الباحث القرآني
﴿فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا ولَنْ تَفْعَلُوا فاتَّقُوا النارَ الَّتِي وقُودُها الناسُ والحِجارَةُ﴾ لَمّا أرْشَدَهم إلى الجِهَةِ الَّتِي مِنها يَتَعَرَّفُونَ صِدْقَ النَبِيِّ ﷺ قالَ لَهُمْ: فَإذا لَمْ تُعارِضُوهُ، وبانَ عَجْزُكُمْ، ووَجَبَ تَصْدِيقُهُ فَآمِنُوا، وخافُوا العَذابَ المُعَدَّ لِمَن كَذَّبَ وعانَدَ. وفِيهِ دَلِيلانِ عَلى إثْباتِ النُبُوَّةِ: صِحَّةُ كَوْنِ المُتَحَدّى بِهِ مُعْجِزًا، والإخْبارُ بِأنَّهم لَنْ يَفْعَلُوا، وهو غَيْبٌ لا يَعْلَمُهُ إلّا اللهُ. ولَمّا كانَ العَجْزُ عَنِ المُعارَضَةِ قَبْلَ التَأمُّلِ كالمَشْكُوكِ فِيهِ لَدَيْهِمْ، لِاتِّكالِهِمْ عَلى فَصاحَتِهِمْ، واعْتِمادِهِمْ عَلى بَلاغَتِهِمْ، سِيقَ الكَلامُ مَعَهم عَلى حَسَبِ حُسْبانِهِمْ، فَجِيءَ بِـ"إنْ" الَّذِي لِلشَّكِّ، دُونَ إذا الَّذِي لِلْوُجُوبِ، وعَبَّرَ عَنِ الإتْيانِ بِالفِعْلِ، لِأنَّهُ فِعْلٌ مِنَ الأفْعالِ، والفائِدَةُ فِيهِ: أنَّهُ جارٍ مَجْرى الكِنايَةِ الَّتِي تُعْطِيكَ اخْتِصارًا، إذْ لَوْ لَمْ يَعْدِلْ مِن لَفْظِ الإتْيانِ إلى لَفْظِ الفِعْلِ لاسْتُطِيلَ أنْ يُقالَ: فَإنْ لَمْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ، ولَنْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ، ولا مَحَلَّ لِقَوْلِهِ: ﴿وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ لِأنَّها جُمْلَةٌ اعْتِراضِيَّةٌ. وحَسَّنَ هَذا الِاعْتِراضَ أنَّ لَفْظَ الشَرْطِ لِلتَّرَدُّدِ، فَقَطَعَ التَرَدُّدَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ ولا ولَنْ أخْتانَ في نَفْيِ المُسْتَقْبَلِ، إلّا أنَّ في لَنْ تَأْكِيدًا، وعَنِ الخَلِيلِ أصْلُها لا أنْ، وعِنْدَ الفَرّاءِ لا، أُبْدِلَتْ ألِفُها نُونًا. وعِنْدَ سِيبَوَيْهِ حَرْفٌ مَوْضُوعٌ لِتَأْكِيدِ نَفْيِ المُسْتَقْبَلِ. وإنَّما عُلِمَ أنَّهُ إخْبارٌ عَنِ الغَيْبِ عَلى ما هو بِهِ، حَتّى صارَ مُعْجِزَةً، لِأنَّهم لَوْ عارَضُوهُ بِشَيْءٍ لاشْتُهِرَ، فَكَيْفَ والطاعِنُونَ فِيهِ أكْثَرُ عَدَدًا مِنَ الذابِّينَ عَنْهُ؟! وشَرْطٌ في اتِّقاءِ النارِ انْتِفاءُ إتْيانِهِمْ بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ، لِأنَّهم إذا لَمْ يَأْتُوا بِها وتَبَيَّنَ عَجْزُهم عَنِ المُعارَضَةِ صَحَّ عِنْدَهم صِدْقُ الرَسُولِ، وإذا صَحَّ (p-٦٧)عِنْدَهم صِدْقُهُ، ثُمَّ لَزِمُوا العِنادَ، وأبَوُا الِانْقِيادَ اسْتَوْجَبُوا النارَ، فَقِيلَ لَهُمْ: إنِ اسْتَبَنْتُمُ العَجْزَ فاتْرُكُوا العِنادَ، فَوَضَعَ ﴿فاتَّقُوا النارَ﴾ مَوْضِعَهُ، لِأنَّ اتِّقاءَ النارِ سَبَبُ تَرْكِ العِنادِ، وهو مِن بابِ الكِنايَةِ، وهي مِن شُعَبِ البَلاغَةِ، وفائِدَتُهُ: الإيجازُ الَّذِي هو مِن حِيلَةِ القُرْآنِ. والوَقُودُ: ما تُرْفَعُ بِهِ النارُ، يَعْنِي: الحَطَبَ. وأمّا المَصْدَرُ فَمَضْمُومٌ، وقَدْ جاءَ فِيهِ الفَتْحُ. وصِلَةُ الَّذِي والَّتِي يَجِبُ أنْ تَكُونَ مَعْلُومًا لِلْمُخاطَبِ، فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونُوا سَمِعُوا مِن أهْلِ الكِتابِ، أوْ مِن رَسُولِ اللهِ، أوْ سَمِعُوا قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿نارًا وقُودُها الناسُ والحِجارَةُ﴾ [التَحْرِيمُ: ٦]. إنَّما جاءَتِ النارُ مُنَكَّرَةً ثَمَّ، ومَعْرِفَةً هُنا، لِأنَّ تِلْكَ الآيَةَ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِالمَدِينَةِ مُشارًا بِها إلى ما عَرَفُوهُ أوَّلًا، ومَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿الَّتِي وقُودُها الناسُ والحِجارَةُ﴾ أنَّها نارٌ مُمْتازَةٌ عَنْ غَيْرِها مِنَ النِيرانِ بِأنَّها تَتَّقِدُ بِالناسِ والحِجارَةِ، وهي حِجارَةُ الكِبْرِيتِ، فَهي أشَدُّ تَوَقُّدًا، وأبْطَأُ خُمُودًا، وأنْتَنُ رائِحَةً، وألْصَقُ بِالبَدَنِ، أوِ الأصْنامِ المَعْبُودَةِ، فَهي أشَدُّ تَحَسُّرًا. وإنَّما قَرَنَ الناسَ بِالحِجارَةِ، لِأنَّهم قَرَنُوا بِها أنْفُسَهم في الدُنْيا، حَيْثُ عَبَدُوها، وجَعَلُوها لِلَّهِ أنْدادًا، ونَحْوُهُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنْبِياءُ: ٩٨] أيْ: حَطَبُها، فَقَرَنَهم بِها مُحْماةً في نارِ جَهَنَّمَ إبْلاغًا في إيلامِهِمْ.
﴿أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ﴾ هُيِّئَتْ لَهم. وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ النارَ مَخْلُوقَةٌ، خِلافًا لِما يَقُولُهُ جَهْمٌ.
{"ayah":"فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُوا۟ وَلَن تَفۡعَلُوا۟ فَٱتَّقُوا۟ ٱلنَّارَ ٱلَّتِی وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُۖ أُعِدَّتۡ لِلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق