الباحث القرآني

﴿وَإذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ﴾: تَذْكِيرٌ لِنِعْمَةٍ أُخْرى كَفَرُوها؛ وكانَ ذَلِكَ في التِّيهِ؛ حِينَ اسْتَوْلى عَلَيْهِمُ العَطَشُ الشَّدِيدُ؛ وتَغْيِيرُ التَّرْتِيبِ لِما أُشِيرَ إلَيْهِ مِرارًا مِن قَصْدِ إبْرازِ كُلٍّ مِنَ الأُمُورِ المَعْدُودَةِ في مَعْرِضِ أمْرٍ مُسْتَقِلٍّ واجِبِ التَّذْكِيرِ والتَّذَكُّرِ؛ ولَوْ رُوعِيَ التَّرْتِيبُ الوُقُوعِيُّ لَفُهِمَ أنَّ الكُلَّ أمْرٌ واحِدٌ؛ أُمِرَ بِذِكْرِهِ؛ واللّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالفِعْلِ؛ أيْ: اسْتَسْقى لِأجْلِ قَوْمِهِ. ﴿فَقُلْنا اضْرِبْ بِعَصاكَ الحَجَرَ﴾؛ رُوِيَ أنَّهُ كانَ حَجَرًا طُورِيًّا؛ مُكَعَّبًا؛ حَمَلَهُ مَعَهُ؛ وكانَ يَنْبُعُ مِن كُلِّ وجْهٍ مِنهُ ثَلاثُ أعْيُنٍ؛ يَسِيلُ كُلُّ عَيْنٍ في جَدْوَلٍ إلى سِبْطٍ؛ وكانُوا سِتَّمائَةِ ألْفٍ؛ وسِعَةُ المُعَسْكَرِ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا؛ أوْ كانَ حَجَرًا أهْبَطَهُ اللَّهُ (تَعالى) مَعَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِنَ الجَنَّةِ؛ ووَقَعَ إلى شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَأعْطاهُ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - مَعَ العَصا؛ أوْ كانَ هو الحَجَرَ الَّذِي فَرَّ بِثَوْبِهِ حِينَ وضَعَهُ عَلَيْهِ لِيَغْتَسِلَ وبَرَّأهُ اللَّهُ (تَعالى) بِهِ عَمّا رَمَوْهُ بِهِ مِنَ الأُدَرَةِ؛ فَأشارَ إلَيْهِ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - أنْ يَحْمِلَهُ؛ أوْ كانَ حَجَرًا مِنَ الحِجارَةِ؛ وهو الأظْهَرُ في الحُجَّةِ؛ قِيلَ: لَمْ يُؤْمَرْ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِضَرْبِ حَجَرٍ بِعَيْنِهِ؛ ولَكِنْ لَمّا قالُوا: كَيْفَ بِنا لَوْ أفْضَيْنا إلى أرْضٍ لا حِجارَةَ بِها؟ حَمَلَ حَجَرًا في مِخْلاتِهِ؛ وكانَ يَضْرِبُهُ بِعَصاهُ إذا نَزَلَ؛ فَيَتَفَجَّرُ؛ ويَضْرِبُهُ إذا ارْتَحَلَ فَيَيْبَسُ؛ فَقالُوا: إنْ فَقَدَ مُوسى عَصاهُ مِتْنا عَطَشًا؛ فَأوْحى اللَّهُ (تَعالى) إلَيْهِ أنْ لا تَقْرَعِ الحَجَرَ؛ وكَلِّمْهُ يُطِعْكَ؛ لَعَلَّهم يَعْتَبِرُونَ؛ وقِيلَ: كانَ الحَجْرُ مِن رُخامٍ؛ حَجْمُهُ ذِراعٌ في ذِراعٍ؛ والعَصا عَشْرَةُ أذْرُعٍ؛ عَلى طُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ (p-106) مِن آسِ الجَنَّةِ؛ ولَها شُعْبَتانِ تَتَّقِدانِ في الظُّلْمَةِ؛ ﴿فانْفَجَرَتْ﴾: عَطْفٌ عَلى مُقَدَّرٍ يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ الكَلامُ؛ قَدْ حُذِفَ لِلدَّلالَةِ عَلى كَمالِ سُرْعَةِ تَحَقُّقِ الِانْفِجارِ؛ كَأنَّهُ حَصَلَ عُقَيْبَ الأمْرِ بِالضَّرْبِ؛ أيْ: فَضَرَبَ؛ فانْفَجَرَتْ ﴿مِنهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾؛ وأمّا تَعَلُّقُ الفاءِ بِمَحْذُوفٍ - أيْ: فَإنْ ضَرَبْتَ فَقَدِ انْفَجَرَتْ - فَغَيْرُ حَقِيقٍ بِجَلالَةِ شَأْنِ النَّظْمِ الكَرِيمِ؛ كَما لا يَخْفى عَلى أحَدٍ؛ وقُرِئَ: "عَشِرَةَ"؛ بِكَسْرِ الشِّينِ؛ وفَتْحِها؛ وهُما أيْضًا لُغَتانِ؛ ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ﴾: كُلُّ سِبْطٍ؛ ﴿مَشْرَبَهُمْ﴾: عَيْنَهُمُ الخاصَّةَ بِهِمْ؛ ﴿كُلُوا واشْرَبُوا﴾: عَلى إرادَةِ القَوْلِ؛ ﴿مِن رِزْقِ اللَّهِ﴾: هو ما رَزَقَهم مِنَ المَنِّ؛ والسَّلْوى؛ والماءِ؛ وقِيلَ: هو الماءُ وحْدَهُ؛ لِأنَّهُ يُؤْكَلُ ما يَنْبُتُ بِهِ مِنَ الزُّرُوعِ؛ والثِّمارِ؛ ويَأْباهُ أنَّ المَأْمُورَ بِهِ أكْلُ النِّعْمَةِ العَتِيدَةِ؛ لا ما سَيَطْلُبُونَهُ؛ وإضافَتُهُ إلَيْهِ (تَعالى) - مَعَ اسْتِنادِ الكُلِّ إلَيْهِ خَلْقًا ومِلْكًا - إمّا لِلتَّشْرِيفِ؛ وإمّا لِظُهُورِهِ بِغَيْرِ سَبَبٍ عادِيٍّ؛ وإنَّما لَمْ يَقُلْ: "مِن رِزْقِنا"؛ كَما يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿فَقُلْنا﴾؛ إلَخْ.. إيذانًا بِأنَّ الأمْرَ بِالأكْلِ والشُّرْبِ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الخِطابِ؛ بَلْ بِواسِطَةِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ ﴿وَلا تَعْثَوْا في الأرْضِ﴾: العَثْيُ: أشَدُّ الفَسادِ؛ فَقِيلَ لَهُمْ: لا تَتَمادَوْا في الفَسادِ حالَ كَوْنِكم ﴿مُفْسِدِينَ﴾؛ وقِيلَ: إنَّما قُيِّدَ بِهِ لِأنَّ العَثْيَ في الأصْلِ: مُطْلَقُ التَّعَدِّي؛ وإنْ غَلَبَ في الفَسادِ؛ وقَدْ يَكُونُ في غَيْرِ الفَسادِ؛ كَما في مُقابَلَةِ الظّالِمِ المُعْتَدِي بِفِعْلِهِ؛ وقَدْ يَكُونُ فِيهِ صَلاحٌ راجِحٌ؛ كَقَتْلِ الخَضِرِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لِلْغُلامِ؛ وخَرْقِهِ لِلسَّفِينَةِ؛ ونَظِيرُهُ "العَبَثُ"؛ خَلا أنَّهُ غالِبٌ فِيما يُدْرَكُ حِسًّا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب