الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَإنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ وادْعُوا شُهَداءَكم مِن دُونِ اللهِ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ ﴿فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا ولَنْ تَفْعَلُوا فاتَّقُوا النارَ الَّتِي وقُودُها الناسُ والحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ﴾
"الرَيْبُ" الشَكُّ، وهَذِهِ الآيَةُ تَقْتَضِي أنَّ الخِطابَ المُتَقَدِّمَ إنَّما هو لِجَماعَةِ (p-١٤٧)المُشْرِكِينَ الَّذِينَ تَحَدَّوْا، وتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ لَفْظِ "سُورَةٍ" في صَدْرٍ هَذا التَعْلِيقِ.
وقَرَأ يَزِيدُ بْنُ قَطِيبٍ: "أنْزَلْنا" بِألِفٍ، واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ عَلى مَن يَعُودُ الضَمِيرُ في قَوْلِهِ: ﴿مِن مِثْلِهِ﴾، فَقالَ جُمْهُورُ العُلَماءِ: هو عائِدٌ عَلى القُرْآنِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقالَ الأكْثَرُ: مِن مِثْلِ نَظْمِهِ ورَصْفِهِ وفَصاحَةِ مَعانِيهِ الَّتِي يَعْرِفُونَها، ولا يُعْجِزُهم إلّا التَأْلِيفُ الَّذِي خُصَّ بِهِ القُرْآنُ، وبِهِ وقَعَ الإعْجازُ عَلى قَوْلِ حُذّاقِ أهْلِ النَظَرِ، وقالَ بَعْضُهُمْ: ﴿مِن مِثْلِهِ﴾ في غُيُوبِهِ، وصِدْقِهِ، وقِدَمِهِ، فالتَحَدِّي عِنْدَ هَؤُلاءِ وقَعَ بِالقِدَمِ، والأوَّلُ أبْيَنُ، و"مِن" عَلى هَذا القَوْلِ زائِدَةٌ، أو لِبَيانِ الجِنْسِ، وعَلى القَوْلِ الأوَّلِ هي لِلتَّبْعِيضِ، أو لِبَيانِ الجِنْسِ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: الضَمِيرُ في قَوْلِهِ: ﴿مِن مِثْلِهِ﴾ عائِدٌ عَلى مُحَمَّدٍ ﷺ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا. فَقالَتْ طائِفَةٌ: مِن أُمِّيٍّ صادِقٍ مِثْلِهِ، وقالَتْ طائِفَةٌ: مِن ساحِرٍ، أو كاهِنٍ، أو شاعِرٍ مِثْلِهِ عَلى زَعْمِكم أيُّها المُشْرِكُونَ. وقالَتْ طائِفَةٌ الضَمِيرُ في "مِثْلِهِ" عائِدٌ عَلى الكُتُبِ القَدِيمَةِ: التَوْراةُ، والإنْجِيلُ، والزَبُورُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وادْعُوا شُهَداءَكُمْ﴾ مَعْناهُ: دُعاءُ اسْتِصْراخٍ، والشُهَداءُ مَن شَهِدَهم وحَضَرَهم مِن عَوْنٍ ونَصِيرٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. وقِيلَ عن مُجاهِدٍ: إنَّ المَعْنى دُعاءُ اسْتِحْضارٍ. والشُهَداءُ جَمْعُ شاهِدٍ، أيْ مَن يَشْهَدُ لَكم أنَّكم عارَضْتُمْ، وهَذا قَوْلٌ ضَعِيفٌ. وقالَ الفَرّاءُ: شُهَداؤُكُمْ، يُرادُ بِهِمْ آلِهَتُهم.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾، أيْ: فِيما قُلْتُمْ مِنَ الرَيْبِ. هَذا قَوْلُ بَعْضِ (p-١٤٨)المُفَسِّرِينَ، وقالَ غَيْرُهُ: فِيما قُلْتُمْ مِن أنَّكم تَقْدِرُونَ عَلى المُعارَضَةِ، ويُؤَيِّدُ هَذا القَوْلَ أنَّهُ قَدْ حَكى عنهم في آيَةٍ أُخْرى ﴿لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذا﴾ [الأنفال: ٣١] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا﴾، دَخَلَتْ "إنَّ" عَلى "لَمْ" لِأنَّ "لَمْ تَفْعَلُوا" مَعْناهُ تَرَكْتُمُ الفِعْلَ، فَ "إنْ" لا تُؤَثِّرُ، كَما لا تُؤَثِّرُ في الماضِي مِنَ الأفْعالِ، و"تَفْعَلُوا" جُزِمَ بِ "لَمْ"، وجَزَمَتْ "لَمْ" لِأنَّها أشْبَهَتْ "لا" في التَبْرِيَةِ في أنَّهُما يَنْفِيانِ، فَكَما تَحْذِفُ "لا" تَنْوِينَ الِاسْمِ، كَذَلِكَ تَحْذِفُ "لَمْ" الحَرَكَةُ أوِ العَلامَةُ مِنَ الفِعْلِ.
وقَوْلُهُ: ﴿وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ نُصِبَتْ بـِ "لَنْ"، ومِنَ العَرَبِ مَن يَجْزِمُ بِها، ذَكَرَهُ أبُو عُبَيْدَةَ.
ومِنهُ بَيْتُ النابِغَةِ عَلى بَعْضِ الرِواياتِ:
؎ فَلَنْ أُعَرِّضَ -أبَيْتَ اللَعْنَ- بِالصَفَدِ.
وفِي الحَدِيثِ في مَنامَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ "فَقِيلَ لِي: لَنْ تَرْعَ" هَذا عَلى تِلْكَ اللُغَةِ، وفي قَوْلِهِ: ( لَنْ تَفْعَلُوا ) إثارَةٌ لِهِمَمِهِمْ، وتَحْرِيكٌ لِنُفُوسِهِمْ لِيَكُونَ عَجْزُهم بَعْدَ ذَلِكَ أبْدَعَ، وهو أيْضًا مِنَ الغُيُوبِ الَّتِي أخْبَرَ بِها القُرْآنُ قَبْلَ وُقُوعِها.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاتَّقُوا النارَ﴾ أمْرٌ بِالإيمانِ وطاعَةِ اللهِ، خَرَجَ في هَذِهِ الألْفاظِ المُحَذِّرَةِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "وَقُودُها" بِفَتْحِ الواوِ. وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ، (p-١٤٩)وَمُجاهِدٌ، وطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، وأبُو حَيْوَةَ: "وُقُودُها" بِضَمِّ الواوِ في كُلِّ القُرْآنِ، إلّا أنَّ طَلْحَةَ اسْتَثْنى الحَرْفَ الَّذِي في البُرُوجِ. و"بِفَتْحِ الواوِ" هو الحَطَبُ، و"بِضَمِّها" هو المَصْدَرُ، وقَدْ حُكِيا جَمِيعًا في الحَطَبِ، وقَدْ حُكِيا في المَصْدَرِ. قالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: مَن قَرَأ بِضَمِّ الواوِ، فَهو عَلى حَذْفِ مُضافٍ، تَقْدِيرُهُ: ذُو وقُودُها، لِأنَّ الوَقُودَ بِالضَمِّ مَصْدَرٌ ولَيْسَ بِالناسِ. وقَدْ جاءَ عنهُمُ "الوَقُودُ" بِالفَتْحِ في المَصْدَرِ، ومِثْلُهُ: "وُلِعْتُ بِهِ وُلُوعًا" بِفَتْحِ الواوِ، وكُلُّهُ شاذٌّ، والبابُ هو الضَمُّ.
وقَوْلُهُ: "الناسُ" عُمُومٌ مَعْناهُ الخُصُوصُ فِيمَن سَبَقَ عَلَيْهِ القَضاءُ بِدُخُولِها. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في الحِجارَةِ، أنَّها حِجارَةُ الكِبْرِيتِ، وخُصَّتْ بِذَلِكَ لِأنَّها تَزِيدُ عَلى جَمِيعِ الأحْجارِ بِخَمْسَةِ أنْواعٍ مِنَ العَذابِ: سُرْعَةُ الِاتِّقادِ، ونَتْنُ الرائِحَةِ، وكَثْرَةُ الدُخانِ، وشِدَّةُ الِالتِصاقِ بِالأبْدانِ، وقُوَّةُ حَرِّها إذا حَمِيَتْ.
وفِي قَوْلِهِ تَعالى: "أُعِدَّتْ" رَدٌّ عَلى مَن قالَ: إنَّ النارَ لَمْ تُخْلَقْ حَتّى الآنَ وهو القَوْلُ الَّذِي سَقَطَ فِيهِ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ.
وذَهَبَ بَعْضُ المُتَأوِّلِينَ: إلى أنَّ هَذِهِ النارَ المُخَصَّصَةَ بِالحِجارَةِ هي نارُ الكافِرِينَ (p-١٥٠)خاصَّةً، وأنَّ غَيْرَها هي لِلْعُصاةِ. وقالَ الجُمْهُورُ: بَلِ الإشارَةُ إلى جَمِيعِ النارِ، لا إلى نارٍ مَخْصُوصَةٍ، وإنَّما ذَكَرَ الكافِرِينَ لِيَحْصُلَ المُخاطَبُونَ في الوَعِيدِ، إذْ فِعْلُهم كُفْرٌ، فَكَأنَّهُ قالَ: أُعِدَّتْ لِمَن فَعَلَ فِعْلَكُمْ، ولَيْسَ يَقْتَضِي ذَلِكَ أنَّهُ لا يَدْخُلُها غَيْرُهُمْ، وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "أعَدَّها اللهُ لِلْكافِرِينَ".
{"ayahs_start":23,"ayahs":["وَإِن كُنتُمۡ فِی رَیۡبࣲ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُوا۟ بِسُورَةࣲ مِّن مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُوا۟ شُهَدَاۤءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ","فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُوا۟ وَلَن تَفۡعَلُوا۟ فَٱتَّقُوا۟ ٱلنَّارَ ٱلَّتِی وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُۖ أُعِدَّتۡ لِلۡكَـٰفِرِینَ"],"ayah":"فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُوا۟ وَلَن تَفۡعَلُوا۟ فَٱتَّقُوا۟ ٱلنَّارَ ٱلَّتِی وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُۖ أُعِدَّتۡ لِلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق