الباحث القرآني

المَسْألَةُ التّاسِعَةُ: قالَ القاضِي: هَذا التَّحَدِّي يُبْطِلُ القَوْلَ بِالجَبْرِ مِن وُجُوهٍ: أحَدُها: أنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلى تَعَذُّرِ مِثْلِهِ مِمَّنْ يَصِحُّ الفِعْلُ مِنهُ، فَمَن يَنْفِي كَوْنَ العَبْدِ فاعِلًا لَمْ يُمْكِنْهُ إثْباتُ التَّحَدِّي أصْلًا، وفي هَذا إبْطالُ الِاسْتِدْلالِ بِالمُعْجِزِ. وثانِيها: أنَّ تَعَذُّرَهُ عَلى قَوْلِهِمْ يَكُونُ لِفَقْدِ القُدْرَةِ المُوجِبَةِ ويَسْتَوِي في ذَلِكَ ما يَكُونُ مُعْجِزًا وما لا يَكُونُ، فَلا يَصِحُّ مَعْنى التَّحَدِّي عَلى قَوْلِهِمْ.(p-١١١) وثالِثُها: أنَّ ما يُضافُ إلى العَبْدِ فاللَّهُ تَعالى هو الخالِقُ لَهُ، فَتَحَدِّيهِ تَعالى لَهم يَعُودُ في التَّحْقِيقِ إلى أنَّهُ مُتَحَدٍّ لِنَفْسِهِ وهو قادِرٌ عَلى مِثْلِهِ مِن غَيْرِ شَكٍّ فَيَجِبُ أنْ لا يَثْبُتَ الإعْجازُ عَلى هَذا القَوْلِ. ورابِعُها: أنَّ المُعْجِزَ إنَّما يَدُلُّ بِما فِيهِ مِن نَقْضِ العادَةِ، فَإذا كانَ قَوْلُهم: إنَّ المُعْتادَ أيْضًا لَيْسَ بِفِعْلٍ، لَمْ يَثْبُتْ هَذا الفَرْقُ فَلا يَصِحُّ الِاسْتِدْلالُ بِالمُعْجِزِ. وخامِسُها: أنَّ الرَّسُولَ ﷺ يَحْتَجُّ بِأنَّهُ تَعالى خَصَّهُ بِذَلِكَ تَصْدِيقًا لَهُ فِيما ادَّعاهُ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِن قِبَلِهِ تَعالى لَمْ يَكُنْ داخِلًا في الإعْجازِ. وعَلى قَوْلِهِمْ بِالجَبْرِ لا يَصِحُّ هَذا الفَرْقُ؛ لِأنَّ المُعْتادَ وغَيْرَ المُعْتادِ لا يَكُونُ إلّا مِن قِبَلِهِ. والجَوابُ: أنَّ المَطْلُوبَ مِنَ التَّحَدِّي إمّا أنْ يَأْتِيَ الخَصْمُ بِالمُتَحَدّى بِهِ قَصْدًا أوْ أنْ يَقَعَ ذَلِكَ مِنهُ اتِّفاقًا، والثّانِي باطِلٌ؛ لِأنَّ الِاتِّفاقِيّاتِ لا تَكُونُ في وُسْعِهِ، فَثَبَتَ الأوَّلُ وإذا كانَ كَذَلِكَ ثَبَتَ أنَّ إتْيانَهُ بِالتَّحَدِّي مَوْقُوفٌ عَلى أنْ يَحْصُلَ في قَلْبِهِ قَصْدٌ إلَيْهِ، فَذَلِكَ القَصْدُ إنْ كانَ مِنهُ لَزِمَ التَّسَلْسُلُ وهو مُحالٌ، وإنْ كانَ مِنَ اللَّهِ تَعالى فَحِينَئِذٍ يَعُودُ الجَبْرُ ويَلْزَمُهُ كُلُّ ما أوْرَدَهُ عَلَيْنا فَيَبْطُلُ كُلُّ ما قالَ. أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا ولَنْ تَفْعَلُوا﴾ فاعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ دالَّةٌ عَلى المُعْجِزِ مِن وُجُوهٍ أرْبَعَةٍ: أحَدُها: أنّا نَعْلَمُ بِالتَّواتُرِ أنَّ العَرَبَ كانُوا في غايَةِ العَداوَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وفي غايَةِ الحِرْصِ عَلى إبْطالِ أمْرِهِ؛ لِأنَّ مُفارَقَةَ الأوْطانِ والعَشِيرَةِ وبَذْلَ النُّفُوسِ والمُهَجِ مِن أقْوى ما يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ، فَإذا انْضافَ إلَيْهِ مِثْلُ هَذا التَّقْرِيعِ وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا ولَنْ تَفْعَلُوا﴾ فَلَوْ كانَ في وُسْعِهِمْ وإمْكانِهِمِ الإتْيانُ بِمِثْلِ القُرْآنِ أوْ بِمِثْلِ سُورَةٍ مِنهُ لَأتَوْا بِهِ، فَحَيْثُ ما أتَوْا بِهِ ظَهَرَ المُعْجِزُ. وثانِيها: وهو أنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وإنْ كانَ مُتَّهَمًا عِنْدَهم فِيما يَتَّصِلُ بِالنُّبُوَّةِ فَقَدْ كانَ مَعْلُومَ الحالِ في وُفُورِ العَقْلِ والفَضْلِ والمَعْرِفَةِ بِالعَواقِبِ، فَلَوْ تَطَرَّقَتِ التُّهْمَةُ إلى ما ادَّعاهُ مِنَ النُّبُوَّةِ لَما اسْتَجازَ أنْ يَتَحَدّاهم ويَبْلُغَ في التَّحَدِّي إلى نِهايَتِهِ، بَلْ كانَ يَكُونُ وجِلًا خائِفًا مِمّا يَتَوَقَّعُهُ مِن فَضِيحَةٍ يَعُودُ وبالُها عَلى جَمِيعِ أُمُورِهِ، حاشاهُ مِن ذَلِكَ ﷺ فَلَوْلا مَعْرِفَتُهُ بِالِاضْطِرارِ مِن حالِهِمْ أنَّهم عاجِزُونَ عَنِ المُعارَضَةِ لَما جَوَّزَ مِن نَفْسِهِ أنْ يَحْمِلَهم عَلى المُعارَضَةِ بِأبْلَغِ الطُّرُقِ. وثالِثُها: أنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لَوْ لَمْ يَكُنْ قاطِعًا بِصِحَّةِ نُبُوَّتِهِ لَما قَطَعَ في الخَبَرِ بِأنَّهم لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ؛ لِأنَّهُ إذا لَمْ يَكُنْ قاطِعًا بِصِحَّةِ نُبُوَّتِهِ كانَ يَجُوزُ خِلافُهُ، وبِتَقْدِيرِ وُقُوعِ خِلافِهِ يَظْهَرُ كَذِبُهُ، فالمُبْطِلُ المُزَوِّرُ البَتَّةَ لا يَقْطَعُ في الكَلامِ ولا يَجْزِمُ بِهِ، فَلَمّا جَزَمَ دَلَّ عَلى أنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - كانَ قاطِعًا في أمْرِهِ. ورابِعُها: أنَّهُ وُجِدَ مُخْبَرُ هَذا الخَبَرِ عَلى ذَلِكَ الوَجْهِ؛ لِأنَّ مِن أيّامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - إلى عَصْرِنا هَذا لَمْ يَخْلُ وقْتٌ مِنَ الأوْقاتِ مِمَّنْ يُعادِي الدِّينَ والإسْلامَ وتَشْتَدُّ دَواعِيهِ في الوَقِيعَةِ فِيهِ. ثُمَّ إنَّهُ مَعَ هَذا الحِرْصِ الشَّدِيدِ لَمْ تُوجَدِ المُعارَضَةُ قَطُّ. فَهَذِهِ الوُجُوهُ الأرْبَعَةُ في الدَّلالَةِ عَلى المُعْجِزِ مِمّا تَشْتَمِلُ عَلَيْها هَذِهِ الآيَةُ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى فَسادِ قَوْلِ الجُهّالِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ كِتابَ اللَّهِ لا يَشْتَمِلُ عَلى الحُجَّةِ والِاسْتِدْلالِ. وهَهُنا سُؤالاتٌ: السُّؤالُ الأوَّلُ: انْتِفاءُ إتْيانِهِمْ بِالسُّورَةِ واجِبٌ، فَهَلّا جِيءَ بِإذا الَّذِي لِلْوُجُوبِ دُونَ ”إنْ“ الَّذِي لِلشَّكِّ ؟ الجَوابُ: فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنْ يُساقَ القَوْلُ مَعَهم عَلى حَسَبِ حُسْبانِهِمْ، فَإنَّهم كانُوا بَعْدُ غَيْرَ جازِمِينَ (p-١١٢)بِالعَجْزِ عَنِ المُعارَضَةِ لِاتِّكالِهِمْ عَلى فَصاحَتِهِمْ واقْتِدارِهِمْ عَلى الكَلامِ. الثّانِي: أنْ يَتَهَكَّمَ بِهِمْ كَما يَقُولُ المَوْصُوفُ بِالقُوَّةِ الواثِقُ مِن نَفْسِهِ بِالغَلَبَةِ عَلى مَن يُقاوِمُهُ: إنْ غَلَبْتُكَ، وهو يَعْلَمُ أنَّهُ غالِبُهُ؛ تَهَكُّمًا بِهِ. السُّؤالُ الثّانِي: لِمَ قالَ: ﴿فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا﴾ ولَمْ يَقُلْ: فَإنْ لَمْ تَأْتُوا بِهِ ؟ الجَوابُ: لِأنَّ هَذا أخْصَرُ مِن أنْ يُقالَ: فَإنْ لَمْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ ولَنْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ. السُّؤالُ الثّالِثُ: ﴿ولَنْ تَفْعَلُوا﴾ ما مَحَلُّها ؟ الجَوابُ لا مَحَلَّ لَها لِأنَّها جُمْلَةٌ اعْتِراضِيَّةٌ. السُّؤالُ الرّابِعُ: ما حَقِيقَةُ (لَنْ) في بابِ النَّفْيِ ؟ الجَوابُ: لا ولَنْ أُخْتانَ في نَفْيِ المُسْتَقْبَلِ إلّا أنَّ في ”لَنْ“ تَوْكِيدًا وتَشْدِيدًا، تَقُولُ لِصاحِبِكَ: لا أُقِيمُ غَدًا عِنْدَكَ، فَإنْ أنْكَرَ عَلَيْكَ قُلْتَ: لَنْ أُقِيمَ غَدًا. ثُمَّ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أصْلُهُ لا أنْ، وهو قَوْلُ الخَلِيلِ. وثانِيها: لا، أُبْدِلَتْ ألِفُها نُونًا، وهو قَوْلُ الفَرّاءِ. وثالِثُها: حَرْفُ نَصْبٍ لِتَأْكِيدِ نَفْيِ المُسْتَقْبَلِ وهو قَوْلُ سِيبَوَيْهِ، وإحْدى الرِّوايَتَيْنِ عَنِ الخَلِيلِ. السُّؤالُ الخامِسُ: ما مَعْنى اشْتِراطِهِ في اتِّقاءِ النّارِ انْتِفاءُ إتْيانِهِمْ بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ ؟ الجَوابُ: إذا ظَهَرَ عَجْزُهم عَنِ المُعارَضَةِ صَحَّ عِنْدَهم صِدْقُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وإذا صَحَّ ذَلِكَ ثُمَّ لَزِمُوا العِنادَ اسْتَوْجَبُوا العِقابَ بِالنّارِ، فاتِّقاءُ النّارِ يُوجِبُ تَرْكَ العِنادِ، فَأُقِيمَ المُؤَثِّرُ مَقامَ الأثَرِ، وجُعِلَ قَوْلُهُ: ﴿فاتَّقُوا النّارَ﴾ قائِمًا مَقامَ قَوْلِهِ: فاتْرُكُوا العِنادَ، وهَذا هو الإيجازُ الَّذِي هو أحَدُ أبْوابِ البَلاغَةِ، وفِيهِ تَهْوِيلٌ لِشَأْنِ العِنادِ؛ لِإنابَةِ اتِّقاءِ النّارِ مَنابَهُ مُتْبِعًا ذَلِكَ بِتَهْوِيلِ صِفَةِ النّارِ. السُّؤالُ السّادِسُ: ما الوَقُودُ ؟ الجَوابُ: هو ما يُوقَدُ بِهِ النّارُ، وأمّا المَصْدَرُ فَمَضْمُومٌ وقَدْ جاءَ فِيهِ الفَتْحُ، قالَ سِيبَوَيْهِ: وسَمِعْنا مِنَ العَرَبِ مَن يَقُولُ: وقَدْنا النّارَ وقُودًا عالِيًا، ثُمَّ قالَ: والوَقُودُ أكْثَرُ، والوَقُودُ: الحَطَبُ، وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ بِالضَّمِّ تَسْمِيَةً بِالمَصْدَرِ، كَما يُقالُ: فُلانٌ فَخَرُ قَوْمِهِ وزَيْنُ بَلَدِهِ. السُّؤالُ السّابِعُ: صِلَةُ ”الَّذِي“ يَجِبُ أنْ تَكُونَ قَضِيَّةً مَعْلُومَةً فَكَيْفَ عَلِمَ أُولَئِكَ أنَّ نارَ الآخِرَةِ تُوقَدُ بِالنّاسِ والحِجارَةِ ؟ الجَوابُ: لا يَمْنَعُ أنْ يَتَقَدَّمَ لَهم بِذَلِكَ سَماعٌ مِن أهْلِ الكِتابِ، أوْ سَمِعُوهُ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أوْ سَمِعُوا مِن قَبْلِ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلَهُ في سُورَةِ التَّحْرِيمِ: ﴿نارًا وقُودُها النّاسُ والحِجارَةُ﴾ . السُّؤالُ الثّامِنُ: فَلِمَ جاءَتِ النّارُ المَوْصُوفَةُ بِهَذِهِ الجُمْلَةِ مُنَكَّرَةً في سُورَةِ التَّحْرِيمِ وهَهُنا مُعَرَّفَةً ؟ الجَوابُ: تِلْكَ الآيَةُ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ فَعَرَفُوا مِنها نارًا مَوْصُوفَةً بِهَذِهِ الصِّفَةِ ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ بِالمَدِينَةِ مُسْتَنِدَةً إلى ما عَرَفُوهُ أوَّلًا. السُّؤالُ التّاسِعُ: ما مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿وقُودُها النّاسُ والحِجارَةُ﴾الجَوابُ: أنَّها نارٌ مُمْتازَةٌ مِنَ النِّيرانِ بِأنَّها لا تَتَّقِدُ إلّا بِالنّاسِ والحِجارَةِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى قُوَّتِها مِن وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّ سائِرَ النِّيرانِ إذا أُرِيدَ إحْراقُ النّاسِ بِها أوْ إحْماءُ الحِجارَةِ أُوقِدَتْ أوَّلًا بِوَقُودٍ ثُمَّ طُرِحَ فِيها ما يُرادُ إحْراقُهُ أوْ إحْماؤُهُ، وتِلْكَ - أعاذَنا اللَّهُ مِنها بِرَحْمَتِهِ الواسِعَةِ - تُوقَدُ بِنَفْسِ ما تَحْرِقُ. الثّانِي: أنَّها لِإفْراطِ حَرِّها تَتَّقِدُ في الحَجَرِ. السُّؤالُ العاشِرُ: لِمَ قُرِنَ النّاسُ بِالحِجارَةِ وجُعِلَتِ الحِجارَةُ مَعَهم وقُودًا ؟ الجَوابُ: لِأنَّهم قَرَنُوا بِها أنْفُسَهم في الدُّنْيا حَيْثُ نَحَتُوها أصْنامًا وجَعَلُوها لِلَّهِ أنْدادًا وعَبَدُوها مِن دُونِهِ، قالَ تَعالى: ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨]، وهَذِهِ الآيَةُ مُفَسِّرَةٌ لَها، فَقَوْلُهُ: ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [الأنبياء: ٩٨]، (p-١١٣)فِي مَعْنى النّاسِ والحِجارَةِ، وحَصَبُ جَهَنَّمَ في مَعْنى وقُودِها، ولَمّا اعْتَقَدَ الكُفّارُ في حِجارَتِهِمُ المَعْبُودَةِ مِن دُونِ اللَّهِ أنَّها الشُّفَعاءُ والشُّهَداءُ الَّذِينَ يَسْتَشْفِعُونَ بِهِمْ ويَسْتَدْفِعُونَ المَضارَّ عَنْ أنْفُسِهِمْ تَمَسُّكًا بِهِمْ، جَعَلَها اللَّهُ عَذابَهم فَقَرَنَهم بِها مُحْماةً في نارِ جَهَنَّمَ إبْلاغًا وإغْرابًا في تَحَسُّرِهِمْ، ونَحْوُهُ ما يَفْعَلُهُ بِالكافِرِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا ذَهَبَهم وفِضَّتَهم عُدَّةً وذَخِيرَةً فَشَحُّوا بِها ومَنَعُوها مِنَ الحُقُوقِ حَيْثُ يُحْمى عَلَيْها في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهم وجُنُوبُهم وظُهُورُهم. وقِيلَ: هي حِجارَةُ الكِبْرِيتِ، وهو تَخْصِيصٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، بَلْ فِيهِ ما يَدُلُّ عَلى فَسادِهِ، وذَلِكَ لِأنَّ الغَرَضَ هَهُنا تَعْظِيمُ صِفَةِ هَذِهِ النّارِ، والإيقادُ بِحِجارَةِ الكِبْرِيتِ أمْرٌ مُعْتادٌ فَلا يَدُلُّ الإيقادُ بِها عَلى قُوَّةِ النّارِ، أمّا لَوْ حَمَلْناهُ عَلى سائِرِ الأحْجارِ دَلَّ ذَلِكَ عَلى عِظَمِ أمْرِ النّارِ فَإنَّ سائِرَ الأحْجارِ تُطْفَأُ بِها النِّيرانُ، فَكَأنَّهُ قالَ: تِلْكَ النِّيرانُ بَلَغَتْ لِقُوَّتِها أنْ تَتَعَلَّقَ في أوَّلِ أمْرِها بِالحِجارَةِ الَّتِي هي مُطْفِئَةٌ لِنِيرانِ الدُّنْيا. أمّا قَوْلُهُ: ﴿أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ﴾ فَإنَّهُ يَدُلُّ عَلى أنَّ هَذِهِ النّارَ المَوْصُوفَةَ مُعَدَّةٌ لِلْكافِرِينَ، ولَيْسَ فِيهِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ هُناكَ نِيرانًا أُخْرى غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ بِهَذِهِ الصِّفاتِ مُعَدَّةً لِفُسّاقِ أهْلِ الصَّلاةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب