الباحث القرآني
قوله تعالى: {استسقى موسى لِقَوْمِهِ} السينُ للطلبِ على وَجْهِ الدُّعَاءِ أي: سَأَل لهم السُّقيا، وألفُ استسقى منقلبةُ عن ياءٍ لأنه من السَّقْيِ، وقد تقدَّم معنى استفْعَلَ مستوفى في أولِ السورة. ويقال: سَقَيْتُه وأَسْقَيْتُه بمعنى وأنشد:
491 - سَقَى قومي بني بكر وأَسْقَى ... نُمَيْراً والقبائلَ من هِلالِ
وقيل: سَقَيْتُه: أَعْطَيْتُه، ما يَشْرَبُ، وأَسْقَيْته جَعَلْتُ ذلك له يتناولُه كيف شاء، والإِسقاءُ أَبْلَغُ من السَّقْي على هذا، وقيل: أَسْقَيْته دَلَلْتُه على الماءِ، وسيأتي هذا إن شاء الله تعالى عند قولِه: {نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} [النحل: 66] .
و «لقومِه» متعلِّقٌ بالفعلِ واللامُ للعلَّة، أي: لأجلِ، أو تكونُ للبيان لَمَّا كانَ المرادُ به الدعاءَ كالتي في قولِهِم «سُقْياً لك» فتتعلَّقُ بمحذوفٍ كنظيرتِها «.
قوله: {اضرب بِّعَصَاكَ} الإِدغام [هنا] واجبٌ؛ لأنه متى اجتمع مِثْلان في كلمتين أو كلمةٍ أَوَّلُهما ساكنٌ وَجَبَ الإِدغامُ نحو: اضربْ بكرا. وألفُ» عصاك «منقلبةٌ عن واوٍ لقولِهم في النسب: عَصَوِيّ، وفي التثنية عَصَوانِ، قال:
492 -. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... على عَصَوَيْها سابِرِيٌّ مُشَبْرَقُ
والجمع: عِصِيّ وعُصِيّ بضمِّ العَيْنِ وكَسْرِها إتباعاً، وأَعْصٍ، مثل: زَمَن وأَزْمُن، والأصل: عُصُوو، وأَعْصُو، فَأُعِلَّ. وعَصَوْتُه بالعَصا وعَصَيْتُه بالسيفِ، و» ألقى عصاه «يُعَبَّر به عن بُلوغ المنزلِ، قال:
493 - فَأَلْقَتْ عَصاها واستقرَّ بها النَّوى ... كما قرَّ عَيْناً بالإِيابِ المسافِرُ
وانشقَّت العصا بين القومِ أي: وقع الخلافُ، قال الشاعر:
494 - إذا كانتِ الهيجاءُ وانشَقَّتِ العَصا ... فَحَسْبُك والضحاكُ سيفٌ مُهَنَّدُ
قال الفراء:» أولُ لَحْنٍ سُمِع بالعراقِ هذه عصاتي «يعني بالتاء، و» الحَجَرَ «مفعولٌ وأل فيه للعهدِ، وقيل: للجنسِ.
قوله: {فانفجرت} » الفاءُ «عاطفةٌ على محذوفٍ لا بُدَّ منه، تقديرُه: فَضَرَبَ فانفجَرَت، وقال ابنُ عصفور:» [إن] هذه الفاءَ الموجودةَ هي الداخلةُ على ذلك الفعلِ المحذوفِ، والفاءُ الداخلةُ على «انفجَرتْ محذوفةٌ» وكأنه يقولُ: حُذِفَ الفعلُ الأولُ لدلالةِ الثاني عليه، وحُذِفَتِ الفاءُ الثانيةُ لدلالةِ الأولى عليها. ولا حاجةَ تَدْعُو إلى ذلك، بل يُقال: حُذِفَتْ الفاءُ وما عَطَفَتْه قبلها. وجَعَلَها الزمخشري جوابَ شرطٍ مقدَّرٍ، قال: «أو: فإن ضَرَبْتَ فقد انفجرَتْ، قال:» وهي على هذا فاءٌ فصيحةٌ لا تقع إلا في كلامٍ بليغ «، وكأنه يريدُ تفسيرَ المعنى لا الإِعرابِ.
والانفجارُ: الانشقاقُ والتفتُّح، ومنه الفَجْرُ لانشقاقِه بالضوءِ، وفي الأعرافِ، {فانبجست} [الآية: 160] ، فقيل: هما بمعنى، وقيل: الانبِجاس أضيقُ، لأنه يكونُ أولَ والانفجارُ ثانياً.
قوله: {اثنتا عَشْرَةَ عَيْناً} فاعل» انفجرت «، والألفُ علامةُ الرفعِ لأنه مَحْمولٌ على المثنَّى، وليس بمثنَّى حقيقةً إذ لا واحد له من لفظِه، وكذلك مذكَّرهُ» اثنان «ولا يُضاف إلى تمييز لاستغنائِه بذكر المعدودِ مثنَّى، تقول: رجلان وامرأتان، ولا تقول: اثنا رجلٍ ولا اثنتا امرأةٍ، إلا ما جاءَ نادراً فلا يُقاسُ عليه: قال:
495 - كأنَّ خِصْيَيْهِ مِنَ التَّدَلْدُلِ ... ظَرْفُ عجوزٍ فيه ثِنْتا حَنْظَل
وثِنْتان مثل اثنتين، وحكمُ اثنين واثنتين في العددِ المركب أن يُعْرَبا بخلافِ سائرِ أخواتهما، قالوا: لأنه حُذِفَ معهما ما يُحْذَفُ في المعرب عند الإِضافة وهي النونُ فأشبها المعربَ فأُعْرِبا كالمثنى بالألف رفعاً وبالياء نصباً وجرَّاً، وأمَّا «عَشْرة» فمبني لتنزُّلِه منزلَةَ تاءِ التأنيثِ ولها أحكامٌ كثيرةٌ. و «عَيْناً» تمييز.
وقُرئ: «عَشِرة» بكسر الشينِ وهي لغةُ تميمٍ، قال النحاس: «وهذا عجيبٌ فإنَّ لغةَ تميم عَشِرة بالكسر، وسبيلُهم التخفيفُ، ولغةَ الحجازِ عَشْرة بالسكون وسبيلُهم التثقيلُ» . وقرأ الأعمش: عَشَرة بالفتح. والعينُ اسم مشتركٌ بين عَيْنِ الإِنسانِ وعَيْن الماء وعَيْنِ السحابة وعَيْنِ الذهبِ وعَيْنِ المِيزان، والعَيْنُ: المطر الدائم ستاً أو خمساً، والعَيْنُ: الثُّقْب في المَزادَة، وبلدٌ قليلٌ العَيْن أي: قليلُ الناس.
[قوله: {كُلُّ أُنَاسٍ} قد تقدَّم الكلام على أنه أصلُ الناس. وقال الزمخشري في سورة الأعراف: إنه اسمُ جَمْعٍ غيرُ تكسير، ثم قال: «ويجوز أن يكونَ الأصلُ الكسرَ، والتكسيرُ والضمةُ بدلٌ من الكسرةِ، كما أُبْدِلَتْ في سُكَارى من الفتحة وسيأتي تحريرُ البحث معه إن شاء الله تعالى في السورةِ المذكورة] .
قوله: {مَّشْرَبَهُمْ} مفعولٌ ل» عَلِمَ «بمعنى عَرَف، والمَشْرَبُ هنا مَوْضِعُ الشُّرْبِ؛ لأنُه روي أنه كان لكلِّ سِبْطٍ عَيْنٌ من اثنتي عشرةٍ عيناً لا يَشْرَكُهُ فيها [سِبْطُ] غيرُه. وقيل: هو نفسُ المشروب. فيكون مصدراً واقعاً موقعَ المفعولِ به.
قوله: {كُلُواْ واشربوا} هاتان الجملتانِ في محلِّ نَصْبٍ بقولٍ مضمرٍ، تقديرُه: وقُلْنَا لهم كُلوا واشْرَبُوا، وقد تقدَّم تصريفُ» كل «وما حُذِف منه.
قولُه: {مِن رِّزْقِ الله} هذه من باب الإِعمال لأنَّ كلَّ واحدٍ من الفعلين يَصِحُّ تسلُّطُه عليه، وهو من باب إعمالِ الثاني للحذفِ من الأولِ، والتقديرُ: وكُلوا منه.
و» مِنْ «يجوزُ أن تكونَ لابتداءِ الغايةِ وأن تكونَ للتبعيضِ، ويجوزُ أن يكونَ مفعولُ الأكلِ محذوفاً، وكذلك مفعولُ الشُّرْب، للدلالة عليهما، والتقدير: كُلوا المَنَّ والسَّلْوى، لتقدُّمِهما في قوله: {وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى} [البقرة: 57] واشرَبوا ماءَ العيُونِ المتفجرةِ، وعلى هذا فالجارُّ والمجرورُ يُحْتمل تعلُّقُه بالفعلِ قبله، ويُحْتمل أن يكونَ حالاً من ذلك المفعولِ [المحذوفِ] ، فيتعلَّقَ بمحذوفٍ. وقيل: المرادُ بالرزق الماءُ وحدَه، ونَسَب الأكلَ إليه لمَّا كانَ سبباً في نَماء ما يُؤكل وحياتِهِ فهو رزقٌ يُؤْكل منه ويُشْرَبُ، والمرادُ بالرزقِ المَرْزُوقُ، وهو يَحْتَمل أن يكونَ من باب ذِبْح ورِعْي، وأن يكونَ من باب» درهمٌ ضَرْبُ الأميرِ «، وقد تقدَّم بيانُ ذلك.
قوله: {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ} أصلُ» تَعْثَوا «: تَعْثَيُوا، فاستُثْقِلت الضمةُ على الياءِ فحُذِفَت فالتقى ساكنانِ فحُذِفَ الأولُ منهما وهو الياءُ، أو لَمَّا تحرَّكتِ الياءُ وانفتح ما قبلَها فُلِبَت ألفاً، فالتقى ساكنان فحُذِفَتِ الألفُ وبقيتِ الفتحةُ تَدُلُّ عليها وهذا أَوْلى، فوزنُه تَفْعُون.
والعِثِيُّ والعَيْثُ: أشدُّ الفسادِ وهما متقاربان. وقال بعضُهم: «إلاَّ أنَّ العَيْثَ أكثرُ ما يُقال فيما يُدْرَك حِسَّاً، والعِثِيُّ فيما يُدْرَكُ حُكْماً، يقال: عَثَى يَعْثَى عِثِيَّاً وهي لغةُ القرآنِ، وعثا يَعْثُوا عُثُوّاً وعاثَ يعيثُ عِثِيّاً، وليس عاثَ مقلوباً من عثى كَجَبَذَ وجَذَبَ لتفاوتِ مَعنَيَيْهما كما تقدَّم، ويُحْتمل ذلك، ثم اختصَّ كلُّ واحدٍ بنوعٍ. ويُقال: عَثِيَ يعثى عِثِيّاً ومَعَاثاً، وليس عَثِي أصلُه عَثِوَ، فقُلِبَتِ الواوُ ياءً لانكسارِ ما قبلها كَرَضِيَ من الرّضوان لثبوتِ العِثِيّ وإن تَوَهَّم بعضُهم ذلك. وعَثَا كما تقدَّم، ويقال: عَثَّ يَعُثُّ مضاعفاً أي فسد، ومنه: العُثَّةُ سُوسةٌ تُفْسِدُ الصوفَ، وأمَّا» عَتَا «بالتاءِ المثنَّاة فهو قريبٌ من معناه وسيأتي الكلامُ عليه.
و» مُفْسدين «حالٌ من فاعل» تَعْثَوْا «، وهي حالٌ مؤكِّدةٌ، لأنَّ معناها قد فُهِم من عامِلها، وحَسَّنَ ذلك اختلافُ اللفظين، ومثله: {ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [التوبة: 25] ، هكذا قالوا: ويُحتمل أن تكونَ حالاً مبيِّنَةً، لأنَّ الفسادَ أعمُّ والعِثِيِّ أخصُّ كما تقدَّم، ولهذا قال الزمخشري:» فقيل لهم: لا تَتَمادَوا في الفسادِ في حالِ فَسادِكم، لأنهم كانوا متمادِيْنَ فيه، فغايَر بينهما كما ترى.
و {فِي الأرض} يَحْتمل أن يتعلَّق ب «تَعْثَوْا» وهو الظاهرُ، وأن يَتَعلَّقَ بمفسدين.
{"ayah":"۞ وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَیۡنࣰاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسࣲ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُوا۟ وَٱشۡرَبُوا۟ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق