَ يَعِيثُ إذا أفْسَدَ، وعَثَّ يَعِثُّ كَذَلِكَ، ومِنهُ عَثَّةُ الصُوفِ وهي السُوسَةُ الَّتِي تَلْحَسُهُ، و"مُفْسِدِينَ" حالٌ. وتَكَرَّرَ المَعْنى لِاخْتِلافِ اللَفْظِ.
وفِي هَذِهِ الكَلِماتِ إباحَةُ النِعَمِ، وتَعْدادُها، والتَقَدُّمُ في المَعاصِي، والنَهْيِ عنها.
{"ayahs_start":59,"ayahs":["فَبَدَّلَ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ قَوۡلًا غَیۡرَ ٱلَّذِی قِیلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ رِجۡزࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ بِمَا كَانُوا۟ یَفۡسُقُونَ","۞ وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَیۡنࣰاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسࣲ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُوا۟ وَٱشۡرَبُوا۟ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِینَ"],"ayah":"۞ وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَیۡنࣰاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسࣲ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُوا۟ وَٱشۡرَبُوا۟ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق