الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ الآية. (لم) حرف يجزم الفعل المضارع، ويقع بعدها بمعنى الماضي، كما يقع الماضي بعد حرف [[في (ج): (حروف).]] الجزاء بمعنى الاستقبال، ولهذه المشابهة بينها وبين حروف الجزاء اختير الجزم بـ (لم) [[ذهب الزجاج إلى أنها جزمت الفعل بعدها، لأنها نقلته من المستقبل إلى الماضي، ولأن ما بعدها خرج من تأويل الاسم. انظر "معاني القرآن" 1/ 66 - 67، ونحوه قال الليث فيما نقل عنه الأزهري في "تهذيب اللغة" (لم) 4/ 3294، وكذا الرماني في "معاني الحروف": ص 100. وقد رد أبو علي الفارسي قول الزجاج وأطال في بيان عدم صحته. انظر. "الإغفال". ص 95 - 101.]] وإنما جزمت حروف الشرط والجزاء، لأنها تقتضي جملتين كقولك: (إن تضرب أضرب) فلطول ما يقتضيه الشرط والجزاء [[(الجزاء) ساقط (ب).]] اختير الجزم، لأنه حذف وتخفيف. وأما (لن) [[في (ب): (لم).]] فهي حرف قائم بنفسه، وضع لنفس الفعل المستقبل، ونصبه للفعل كنصب (أن). وليس ما بعد (لن) بصلة لها [[فلا تؤول معه بمصدر كما تؤول (أن) وما بعدها بمصدر.]]، لأن (لن يفعل) [[(لن) ساقطة من (ب).]] نفى سيفعل، وتُعْمِل ما بعدها فيما [[في (ب): (فما).]] قبلها، كقولك: (زيدا لن أضرب) [[ذكره الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 134 - 135، وانظر: "تهذيب اللغة" (لن) 4/ 3303، "معاني الحروف" للرماني: ص 100، "البحر المحيط" 1/ 102، "الدر المصون" 1/ 203.]]. وروى سيبويه عن بعض أصحاب الخليل عنه أنه [[كذا قال الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 134، وفي "الكتاب" (أما الخليل فزعم أنها (لا أن (..)، 3/ 5، وانظر: "المسائل الحلبيات": ص 45، "معاني الحروف" للرماني: ص 100، "تهذيب اللغة" (لن) 4/ 3303.]] قال: الأصل في (لن) [[في (ب): (أن).]]، (لا أن) ولكنها حذفت تخفيفا [[حذفت الهمزة استخفافا، ثم حذفت الألف من (لا) لالتقاء الساكنين فصارت الكلمة على حرفين، "المسائل الحلبيات": ص 45.]]. وزعم سيبويه أن هذا ليس بجيد، ولو كان كذلك لم يجز (زيدا لن أضرب) لأن ما بعد (أن) لا يعمل فيما قبلها، لأن ذلك يؤدي إلى تقديم الصلة على الموصول [[انظر رد سيبويه على الخليل في "الكتاب" 3/ 5، وانظر "معاني القرآن" الزجاج 1/ 134 - 135، "المسائل الحلبيات": ص 45، "معاني الحروف" للرماني: ص100، والرأي المشهور فيها كما عند سيبويه وغيره أنها حرف بسيط ثنائي غير مركب، انظر: "البحر" 1/ 102، "الدر المصون" 1/ 204.]]. وللخليل أن ينفصل من هذا بأن يقول: الحروف إذا ركبت خرجت عما كانت عليه، ألا ترى أن (هل) أصلها الاستفهام، ولا يجوز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها، لو قلت [[(قلت) ساقطة من (ب).]]: (زيدا هل ضربت) لم يجز، فإذا زِيدَ [[(فإذا زيد) ساقط من (ب).]] على (هل) (لا)، ودخلها [[في (ب): (ولا دخلها).]] معنى التحضيض، جاز أن يتقدم ما بعدها عليها، كقولك: (زيدا هلا ضربت) [[ذكر هذا الدفاع عن قول الخليل الرماني في "معاني الحروف": ص 100، ونحوه قال أبو علي في "المسائل الحلبيات": ص 46.]] إلا أن قول الخليل ضعيف في الجملة من وجه آخر، وهو أن اللفظ متى جاء على صيغة [[في (ب): (صفة).]] ما، وأمكن استعمال معناه لم يجز أن يعدل عن ظاهره [[في (ب): (ظاهر).]] إلى غيره من غير ضرورة تدعو إلى ذلك، فلما وجدنا (لن) [[في (ب): (إن).]] معناها مفهوم بنفس لفظها، لم يجز أن يدعى أن [[(أن) ساقطة من (ج).]] أصلها شيء آخر من غير حجة قاطعة، ولا ضرورة [[فتكون (لن) حرف نفي بسيط ثنائي غير مركب، ولا يعدل بها عن هذا الأصل إلا بدليل، انظر: "البحر" 1/ 102.]]. ومعنى الآية: فإن لم تفعلوا فيما مضى، ولن تفعلوا فيما يستقبل أبدا [[ذكره الثعلبي 1/ 57ب، وانظر: "تفسير الطبري" 1/ 167، "تفسير أبي الليث" 1/ 103، "تفسير ابن عطية" 1/ 203، "زاد المسير" 1/ 51، "تفسير القرطبي" 1/ 201.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ كلام [[في (ب): (الكلام).]] معترض بين الشرط والجواب [[انظر: "الكشاف" 1/ 247، "البحر" 1/ 107، "الدر المصون" 1/ 203.]]. وقد يقع الاعتراض بين الشرط والجواب كهذا، وبين المبتدأ والخبر كقولك: (زيد فافهم ما أقول رجل صدق) وبين اسم (إن) وخبرها، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ﴾ الآية [الكهف: 30]. فقوله: (إنا لا نضيع) اعتراض، والخبر: (أولئك). وقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا النَّارَ﴾. أي: فاحذروا أن تصلوا النار بتكذيبكم، وإنما قيل لهم هذا بعد أن ثبتت الحجة عليهم في التوحيد وصدق محمد ﷺ [[انظر: "الطبري" 1/ 168.]]. و (الفاء) في قوله: ﴿فَإِنْ لَمْ﴾ للعطف، وفي قوله: ﴿فَاَتَّقُواْ﴾ للإتباع دون العطف [[ذكر أبو الفتح بن جني أن الفاء إذا وقعت في أوائل الكلم، وهي ليست من أصل الكلمة، فإنها على ثلاثة أضرب: ضرب تكون للعطف والإتباع جميعًا، وضرب تكون فيه للإتباع مجردا من العطف، وضرب تكون فيه زائدة، انظر "سر صناعة الإعراب" 2/ 251. وتكون للإتباع دون العطف إذا وقعت في جواب الشرط، كما في قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا﴾، انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 149، "الدر المصون" 1/ 203.]]. وإنما [[الكلام عن الفاء إذا وقعت في جواب الشرط، نقله الواحدي عن كتاب "سر صناعة الإعراب" لأبي الفتح بن جني، قال أبو الفتح: (... وإنما اختاروا الفاء هنا من قبل أن الجزاء سبيله أن يقع ثاني الشرط ... فإن قيل: وما كانت الحاجة إلى الفاء في جواب الشرط؟ فالجواب: أنه إنما دخلت الفاء في جواب الشرط توصلا إلى (المجازاة ..)، "سر صناعة الإعراب" 1/ 252.]] اختاروا (الفاء) من قبل أن الجزاء سبيله أن يقع ثاني الشرط، وليس في جميع حروف العطف حرف يوجد هذا المعنى فيه سوى (الفاء). فدخلت (الفاء) في جواب الشرط توصلا إلى المجازاة بالجملة المركبة من المبتدأ والخبر، والكلام [[في "سر صناعة الإعراب": (.. أو الكلام ..) وفي هامشه في (ل) و (ش): (والكلام) 1/ 253.]] الذي يجوز أن يبتدأ به نحو: الأمر والنهي [[قوله: (نحو: الأمر والنهي)، ليست عند أبي الفتح 1/ 253.]]، فالجملة [[في (ب): الجملة.]] نحو قولك: (إن تحسن إليّ فالله يكافئك) لولا (الفاء) لم يرتبط أول الكلام بآخره [[اختصار كلام أبي الفتح، انظر "سر صناعة الإعراب" 1/ 253.]]. ومن ذلك قولك [[(قولك) ساقط من (ب).]]: (إن يقم فاضربه) فالجملة التي هي: (اضربه) جملة أمرية، وكذلك: (إن [[في (ب): (إن تفعل).]] يقعد فلا تضربه) جملة [[عند أبي الفتح (فقولك لا تضربه جملة نهيية) 1/ 253.]] نهيية، وكل واحدة [[في (ب): (واحد).]] من الجملتين يجوز أن يبتدأ بهما [[في (ب): (بها) ومثله عند أبي الفتح 1/ 253.]]، فلما كان الابتداء بها يصح وقوعه في الكلام، احتاجوا إلى (الفاء) ليدلوا على أن مثالي الأمر والنهي ليسا على ما يعتد [[عند أبي الفتح: (يعهد).]] في الكلام [[في (ب): (ليسا على ما بعد بما قبلهما في الكلام).]] من وجودهما مبتدأين غير معقودين بما قبلهما [[انتهى نقل الواحدي من أبي الفتح من كتاب "سر صناعة الإعراب" 1/ 252 - 253.]]. وقوله تعالى: ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ﴾. قال ابن السكيت: (الوقود) بالضم، المصدر يقال: وَقَدت النار، تَقِدُ [[في (ج): (يقد) وفي (أ) غير منقوط. وأثبت ما في (ب).]] وُقُوداً [[في (ب): (وقود).]]. ويقال: ما أجود هذا الوَقُود للحطب [[في (ب): (الحطب). "إصلاح المنطق": ص 332، والنص من "تهذيب اللغة" (وقد) 4/ 3929.]]. وقال غيره [[في (التهذيب) (ويقال: وقدت ..)، "التهذيب" 4/ 3929.]]: وَقَدَت النار، تَقد وَقُوداً [[من قوله: (ويقال: ما أجود هذا الوقود ... إلى قوله: تقد وقودا) مكرر في (أ) و (ج).]] وَوُقُوداً، وكأن الوقود اسم وضع موضع المصدر. [فالضم: المصدر] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]، والفتح [[في (ب) (وانفتح).]]: الاسم، ويجوز أن يكون مصدراً [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج: ص 67، "تهذيب اللغة" 4/ 3929، و"الطبري" 1/ 169، والثعلبي 1/ 57 ب.]]. و (الحجارة) جمع حجر، وليس بقياس، ولكنهم قالوه كما قالوا: جمل وجِمَالة، وذكر وذِكَارة، والقياس أحجار [[ذكر الأزهري نحوه عن الليث. "تهذيب اللغة" (حجر) 1/ 746، "اللسان" (حجر) 2/ 781.]]. وجاء في التفسير أن [[(أن) ساقط من (ب).]] الحجارة هاهنا: حجارة الكبريت، عن ابن عباس وغيره [[أخرجه "الطبري" بسنده عن ابن مسعود وابن عباس وابن جريج 1/ 168 - 169، وذكره ابن أبي حاتم عن مجاهد والسدي وعمرو بن دينار، 1/ 64/ 65، وانظر "معاني القرآن" للفراء 1/ 20، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 67، "تفسير الثعلبي" 1/ 57 ب. ذكر الثعلبي في الحجارة قولا آخر، وهو أن المراد بها: الأصنام، ودليله قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ [الأنبياء: 98]، وذكره بعض المفسرين، انظر "الكشاف" 1/ 252، "القرطبي" 1/ 252، "الدر" 1/ 78. قال الزمخشري رادًا على من قال: إنها حجارة الكبريت: (وهو تخصيص بغير دليل، وذهاب عما هو المعنى == الصحيح الواقع المشهود له بمعاني التنزيل ...) "الكشاف" 1/ 252، وإليه مال الشنقيطي في "أضواء البيان"1/ 117. أما ابن كثير فمال للقول الأول، وقال في معرض رده على الرازي: (وهذا الذي قاله ليس بقوي، وذلك أن النار إذا أضرمت بحجارة الكبريت كان ذلك أشد لحرها وأقوى لسعيرها، ولاسيما على ما ذكره السلف من أنها حجارة من كبريت معدة لذلك ..) "تفسير ابن كثير" 1/ 64.]]. فهي [[في (ب) و (ج): (وهي).]] أشد لاتقاد النار. وقيل: ذكر الحجارة دليل على عظم تلك النار، لأنها لا تأكل الحجارة إلا كانت فظيعة [[انظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 57 ب، "الكشاف" 1/ 252، والرازي 1/ 122.]]. وقوله: ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ﴾ لا يدل [[في (ج): (لا تدل).]] على أنها غير مخلوقة بأن الناس لم [[في (ج): (لا).]] يدخلوها بعد، لأنها متقدة [[في (أ) و (ج) (متقد)، وأثبت ما في (ب)، لأنه أنسب للسياق.]] بغير الناس، فإذا دخلها الناس صاروا وقودها، وفي قوله: ﴿أُعِدَّتْ﴾ أوضح دلالة على وجودها، لأن المعدوم لا يسمى مُعَدَّا [[ذكره الثعلبي 1/ 57 ب، وهذا منهج أهل السنة وهو: أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، وذهب بعض المبتدعة من المعتزلة والجهمية إلى أنهما لم تخلقا بعد، وأنهما ستخلقان، انظر. "تفسير ابن عطية" 1/ 204 - 205. "لقرطبي" 1/ 203. وابن كثير 1/ 66. والبيضاوي 1/ 16. "البحر" 1/ 108.]]. وإنما قال: ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ وإن [[في (ب): (فإن).]] كان العصاة من المسلمين يدخلونها، لأن الكافرين يخلدون فيها دون المؤمنين، وكأن النار ليست للمؤمنين لقلة كونهم فيها إذا قيس بالخلود [[انظر. "تفسير ابن عطية" 1/ 204 - 205. "القرطبي" 1/ 203. "البحر" 1/ 109.]]. وإنما لم يقل: (أعدت لكم) وإن كان المخاطبون كفارا، لأنه علم أن فيهم من يؤمن. ولما ذكر جزاء الكافرين لتكذيبهم [[قوله: (ذكر جزاء الكافرين لتكذيبهم) مكرر في (أ).]] ذكر جزاء المؤمنين لتصديقهم فقال عز من قائل:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب