الباحث القرآني
﴿فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا ولَنْ تَفْعَلُوا فاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وقُودُها النّاسُ والحِجارَةُ﴾ لَمّا بَيَّنَ لَهم ما يَتَعَرَّفُونَ بِهِ أمْرَ الرَّسُولِ ﷺ وما جاءَ بِهِ، ومَيَّزَ لَهُمُ الحَقَّ عَنِ الباطِلِ، رَتَّبَ عَلَيْهِ ما هو كالفَذْلَكَةِ لَهُ، وهو أنَّكم إذا اجْتَهَدْتُمْ في مُعارَضَتِهِ وعَجَزْتُمْ جَمِيعًا عَنِ الإتْيانِ بِما يُساوِيهِ أوْ يُدانِيهِ، ظَهَرَ أنَّهُ مُعْجِزٌ والتَّصْدِيقُ بِهِ واجِبٌ، فَآمَنُوا بِهِ واتَّقَوُا العَذابَ المُعَدَّ لِمَن كَذَّبَ، فَعَبَّرَ عَنِ الإتْيانِ المُكَيَّفِ بِالفِعْلِ الَّذِي يَعُمُّ الإتْيانَ وغَيْرَهُ إيجازًا، ونَزَلَ لازِمُ الجَزاءِ مُنْزِلَتَهُ عَلى سَبِيلِ الكِنايَةِ تَقْرِيرًا لِلْمُكَنّى عَنْهُ، وتَهْوِيلًا لِشَأْنِ العِنادِ، وتَصْرِيحًا بِالوَعِيدِ مَعَ الإيجازِ، وصَدَّرَ الشُّرْطِيَّةَ بِإنِ الَّتِي لِلشَّكِّ والحالُ يَقْتَضِي إذا الَّذِي لِلْوُجُوبِ، فَإنَّ القائِلَ سُبْحانَهُ وتَعالى لَمْ يَكُنْ شاكًّا في عَجْزِهِمْ، ولِذَلِكَ نَفى إتْيانَهم مُعْتَرِضًا بَيْنَ الشَّرْطِ والجَزاءِ تَهَكُّمًا بِهِمْ وخِطابًا مَعَهم عَلى حَسَبِ ظَنِّهِمْ، فَإنَّ العَجْزَ قَبْلَ التَّأمُّلِ لَمْ يَكُنْ مُحَقَّقًا عِنْدَهم. و ﴿تَفْعَلُوا﴾ جُزِمَ بِ ﴿لَمْ﴾ لِأنَّها واجِبَةُ الإعْمالِ مُخْتَصَّةٌ بِالمُضارِعِ مُتَّصِلَةٌ بِالمَعْمُولِ، ولِأنَّها لَمّا صَيَّرَتْهُ ماضِيًا صارَتْ كالجُزْءِ مِنهُ، وحَرْفُ الشَّرْطِ كالدّاخِلِ عَلى المَجْمُوعِ فَكَأنَّهُ قالَ: فَإنْ تَرَكْتُمُ الفِعْلَ، ولِذَلِكَ ساغَ اجْتِماعُهُما. ﴿وَلَنْ﴾ كَلا في نَفْيِ المُسْتَقْبَلِ غَيْرَ أنَّهُ أبْلَغُ وهو حَرْفٌ مُقْتَضَبٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ والخَلِيلِ في إحْدى الرِّوايَتَيْنِ عَنْهُ، وفي الرِّوايَةِ الأُخْرى أصْلُهُ لا أنْ، وعِنْدَ الفَرّاءِ لا فَأُبْدِلَتْ ألِفُها نُونًا. والوَقُودُ بِالفَتْحِ ما تُوقَدُ بِهِ النّارُ، وبِالضَّمِّ المَصْدَرُ وقَدْ جاءَ المَصْدَرُ بِالفَتْحِ قالَ سِيبَوَيْهِ: وسَمِعْنا مَن يَقُولُ وقَدَتِ النّارُ وقُودًا عالِيًا، والِاسْمُ بِالضَّمِّ ولَعَلَّهُ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ كَما قِيلَ: فُلانٌ فَخْرُ قَوْمِهِ وزَيْنُ بَلَدِهِ، وقَدْ قُرِئَ بِهِ والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِهِ الِاسْمُ، وإنْ أُرِيدَ بِهِ المَصْدَرُ فَعَلى حَذْفِ مُضافٍ أيْ: وقُودُها احْتِراقُ النّاسِ، والحِجارَةُ: وهي جَمْعُ حَجَرٍ. كَجِمالَةٍ جَمْعُ جَمَلٍ وهو قَلِيلٌ غَيْرُ مُنْقاسٍ، والمُرادُ بِها الأصْنامُ الَّتِي نَحَتُوها وقَرَنُوا بِها أنْفُسَهم وعَبَدُوها طَمَعًا في شَفاعَتِها والِانْتِفاعِ بِها واسْتِدْفاعِ المَضارِّ لِمَكانَتِهِمْ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ . عُذِّبُوا بِما هو مَنشَأُ جُرْمِهِمْ كَما عُذِّبَ الكافِرُونَ بِما كَنَزُوهُ. أوْ بِنَقِيضِ ما كانُوا يَتَوَقَّعُونَ زِيادَةً في تَحَسُّرِهِمْ. وقِيلَ: الذَّهَبُ والفِضَّةُ الَّتِي كانُوا يَكْنِزُونَها ويَغْتَرُّونَ بِها، وعَلى هَذا لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ إعْدادِ هَذا النَّوْعِ مِنَ العَذابِ بِالكُفّارِ وجْهٌ، وقِيلَ: حِجارَةُ الكِبْرِيتِ وهو تَخْصِيصٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وإبْطالٌ لِلْمَقْصُودِ، إذِ الغَرَضُ تَهْوِيلُ شَأْنِها وتَفاقُمُ لَهَبِها بِحَيْثُ تَتَّقِدُ بِما لا (p-59)يَتَّقِدُ بِهِ غَيْرُها، والكِبْرِيتُ تَتَّقِدُ بِهِ كُلُّ نارٍ وإنْ ضَعُفَتْ، فَإنْ صَحَّ هَذا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما فَلَعَلَّهُ عَنى بِهِ أنَّ الأحْجارَ كُلَّها لِتِلْكَ النّارِ كالحِجارَةِ الكِبْرِيتِ لِسائِرِ النِّيرانِ. ولَمّا كانَتِ الآيَةُ مَدَنِيَّةً نَزَلَتْ بَعْدَ ما نَزَلَ بِمَكَّةَ قَوْلُهُ تَعالى في سُورَةِ التَّحْرِيمِ ﴿نارًا وقُودُها النّاسُ والحِجارَةُ﴾ . وسَمِعُوهُ صَحَّ تَعْرِيفُ النّارِ. ووُقُوعُ الجُمْلَةِ صِلَةً « بِإزائِها» فَإنَّها يَجِبُ أنْ تَكُونَ قِصَّةً مَعْلُومَةً.
﴿أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ﴾ هُيِّئَتْ لَهم وجُعِلَتْ عُدَّةً لِعَذابِهِمْ. وقُرِئَ: « اعْتُدَّتْ» مِنَ العَتادِ بِمَعْنى العُدَّةِ، والجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ، أوْ حالٌ بِإضْمارِ قَدْ مِنَ النّارِ لا الضَّمِيرِ الَّذِي في ﴿وَقُودُها﴾، وإنْ جَعَلْتَهُ مَصْدَرًا لِلْفَصْلِ بَيْنَهُما بِالخَبَرِ. وفي الآيَتَيْنِ ما يَدُلُّ عَلى النُّبُوَّةِ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: ما فِيهِما مِنَ التَّحَدِّي والتَّحْرِيضِ عَلى الجِدِّ وبَذْلِ الوُسْعِ في المُعارَضَةِ بِالتَّقْرِيعِ والتَّهْدِيدِ، وتَعْلِيقِ الوَعِيدِ عَلى عَدَمِ الإتْيانِ بِما يُعارِضُ أقْصَرَ سُورَةٍ مِن سُوَرِ القُرْآنِ، ثُمَّ إنَّهم مَعَ كَثْرَتِهِمْ واشْتِهارِهِمْ بِالفَصاحَةِ وتَهالُكِهِمْ عَلى المُضادَّةِ لَمْ يَتَصَدَّوْا لِمُعارَضَتِهِ، والتَجَؤُوا إلى جَلاءِ الوَطَنِ وبَذْلِ المُهَجِ.
الثّانِي: أنَّهُما يَتَضَمَّنانِ الإخْبارَ عَنِ الغَيْبِ عَلى ما هو بِهِ، فَإنَّهم لَوْ عارَضُوهُ بِشَيْءٍ لامْتَنَعَ خَفاؤُهُ عادَةً سِيَّما والطّاعِنُونَ فِيهِ أكْثَرُ مِنَ الذّابِّينَ عَنْهُ في كُلِّ عَصْرٍ.
الثّالِثُ: أنَّهُ ﷺ لَوْ شَكَّ في أمْرِهِ لَما دَعاهم إلى المُعارَضَةِ بِهَذِهِ المُبالَغَةِ، مَخافَةَ أنْ يُعارَضَ فَتُدْحَضُ حُجَّتُهُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ﴾ دَلَّ عَلى أنَّ النّارَ مَخْلُوقَةٌ مُعَدَّةٌ الآنَ لَهم.
{"ayah":"فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُوا۟ وَلَن تَفۡعَلُوا۟ فَٱتَّقُوا۟ ٱلنَّارَ ٱلَّتِی وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُۖ أُعِدَّتۡ لِلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق