الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[١١٧ ] ﴿بَدِيعُ السَّماواتِ والأرْضِ وإذا قَضى أمْرًا فَإنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾
"بَدِيعُ السَّماواتِ والأرْضِ" أيْ مُبْدِعُهُما وخالِقُهُما عَلى غَيْرِ مِثالٍ سَبَقَ. وكُلُّ مَن فَعَلَ ما لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ يُقالُ لَهُ: أبْدَعْتَ. ولِهَذا قِيلَ لِمَن خالَفَ السُّنَّةَ والجَماعَةَ: مُبْتَدِعٌ، لِأنَّهُ يَأْتِي في دِينِ الإسْلامِ، ما لَمْ يَسْبِقْهُ إلَيْهِ الصَّحابَةُ والتّابِعُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم، وهَذِهِ الجُمْلَةُ حُجَّةٌ أُخْرى لِدَفْعِ تَشَبُّثِهِمْ في وِلادَةِ عِيسى بِلا أبٍ، وعِلْمِ عُزَيْرٍ بِالتَّوْراةِ بِلا تَعَلُّمٍ. وتَقْرِيرُ الحُجَّةِ: إنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ مُبْدِعُ الأشْياءِ كُلِّها. فَلا يَبْعُدُ أنْ يُوجِدَ أحَدًا بِلا أبٍ، أوْ يَعْلَمَ بِلا واسِطَةِ بَشَرٍ. وقالَ الرّاغِبُ: ذَكَرَ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ حُجَّةً رابِعَةً. شَرْحُها: إنَّ الأبَ هو عُنْصُرٌ لِلِابْنِ. مِنهُ تَكَوَّنَ. واللَّهُ مُبْدِعُ الأشْياءِ كُلِّها، فَلا يَكُونُ عُنْصُرًا لِلْوَلَدِ، فَمِنَ المُحالِ أنْ يَكُونَ المُنْفَعِلُ فاعِلًا. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذا قَضى أمْرًا فَإنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ أيْ: إذا أرادَ أمْرًا. والقَضاءُ إنْفاذُ المُقَدَّرِ. والمُقَدَّرُ ما حَدَّ مِن مُطْلَقِ المَعْلُومِ. قالَ الرّاغِبُ: القَضاءُ إتْمامُ الشَّيْءِ قَوْلًا أوْ فِعْلًا، فَمِنَ القَوْلِ آيَةُ: ﴿وقَضى رَبُّكَ ألا تَعْبُدُوا إلا إيّاهُ﴾ [الإسراء: ٢٣] (p-٢٣٥)﴿وقَضَيْنا إلى بَنِي إسْرائِيلَ في الكِتابِ﴾ [الإسراء: ٤] ومِنَ الفِعْلِ قَوْلُهُ: ﴿فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ في يَوْمَيْنِ﴾ [فصلت: ١٢] وقَضى فُلانٌ دَيْنَهُ، وقَضى نَحْبَهُ، وانْقَضى الأمْرُ. (ثُمَّ قالَ) ونَبَّهَ بِقَوْلِهِ "وإذا قَضى أمْرًا" عَلى حُجَّةٍ خامِسَةٍ وهو أنَّ الوَلَدَ يَكُونُ بِنُشُوءٍ وتَرْكِيبٍ، حالًا بَعْدَ حالٍ. وهو إذا أرادَ شَيْئًا، فَقَدْ فَعَلَ بِلا مُهْلَةٍ. ولَمْ يُرَدْ بِـ "إذا" حَقِيقَةُ الزَّمانِ، إذْ كانَ ذَلِكَ إشارَةً إلى ما قَبْلَ وُجُودِ الزَّمانِ. ولَمْ يُرَدْ أيْضًا بِـ "كُنْ" حَقِيقَةُ اللَّفْظِ، ولا بِالفاءِ التَّعْقِيبُ الزَّمانِيُّ. بَلِ اسْتُعِيرَ كُلُّ ذَلِكَ لِأنَّهُ أقْرَبُ ما يَتَراءى لَنا بِهِ سُرْعَةَ الفِعْلِ وتَمامَهُ، وذُكِرَ لَفْظُ القَضاءِ إذْ هو لِإتْمامِ الفِعْلِ، والأمْرُ لِكَوْنِهِ مُنْطَوِيًا عَلى اللَّفْظِ والفِعْلِ، والقَوْلُ إذْ هو أخَفُّ مُوجِدٍ مِنّا وأسْرَعُهُ إيجادًا، ولَفْظُ "كُنْ" لِعُمُومِ مَعْناهُ واخْتِصارِ لَفْظِهِ، ثُمَّ قالَ "فَيَكُونُ" تَنْبِيهًا لِأنَّهُ لا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ يُرِيدُ إيجادَهُ. و"كُنْ فَيَكُونُ" وإنْ كانَ مَخْرَجُها مَخْرَجَ شَيْئَيْنِ، أحَدُهُما مَبْنِيٌّ عَلى الآخَرِ، فَهو في الحَقِيقَةِ شَيْءٌ واحِدٌ. انْتَهى.
والَّذِينَ ذَهَبُوا إلى أنَّ المُرادَ بِـ "كُنْ" حَقِيقَةُ اللَّفْظِ، ورَدَّ عَلَيْهِمْ سُؤالٌ مَشْهُورٌ، وهو: إنَّ "كُنْ" لَفْظُ أمْرٍ، والأمْرُ لا يَكُونُ إلّا لِمَوْجُودٍ. فَبَعْضٌ أجابَ بِأنَّهُ أمْرٌ لِلشَّيْءِ في حالِ تَكَوُّنِهِ لا قَبْلَهُ ولا بَعْدَهُ. وبَعْضٌ قالَ: هو أمْرٌ لِمَعْلُومٍ لَهُ، وذَلِكَ في حُكْمِ المَوْجُودِ، وإنْ كانَ مَعْدُومَ الذّاتِ. وبَعْضٌ قالَ: هو أمْرٌ لِلْمَعْدُومِ. قالَ ويَصِحُّ أمْرُ المَعْدُومِ كَما يَصِحُّ أمْرُ المَوْجُودِ.
ولَهم أجْوِبَةٌ أكْثَرُ تَكَلُّفًا وتَمَحُّلًا.
(p-٢٣٦)وقَدْ سُئِلَ شَيْخُ الإسْلامِ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى عَنْ هَذا بِأنَّهُ إنْ كانَ المُخاطَبُ بِـ "كُنْ" مَوْجُودًا، فَتَحْصِيلُ الحاصِلِ مُحالٌ. وإنْ كانَ مَعْدُومًا، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ خِطابُ المَعْدُومِ ؟ فَأجابَ بِقَوْلِهِ: هَذِهِ المَسْألَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلى أصْلَيْنِ: أحَدِهِما: الفَرْقُ بَيْنَ خِطابِ التَّكْوِينِ الَّذِي لا يَطْلُبُ بِهِ سُبْحانَهُ فِعْلًا مِنَ المُخاطَبِ، بَلْ هو الَّذِي يُكَوِّنُ المُخاطَبَ بِهِ، ويَخْلُقُهُ بِدُونِ فِعْلٍ مِنَ المُخاطَبِ، أوْ قُدْرَةٍ أوْ إرادَةٍ أوْ وُجُودٍ لَهُ. وبَيَّنَ خِطابَ التَّكْلِيفِ الَّذِي يُطْلَبُ بِهِ مِنَ المَأْمُورِ فِعْلًا أوْ تَرْكًا يَفْعَلُهُ بِقُدْرَةٍ وإرادَةٍ. وإنْ كانَ ذَلِكَ جَمِيعُهُ بِحَوْلِ اللَّهِ وقُوَّتِهِ؛ إذْ لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللَّهِ؛ وهَذا الخِطابُ قَدْ تَنازَعَ فِيهِ النّاسُ. هَلْ يَصِحُّ أنْ يُخاطَبَ بِهِ المَعْدُومُ بِشَرْطِ وُجُودِهِ أمْ لا يَصِحُّ أنْ يُخاطَبَ بِهِ إلّا بَعْدَ وُجُودِهِ ؟ لا نِزاعَ بَيْنَهم أنَّهُ لا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الخِطابِ إلّا بَعْدَ وُجُودِهِ. وكَذَلِكَ تَنازَعُوا في الأوَّلِ هَلْ هو خِطابٌ حَقِيقِيٌّ ؟ أمْ هو عِبارَةٌ عَنْ الِاقْتِدارِ وسُرْعَةِ التَّكْوِينِ بِالقُدْرَةِ ؟ . والأوَّلُ هو المَشْهُورُ عِنْدَ المُنْتَسِبِينَ إلى السُّنَّةِ. والأصْلُ الثّانِي: أنَّ المَعْدُومَ في حالِ عَدَمِهِ، هَلْ هو شَيْءٌ أمْ لا ؟ فَإنَّهُ قَدْ ذَهَبَ طَوائِفُ مِن مُتَكَلِّمَةِ المُعْتَزِلَةِ والشِّيعَةِ إلى أنَّهُ شَيْءٌ في الخارِجِ وذاتٌ وعَيْنٌ، وزَعَمُوا أنَّ الماهِيّاتِ غَيْرُ مَجْعُولَةٍ ولا مَخْلُوقَةٍ، وأنَّ وُجُودَها زائِدٌ عَلى حَقِيقَتِها. وكَذَلِكَ ذَهَبَ إلى هَذا طَوائِفُ مِنَ المُتَفَلْسِفَةِ والِاتِّحادِيَّةِ وغَيْرِهِمْ مِنَ المَلاحِدَةِ. والَّذِي عَلَيْهِ جَماهِيرُ النّاسِ، وهو قَوْلُ مُتَكَلِّمَةِ أهْلِ الإثْباتِ والمُنْتَسِبِينَ إلى السُّنَّةِ والجَماعَةِ، إنَّهُ في الخارِجِ عَنِ الذِّهْنِ قَبْلَ وُجُودِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ أصْلًا ولا ذاتٍ ولا عَيْنٍ، وإنَّهُ لَيْسَ في الخارِجِ شَيْئانِ أحَدُهُما حَقِيقَةٌ، والآخَرُ وُجُودُهُ الزّائِدُ عَلى حَقِيقَتِهِ. فَإنَّ اللَّهَ أبْدَعَ الذَّواتَ الَّتِي هي الماهِيّاتُ. فَكُلُّ ما سِواهُ سُبْحانَهُ مَخْلُوقٌ ومَجْعُولٌ ومُبْدَعٌ ومَبْدُوءٌ لَهُ سُبْحانَهُ وتَعالى. ولَكِنْ في هَؤُلاءِ مَن يَقُولُ: المَعْدُومُ لَيْسَ بِشَيْءٍ أصْلًا، وإنَّ سُمِّيَ شَيْئًا بِاعْتِبارِ ثُبُوتِهِ في العِلْمِ، كانَ مَجازًا. ومِنهم مَن يَقُولُ: لا رَيْبَ أنَّ لَهُ ثُبُوتًا في العِلْمِ ووُجُودًا فِيهِ، فَهو بِاعْتِبارِ هَذا الثُّبُوتِ والوُجُودِ هو شَيْءٌ وذاتٌ. وهَؤُلاءِ لا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الوُجُودِ والثُّبُوتِ. كَما فَرَّقَ مَن قالَ: المَعْدُومُ شَيْءٌ. ولا يُفَرِّقُونَ في كَوْنِ المَعْدُومِ لَيْسَ بِشَيْءٍ بَيْنَ المُمْكِنِ والمُمْتَنِعِ، كَما فَرَّقَ أُولَئِكَ؛ إذْ قَدِ (p-٢٣٧)اتَّفَقُوا عَلى أنَّ المُمْتَنِعَ لَيْسَ بِشَيْءٍ وإنَّما النِّزاعُ في المُمْكِنِ. وعُمْدَةُ مَن جَعَلَهُ شَيْئًا، إنَّما هو لِأنَّهُ ثابِتٌ في العِلْمِ، وبِاعْتِبارِ ذَلِكَ صَحَّ أنْ يَخُصَّ بِالقَصْدِ والخَلْقِ والخَبَرِ عَنْهُ والأمْرِ بِهِ والنَّهْيِ عَنْهُ، وغَيْرِ ذَلِكَ. قالُوا: وهَذِهِ التَّخْصِيصاتُ تَمْتَنِعُ أنْ تَتَعَلَّقَ بِالعَدَمِ المَحْضِ. فَإنْ خُصَّ الفَرْقُ بَيْنَ الوُجُودِ الَّذِي هو الثُّبُوتُ العَيْنِيُّ، وبَيْنَ الوُجُودِ الَّذِي هو الثُّبُوتُ العِلْمِيُّ، زالَتِ الشُّبْهَةُ في هَذا البابِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إذا أرَدْناهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل: ٤٠] ذَلِكَ الشَّيْءُ هو مَعْلُومٌ قَبْلَ إبْداعِهِ وقَبْلَ تَوْجِيهِ هَذا الخِطابِ إلَيْهِ. وبِذَلِكَ كانَ مِقْدَرًا مَقْضِيًّا. فَإنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى يَقُولُ ويَكْتُبُ مِمّا يَعْلَمُهُ ما شاءَ. كَما قالَ النَّبِيُّ ﷺ في الحَدِيثِ الَّذِي رَواهُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ««كَتَبَ اللَّهُ مَقادِيرَ الخَلائِقِ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِخَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ» . قالَ: «وعَرْشُهُ عَلى الماءِ»» . وفي صَحِيحِ البُخارِيِّ عَنْ عِمْرانَ (p-٢٣٨)بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: ««كانَ اللَّهُ ولَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وكانَ عَرْشُهُ عَلى الماءِ، وكَتَبَ في الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ»» . وفي سُنَنِ أبِي داوُدَ وغَيْرِهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: ««إنَّ أوَّلَ ما خَلَقَ اللَّهُ القَلَمُ، فَقالَ لَهُ: اكْتُبْ قالَ: رَبِّ، وماذا أكْتُبُ ؟ قالَ: اكْتُبْ مَقادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتّى تَقُومَ السّاعَةُ»» . إلى أمْثالِ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ الَّتِي تُبَيِّنُ أنَّ المَخْلُوقَ قَبْلَ أنْ يُخْلَقَ كانَ مَعْلُومًا مُخْبَرًا عَنْهُ، مَكْتُوبًا، فَهو شَيْءٌ بِاعْتِبارِ وُجُودِهِ العِلْمِيِّ الكَلامِيِّ الكِتابِيِّ، وإنْ كانَتْ حَقِيقَتُهُ الَّتِي هي وُجُودُهُ العَيْنِيُّ لَيْسَ ثابِتًا في الخارِجِ. بَلْ هو عَدَمٌ مَحْضٌ ونَفْيٌ صِرْفٌ.
وهَذِهِ المَراتِبُ الأرْبَعَةُ المَشْهُورَةُ مَوْجُوداتٌ. وقَدْ ذَكَرَها اللَّهُ سُبْحانَهُ في أوَّلِ سُورَةٍ أنْزَلَها عَلى نَبِيِّهِ في قَوْلِهِ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: ١] ﴿خَلَقَ الإنْسانَ مِن عَلَقٍ﴾ [العلق: ٢] ﴿اقْرَأْ ورَبُّكَ الأكْرَمُ﴾ [العلق: ٣] ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ﴾ [العلق: ٤] ﴿عَلَّمَ الإنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: ٥] وقَدْ بَسَطْنا الكَلامَ في ذَلِكَ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ، وإذا كانَ كَذَلِكَ كانَ الخِطابُ مُوَجَّهًا إلى مَن تَوَجَّهَتْ إلَيْهِ الإرادَةُ، وتَعَلَّقَتْ بِهِ القُدْرَةُ، وخَلَقَ وكَوَّنَ كَما قالَ: ﴿إنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إذا أرَدْناهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل: ٤٠] فالَّذِي يُقالُ لَهُ "كُنْ" هو الَّذِي يُرادُ، وهو، حِينَ يُرادُ قَبْلَ أنْ يُخْلَقَ، لَهُ ثُبُوتٌ وتَمَيُّزٌ في العِلْمِ والتَّقْدِيرِ. ولَوْلا ذَلِكَ لَما تَمَيَّزَ المُرادُ المَخْلُوقُ مِن غَيْرِهِ، وبِهَذا يَحْصُلُ الجَوابُ عَنِ التَّقْسِيمِ. فَإنَّ قَوْلَ السّائِلِ: إنْ كانَ المُخاطَبُ مَوْجُودًا، فَتَحْصِيلُ الحاصِلِ مُحالٌ. يُقالُ لَهُ هَذا إذا كانَ مَوْجُودًا في الخارِجِ وُجُودَهُ الَّذِي هو وُجُودُهُ. ولا رَيْبَ أنَّ المَعْدُومَ لَيْسَ مَوْجُودًا، ولا هو في نَفْسِهِ ثابِتٌ. وأمّا ما عُلِمَ وأُرِيدَ وكانَ شَيْئًا في العِلْمِ والإرادَةِ والتَّقْدِيرِ فَلَيْسَ وُجُودُهُ في الخارِجِ مُحالًا، بَلْ (p-٢٣٩)جَمِيعُ المَخْلُوقاتِ لا تُوجَدُ إلّا بَعْدَ وُجُودِها في العِلْمِ والإرادَةِ.
وقَوْلُ السّائِلِ: إنْ كانَ مَعْدُومًا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ خِطابُ المَعْدُومِ ؟ يُقالُ لَهُ: أمّا إذا قَصَدَ أنْ يُخاطِبَ المَعْدُومَ بِخِطابٍ يَفْهَمُهُ ويَمْتَثِلُهُ فَهَذا مُحالٌ، إذْ مِن شَرْطِ المُخاطَبِ أنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ الفَهْمِ والفِعْلِ. والمَعْدُومُ لا يُتَصَوَّرُ أنْ يَفْهَمَ ويَفْعَلَ. فَيَمْتَنِعُ خِطابُ التَّكْلِيفِ لَهُ حالَ عَدَمِهِ بِمَعْنى أنَّهُ مَطْلُوبٌ مِنهُ حِينَ عَدَمِهِ أنْ يَفْهَمَ ويَفْعَلَ، ولِذَلِكَ أيْضًا يَمْتَنِعُ أنْ يُخاطَبَ المَعْدُومُ في الخارِجِ خِطابَ تَكْوِينٍ. بِمَعْنى أنْ يَعْتَقِدَ أنَّهُ شَيْءٌ ثابِتٌ في الخارِجِ وأنَّهُ يُخاطَبُ بِأنْ يَكُونَ. وأمّا الشَّيْءُ المَعْلُومُ المَذْكُورُ المَكْتُوبُ إذا كانَ تَوْجِيهُ خِطابِ التَّكْوِينِ إلَيْهِ مِثْلَ تَوْجِيهِ الإرادَةِ إلَيْهِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ مُحالًا. بَلْ هو أمْرٌ مُمْكِنٌ. بَلْ مِثْلُ ذَلِكَ يَجِدُهُ الإنْسانُ في نَفْسِهِ؛ فَيُقَدِّرُ أمْرًا في نَفْسِهِ يُرِيدُ أنْ يَفْعَلَهُ وبِوَجْهِ إرادَتِهِ وطَلَبِهِ إلى ذَلِكَ المُرادِ المَطْلُوبِ، الَّذِي قَدَّرَهُ في نَفْسِهِ، ويَكُونُ حُصُولُ المُرادِ المَطْلُوبِ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ. فَإنْ كانَ قادِرًا عَلى حُصُولِهِ حَصَلَ مَعَ الإرادَةِ والطَّلَبِ الجازِمِ. وإنْ كانَ عاجِزًا، لَمْ يَحْصُلْ. وقَدْ يَقُولُ الإنْسانُ: لِيَكُنْ كَذا ونَحْوَ ذَلِكَ مِن صِيَغِ الطَّلَبِ. فَيَكُونُ المَطْلُوبُ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ. واللَّهُ سُبْحانَهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وما شاءَ كانَ وما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَإنَّ أمْرَهُ إذا أرادَ شَيْئًا أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. انْتَهى.
{"ayah":"بَدِیعُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَإِذَا قَضَىٰۤ أَمۡرࣰا فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق