الباحث القرآني
هذا مثل الذي مصدر نفقته عن الإخلاص والصدق. فإن ابتغاء مرضاته سبحانه هو الإخلاص. والتثبيت من النفس هو الصدق في البذل فإن المنفق يعترضه عند إنفاقه آفتان إن نجا منهما كان مثله ما ذكره في هذه الآية.
إحداهما: طلبه بنفقته محمدة أو ثناء أو غرضا من أغراضه الدنيوية. وهذا حال أكثر المنفقين.
والآفة الثانية: ضعف نفسه وتقاعسها وترددها. هل يفعل أم لا؟
فالآفة الأولى: تزول بابتغاء مرضاة الله.
والآفة الثانية: تزول بالتثبيت، فإن تثبيت النفس تشجعها وتقويتها والأقدام بها على البذل. وهذا هو صدقها وطلب مرضاة الله إرادة وجهه وحده وهذا إخلاصها فإذا كان مصدر الإنفاق عن ذلك كان مثله كجنة - وهي البستان الكثير الأشجار - فهو مجتنّ بها أي مستتر ليس قاعا فارغا.
والجنة بربوة وهو المكان المرتفع، لأنها أكمل من الجنة التي بالوهاد والحضيض، لأنها إذا ارتفعت كانت بمدرجة الأهوية والرياح. وكانت ضاحية للشمس وقت طلوعها واستوائها وغروبها. فكانت أنضج ثمرا وأطيبه وأحسنه وأكثره، فإن الثمار تزداد طيبا وزكاء بالرياح والشمس، بخلاف الثمار التي تنشأ في الضلال، وإذا كانت الجنة بمكان مرتفع لم يخش عليها إلا من قلة الماء والشراب فقال تعالى: أصابَها وابِلٌ وهو المطر الشديد العظيم القدر، فأدت ثمرتها وأعطت بركتها، فأخرجت ثمرتها ضعفي ما يثمر غيرها أو ضعفي ما كانت تثمر بسبب ذلك الوابل. فهذا حال السابقين المقربين:
فَإنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ فهو دون الوابل. فهو يكفيها لكرم منبتها وطيب مغرسها تكتفي في إخراج بركتها بالطل، وهذا حال الأبرار والمقتصدين في النفقة، وهم درجات عند الله فأصحاب الوابل أعلاهم درجة، وهم الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. وأصحاب الطلب مقتصدهم.
فمثّل حال القسمين وأعمالهم بالجنة على الربوة، ونفقتهم الكثيرة بالوابل والطل، وكما أن كل واحد من المطرين يوجب زكاء ثمر الجنة ونحوه بالأضعاف، فكذلك نفقتهم كثيرة كانت أو قليلة، بعد أن صدرت عن ابتغاء مرضاة الله والتثبيت من نفوسهم، فهي زاكية عند الله نامية مضاعفة.
واختلف في الضعفين. فقيل: ضعفا الشيء مثلاه زائدا عليه، وضعفه مثله.
وقيل: ضعفه مثلاه وضعفاه ثلاثة أمثاله، وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله كلما زاد ضعفا زاد مثلا، والذي حمل هذا القائل على ذلك فراره من استواء دلالة المفرد والتثنية فإنه رأى ضعف الشيء هو مثله الزائد عليه فإذا زاد إلى المثل صار مثلين، وهما الضعف. فلو قيل: لها ضعفان. لم يكن فرق بين المفرد والمثنى. فالضعفان عنده مثلان مضافان إلى الأصل، ويلزم من هذا أن يكون ثلاثة أضعافه ثلاثة أمثاله مضافة إلى الأصل. وهكذا أبدا.
والصواب: أن الضعفين هما مثلان فقط، الأصل ومثله. وعليه يدل قوله تعالى: ﴿فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ﴾ أي مثلين، وقوله تعالى: ﴿يُضاعَفْ لَها العَذابُ ضِعْفَيْنِ﴾ أي مثلين.
ولهذا قال في الحسنات:
﴿نُؤْتِها أجْرَها مَرَّتَيْنِ﴾.
وأما ما توهموه من استواء دلالة المفرد والتثنية فوهم منشؤه ظن أن الضعف هو المثل مع الأصل، وليس كذلك، بل المثل له اعتباران: إن اعتبر وحده فهو ضعف، وإن اعتبر مع نظيره فهما ضعفان. والله أعلم.
واختلف في رافع قوله: ﴿فَطَلٌّ﴾
فقيل: هو مبتدأ خبره محذوف، أي وطله يكفيها.
وقيل: خبر مبتدؤه محذوف تقديره. فالذي يرويها ويصيبها طل.
والضمير في ﴿أصابَها﴾ إما أن يرجع إلى الجنة، أو إلى الربوة، وهما متلازمان.
* (فائدة)
فَإنْ كانَتْ هَذِهِ الجَنَّةُ - الَّتِي بِمَوْضِعٍ عالٍ، حَيْثُ لا تُحْجَبُ عَنْها الشَّمْسُ والرِّياحُ، وقَدْ أصابَها مَطَرٌ شَدِيدٌ، فَأخْرَجَتْ ثَمَرَتَها ضِعْفَيْ ما يُخْرِجُ غَيْرُها - إنْ كانَتْ مُسْتَحْسَنَةً في العَقْلِ والحِسِّ، فَكَذَلِكَ نَفَقَةُ مَن أنْفَقَ مالَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ، لا لِجَزاءٍ مِنَ الخَلْقِ، ولا لِشُكُورٍ، بَلْ بِثَباتٍ مِن نَفْسِهِ، وقُوَّةٍ عَلى الإنْفاقِ، لا يُخْرِجُ النَّفَقَةَ وقَلْبُهُ يَرْجُفُ عَلى خُرُوجِها، ويَداهُ تَرْتَعِشانِ، ويَضْعُفُ قَلْبُهُ، ويَخُورُ عِنْدَ الإنْفاقِ، بِخِلافِ نَفَقَةِ صاحِبِ التَّثْبِيتِ والقُوَّةِ.
وَلَمّا كانَ النّاسُ في الإنْفاقِ عَلى هَذَيْنِ القِسْمَيْنِ كانَ مَثَلُ نَفَقَةِ صاحِبِ الإخْلاصِ والقُوَّةِ والتَّثْبِيتِ كَمَثَلِ الوابِلِ، ومَثَلُ نَفَقَةِ الآخَرِ كَمَثَلِ الطَّلِّ، وهو المَطَرُ الضَّعِيفُ، فَهَذا بِحَسَبِ كَثْرَةِ الإنْفاقِ وقِلَّتِهِ، وكَمالِ الإخْلاصِ والقُوَّةِ واليَقِينِ فِيهِ وضَعْفِهِ، أفَلا تَراهُ سُبْحانَهُ نَبَّهَ العُقُولَ عَلى ما فِيها مِنِ اسْتِحْسانِ هَذا، واسْتِقْباحِ فِعْلِ الأوَّلِ؟
{"ayah":"وَمَثَلُ ٱلَّذِینَ یُنفِقُونَ أَمۡوَ ٰلَهُمُ ٱبۡتِغَاۤءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثۡبِیتࣰا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ كَمَثَلِ جَنَّةِۭ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلࣱ فَـَٔاتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَیۡنِ فَإِن لَّمۡ یُصِبۡهَا وَابِلࣱ فَطَلࣱّۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق