الباحث القرآني
قال الله تعالى: ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ [البقرة ٦٠]. قوله: ﴿اسْتَسْقَى﴾ أي طلب السقيا، وذلك حين كانوا في التيه أو أنه في كل مكان يحصل فيه الحاجة إلى الماء فيستسقي ويغاثون.
وقوله: ﴿اضْرِبْ بِعَصَاكَ﴾ العصا معروفة، وهذه العصا كان فيها ثلاث آيات عظيمة:
أولًا: أنه يلقيها فتكون حية تسعى.
وثانيًا: يضرب بها الحجر فيتفجر عيونًا.
وثالثًا: ضرب بها البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم.
وقوله: ﴿الْحَجَرَ﴾ تقدم أن الصواب فيها أن المراد به الجنس أي حجر يكون وليس حجرًا معهودًا؛ لأن هذا أبلغ في الإعجاز وفي الآية.
﴿فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ﴾ الانفجار: الانفتاح والانشقاق، ومنه سُمي الفجر؛ لأنه ينشق به الأفق، فمعنى ﴿انْفَجَرَتْ﴾ يعني تشققت منه هذه العيون.
﴿اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾. ﴿عَيْنًا﴾: تمييز للعدد؛ لأن اثنتا عشرة مبهم، أي اثنتا عشرة؟ فميّزها بقوله: ﴿عَيْنًا﴾، والفرق بين الحال والتمييز: أن التمييز يكون على تقدير (مِن)، والحال يكون على تقدير (في)، تقول مثلًا: جاء الرجل راكبًا؛ أي في حال الركوب، وتقول: تصبب الخجل عرقًا، أي من العرق.
﴿اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ أي اثنتا عشرة من العيون كما قال الله تعالى: ﴿وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ﴾ [يس ٣٤] ولَّا كل منهما مبين لمبهم، وكل منهما منصوب، وكل منهما نكرة، لكن التمييز مبين للذوات، والحال مبينة للهيئات.
والفرق الثاني: التمييز على تقدير (مِن) والحال على تقدير (في).
﴿اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ يعني لا عينًا واحدة بل اثنتا عشرة، لماذا؟ لأن بني إسرائيل كانوا اثنتي عشرة أسباطًا فلذلك كانت العيون لكل سبط واحد.
قال تعالى: ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ﴾ [البقرة ٦٠] أي من الأسباط ﴿كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾ مكان شربهم حتى لا يختلط بعضهم ببعض ويضايق بعضهم بعضًا، وهذه من نعمة الله عليهم؛ أي على بني إسرائيل وهي من نعمة الله على موسى، أما نعمة الله بها على موسى فلأنها آية تثبته وتصدقه، وأما نعمة الله بها على بني إسرائيل فلأنها مُزيلة لعطشهم وظمأهم.
قال أهل العلم: ما من آية من آيات الرسل إلا وللرسول عليه الصلاة والسلام من جنسها أو أعظم منها، كل آيات الرسل للرسول عليه الصلاة والسلام من جنسها أو أعظم منها، لكن منها ما حصل له هو ومنها ما حصل لأتباعه، فإن كرامات الأولياء آية للأنبياء. قالوا: والذي حصل للرسول ﷺ من جهة تفجر العيون أعظم من الذي حصل لموسى؛ لأنه تفجرت العيون من الإناء فـ «كَانَ الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِه »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢٠٠)، ومسلم (٢٢٧٩ / ٤) من حديث أنس بلفظ: قال أنس: فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه.]] أمثال العيون وهو في الإناء، والإناء ليس من عادته أن يتفجر، أما الحجارة فمن عادتها أن تتفجر منها ما يتفجر ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ﴾ [البقرة ٧٤] فصار الذي حصل للرسول ﷺ أعظم من الذي حصل لموسى ﷺ.
﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ هذا الأمر للإباحة ولّا للوجوب؟
* الطلبة: للإباحة.
* الشيخ: للإباحة، واعلم أن المباح في الأصل قد يكون واجبًا أحيانًا، وقد يكون محرمًا أحيانًا، وقد يكون مستحبًّا، وقد يكون مكروهًا؛ لأن المباح قد تتعلق به الأحكام الخمسة ﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ [البقرة ٢٧٥] أو لا، لكن قد يكون البيع واجبًا، وقد يكون حرامًا، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: قد يكون مستحبًّا، وقد يكون مكروهًا، فهنا إذا حملناها علي الإباحة ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ تضمنت الوجوب فيما إذا خشي الإنسان على نفسه التلف فإنه يجب عليه أن يأكل ويشرب، أما إذا قلنا: إن هذا الأمر الذي للوجوب خرج عن ما سواه من الإباحة وغيرها.
وقوله: ﴿مِنْ رِزْقِ اللَّهِ﴾ أي من عطائه حيث أخرج لكم من الثمار ورزقكم من المياه فلم يجعل عليكم شيئًا ينقصكم.
﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ لأن حقيقة الأمر أن الذي يمن الله عليه بالرزق أكلًا وشُربًا أن يجب عليه مقابلة ذلك أيش نقول؟
* الطلبة: الشكر.
* الشيخ: الشكر الذي هو الصلاح والإصلاح، ولهذا قال: ﴿لَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ﴾ ومعنى ﴿لَا تَعْثَوْا﴾ أي لا تسيروا مُفسدين، فالعثو أو العثيّ معناها الإفساد، الإسراع في الإفساد، ومن ثم نقول: إن قوله: ﴿مُفْسِدِينَ﴾ حال من الواو في قوله: ﴿لَا تَعْثَوْا﴾ مؤكّدة لعاملها مؤكدة لعاملها، كيف مؤكدة لعاملها؟ لأن العثو أو العِثي معناه الفساد فتكون هذه الحال مؤكدة يعني: لا تفسدوا مفسدين.
وقوله: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ بماذا يكون إفساد الأرض؟ بالمعاصي، يكون إفساد الأرض بالمعاصي لقوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم ٤١] فدل هذا على أن الفساد في الأرض يكون بالمعاصي، وأن مسؤولية الفساد في الأرض من حروب وفتن وزلازل وقحط وجدب ومرض مسؤوليتها على مَن؟ على أهل المعاصي، هم السبب وهم الشؤم على بني آدم؛ لأن الله يقول: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف ٩٦] فما وُجدت مصيبة إلا بمعصية ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى ٣٠]. وهذا الذي حصل لهم من رِزق الله سبحانه وتعالى أكلًا وشربًا كان عليهم أن يشكروا الله عليه، وأن يستمروا على طاعته، وأن يُبعدوا عن الفساد، وأن يشرعوا في الإصلاح، لكن ما الذي حصل؟
﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾ [البقرة ٦١] المنّ والسلوى من أحسن الأطعمة وأنفعها للبدن وألذها مذاقًا، ومن أحسن ما يكون، لكن بنو إسرائيل لدناءتهم ما صبروا على هذا، قالوا: ﴿لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾ ما نريد المن والسلوى فقط نريد أطعمة متعددة، لكنها أطعمة بالنسبة للأطعمة التي رزقوها أدنى، خسيسة بالنسبة لها يعني ليست شريفة ورفيعة وعالية بل إنها تعتبر رديئة جدًّا بالنسبة لهذا.
قالوا: ﴿لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾ إذا قال قائل: طعام واحد هما طعامان المن والسلوى قلنا: المنّ في الغالب يستعمل في الشرب ينبذ بالماء ويشرب، أو يقال: المراد بالطعام هنا الجنس؛ يعني ما نصبر على هذا الجنس بس ما عندنا إلا من وسلوى فيه أشياء ثانية.
﴿فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ هذا توسُّل منهم بموسى ليدعو الله عز وجل لهم ﴿فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ﴾. وكلمة: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ تدل على جفاء عظيم منهم. ما قالوا: ادع لنا ربنا، أو قالوا: ادعُ الله بل قالوا: ادع لنا ربك كأنهم بريئون منه والعياذ بالله. وهذا من سفههم وغطرستهم وكبريائهم.
﴿يُخْرِجْ لَنَا﴾ يخرج ويش اللي جزمها؟
* الطلبة: جواب الطلب.
* الشيخ: جواب الطلب، ادعُ يخرجْ، كأنهم يقولون: إنك بمجرد دعواك أو دعائك يخرج هذا الشيء، ولهذا جعلوه جوابًا للطلب.
﴿يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ﴾ ما نبغي الذي ينزل من السماء المنّ والسلوى ما نبغيه، هم أرضيون ليسوا سماويين، ﴿يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ﴾ ولا نريد ما ينزل من السماء.
قوله: ﴿مِنْ بَقْلِهَا﴾ من بقلها أولًا مِن الأولى ويش معناها؟ ﴿يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا﴾ مِن الأولى للابتداء؛ يعني ابتداء الإخراج ومكان الإخراج اللي يخرج منه هو ما تنبته الأرض.
وقوله: ﴿مِنْ بَقْلِهَا﴾ بيان (مِن) بيانية، أيش بيان له؟ لاسم الموصول (ما)؛ لأن اسم الموصول مبهم يحتاج إلى بيان. ﴿مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا﴾ غريبين. ﴿مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا﴾ البقل هو النبات اللي ما له ساق، يعني مثل الكرات وشبهه، هذا البقل.
﴿فُومِهَا﴾ هو الثوم يقال: ثوم، ويقال: فوم، وقيل: إن الفوم الحنطة، والأول أقرب أن المراد بالفوم الثوم. ﴿وَعَدَسِهَا﴾ العدس أظن معروف.
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: معروف عدسها. ﴿وَبَصَلِهَا﴾ أيضًا معروف.
﴿وَقِثَّائِهَا﴾ أيضًا القثاء معروف صغار البطيخ؛ الجراوة، كل هذه بالنسبة للمن والسلوى ليست بشيء، ولهذا أنكر عليهم موسى ﷺ فقال: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾؟ معنى ﴿تَسْتَبْدِلُونَ﴾ أي تأخذون بديلًا؛ استبدلت الشيء بالشيء أخذته عنه، تستبدلون أي تأخذون بديلًا، ويش تأخذون؟ ﴿الَّذِي هُوَ أَدْنَى﴾ تستبدلونه ﴿بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾.﴾
في قوله: ﴿الَّذِي هُوَ أَدْنَى﴾ ما المراد بالذي هو أدنى؟
* الطلبة: الشيء الذي طلبوه.
* الشيخ: الفوم، اللي طلبوه. ﴿مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا﴾ خمسة أشياء، هذا الذي هو أدنى. ﴿بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ المنّ والسلوى.
قوله: ﴿الَّذِي هُوَ أَدْنَى﴾ ما رأيكم في حذف صدر الصلة هنا، يمكن نرجع إلى النحو نشوف يجوز ولَّا ما يجوز؟
* طالب: يجوز، نعم يجوز.
* الشيخ: يجوز؟ بكثرة؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: خطأ.
* طالب: ما يجوز.
* الشيخ: ما يجوز إلا بقلة؛ لأن الصلة غير طويلة.
* طالب: والموصول غير أي.
* الشيخ: إيه والموصول غير أي، وابن مالك يقول: ؎......................... وفِي ∗∗∗ ذَا الْحَذْفِ أَيًّا غَيْرُ أَيٍّ يَقْتَفِي؎إِنْ يُسْتَطَلْ وَصْلٌ وَإِنْ لَمْ يُسْتَطَلْ ∗∗∗ فَالْحَذْفُ نَزْرٌ..........
ومثلها أيضًا: ﴿بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ لو قلت: بالذي خير يكون هذا قليل، وطبعًا هذا التصرف ما يجوز في القرآن مهما كان الأمر سواء طالت الصفة أو ما طالت، لكن إن كانت في غير القرآن إي نعم.
﴿الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، استبداله ويش يدل عليه؟
* طالب: السفه.
* الشيخ: يدل على السفه والانحطاط مثل: إنسان قدمت له فنجان حليب قال: والله أنا مشتهي سيجارة. هذا واقع فيه اللي يشربون الدخان، نسأل الله العافية، تقدم له الشراب الطيب النظيف يقول: لا، هو مشتهي سيجارة.
فالحاصل أن هذه المسائل تدل استبدال الأدنى بالذي هو خير تدل بالحقيقة على سفه الإنسان وانحطاطه، وكما يكون هذا في المحسوسات يكون أيضًا في المعنويات والمعقولات كون الإنسان يروح يختار الأشياء الدنيئة من الأخلاق والمعاملات وغيرها ويترك ما هو خير، هذا خطأ، نعم لو فُرض الإنسان ما وجد غير هذا، ما في الإمكان غير ما كان يلام ولَّا لا؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: ما يلام، لا يلام إذا كان الشيء مما أبيح له ولو هو أدنى، لكن كونه يوجد شيء أعلى مما كنت عليه وتطلبه وتترك هذا ما فيه شك أنه من السفه، ولهذا قال لوط عليه الصلاة السلام لقومه: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ [الشعراء ١٦٥، ١٦٦]. قال لهم موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾ يعني هذا ما يحتاج إلى أن يدعو الله، وكأن موسى ﷺ أنكر عليهم هذا وبين لهم أن هذا ما يليق بموسى ﷺ يدعو الله سبحانه وتعالى لهم بهذا الدعاء، وأما قول من قال من المفسرين: إنه دعا وقيل له: قل لهم يهبطون مصرًا فإن لهم ما سألوا، هذا ليس بصحيح؛ لأنه كيف ينكر عليهم أن يطلبوا ذلك منه ثم هو يذهب ويدعو الله به؟ هذا شيء مستحيل وبعيد، والصواب أن موسى وبّخهم على ما سألوا، وأنكر عليهم، وقال لهم: هذا الأمر الذي طلبتم ليس أمرًا صعبًا، كل الدنيا مملوءة منه، ولهذا قال: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾ مصر مصر النيل ولّا غيرها؟
* الطلبة: غيرها.
* الشيخ: مصر النيل؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: ولكننا نقول: لا، ولهذا نُكرت، ومصر النيل ما تُنكر، ما تنصرف، مصر النيل ما تنصرف ولا ينصرف عنها، لكن مصرًا منصرفة الآن؛ يعني اهبطوا أي مصر من الأمصار تجدون ذلك.
﴿فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾ يعني هذا ليس بعزيز، ولكن أنتم روحوا لأي مصر من الأمصار تجدون، ويش الذي فات من موجبات عدم الصرف هنا كلمة (مصرًا)؟
* طالب: المعنى.
* طالب آخر: التعريف.
* الشيخ: إيه التعريف؛ لأن هذه نكرة، هذه نكرة، واسم البلدان يكون فيها العلمية والتأنيث، وهذه فيها نعم قد نقول: فيها التأنيث؛ لأن (مصر) واحد الأمصار، وقد لا نقول: إنها مؤنثة، قد نقول: مذكر. ﴿فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾.﴾
* الطالب: شيخ، هذه ﴿بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا﴾ [البقرة ٦١] هل كان الأول عندهم أو يعني أو كان موسى؟
* الشيخ: إيه هو الظاهر، الظاهر أنها عندهم هم يعرفون مما تنبت الأرض من هذه الأشياء.
* الطالب: الفوم مكان الفول؟
* الشيخ: الفول؟ ما أدري، لكن أقرب شيء أنه الثوم، ثُوم بالثاء، ويمكن أن يقال: الفول؛ لأنه قريب من العدس، قريب من هذا.
* طالب: البقل يا شيخ، البقل اللي هو الفول التي تقبل.
* الشيخ: لا.
* الطالب: اللي هو زي الفاصوليا الحاجات البقل اللي كلها تحطها في الميّه تنفش هي البقل اللي موجودة في السوق حاليًا..
* الشيخ: اصطلاح هذا.
قال: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾ ضربت عليهم شوف الآن فيه التفات ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾ إلى آخرها.
ثم قال: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ﴾ إذن الكلام مُستأنف الآن، خبر من الله سبحانه وتعالى عن بني إسرائيل أنه ضُربت عليهم الذلة والمسكنة.
﴿الذِّلَّةُ﴾ هذا في الشجاعة أذلة، ما يقابلون عدوًّا، وقد قال الله تعالى: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ﴾ [الحشر ١٤] والمسكنة فقراء يعود إلى الفقر، فليس عندهم شجاعة وليس عندهم غِنى، لا كرم بالمال ولا كرم بالنفس، أولا، الشجاعة ويش هي، كرم بأي شيء؟
* الطلبة: بالنفس.
* الشيخ: بالنفس، يجود الإنسان بنفسه لإعلاء كلمة الله، والكرم جود بالمال، هم -والعياذ بالله- ما حصل لهم هذا ولا هذا بل العكس ضُربت عليهم الذلة فلا شجاعة عندهم، والمسكنة فلا جود عندهم، ولهذا ما يوجد أمة أفقر من اليهود ولا أفقر، أفقر قلبًا ما هو مالًا، الأموال كثيرة لكن قلوبهم فقيرة، وهذا هو اللي أوجب لهم أن المال يكثر لديهم؛ لأنهم لا زالوا يعني مثل النار التي في الحطب اليابس تلتهم تلتهم. هم وُصفوا بهذا الوصف، ضربت عليهم.
وقوله: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ﴾ هذا من باب ما يسمونه بالاستعارة المكنية، إن صح أن نقول: إن في الكلام مجازًا، كأنه جعلهم بمنزلة السكة النقط الذي يُضرب عليه الطابع، فكأن هذه الذلة والمسكنة كأنها صارت طابعًا عليهم لا تفارقهم كما لا يفارق الطابع السكة؛ يعني الذهب والفضة؛ الدينار والدرهم مطبوعة عليهم طبع، ولهذا يقال: ضرب الدرهم وضرب الدينار؛ يعني ضرب عليه بالطابع الذي يختم فيه، وكل دوله تختم على نقودها ما تراه مناسبًا لسياستها، فهذه الذلة -والعياذ بالله- عليهم مضروبة وكذلك المسكنة.
فإذا قال قائل: الواقع خلاف هذا الآن. قلنا: لا يمكن أن يكون الواقع مخالفًا لكلام الله ورسوله، وإنما الخطأ في أيش؟
* الطالب: في الفهم.
* الشيخ: في الفهم والتصور، وإلا كلام الله لا يُخلف، الأخبار ما يمكن تختلف خبر الله ورسوله، نقول: هذه الآية مطلقة. وفي قوله تعالى في آل عمران: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران ١١٢] يقيد هذه الآية ويصير ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾ [البقرة ٦١] إلا بحبل من الله وحبل من الناس، فإذا وصلهم الله تعالى أو وصلهم الناس فإنهم تزول عنهم الذلة ويكون معهم شجاعة وقوة. فهمتم؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: الحبل من الله ما هو؟ قيل: إنه الإسلام، والحبل من الناس أن يمدهم الناس غير اليهود بما يمدونهم به، واليهود الموجودون الآن في حبل من الناس يمدهم وهم النصارى، النصارى في كل مكان يمدونهم؛ لأن الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [المائدة ٥١] وهذا خبر، خبر من الله لا يخلف، النصارى تمدهم من جميع أقطار الدنيا إما علنًا وإما سرًّا، إما مباشر أو غير مباشر.
الحبل من الله قلنا: إنه الإسلام على ما ذكره كثير من أهل العلم، ويحتمل عندي أنه أعم من الإسلام؛ لأنهم إذا أسلموا زال عنهم وصف اليهودية وصاروا من المسلمين، لكن عندي أنه حبل من الله أن الله قد يسلطهم على غيرهم عقوبة لهم، قد يُسلَّطون على غيرهم ويكون لهم الغلبة عقوبة على الآخرين لعلهم يرجعون إلى الله عز وجل لا سيما إذا كانوا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام وعصوا وأبعدوا عن هذه الملة فإنهم يسلط الله عليهم من شاء من خلقه لعلهم يرجعون، وهذا أمر هو الواقع، لو نظرنا إلى الذين جعلوا أنفسهم في مسير هؤلاء اليهود وهم العرب لوجدنا أكثرهم ضالين ولا سيما ذوي القيادات منهم منحرفين عن الحق بل ربما يصل الأمر في بعضهم إلى الكفر المطلق والعياذ بالله، فلذلك يُسلَّط عليهم هؤلاء ويحصل ما يحصل، وإذا رأيت أن الرسول ﷺ في حنين حصلت الهزيمة على الصحابة رضي الله عنهم بسبب الإعجاب بالنفس، وحصلت عليهم الهزيمة في أُحد بسبب المخالفة، وطبقت الأمر على ما نحن عليه الآن وجدت أن كلا الوصفين موجود في الذين جعلوا صدورهم لليهود: إعجاب بالنفس ومخالفة للأمر، حتى إنه حدثني بعض الناس الذي قال: لما سمعت جعلت أبكي حرب الأيام الستة يقول: إن مذيعًا من مذيعي العرب يتبجح يقول: سنفعل سنفعل واليهود بعد يومين يحملون حقائبهم في البحر وغدًا تُغني أم كلثوم في تل أبيب. شوف شنو؟! جزاء النعمة شكر النعمة عصيان المنعم، أعوذ بالله! هذا التبجح وهذا الاستكبار، وهذا العلو، وهذا الإعجاب ما حصل للصحابة مع أفضل الخلق، ما حصل ولا نصفه ولا ربعه ولا شيء منه يذكر، بس قالوا: «لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ» »[[أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (١٩٤٣) من حديث الربيع بن أنس مرسلًا.]] وحصل ما حصل، كذلك أيضًا المعصية التي حصلت في أُحد معصية أيضًا بسيطة وهم أيضًا انصرفوا عن محلهم بتأويل ولّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: قالوا: إنه خلاص الآن الهزيمة حصلت على المشركين وغلب المسلمون ولا فائدة إلا أن نروح نجمع الغنيمة، وصار الأمر أن آتاهم الفرسان من الخلف، وحصل ما حصل بقضاء الله وقدره وحكمته، معصية واحدة، كيف هذه المعاصي الكثيرة الآن؟! هل يرى بعض قادة هؤلاء الذين جعلوا صدورهم لليهود يرون أن الحكم بشريعة الله تأخر ورجعية أعوذ بالله، كيف بينصرون هؤلاء على اليهود؟!
فالمهم أن نقول: أنا أرى أن قوله تعالى: ﴿إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ﴾ ليس هو الإسلام؛ لأن الإسلام حقيقة يخرجهم من اليهودية ويجعلهم في خير الأمم، لكن المراد به حبل من الله سبب يكون نصرًا لهم ليسلطهم على من شاء من عباده، وإلا فالله يقول للرسول ﷺ يخاطب المؤمنين ما هو بيخاطب من قال: أنا مسلم.
﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ﴾ [الحشر ١٤] الآن يقاتلوننا من فوق رؤوسنا وعلى جدرنا نحن أليس كذلك؟
* طالب: بلى.
* الشيخ: هذا هو الواقع؛ لأن الخطاب في قوله: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ لمن اتصفوا بما كان عليه السلف الصالح، ما هو بس حتى الآن يعني الحقيقة مع الأسف أننا ما نقاتلهم بالإسلام أيش نقاتلهم به؟
* الطلبة: العروبة.
* الشيخ: بالعروبة والقومية، هم يقاتلون بدين لكن باطل؛ لأنهم يقولون: هذه أرض مقدسة، أرض الأنبياء، نريد أن نستردها من هؤلاء العرب الغاصبين على زعمهم.
هذا فرق بين هذا وهذا، وإن كان دينهم باطل وليس بشيء، لكن هم يأتون بصفة دينية، أما نحن تركنا الصفة الدينية وذهبنا إلى صفة لا نُنصر بها أبدًا، ما نُصر العرب؛ لأنهم عرب لكن؛ لأنهم مؤمنون ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم ٤٧] لا نصر العرب، نصر المؤمنين، ومن الغريب أن بعض الناس يقولون: نعم كان حقًّا نصر المؤمنين لكن المؤمنين بقضيتهم ما هو المؤمنين بدينهم، المؤمنون بالقضية ما علموا إن المؤمن بالقضية إنه بعد أيضًا الكرملين والبيت الأبيض وقصر بريطانيا لندن، كلهم مؤمنون بقضاياهم، أجل حق على الله أن ينصرهم؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: أبدًا، حاشاه سبحانه وتعالى، ولكن نصر المؤمنين به سبحانه وتعالى وبرسله وكتبه المطبقين لشريعته، هذا الذي أوجب الله على نفسه أن ينصرهم ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.﴾
إذن يزول عنا الاشتباه في قوله: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾ لماذا نراهم الآن في هذه الحال والآية خبر من الله وخبر الله حق صدق لا يمكن أن يتخلف؟
فالجواب: أن الآية هذه مقيدة بقوله تعالى: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾ وشوف التقييد في آل عمران التقييد في الذلة فقط، لكن المسكنة ما هي مقيدة، ولذلك هم مضروب عليهم المسكنة أين ما كانوا، ولا يمكن يبذلون قرشًا إلا وهم في أمل أن يُحصلوا درهمًا أبدًا، لو بذلوا الجمعيات اليهودية، التبرعات، كلها هذه من أجل غرض يرونه يعود عليهم بأكثر مما بذلوا وإلا لما بذلوا شيئًا، فالمسكنة مطلقة، والذلة مقيدة ﴿إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران ١١٢].
* الطالب: فيه من ضمن الذلة والمسكنة، فيه واحد يهودي راح دمياط فأدى واحد قرش تعريفة اللي بنقول عليه، قال له: يا عم عاوز أتعشى وأتسلى وأعشي الحمار، حقيقة مش يعني تهريج.
* الشيخ: أتعشى؟!
* الطالب: أتعشى وأتسلى وأعشي الحمار.
* الطلبة: أتسلى يتسلى يعني.
* الشيخ: آه.
* الطالب: فراح الدمياطي طلع أذكى منه راح جبله بطيخة اتعشى منها هو والتاني خد البذر بتاعها اتسلى بيه واده القشر بتاعها للحمار، فقال: والله ما أبات في هذه البلدة؛ لأن البلدة.. فعلًا، هذا مثل الشائع عندنا حقيقة يعني هم اليهود.
* الشيخ: على كل حال هذا الأمر حكى عنهم هذا. قال: ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ باؤوا.
* الطالب: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا﴾ [الحشر ١٤] الخطاب لليهود؟
* الشيخ: إيه، لا، الخطاب للمؤمنين؛ يعني لو كان عندنا إيمان حقيقي ما استطاع اليهود أن يقابلونا أبدًا ما يستطيعون.
* الطالب: ما قابلونا يا شيخ لغاية دلوقتي لغاية وقتنا هذا ما قابلونا، حقيقة يعني مش حرب الأيام الستة ديه (...)، لكن في حرب ٧٣ ما قابلونا.
* الشيخ: الحمد لله؛ لأن معنا بعض الإيمان.
* طالب: حرب ٧٣ يا شيخ..
* طالب آخر: يعني كل اللي عبر القنال يا شيخ الله أكبر بالراية، وفعلًا يعني فيه ناس حتى الشيخ عبد الحليم محمود قال: إنه فيه ناس، لقينا ناس قدامنا بالرايات ماشية قدامنا بالرايات.
* الشيخ: الحمد لله، الحمد لله.
* طالب: شيخ، فيه عسكري حكى إنه كان لوحده، في حرب ٧٣ يا شيخ، وبعدين كان في سرية يهودية يعني مارة، فالعسكري هذا كان رايح المرج يجيب فطار ليفطر، فإذا السرية يعني، معه علبة فول، هجم عليهم بعلبة الفول كلهم سلموا، فلما راحوا للحكام قالوا: كيف تسلموا لعسكري واحد؟ قالوا: نحن ما سلمنا لعسكري واحد، إحنا سلمنا عسكري واحد لابس ثوب أخضر وحوله سرية لابسة ثياب بيضة.
* الشيخ: إي نعم، المهم على كل حال إن الخطاب ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ للمؤمنين، فإذا قاتلناهم بالإيمان فلن يقاتلونا وجهًا لوجه ﴿إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ﴾ [الحشر ١٤]. فإذا قاتلناهم بغير الإيمان فإنهم يقاتلوننا من فوق سطوحنا لا من وراء جدر.
* طالب: شيخ، السياق على المنافقين الآن؟
* الشيخ: أيّه؟
* الطالب: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا﴾.﴾
* الشيخ: لا، لا ليس المنافقين، اليهود.
* طالب: مصرًا ليس مصر النيل، فأي مصر؟
* الشيخ: أي مصر من الأمصار، عُنيزة تسمى مصر.
* الطالب: لفظ الأمر (...)؟
* الشيخ: لا لا، يقول: روح (...) ما هو في (...)، نقول: ما هذه نسأل الله أن يخرج لنا مما تنبت الأرض، هذا موجود في كل البلاد، هذا زيادة في التوبيخ عليهم.
* الطالب: لأنهم أصلًا مشردون.
* الشيخ: هم في التيه، هم حينما أنزل الله عليهم المن والسلوى، فطلبوا من الله بدل ما ينزل عليهم من السماء الأمور النافعة اللذيذة، فقال: كيف أني أسأل الله يبدل الذي هو خير؟
قال: ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾. ﴿بَاءُوا بِغَضَبٍ﴾ رجعوا باؤوا أي رجعوا، والباء للمصاحبة في الغضب، والغضب من الله سبحانه وتعالى ﴿بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ (مِن) للابتداء؛ يعني الغضب من الله، إن الله غضب عليهم كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ [المائدة ٦٠] وغضب الله سبحانه وتعالى صفة من صفاته، لكنها لا تماثل صفات المخلوقين، ما تماثل صفات المخلوقين، نحن عندما نغضب تنتفخ الأوداج منا ويحمر الوجه ويقف الشعر ويفقد الإنسان صوابه كذا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: هل هذه العوارض تكون في غضب الله؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا؛ لأن الله ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى ١١] بل هو غضب يليق بالله عز وجل، وإذا قلنا بهذا وسلّمنا بأن الغضب صفة حقيقية برئت بذلك ذمتنا، وسرنا حسب ما أمر الله به ورسوله، يرى بعض الناس بعض أهل التحريف يقول: إن الغضب؛ أي الانتقام، وليس هو صفة من صفات الله، ويرى آخرون أنه إرادة الانتقام، فمعنى ﴿وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ [النساء ٩٣] أي أراد أن ينتقم منه، وعلى الأول يقول: غضب الله عليه أي انتقم منه، فالذين يقولون: الغضب الانتقام هم الذين لا يُثبتون الإرادة، ولا يثبتون شيئًا من الصفات وإنما يثبتون الأفعال المنفصلة المخلوقة، والذين يقولون: إنه الإرادة هم الذين يثبتون لله كم صفة؟
* الطلبة: سبع صفات.
* الشيخ: سبع صفات، وهم الأشعرية، والأول المعتزلة والجهمية، يقولون: إن الله ما يريد، ولكن له مخلوقات، فالغضب أي هذا العذاب والعقوبة المنفصلة عن الله، وكلا الأمرين باطل، كلا القولين باطل، أما الأول وهو رأي المعتزلة فنقول: إن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ [الزخرف ٥٥] و﴿آسَفُونَا﴾ ويش معناه؟ أغضبونا، انتقمنا والشرط غير المشروط ولّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لأنه لو كان آسفونا أغضبونا بمعنى انتقمنا منهم ما صار للكلام فائدة كان المعنى: فلما انتقمنا منهم انتقمنا منهم، هذا لا معنى له، المعنى فلما أغضبونا انتقمنا منهم، فدل ذلك دلالة واضحة على أن الغضب غير الانتقام.
وأما الآخرون فإننا نقول لهم: إذا أثبتم الإرادة فما المانع من إثبات الغضب؟ فإذا قالوا: إن الغضب هو غليان القلب وانتفاخ الأوداج، الأوردة واحمرار العيون، وهذا لا يليق بالله عز وجل. قلنا لهم: أيضًا الإرادة ميل الإنسان إلى ما ينفعه أو يدفع ضرره، وهذا أيضًا نقص لا يليق بالله، فما يلزمكم في الغضب يلزمكم في الإرادة، فإذا أثبتم الإرادة لزمكم إثبات الغضب، وإن نفيتم الغضب لزمكم نفي الإرادة واضح؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: أهل السنة والجماعة ما يلزمهم -ولله الحمد- شيء، يقولون: نحن نُثبت الغضب ونُثبت الإرادة ونُثبت كل صفات الله سبحانه وتعالى، ولكننا ننزه الله سبحانه تعالى عن مشابهة المخلوقين ومماثلتهم، ثم إننا لا نتخيل صفاته أيضًا لا نتخيلها، ونرى أنه يحرم على المرء أن يتخيل صفات الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله أعظم من أن تُحيط به العقول فهو لا تدركه الأبصار، وكذلك العقول لا تحيط به.
إذن الغضب ويش نقول عند أهل السنة والجماعة؟ صفة من صفات الله تعالى الثابتة له على وجه الحقيقة بدون تكييف ولا تمثيل.
قوله: ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ ﴿ذَلِكَ﴾ المشار إليه كل ما سبق، الظاهر أنه كل ما سبق، وليس بس ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ﴾ كل ما سبق حتى سؤالهم للذي أدنى عن الذي هو خير هذا من أسباب الكفر؛ لأن المؤمن يُهدى إلى الخير ويعرف الخير من الشر ويُوفق لسلوك الخير ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ﴾ إذن ﴿ذَلِكَ﴾ أي ما ذُكر كله.
وقوله: ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ الباء للسببية. ﴿كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ كانوا فيما مضى أو على أنهم متصفون؟
* الطلبة: متصفون.
* الشيخ: متصفون. ﴿يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ ﴿يَكْفُرُونَ﴾ الكَفْر قال العلماء: مأخوذ من الستر، ومنه كافور النخلة؛ لأنه يستر الثمرة يسمى الكافور؛ لأنه يستر الثمرة، والكَفْر بآيات الله معناه سترها وعدم الاعتراف بها، ولهذا ضُمِّنت معنى الجحد فعُدِّيت بالباء ﴿يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ ما قال يكفرون آيات الله، قال: بآيات الله. وقوله تعالى: ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ الكونية ولا شرعية؟
* الطلبة: كلاهما.
* الشيخ: كلاهما، الكونية والشرعية، الشرعية تتعلق بالعبادة والكونية تتعلق بالربوبية، فهم يكفرون بهذا وبهذا.
ثانيًا: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ﴾ أعوذ بالله جرأة على الله، يقتلون النبيين ما هم يكذبونهم فقط يقتلون النبيين! بغير الحق. و ﴿النَّبِيِّينَ﴾ فيها قراءتان نعم قبلها فيها قراءتان ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ فيها ثلاث قراءات: ﴿عَلَيْهِمُ﴾ وهي المشهورة الآن، والثاني ﴿عَلَيْهُمُ﴾ والفرق بينهم؟ ضم الهاء ﴿عَلَيْهُمُ﴾ أو ﴿عَلَيْهِمُ﴾ أو ﴿عَلَيْهِمِ﴾ ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمِ الذِّلَّةُ﴾ ثلاث قراءات.
وقوله: ﴿النَّبِيِّينَ﴾ فيها قراءتان: ﴿النَّبِيِّينَ﴾، والثانية: ﴿النَّبِيئِينَ﴾ من النبأ، وهو الإخبار.
وقوله: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ يعني بل بالباطل.
وقوله: ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ هذا القيد لبيان الواقع وللتشنيع بفعلهم، للتشنيع عليهم بفعلهم، شوف أقول: إن هذا القيد لبيان الواقع وليس شرطًا، ليش ليس شرطًا؟
* طالب: لأنه ما يمكن قتل نبي.
* الشيخ: لأنه ما يمكن قتل نبي بحق أبدًا، كل قتل الأنبياء (...) لأنه يقول: «هَذَا أَوَانُ انْقِطَاعِ الْأَبهَرِ مِنِّي» »[[أخرجه البزار في مسنده برقم (٨٠٠٧) من حديث أبي هريرة بلفظ: «هَذَا أَوَانُ قُطِعَتْ أَبْهَرِي».]] بعد أن قال «مَا زَالَتْ أَكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَاوِدُنِي» » ولكن الله سبحانه تعالى منعه حتى يتم أجله، فهم -والعياذ بالله- عندهم هذه الجرأة العظيمة؛ وهي قتل الأنبياء بغير حق.
* الطالب: شيخ، هل في الآية: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة ٦٧] ينطبق عليه على الرسول؟
* الشيخ: نعم، إلا ينطبق عليه، والله يعصمك من الناس فعصمه الله حتى بلَّغ لأن الله قال: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة ٦٧] يعني حتى تبلغ الرسالة وقد بلَّغ الرسالة.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، إذا قلنا: إنه مات بسبب هذه الأكلة هو مات شهيدًا؛ لأنه ظلم هذا الذي حصل من هؤلاء اليهود.
* الطالب: هل ينافي هذا ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة ٦٧].. على الرسالة فقط؟
* الشيخ: هو لما قال: ﴿بَلِّغْ﴾ يعني إذا صح هذا أن الرسول مات بسبب هذه الأكلة فمعنى الآية: يا أيها الرسول بلغ والله يعصمك، يعني فلن يستطيع أحد أن يحول بينك وبين تبليغ رسالتك ولكن إذا جاء الأجل انتهى التبليغ.
ثم قال: ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ قوله: ﴿ذَلِكَ﴾ هل مرجع الإشارة هو مرجع الإشارة الأولى؟
فيكون كُررت تأكيدًا، أو إن مرجع الإشارة هو الكفر والقتل؟ الظاهر أنه الكفر والقتل، وعلى هذا فتكون المعاصي التي بعد هذا ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ تكون سُلّمًا للكفر والقتل، يعني كفروا وقتلوا بما عصوا بسبب عصيانهم واعتدائهم.
قوله: ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا﴾ الباء للسببية، و ﴿مَا﴾ في قوله: ﴿بِمَا عَصَوْا﴾ مصدرية أي بعصيانهم. وقوله: ﴿وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ معطوف على قوله: ﴿بِمَا عَصَوْا﴾ أي وبما كانوا يعتدون؛ أي وبكونهم معتدين.
والفرق بين المعصية والعدوان إذا ذُكِرا جميعًا أن المعصية فعل ما نهي عنه، والاعتداء تجاوز ما أمر به، ففِعل ما نهي عنه يسمى معصية، والاعتداء تجاوز ما أُمر به مثل أن يصلي خمس ركعات مثلًا، وقيل: بالعكس هو أن المعصية ترك المأمور، والعدوان فعل المحظور، وسواء هذا أو هذا فالمهم أن هؤلاء اعتدوا وعصوا، فما قاموا بالواجب ولا تركوا المحرم، فلذلك تدرجت بهم الأمور حتى كفروا بآيات الله وقتلوا رسله، وفي هذا دليل إلى ما ذهب إليه بعض أهل العلم من أن المعاصي بريد الكفر، وهو كذلك؛ فالإنسان إذا فعل معصية استهان بها، ثم يستهين بالثانية، ثم بالثالثة وهكذا، وقد مر علينا أبيات في تفسير التقوى لعلكم تستحضرونها يقول:
؎خَـــلِّ الـــذُّنُــــوبَ صَـــغِـــيـــرَهَــــا ∗∗∗ وَكَــبِــيــرَهَـــا ذَاكَ الــتُّـــقَــى؎وَاعْـمَـلْ كَـمَـاشٍ فَــوْقَ أَرْضِ ∗∗∗ الشَّـوْكِ يَحْــذَرُ مَا يَــرَى؎لا تَــــــحْــــــقِــــــرَنَّصَـــــــغِــــــــيـــــــــرَةً ∗∗∗ إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَى
وهذا صحيح إذا تراكمت الذنوب على القلوب حالت بينها وبين الهدى والنور ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين ١٤].
(...) لأن شرع من قبلنا شرع لنا إن لم يرد شرعنا بخلافه فكيف وقد أتى بوفاقه؟
* ثانيًا: يستفاد منها أيضًا: أن الله سبحانه وتعالى هو الملجأ للخلق، فهم إذا مسهم الضر فهم يلجؤون إلى الله سبحانه وتعالى.
* ثالثًا: أن الرسل عليهم الصلاة والسلام كغيرهم في الافتقار إلى الله سبحانه، فلا يقال: إن الرسل قادرون على كل شيء، وأنهم لا يصيبهم السوء.
* وفيه أيضًا دليل على رأفة موسى بقومه لقوله: ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ [البقرة ٦٠].* وفيه دليل على جواز التوسل بالصالحين، لكن التوسل بأي شيء؟
* الطلبة: بدعائهم.
* الشيخ: بدعائهم، وأما بذواتهم أو جاههم فلا يجوز؛ لأن ذلك ليس بوسيلة، والمقصود بالتوسل سلوك السبيل الموصلة إلى المقصود، فاهمين؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: هذا التوسل، وكون هذه الطريق توصل إلى المقصود لا يثبت إلا بدليل من الشرع، وعلى هذا فما لم يرد به الشرع، فإن التوسل إلى الله به يكون من باب التشريع في دين الله ما ليس منه، ولهذا عدّ أهل العلم المحققون منهم التوسل بجاه الرسول ﷺ، عدُّوه من أنواع الشرك.
* وفيها أيضًا دليل على أن الله سبحانه وتعالى قادر وجواد؛ لأن العاجز لا يُستسقى، والبخيل لا يعطي، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: ولهذا أجاب الله. وفي هذا أيضًا دليل على إثبات سمع الله سبحانه وتعالى لقوله: ﴿فَقُلْنَا﴾ لأن الفاء هنا للسببية. ﴿فَقُلْنَا﴾ يعني فلما استسقى قلنا، فدل على أن الله سمع استسقاءه فأجابه.
* وفيها أيضًا دليل وهو أيضًا من أدلة هامة إثبات وجود الله تعالى للمنكرين، فإن إجابة الدعاء دليل على وجود المدعو، وكم في القرآن من ذكر الآيات التي فيها أن الله تعالى أجاب الداعيـن ﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ [الأنبياء ٧٦]، ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ [الأنبياء ٨٣، ٨٤] إلى غير ذلك.
* وفيه دليل على كمال قدرة الله سبحانه وتعالى حيث إن موسى ﷺ يضرب الحجر بالعصا فيتفجر عيونًا، وهذا جرت العادة بمثله؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: بمثله لا.
* الطالب: يعني من الحجر.
* الشيخ: إيه، لكن ما هو بهذه الصورة، ما جرت العادة بمثله، فهو دليل على قدرة الله، وأنه ليس الأمر كما يزعم الطبائعيون أنه طبيعة، لو كانت الأمور بالطبيعة ما تغيرت وبقيت على ما هي عليه.
* وفيه دليل على آية من آيات الله سبحانه وتعالى يصدق بها نبيه موسى ولّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: وقد تعلق بهذا العصا عدة آيات:
منها: أنه ضرب به البحر فانفلق، وضرب به الحجر فانفجر.
* الطلبة: وأكل سحر السحرة.
* الشيخ: وأكل سحر السحرة.
* طالب: وانقلب حية.
* الشيخ: وانقلابه حية، إي نعم. وفيه دليل على حكمة الله تبارك وتعالى حيث جعل هذا الماء المتفجر اثنتي عشرة عينًا لفائدتين:
الفائدة الأولى: السعة على بني إسرائيل؛ لأنه لو كان عين واحدة لحصلت عليهم المشقة بالازدحام.
ثانيًا: الابتعاد عن العداوة والبغضاء بينهم؛ لأنهم كانوا اثنتي عشرة أسباطًا، فلو كانوا جُمعوا في مكان واحد مع الضيق والحاجة إلى الماء لحصل بينهم نزاع شديد، وربما يؤدي إلى القتال، فهذا من رحمة الله تبارك وتعالى ببني إسرائيل حيث فجَّره اثنتي عشرة عينًا، ولهذا أشار الله إلى هذه النعمة بقوله: ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾ كل أناس من أين؟
* الطلبة: من بني إسرائيل.
* الشيخ: من بني إسرائيل نعم. وفيه دليل على أن الله سبحانه وتعالى يُذكر بني إسرائيل بهذه النعم العظيمة لأجل أن يقوموا بالشكر، ولهذا قال: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾. وفي قوله: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ * يستفاد من هذا: أن ما خلق الله تعالى من المأكول والمشروب للإنسان فالأصل فيه الإباحة والحل؛ لأن الأمر هنا -كما مر- للإباحة، فما أخرج الله لنا من الأرض أو أنزل من السماء فالأصل فيه الحِل، فمن نازع في حل شيء منه فعليه الدليل، في حِل شيء منه وقال: هذا ليس بحلال بل هو حرام نقول: عليك الدليل، ما هو الذي الأصل فيه الحظر؟
* الطلبة: العبادة.
* الشيخ: العبادات، وأما المعاملات والانتفاعات بما خلق الله فالأصل فيها الحل والإباحة.
* ويستفاد من هذه الآية: تحريم الإفساد في الأرض؛ لقوله: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ والأصل في النهي التحريم.
* ويستفاد منها أيضًا: أن المحرمات تقبح بحسب حال الفاعل؛ لقوله: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا﴾ فإنه لا يليق لمن وسع الله له في الرزق وأعطاه ما تقوم به حاجته بل كماله لا يليق منه أن كملوا.
* الطلبة: أن يسعى في الأرض فسادًا.
* الشيخ: أن يسعى في الأرض فسادًا، بل اللائق به أن يقوم بشكر هذه النعم، فيسعى في الصلاح لنفسه وفي الإصلاح لغيره. فيه شيء بالآية؟
* طالب: أن المعاصي في الأرض سبب لفساد الأرض.
* الشيخ: أن المعاصي سبب لفساد الأرض؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ [الروم ٤١] هذا ذكر الموجِب وقال: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف ٩٦] هذه آية ذِكر الثاني، ويقول تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ﴾ [الأنعام ٤٤] شوفوا البلوى ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا﴾ والمراد بالفرح هنا فرح البطر ﴿إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾.﴾
* الطالب: قوله تعالى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ يعني ذكر الأكل مع الشرب؟
* الشيخ: إيه، نعم؛ لأن الأكل معروف من المن والسلوى بما سبق، ذكر المن والسلوى وهو من باب الأكل.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: (...) الاستسقاء بطلب أم من عند نفسه، والله أعلم.
* * *
ثم قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ [البقرة ٦١].
هذا أيضًا يستفاد من هذه الآية الكريمة عدة فوائد:
* أولًا: لؤم بني إسرائيل وسفههم؛ حيث إنهم طلبوا أن الله يغير لهم هذا الرزق الذي لا يوجد له نظير لقولهم: ﴿لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾ ما هو الطعام الواحد؟
* الطلبة: المنّ والسلوى.
* الشيخ: المنّ والسلوى، والمراد بكونه طعامًا واحدًا هو طعامين، يعني وتيرة واحدة حال واحدة، هذا المراد، يعني ما نصبر على هذه الحال ما عندنا إلا هذا فقط، نبغي أشياء.
* وفيه أيضًا يستفاد منها دليل على غطرستهم لقولهم: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ ولم يقولوا: ادعُ لنا ربنا، أو ادعُ لنا الله، ﴿رَبَّكَ﴾ كأن عندهم- والعياذ بالله- أنفة، مع أنهم كانوا هم المؤمنين بموسى، ومع ذلك يقولون: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ مثل ما قالوا: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة ٢٤] فهم -والعياذ بالله- عندهم لؤم وغطرسة كبرياء.
* وفيه أيضًا دليل على انحطاط همة بني إسرائيل حيث طلبوا الأدنى عن الأعلى، كذا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: * وفيه أيضًا: أن من اختار الأدنى على الأعلى ففيه شبَه من اليهود، ومن ذلك هؤلاء الذين يختارون الشيء المحرم على الشيء الحلال، وقد قصصت عليكم قصة الرجل اللي كان إلى جنبي في الطائرة وأعطوه حلاوة مثل العادة ولّا لا؟
* الطلبة: لا يا شيخ ما قصصتها.
* الشيخ: إيه، قصصتها عليكم، أقصها الآن: أعطوه حلاوة وقال: أنا ويش يبغي بالحلاوة وقلت: هذه الحلاوة؛ لأن عمره ما ركب الطيارة إلا ها المرة، قلت: هذه الحلاوة يقولون: إنها تخفف على الإنسان الضغط، فقال: والله أنا مشتهي سيجارة، قلت له: هذه أفضل، ولكن إذا أنت مصمم روح هناك ولا اصبر حتى تروح مطار القصيم وكيف شوف قال لي: ما أقدر أصبر، المهم على كل حال شوف نسأل الله السلامة يعني يختار هذا على هذا، ونسمع أن المبتلين بالدخان أنهم عند الإفطار في رمضان أول ما يبتدئ بالسيجارة هذا اللي إحنا سمعنا؛ يعني فطور التمر اللي هو السنة ما يفعل اللهم عافنا، فهذا فيه شبه من بني إسرائيل بل أشد من بني إسرائيل؛ لأن بني إسرائيل اختاروا شيئًا مباحًا، وهؤلاء يختارون شيئًا مُحرمًا.
* وفيها أيضًا دليل على أن علو همة المرء أن ينظر للأكمل والأفضل في كل الأمور، ينظر للأكمل والأفضل.
* وفيها دليل أيضًا: على أن التوسع في المآكل والمشارب إذا لم يصل إلى حد الإسراف، فإن الإنسان يُحمد عليه، وأن من حرّم أو تورّع عن شيء مما أحل الله له فإنه من الورع المذموم، وجه ذلك أن هؤلاء استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، فمن ترك شيئًا من المباحات لغير غرض شرعي، وإنما تورعًا وتزهدًا فإنه مذموم، أما إذا كان لغرض شرعي مثل ما ذكر عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه «أنه في عام الرمادة اجتنب اللحم وقال: ما يمكن أن أجعل إدامي إلا خل التمر. »[[أخرجه ابن سعد في الطبقات (٣ / ٣١٣) من حديث زيد بن أسلم عن أبيه بلفظ: أن عمر بن الخطاب حرم على نفسه اللحم عام الرمادة حتى يأكله الناس. ومن حديث أنس بن مالك قال: تقرقر بطن عمر بن الخطاب وكان يأكل الزيت عام الرمادة.]] يعني ما آكل اللحم لأني كيف أني أشوف الناس جائعين في هذا العام وأنا أشبع من اللحم؟! فإذا كان لغرض شرعي فلا بأس به، وأما تزهدًا فهذا ليس من الأمور المشروعة ولا من المحمودة، بل قال شيخ الإسلام: إن هذا أمر مذموم .[[الفتاوى الكبرى (٥ / ٥٤٨).]]
* الطالب: الزهد يا شيخ ما هو بغرض شرعي؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: الزهد نفسه ما هو بغرض شرعي؟
* الشيخ: بلى.
* الطالب: لأنه وردت أحاديث في مدحه.
* الشيخ: في الزهد؟ إي نعم، لكن ما هو الزهد؟
* الطالب: ما هو؟
* طالب آخر: يعني يلبس الجلابية مرقعة وبتاع زي الجماعة؟
* الشيخ: لا، هذا التزهد، الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما يضر في الآخرة، الزهد ترك ما لا ينفع والورع ترك ما يضر، وإن كان بعض الناس يظنون أن الورع والزهد بمعنى واحد، لكن ليس بصحيح؛ فمثلًا اللي يتجنب المباحات استغناء عنها بما هو أنفع ويش يسمى هذا؟
* الطلبة: زاهد.
* الشيخ: زاهد، يدعها ليتوصل إلى ما هو أنفع في الآخرة يعتبر زاهدًا، والذي يدع المحرمات اشتغالًا بالمباحات وإن لم تكن أنفع في الآخرة هذا يسمى ورِعًا، وحينما نقول: الزهد ما هو معناه أن الإنسان يتقشّف، التقشف ليس بمحمود إلا إذا كان لغرض شرعي، والغرض الشرعي مثل ما ذكرنا عن عمر، أو مثلًا (...) الإنسان بين أناس فقرًا ولو لبس مثلًا ما يليق به وبغناه كسَر قلوبهم وحصل لذلك أثر في نفوسهم هذا أيضًا تركه من الأمور التي قد يُحمد عليها المرء.
وفي هذا دليل على حِل البقول والقثاء والثوم والعدس والبصل، من أين تؤخذ؟
* طالب: من إخراج الله لها.
* الشيخ: إيه ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾؟
* الطالب: لا، يخرج.
* الشيخ: لا، الله يخرج السموم.
* الطالب: ﴿فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾.﴾
* الشيخ: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾ ﴿فَإِنَّ لَكُمْ﴾ مما يباح لكم ما سألتم.
فإذا قال قائل: هذا في شريعة موسى؟ قلنا: وشريعتنا لم ترد بخلافه بل وردت بوفاقه، فإنه «قُدِّم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قِدر فيها بُقول فكره أكلها، فلما كره أكلها ورآه بعض أصحابه أيضًا كرهه، فقال الرسول: «قَرِّبُوهَا» ثم قال: «كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي» »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٨٥٥)، ومسلم (٥٦٤ / ٧٣) من حديث جابر.]] فأباحها لهم، وكذلك «في خيبر لما وقع الناس في البصل وعلموا من كراهة النبي عليه الصلاة والسلام لها قالوا: حرمت. فقال: «إِنَّهُ لَيْسَ بِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ» »[[أخرجه مسلم (٥٦٥/٧٦) من حديث أبي سعيد بلفظ: «إِنَّهُ لَيْسَ لِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ».]] فبين أنه حلال فهو حلال حتى في شريعتنا؛ أن الشريعة الإسلامية جاءت بوفاق هذا الأمر، مع أنه لو لم تأتِ بوفاقه ولم تأتِ بخلافه فالصحيح أنه.
* الطالب: أنه على الأصل.
* الشيخ: أنه على الأصل.
وفي هذا دليل على جواز إسناد الشيء إلى مكانه لا إلى الفاعل الأول لقوله: ﴿مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ﴾ والذي ينبت؟
* الطلبة: هو الله.
* الشيخ: الله سبحانه وتعالى.
ونأخذ من هذا الفائدة الثانية: وهو إسناد الجواز؛ إسناد الشيء إلى سببه الحقيقي، الذي ثبت أنه سبب شرعًا أو حِسًّا بدون أن تقرنه بالله، ما هو بلازم، ليس بلازم مثلًا إذا قلت: هذا الرجل مثلًا ميت من الجوع وأتيت إليه بخبز وأعطيته قلت: لولا أكله الخبز لهلك يجوز ولَّا ما يجوز؟
* الطلبة: يجوز.
* الشيخ: يجوز، هذا جائز، إسناد الشيء إلى سببه الذي ثبت حِسًّا أو شرعًا أنه سببه هذا لا بأس به. المحظور أن تُثبت السبب الأول الذي هو تقدير الله مع السبب الثاني مقرونًا شنو؟ بالواو، هذا هو المحظور؛ لأنك حينئذٍ تُسوي بين الله وبين هذا السبب، مثل أن تقول: لولا الله والخبز لهلك، هذا ما يجوز؛ لأن هذا تشريك لله سبحانه وتعالى بغيره بحرف يقتضي أيش؟
* طالب: التشريك.
* الشيخ: ما هو التشريك يقتضي التسوية، وأما التشريك مع عدم التسوية فلا بأس؛ نقول: لله ثم فلان، الحاصل الآن نقول في هذه الآية دليل على أن إضافة الشيء إلى سببه الحقيقي شرعًا أو حِسًّا لا بأس به، ولكن أيش هو ولكن؟
* الطلبة: المحظور.
* الشيخ: المحظور أن يكون مقرونًا مع الله بالواو الذي يقتضي التسوية.
إذا قال قائل: أليس الله تبارك وتعالى قد ذم قارون حينما قال: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص ٧٨]؟ فنسب حصول هذا المال إلى العلم وهو صحيح قد يكون هو السبب؟
قلنا: لأن هذا الرجل أنكر أن يكون هذا من الله، ومعلوم أن الإنسان إذا أضاف الشيء إلى سببه إضافة سبب أولًا وآخرًا يكون محرمًا ما يجوز، حتى مثلًا لو قلت: هذا أنا الذي صنعته ولولا أني صنعته ما استقام وما أشبه ذلك لولا بنيت هذا البناء ما استقام، إذا نويت أنك مستقل به من الله فهذا لا يجوز، أما إذا أضفته إلى السبب الحقيقي الدال عليه الشرع أو الحس بدون أن يكون لك عقيدة بانفراد هذا السبب به، فهذا لا بأس به، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال في عمه أبي طالب: «لَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ» »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٣٨٨٣)، ومسلم (٢٠٩ / ٣٥٧) من حديث العباس بن عبد المطلب.]] فأضاف التخفيف على أبي طالب، أضافه إلى نفسه ﷺ فقال: «لَوْلَا أَنَا». »
* الطالب: شيخ، تفسير ابن عباس (...).
* الشيخ: هذا الأثر يُنظر فيه، وإذا صح عن ابن عباس فإن قصده سد باب الذريعة لأناس يُخشى عليهم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: جواز هذا، يعني هل الأفضل أن نقول: لولا كذا؟
* الشيخ: لا، الأفضل أن تقول: لولا أن الله قدر كذا، هذا الأفضل.
وفيها أيضًا دليل على توبيخ موسى عليه الصلاة والسلام لبني إسرائيل، وأن مثل هؤلاء يُوبَّخون الذي يستبدل الأدنى بالذي هو خير مستحق للتوبيخ؛ لأن موسى وبَّخهم حيث قال: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾.﴾
وفيه دليل على أنه يجوز للإنسان أن يعتذر عن الوساطة إذا لم يكن لها داعٍ؛ لأنه قال: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾ ما حاجة إني أدعو الله أن يخرج لكم مما تنبت الأرض ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: إذن أحيانًا يأتيك بعض الناس يقول: توسط لي إلى فلان، (...) هذه مهمة ثم إنك تقول: اذهب أنت وحاول إذا لم تستطع فأنا مستعد، أو الأحسن أنك أنت على طول تأخذ وتتوسط؟
* الطلبة: الأولى.
* الشيخ: الأحسن الأولى لسببين:
السبب الأول: أنك تحمي وجه هذا الرجل من التذلل لك؛ لأنه إذا توسطت له فسوف تكون هذه في جبينه إلى يوم القيامة، هذه واحدة.
الأمر الثاني: أنك إذا فعلت هذا ربما تفتح عليك أبوابًا لا تستطيع إغلاقها، ثم ينسد الباب من فوق، فاهمين معنى الكلمة هذه؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: يمكن إذا كل من جاءك على طول تتوسط يجيك ناس ما تستطيع التخلص منهم، ثم ينسد عليك الباب من فوق، كيف ينسد؟ إذا رأوا كل يوم عندهم ثلاث وسائط أو أربع وسائط منك ترك هذا ما نحتاج أننا نقبل وساطته، وهان عليهم ردك، ثم يردونك في أمر قد يكون من المهم أن يقبلوا شفاعتك، هذه المسائل ينبغي الإنسان أن يكون فيها حازمًا مغلِّبًا للعقل على العاطفة، وإلا أحيانًا الإنسان يرحم الشخص فيقول: ليش ما أتوسط؟ فإذا كان عنده استعداد إذا رأى وجهة النظر الصحيحة، وعنده استعداد أنه إذا سُدت الأبواب أمامه فإنه يتوسط يكون هذا خير للطرفين وللمصلحة العامة، وقد رأينا أثر ذلك في مسائل كثيرة أنه يكون الإنسان ما يكون دائمًا دائمًا يتوسط هذا أسلم، وأحشم له أيضًا لدى المسؤول الأول. كون موسى عليه الصلاة والسلام يمتنع أن يسأل الله مع أن الدعا عبادة نفسه، الدعاء نفسه عبادة ولم يسأل الله لهم وإنما قال: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾ أي بلد تنزلون فإنكم تجدون الذي سألتم.
* طالب: ما يقال: إن هذا حقير فلا يدعو الله؟
* الشيخ: لا لا أبدًا، جاء في الحديث: «لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَتِّى شِرَاكَ نَعْلِهِ» »[[أخرجه الترمذي في جامعه (٣٦٠٤ / م٨) من حديث أنس بلفظ: «لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى يَسْأَلَ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ».]] لا ما.. ما هو يخالف، الإنسان يسأل الله كل شيء كل حاجة.
* طالب: (...) يقول لهم: اهبطوا مصرًا.
* الشيخ: المعنى إنه أي مصر تتاح لكم، بعد التيه، بعد التيه يحصل هذا الشيء.
* طالب: بيحتجوا بمصر اللي هي مصر يعني مصر فعلًا، ولّا مصر دي بلدنا؟
* الشيخ: لا ما هي بلدكم.
* الطالب: وربنا أوحى لموسى إنه روحوا مصر خذوه؟
* الشيخ: لا لا، الله سبحانه وتعالى ملكه مصر من يوم غرق فرعون قال: ﴿وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (٢٧) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾ [الدخان ٢٧، ٢٨]، وفي الشعراء قال: ﴿وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء ٥٩].
* الطالب: بالنسبة إنكار بني إسرائيل للنعمة، واستهانتهم بها وطلبهم للأدنى مع وجود الأعلى، ما قولكم عفا الله عنكم (...) يعني الأشيا قد تكون..
* الشيخ: والله قولنا: إن هذا خطأ، وقد اعتمد الناس فيها على فتوى ينسبونها لبعض العلماء، وأظنها ليست بصحيحة، يقولون: إن الطعام إنما يكون مالًا ومطعومًا حينما يُطعم ويصير له أثر، وهذا الفتات ما هو مطعوم، ولكن هذه ما أظنها تصح عمن نُسبت إليه، وأنا أرى أنه مثل هذه المسائل ينبغي أن نحط يعني بشيء خاص للطعام، وإلا بس ما أظنهم يلتزمون، وإلا يلتزمون بأنهم يعني ينحشون هذه الأشياء ينحشونها قبل غسولها في أشياء بحيث لا يبقى لها أثر من الطعام وإلا هذه مشكلة، والمشكلة الأخيرة المشكلة الآن أن نسمع أن المجاري التي تعمل بالمدن أنهم ما يسمحون معها بالبيارات.
* الطالب: داخل البيت.
* الشيخ: بالبيت ما يمنعون حتى في هذا؟
* الطالب: هذا عام هذا داخل البيت، إنما قريبة من السور (...).
* الشيخ: ما يخالف، وفي هذا دليل على ضرب الذلة على بني إسرائيل، وضرب المسكنة، وقد ذكرنا أن هذه الآية مُطلقة مقيدة في آية أخرى، بالنسبة للذلة ولّا بالنسبة للمسكنة؟
* الطلبة: للذلة.
* الشيخ: بالنسبة للذلة فقط، أما المسكنة فهي باقية. والمراد بالمسكنة هنا الفقر القلبي أو الفقر الحسي؟
* الطلبة: القلبي.
* الشيخ: القلبي، وقد يكون الحسي أيضًا، لكن من نظر الواقع بالنسبة باعتبار الوقت الحاضر، وأن حقيقة الأمر أن اليهود ملكوا اقتصاد الدنيا كلها، كل الاقتصاد في الشرق والمغرب كله بأيدي اليهود الآن، علم بأن المقصود بالمسكنة هنا القلب، المسكنة القلبية، أما الذلة فإن الله تعالى في سورة آل عمران قيدها فقال: ﴿إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران ١١٢]. المسكنة مطلقة ﴿إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾ ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ﴾ بدون استثناء.
وفي هذا دليل على أن بني إسرائيل لا يقومون للمسلمين لو حاربوهم من قِبل الإسلام، من أين تؤخذ؟
* الطلبة: من ضرب الذلة.
* الشيخ: لأن ضرب الذلة بسبب المعصية، فإذا كانت كذلك فإذا حُوربوا بالطاعة والإسلام فإنها لا شك أنه سيكون الوبال عليهم، وقد قال الله تعالى: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ﴾ [الحشر ١٤].
* الفائدة الرابعة عشرة: استحقاق بني إسرائيل للغضب لقوله: ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾، ووقوع الغضب عليهم استحقاقًا من باؤوا ووقوعًا من قوله: ﴿بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى.
* الفائدة الخامسة عشرة: إثبات الأسباب لقوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ﴾ لأن الباء للسببية.
* الفائدة السادسة عشرة: أن الكفر بآيات الله سبب للغضب والذل والمسكنة لقوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾.﴾
* والفائدة السابعة عشرة: عدوان بني إسرائيل، الذي لا منتهى فوقه فيما نعلم وهم أنهم جمعوا بين الكفر بالله والقتل لأنبياء الله لقوله: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾.﴾
* الفائدة الثامنة عشرة: أن قتل الأنبياء قتل بغير حق؛ لأنا ذكرنا أن القيد هنا ليس قيدًا يخرج بهما مفهومه، بل هو قيد لبيان الواقع والتعليل.
* الفائدة التاسعة عشرة: أن المعاصي سبب للكفر، من أين تؤخذ؟
* الطلبة: ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا﴾.
* الشيخ: ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا﴾ يعني كفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء أسبابه العصيان، لأنهم لما عصوا تمردوا، ولهذا قال أهل العلم: إن المعاصي بريد الكفر، وهذا حقيقة؛ لأن المعاصي- والعياذ بالله- تخرّق سياج القلب حتى يصل إليه الكفر ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين ١٤].
وذكرنا في التفسير إن بعض العلماء يقول: إن ﴿ذلك﴾ الثانية هي الأولى فيكون عُلِّلت بالكفر وقتل الأنبياء والمعصية والعدوان، ويجعلون الكفر معصية وقتل الأنبياء عدوانًا، يجعلونه عدوانًا يقولون: ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا﴾ هو معنى قوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾.﴾
﴿وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ هو معنى: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ ويكون تكراره لاسم الإشارة للتوكيد، ولكن الأصل عدم ذلك؛ لأنه من القواعد المعروفة في أصول الفقه أنه إذا دار الأمر بين التأسيس والتوكيد فالأصل التأسيس؛ لأن التوكيد معناه زيادة أحدهما توكيدًا، والتأسيس أن كلًّا منهما أصل، وهذا هو الأصل في الكلام.
* وفيه دليل على أن بني إسرائيل جمعوا- والعياذ بالله- بين المعاصي اللي هي معصية الخالق وبين العدوان، بين المعاصي والعدوان، قيل: إن المعصية في المحرم والعدوان الزيادة على الواجب، يزيدون في الواجب غُلوًّا أو نقصًا، وأما المعصية فهي فعل المحرم، فترك الصلاة مثلًا نسميه عدوانًا اعتداء أو نسميه معصية؟
* الطلبة: معصية.
* الشيخ: معصية؛ لأنه ترك واجب، وانتهاك المحرم كالزنا عدوان.
* وفي هذه الآية: إثبات الغضب لله سبحانه وتعالى لقوله: ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ وقد بيّنا أنه صفة حقيقية يجب إثباتها لله على وجه الحقيقة.
* وفيه أيضًا: بيان حكمة الله حيث ربط أشياء بأسبابها؛ ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ﴾ ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا﴾، وهذا من الحكمة أن تكون الأسباب مؤثرة، ولكن لاحظوا أن الأسباب قد يكون لها موانع، قد توجد الأسباب ولكن توجد موانع أقوى منها، وهذا من الحكمة أيضًا؛ لأن الموازنة بين الأمور وكون المانع قد يغلب السبب والسبب قد يقع على المانع هذا لا شك أنه من الحكمة، فالله سبحانه وتعالى له الحكمة في كل تقديره وفي كل شرعه. فيه شيء بعد؟
* طالب: حد الإسراف؟
* الشيخ: الإسراف مجاوزة الحد، مجاوزة الحد هو الإسراف، وفي كل موضع بحسبه؛ لأنه قد يكون هذا الفعل هنا إسرافًا وفي بلد آخر ليس بإسراف، وقد يكون هذا الفعل إسرافًا بالنسبة لفلان وليس إسرافًا بالنسبة لفلان، وقد يكون هذا الفعل إسرافًا في هذا الزمن وليس إسرافًا في زمن آخر.
* طالب: في قولهم: (عثو) بالثاء و(عصوا) الفارق بينهما؟
* الشيخ: تعثوا؟ العثو الإفساد، والمعصية مخالفة الأمر.
* الطالب: يعني المعنى واحد يا شيخ؟
* الشيخ: لا ما هو واحد، لكنها متلازمات؛ لأن الإفساد يكون بالمعاصي هي متلازمات ولكن ما هو بمعنى عثا عصا، ما يمكن تكون عصا بمعنى عثا.
* الطالب: كيف يا شيخ، سوء أدب بين الطالب ونبيهم بمنادتهم باسمه المجرد بقولهم: يا موسى؟
* الشيخ: إيه، والله ربما يُؤخذ منه سوء أدب، وهذا إذا ثبت أنهم مأمورون بأن ينادوه باسم الرسالة مثلًا، وأن لا يدعوه باسمه، وهذا ما أدري عنه، لكن على كل حال فيما حسب عرفنا الآن بقطع النظر أن مناداة الإنسان الكبير باسمه يعتبر نوعًا من سوء الأدب ولّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: حتى لو تقول مثلًا لإنسان أكبر منك سنًّا: يا فلان باسمه يرى الناس أن هذا سوء أدب، فكيف هذا إذا كان أكبر منه قدرًا ومنزلة عند الله سبحانه وتعالى، فهو سوء أدب في الحقيقة، ولهذا قال الله تعالى: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور ٦٣] الخطاب هنا أن دعاء مصدر مضاف إلى الفاعل وإلى المفعول بمعنى أنه يجوز أنه المضاف إلى الفاعل ويجوز أن يكون مضافًا إلى المفعول، فإذا كان مضافًا للمفعول يصير: لا تجعلوا دعاءكم الرسولَ كدعاء بعضكم بعضًا؛ يعني ما تنادوه باسمه كما ينادي بعضكم بعضًا، وإذا جعلناه مضافًا إلى الفاعل صار لا تجعلوا دعاء الرسولِ إياكم إذا دعاكم إلى شيء لا تجعلوه كدعاء بعضكم بعضًا فتخالفوه كما يخالف بعضكم بعضًا، ويُرشح هذا قوله: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾ [النور ٦٣].
* الطالب: شيخ، هل يعني تسليط الله الناس على الرسل أن يختبرهم.
* الشيخ: هل، أيش؟
* الطالب: يعني هل هذا اختبار من الله للرسل والأنبياء؟
* الشيخ: لا أبدًا، بل هذا في الحقيقة من زيادة أجرهم في صبرهم ومن بيان حكمة الله سبحانه وتعالى حيث يأخذ هؤلاء بالانتقام مع أنه ما قُتل أحد من الرسل أُمر بالجهاد، كل من أُمر بالجهاد انتصر؛ لأن الله يقول: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر ٥١] وهذا هو الجمع بين الآية هذه التي تلوت الأخيرة وبين قوله: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ فإنه هذه حقيقة نسينا أن نذكرها، الجمع بين الآيتين، فإن بعض العلماء يقول: إن الجمع بينهما: أن الذين قتلوا لم يُؤمروا بالجهاد، وأن من أُمر بالجهاد من الأنبياء نُصر، ومنهم من يقول: إن نصرهم في الدنيا بإقامة الحجة على أعدائهم، وبيان صدقهم فيكون نصرًا في القول والحجة، ومنهم من يقول أيضًا: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر ٥١] ببقاء ذكرهم وتخليدهم؛ ذكرهم الحسن وأنهم قاموا برسالة الله وأدوا الأمانة ولكن قتلهم أعداؤهم، ولكن الأقرب الوجه الأول، وأن كل من أُمر بالجهاد؛ لأنه لو أُمروا بالجهاد وصارت النتيجة الهزيمة المطلقة صار الأمر بالجهاد عبثًا يُنزه الله عنه، فأقرب الأقوال أن هذه الآية: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا﴾ المراد بهم الذين أُمروا بالجهاد.
{"ayahs_start":60,"ayahs":["۞ وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَیۡنࣰاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسࣲ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُوا۟ وَٱشۡرَبُوا۟ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِینَ","وَإِذۡ قُلۡتُمۡ یَـٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامࣲ وَ ٰحِدࣲ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ یُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّاۤىِٕهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِی هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِی هُوَ خَیۡرٌۚ ٱهۡبِطُوا۟ مِصۡرࣰا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَاۤءُو بِغَضَبࣲ مِّنَ ٱللَّهِۗ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَیَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّۗ ذَ ٰلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ یَعۡتَدُونَ"],"ayah":"۞ وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَیۡنࣰاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسࣲ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُوا۟ وَٱشۡرَبُوا۟ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق