الباحث القرآني
القنوت هنا هو العبودية العامة التي تشترك فيها أهل السماوات والأرض لا يختص بها بعضهم عن بعض ولا يختص بزمان دون زمان وهي عبودية القهر فالقنوت هنا قنوت قهر وذل لا قنوت طاعة ومحبة وهذا بخلاف قوله تعالى ﴿كل من عليها فان﴾ فإنه أفرد لما لم يجتمعوا في الفناء.
ونظيره قوله ﷺ: "وكلكم مسئول عن رعيته " فإن الله يسأل كل راع بمفرده.
* (فصل)
قوله تعالى: ﴿وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا سُبْحانَهُ﴾ إلى قوله: ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾
رد عليهم سبحانه دعواهم له اتخاذ الولد ونزه نفسه عنه ثم ذكر أربع حجج على استحالة اتخاذه الولد:
أحدها: كون ما في السماوات والأرض ملكا له وهذا ينافي أن اتخاذ الولد فيهما ولد له لأن الولد بعض الوالد وشريكه فلا يكون مخلوقا له مملوكا له لأن المخلوق مملوك مربوب عبد من العبيد والابن نظير الأب فكيف يكون عبده تعالى ومخلوقه ومملوكه بعضه ونظيره فهذا من أبطل الباطل وأكد مضمون هذه الحجة بقوله: ﴿كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ﴾ فهذا تقرير لعبوديتهم له وأنهم مملوكون مربوبون ليس فيهم شريك ولا نظير ولا ولد فإثبات الولد لله تعالى من أعظم الإشراك به فإن المشرك به جعل له شريكا من مخلوقاته مع اعترافه بأنه مملوك كما كان المشركون يقولون في تلبيتهم "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك" فكانوا يجعلون من أشركوا به مملوكا له عبدا مخلوقا والنصارى جعلوا له شريكا هو نظير وجزء من أجزائه كما جعل بعض المشركين الملائكة بناته فقال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِن عِبادِهِ جُزْءًا﴾ فإذا كان له ما في السماوات والأرض عبيد قانتون مربوبون مملوكون استحال أن يكون له منهم شريك وكل من أقر بأن الله تعالى ما في السماوات وما في الأرض لزمه أن يقوله بالتوحيد ولا بد ولهذا يحتج سبحانه على المشركين بإقرارهم بذلك كقوله: ﴿قُلْ لِمَنِ الأرْضُ ومَن فِيها إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ وسيأتي إن شاء الله تعالى مزيد بيان لهذا في موضعه.
الحجة الثانية: قوله تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ هذه من أبلغ الحجج على استحالة نسبة الولد إليه ولهذا قال في سورة الأنعام بديع السماوات والأرض أني يكون له ولد أي من أين يكون لبديع السماوات والأرض ولد ووجه تقرير هذه الحجة أن من اخترع هذه السماوات والأرض مع عظمهما وآياتهما وفطرهما وابتدعهما فهو قادر على اختراع ما هو دونهما ولا نسبة له إليهما ألبتة فكيف يخرجون هذا الشخص بالعين عن قدرته وإبداعه ويجعلونه نظيرا وشريكا وجزءا مع أنه تعالى بديع العالم العلوي والسفلي وفاطره ومخترعه وبارئه فكيف يعجزه أن يوجد هذا الشخص من غير أب حتى يقولوا إنه ولده فإذا كان قد ابتدع العالم علوية وسفلية فما يعجزه ويمنعه عن إبداع هذا العبد وتكوينه وخلقه بالقدرة التي خلق بها العالم العلوي والسفلي فمن نسب الولد لله فما عرف الرب تعالى ولا آمن به ولا عبده فظهر أن هذه الحجة من أبلغ الحجج على استحالة نسبة الولد إليه وإن شئت أن تقرر الاستدلال بوجه آخر وهو أن يقال إذ كانت نسبة السماوات والأرض وما فيهما إليه إنما هي بالاختراع والخلق والإبداع أنشأ ذلك وأبدعه من العدم إلى الوجود فكيف يصح نسبة شيء من ذلك إليه بالنبوة وقدرته على اختراع العالم وما فيه لم تزل ولم يحتج فيها إلى معاون ولا صاحب ولا شريك.
وإن شئت أن تقررها بوجه آخر فتقول النسبة إليه بالنبوة تستلزم حاجته وفقره إلى محل الولادة وذلك ينافى غناه وانفراده بإبداع السماوات والأرض وقد أشار تعالى إلى هذا المعنى بقوله: ﴿وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ فكمال قدرته وكمال غناه وكمال ربوبيته يجعل نسبة الولد إليه ونسبته إليه تقدح في كمال ربوبيته وكمال غناه وكمال قدرته. ولذلك كانت نسبة الولد إليه مسبة له تبارك وتعالى كما ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: "يقول الله تعالى: شتمني عبدي ابن آدم وما ينبغي له ذلك وكذبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك أما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد وأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته" وقال عمر بن خطاب رضي الله عنه في النصارى: "أذلوهم ولا تظلموهم فلقد سبوا الله مسبة ما سبه إياها أحد من البشر" قال تعالى: ﴿وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا ما لَهم بِهِ مِن عِلْمٍ ولا لآبائِهِمْ﴾ الآية.
وأخبر تعالى ﴿تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنهُ وتَنْشَقُّ الأرْضُ وتَخِرُّ الجِبالُ هَدًّا﴾
وما ذاك إلا لتضمنه شتم الرب تبارك وتعالى والتنقص به ونسبة ما يمنع كمال ربوبيته وقدرته وغناه إليه.
الحجة الثالثة: قوله تعالى: ﴿وَإذا قَضى أمْرًا فَإنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ وتقرير هذه الحجة أن من كانت قدرته تعالى كافية في إيجاد ما يريد إيجاده بمجرد أمره وقوله (كن) فأي حاجة به إلى ولد وهو لا يتكثر به من قلة ولا يتعزر به ولا يستعين به يعجز عن خلق ما يريد خلقه وإنما يحتاج إلى الولد من لا يخلق ولا إذا أراد شيئا قال له كن فيكون.
وهذا المخلوق العاجز المحتاج الذي لا يقدر على تكوين ما أراد وقد ذكر تعالى حججا أخرى على استحالة نسبة الولد إليه فنذكرها في هذا الموضع.
الحجة الرابعة: كما علمه وعموم خلقه لكل شيء واستحالة نسبة الصاحبة إليه فقال تعالى في سورة الأنعام: ﴿بَدِيعُ السَّماواتِ والأرْضِ أنّى يَكُونُ لَهُ ولَدٌ ولَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ﴾ الآية فأما منافاة عموم خلقه لنسبه الولد إليه فظاهر فإنه لو كان له ولد لم يكن مخلوقا بل جزءا وهذا ينافي كونه خالق كل شيء وبهذا يعلم أن الفلاسفة الذين يقولون بتولد العقول والنفوس عنه بواسطة أو بغير واسطة شر من النصارى وأن من زعم أن العالم قديم فقد أخرجه عن كونه مخلوقا لله وقوله أخبث من قول النصارى لأن النصارى أخرجوا عن عموم خلقه شخصا واحدا أو شخصين ومن قال بقدم العالم فقد أخرج العالم العلوي والسفلي والملائكة عن كونه مخلوقا لله والنصارى لم يصل كفرهم إلى هذا الحد وأما منافاة عدم المصاحبة للولد فظاهر أيضا لأن الولد إنما يتولد من أصلين فاعل ومحل قابل يتصلان اتصالا خاصا فينفصل من أحدهما جزء في الآخر يكون منه الولد فمن ليس له صاحبة كيف يكون له ولد ولذلك لما فهم عوام النصارى أن الابن يستلزم الصاحبة لم يستنكفوا من دعوى كون مريم آلهة وأنها والدة الإله عيسى فيقول عوامهم يا والدة الإله اغفري لي ويصرح بعضهم بأنها زوجة الرب ولا ريب أن القول بالإيلاد يستلزم ذلك أو إثبات إيلاد لا يعقل ولا يتوهم فخواص النصارى في حيرة وضلال وعوامهم لا يستنكفون أن يقولوا بالزوجة والإيلاد المعقول تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا والقوم في هذا المذهب الخبيث أضل خلق الله فهم كما وصفهم الله بأنهم ﴿قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وأضَلُّوا كَثِيرًا وضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ﴾.
الحجة الخامسة: وأما منافاة عموم علمه تعالى للولد فيحتاج إلى فهم خاص وتقريره أن يقال لو كان له ولد لعلمه لأنه بكل شيء عليم وهو تعالى لا يعلم له ولد فيستحيل أن يكون له ولد لا يعلمه وهذا استدلال بنفي علمه للشيء على نفيه في نفسه إذ لو كان لعلمه فحيث لم يعلمه فهو غير كائن ونظير هذا قوله تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهم ولا يَنْفَعُهُمْ﴾ الآية. فهذا نفي لما ادعوه من الشفعاء بنفي علم الرب تعالى بهم المستلزم لنفي المعلوم ولا يمكن أعداء الله المكابرة وأن يقولوا قد علم الله وجود ذلك لأنه تعالى إنما يعلم وجود ما أوجده وكونه ويعلم أنه سيوجد ما يريد إيجاده فهو يعلم نفسه وصفاته ويعلم مخلوقاته التي دخلت في الوجود وانقطعت والتي دخلت في الوجود وبقيت والتي لم توجد بعد وأما شيء آخر غير مخلوق له ولا مربوب فالرب تعالى لا يعلمه لأنه مستحيل في نفسه فهو يعلمه مستحيلا لا يعلمه واقعا إذ لو علمه واقعا لكان العلم به عين الجهل وذلك من أعظم المحال.
فهذه حجج الرب تبارك وتعالى على بطلان ما نسبه إليه أعداؤه والمفترون عليه فوازن بينها وبين حجج المتكلمين الطويلة العريضة التي هي كالضريع الذي لا يسمن ولا يغني من جوع فإذا وازنت بينهما ظهرت لك المفاضلة إن كنت بصيرا ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا فالحمد لله الذي أغنى عباده المؤمنين بكتابه وما أودعه من حججه وببيانه عن شقاشق المتكلمين وهذيانات المتهوكين فلقد عظمت نعمة الله تعالى على عبد أغناه بفهم كتابه عن الفقر إلى غيره ﴿أوَلَمْ يَكْفِهِمْ أنّا أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إنَّ في ذَلِكَ لَرَحْمَةً وذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.
{"ayahs_start":116,"ayahs":["وَقَالُوا۟ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدࣰاۗ سُبۡحَـٰنَهُۥۖ بَل لَّهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلࣱّ لَّهُۥ قَـٰنِتُونَ","بَدِیعُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَإِذَا قَضَىٰۤ أَمۡرࣰا فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ"],"ayah":"بَدِیعُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَإِذَا قَضَىٰۤ أَمۡرࣰا فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق