الباحث القرآني
قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة 115] ﴿لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ اللام هذه للملك والاختصاص، يعني: أن الله تعالى مالك المشرق والمغرب، وما الدنيا كلها إلا مشرق ومغرب، إذن فالله تعالى مالك لكل شيء، المشرق مكان الشروق أو زمانه؟ مكانه، والمغرب كذلك مكانه، وقد وردت المشرق والمغرب في القرآن على ثلاثة أوجه: مفردة، ومثناة، وجمع، فهنا قال: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾، وفي آية أخرى قال: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾ [الشعراء 28] وفي آية ثانية قال: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ [الرحمن 17]
وفي ثالثة: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ [المعارج 40]
فكيف نجمع بين هذه الأوجه الثلاثة؟ نقول: أما المشرق فلا ينافي المشارق ولا المشرقين، لماذا؟ لأنه مفرد محلى بأل، فهو للجنس الشامل الواحد والمتعدد، وأما ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ و﴿رَبُّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ فالجمع بينهما إما أن يقال: إنه جُمع المشارق والمغارب باعتبار الشارق والغارب؛ لأن الشارق والغارب واجد ويش (...) غير الشمس؟ القمر والنجوم ومن يحصي النجوم؟ وثُنِّي باعتبار مشرق الشتاء ومشرق الصيف، فمشرق الشتاء تكون الشمس في أقصى الجنوب، والصيف في أقصى الشمال وبينهما مسافات عظيمة ما يعلمها إلا الله، شوف المسافة من مشرقها في الشتاء إلى مشرقها في أيام الصيف مسافة عظيمة يعني كبر الأرض يمكن آلاف الآلاف، فهي ثنيت بهذا الاعتبار، ثم إنكم لاحظوا أن سورة الرحمن أكثر ما فيها بصيغة التثنية، أو لا؟ فلذلك كان من المناسب اللفظي أن يذكر المشرق و المغرب بصيغة التثنية، أما عند العظمة ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ﴾ [المعارج 40، 41].
ويش جاء بصيغة؟ بصيغة الجمع؛ لأن الجمع أدل على التعظيم من المثنى؛ لأن المثنى نص في دلالته على الحصر، طيب ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ أي: مشرق كل شارق، ومغرب كل غارب.
﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ نشوف (أين) ويش إعرابها؟ (أين) أظن أننا نعلم أنها؟
* طالب: ظرف.
* الشيخ: لا، هي ظرف، لكنها أخص من ذلك شرطية، أين شرطية، وما زائدة و﴿تُوَلُّوا﴾ الفعل هذا فعل الشرط، و﴿تُوَلُّوا﴾ هي مضارع ولَّا ماضي ولَّا أمر؟
* طالب: مضارع.
* الشيخ: ويش الدليل أنها مضارع؟
* طالب: أنه مجزوم، محلها محل جزم.
* الشيخ: هل تقول: تولون؟ نعم في القرآن: ﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾ [غافر 33] فإذن تولوا فعل مضارع مجزوم بأداة الشرط، وعلامة جزمه حذف الواو والنون فاعل؟
* طالب: حذف النون؟
* الشيخ: نعم، حذف النون، والواو فاعل.
طيب، وقوله: ﴿فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ الفاء هي رابطة لجواب الشرط، و﴿ثَمَّ﴾ اسم إشارة، وهو ظرف، لكنه اسم إشارة يشار به للبعيد، وهو متعلق بمحذوف خبر مقدم، ﴿وَجْهُ﴾ مبتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ وخبره في محل جزم جواب الشرط، انتهينا الآن من الإعراب.
ما معنى ﴿تُوَلُّوا﴾؟ ﴿تُوَلُّوا﴾ تتجهوا، وقوله: ﴿فَثَمَّ﴾ أي: فهناك، والإشارة إلى الجهة التي توليت إليها.
وقوله: ﴿وَجْهُ اللَّهِ﴾ اختلف فيه المفسرون من السلف والخلف، فقال بعضهم: المراد به وجه الله الحقيقي، وقال بعض العلماء: المراد به الجهة، فوجه بمعنى جهة، أي ففي المكان الذي اتجهتم به جهة الله عز وجل؛ وذلك لأن الله محيط بكل شيء، محيط بكل شيء، ففيها للعلماء قولان، ولكن الراجح أن المراد به الوجه الحقيقي؛ لأن ذلك هو الأصل وليس هناك ما يمنعه، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن الله تعالى قبل وجه المصلي[[لحديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعًا: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى». متفق عليه؛ البخاري (406)، ومسلم (547 / 50).]] والمصلون إلى أين يتجهون؟ أحد إلى الشرق، واحد إلى الغرب، واحد إلى الشمال، واحد إلى الجنوب، حسب مكانه، فأهل اليمن يتجهون إلى الشمال وأهل الشام إلى الجنوب وأهل نجد إلى الغرب، وأهل مصر إلى الشرق واضح؟ وكل يتجه جهة، لكن هذا الاتجاه الذي يجمعهم القبلة وكل يتجه إلى وجه الله، فعلى هذا يقول الله عز وجل معنى الآية: أنكم مهما توجهتم في صلاتكم، فإنكم تتجهون إلى الله، سواء إلى المشرق أو إلى المغرب أو إلى الجنوب أو إلى الشمال، أفهمتم؟ ونحو منه ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة 177].
الشيخ: ولكن ما معناه؟ بديع بمعنى؟
* الطالب: فاعل يعني فعيل.
* الشيخ: فعيل بمعنى؟
* الطالب: بمعنى مفعول؛ يعني بديع بمعنى (مبدوع).
* الشيخ: لا.
* الطالب: بمعنى مبدع.
* الشيخ: بمعنى مبدع (فَعِيل بمعنى مُفْعِل). طيب لها نظير في اللغة العربية.
* الطالب: لها نظير فعيل.
* الشيخ: مثل.
* الطالب: مثل قول الشاعر، ما أنا بحافظه.
* طالب آخر: قتيل.
* الشيخ: لا؛ لأن قتيل بمعنى مقتول.
* طالب: رحيم.
* الشيخ: لا.
* الطالب: أليم بمعنى مؤلم.
* الشيخ: أليم بمعنى مؤلم.
* الطالب: سميع.
* الشيخ: سميع بمعنى مسمع، صح.
* طالب: سميع بمعنى سامع؟
* الشيخ: لا، بمعنى مسمع، وعليه قول الشاعر، سميع بمعنى مُسمع.
* الطالب:
؎أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ∗∗∗ يُؤَرِّقُنِي وَأَصْحَابِــــــــــي هُجُـــــــــــوعُ
* الشيخ: أمِن ريحانة الداعي السميع، يعني: المسمع.
يؤرقني وأصحابي هجوع. السميع بمعنى الْمُسمِع. و﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ بمعنى مبدعهما على غير مثال، موجدهما على غير مثال سبق.
الغرض من هذه الجملة، وأيش الغرض من قوله: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؟ من يعرف؟
الرد على من قالوا: إن الله اتخذ ولدًا؛ يعني إن اللي قادر على إبداع السماوات والأرض قادر على أن يخلق ولدًا بدون أب؛ لأن النصارى قالوا: المسيح ابن الله وأين أبوه؟ جاء من أم فأين أبوه؟ قالوا: أبوه الله، الملائكة من أين جاءت؟ قالوا: بنات الله، فالله قال: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يعني: والقادر على بدع السماوات والأرض قادر على أن يخلق بشرًا بدون أب.
قوله: ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران ٤٧]، وأيش معنى إذا قضى؟
* الطالب: إذا أراد قضاءها.
* الشيخ: إذا أراد قضاءها. هل يأتي الفعل بمعنى إرادته؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: مثل؟
* الطالب: إذا قام إلى الصلاة.
* الشيخ: أبغي من القرآن؟
* الطالب: قوله: ﴿إِذَا قُمْتُمْ﴾.
* الشيخ: فاغسلوا؟ نعم، وقوله: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [النحل ٩٨] أي أردت قراءته.
ما الدليل على تأويل قضى بمعنى أراد؟ ما هو الدليل على أن قضى بمعنى أراد أن يقضي؟
* طالب: (...).
* الشيخ: بدليل من القرآن؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضًا، ونجد لكم الآية من القرآن الدليل؟
* طالب: يعني هذا من غير الآية.
* الشيخ: من غير الآية هذه؟
* طالب: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء ٢٣]؟
* الشيخ: لا، آفة العلم النسيان، الله أكبر! ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢].
على أني قلت لكم: يصلح أن نجعل قضى ليس بمعنى أراد، بل بمعنى فعل شيئًا، فإنما يقول له عند فعله: كن فيكون، يعني أنه إذا قضى شيئًا فإن ذلك ليس أمرًا شاقًّا عليه، ليس لقضائه إلا أن يقول: كن فيكون.
في قوله: ﴿فَيَكُونُ﴾ قراءتان، هما ﴿فَيَكُونُ﴾ فيها قراءتان؟
* الطالب: ما ذكرناه.
* الشيخ: ما ذكرناه؟
* الطالب: فيه النصب، ﴿فَيَكُونَ﴾ جوابًا للأمر أو على تقدير فعل شرط محذوف؟
* الشيخ: فهو يكون.
* الطالب: والثاني ﴿فَيَكُونُ﴾ على الرفع.
* الشيخ: أي على تقدير الاستئناف، أي فهو يكون.
فيها قراءتان: النصب ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونَ﴾ والقراءة الثانية: ﴿فَيَكُونُ﴾ فعلى قراءة النصب تكون جوابًا للأمر، كن فبسبب ذلك يكون، تكون الفاء للسببية، وعلى قراءة الرفع تكون على الاستئناف؛ أي فهو يكون، إذا قال له: كن فإنه يكون، كن هذه تامة ولَّا ناقصة؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: تامة، وأيش السبب؟ أو لأن التمام أحسن من النقص؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: عجيب صحيح؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: إذن نكمل الآية.
﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا﴾ هنا القضاء كوني أو شرعي؟ نقول: إنه كوني، القضاء كوني، وقضى يحتمل أنها بمعنى أراد أن يقضي كما يدل على ذلك قوله: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢] ﴿إِذَا أَرَادَ شَيْئًا﴾ ما قال: إذا قضى شيئًا، قال: ﴿إِذَا أَرَادَ﴾، والفعل يُطلق على إرادته المقارنِة مثل قوله؟ ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ و﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ﴾ [المائدة ٦]، وكان النبي ﷺ إذا دخل الخلاء قال: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٤٢)، ومسلم (٣٧٥ / ١٢٢) من حديث أنس بن مالك.]] أي إذا أراد دخوله. وقوله: ﴿أَمْرًا﴾ أمرًا واحد الأوامر، أو واحد الأمور؟
* طالب: واحد الأمور.
* الشيخ: واحد الأمور؛ يعني الشؤون، أي إذا قضى شأنًا من شؤونه سبحانه وتعالى فإن ذلك لا يصعب عليه ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، كلمة واحدة (كن) بدون تكرار، فيكون، يكون على ما أراد الله سبحانه وتعالى.
وقوله: ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ﴾ (إنما) هذه أداة حصر، أي: ما يقول له إلا كن، وكن هنا تامة؛ أي: احدِث، يعني (حَدَث يَحدِث احْدِث)، فهي تامة. ﴿فَيَكُونُ﴾ أيضًا تامة أي فيكون، أي فيحدث كما أمره الله سبحانه وتعالى، والغرض من هذه الجملة أيضًا إثبات أن عيسى عليه الصلاة والسلام ليس بابن لله؛ لأنه كان بأي شيء؟ بازدواج بين مريم وبين الله جل وعلا؟ كلا، ولكن بالكلمة: كن، قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ﴾ [آل عمران ٥٩] آدم خُلق من غير أب ولا أم؛ ﴿خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ﴾ أي كن بشرًا فكان، فالذي قدر على أن يخلق آدم بدون أب ولا أم يكون أقدر على أن يخلق بشرًا بدون أب من أم بلا أب.
وقوله سبحانه وتعالى: ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ انظر إذا أردتم مثالًا لذلك فاقرؤوا قول الله تعالى: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ [النازعات ١٣، ١٤]. زجرة واحدة يزجر بها الخلائق كل الخلائق التي أُعدمت وفنيت منذ خلقها الله إلى يوم القيامة يزجرها الله مرة واحدة على أن تقوم حية فتقوم. شوف ﴿فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ (إذا) فجائية كما تعرفون، والفجائية تدل على المباشرة والتعقيب. ﴿فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ هؤلاء الخلق من يحصيهم؟
* طالب: ما يحصيهم إلا خالقهم.
* الشيخ: ما يحصيهم إلا اللي خلقهم على اختلاف أصنافهم وأشكالهم وكِبَرهم وصغرهم بكلمة واحدة، سبحان الله العظيم! إذا هم بالساهرة على ظهر الأرض، هذا دليل على كمال قدرته جل وعلا وسلطانه وعزته، وأنه إذا أراد شيئًا لا يمتنع عليه، يقول له: كن فيكون، فكيف تقولون من أين يأتي عيسى؟ من أين تأتي الملائكة؟ بهذا يكون الآية فيها دليل على إبطال هذا القول من عدة أوجه:
أولًا: ﴿سُبْحَانَهُ﴾.
ثانيًا: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
وثالثًا: ﴿كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾. ورابعًا: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾. وأيش بعد؟
وخامسًا: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ خمسة أوجه كلها تدل على بطلان دعوى هؤلاء الذين يقولون: إن الله اتخذ ولدًا بحجة أن هذا أمر لن يكون إلا أن يكون ولدًا لله. ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾.
* الطالب: فيه أشياء مثل أشياء مخلوقات ما خلقها بكن، مثل السماوات والأرض والأشياء اللي ما خلقها بكن، هل هي فقط والباقي يقول للشيء: كن؟
* الشيخ: من قال أنها ما خلقت بغير كن؟
* الطالب: بس في ستة أيام؟
* الشيخ: طيب، ستة أيام هي تتكون شيئًا فشيئًا، انتهت في ستة أيام، كل شيء يتكون لا بد أن يكون قد قيل له: كن.
* الطالب: (...) سوى آدم؟
* الشيخ: كل شيء، خلقه من تراب، ثم قال له: كن فيكون، الآية ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا﴾ وكل الكون مراده.
* الطالب: بس خلقه بيده؟
* الشيخ: (...) بيده، وقال له: كن، فكان.
* الطالب: خلقت بيدِي جعل الخلق بيدي أو بيديَّ (...)؟
* الشيخ: صحيح، لكن مع كونه مخلوقًا باليد هو بالكلمة أيضًا، ثم قال له: كن فيكون.
* الطالب: تعقيب فيكون يدل على وجوده (...) الآن؟
* الشيخ: نعم، أصل الخلق الآن، تكوين آدم بيد الله عز وجل، لا شك أن الله أراده، إنما نعم القول قد لا يقول له كن إلا بعد أن أتم خلقه بيده، ما قال له: كن إلا بعد أن أتم خلقه بيده، فيكون الخلق والتكوين باليد بدون أن يقال له شيء. فيكون كونه إنسانًا بشرًا بقول: كن.
* الطالب: طيب ما فيه شيء (...)؟
* الشيخ: ما أعرف شيء.
* الطالب: الله سبحانه وتعالى كتب التوراة والزبور بيده، ثم قال (كن)؟
* الشيخ: المسائل الشرعية ما يقال لها (كن) حتى القرآن كله ما قال (كن)، القرآن تكلم به ونزل به جبريل، كلماته ما هو يقول هي نفسها كلمات.
* الطالب: أيضًا الكتابة.
* الشيخ: الكتابة من كلماته؟ ولهذا تعتبر التوراة من كلمات الله.
* الطالب: شيخ، فيه فرق بين يتكون ويكون، يتكون شيئًا فشيئًا، لكن يكون الله بعد التعقيب بالفاء إنه يكون فعلًا؟
* الشيخ: إذا أراد، كل شيء اللي يريده فيقول: كن، مثلًا هذا الذي يتكون الجنين، أراد الله تعالى أن يكون نطفة فكان، قال: كن نطفة فكان، ثم علقة، ثم إلى آخره، ثم بعد ذلك أنشأناه خلقًا آخر، كل شيء فإنه مراد الله سواء كان متطورًا أو حادثًا فجأة، ولا أعرف في هذا أن شيئًا يحدث فجأة هكذا إلا بتطور؛ لأن من سُنة الله تعالى التطوير في الشرع وفي القدر، كل شيء لا بد أن يكون له تدريج حتى يتم وينتهي، وعندنا الآن عموم ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا﴾ [آل عمران ٤٧] وكل أمر فهو مقضي له.
﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ هذا ما يمكن يخرج من هذا العموم إلا شيء نعلم علم اليقين أنه خرج منه، وصحيح أن آدم، خَلْقُ الله تعالى له باليد ما نستطيع أن نقول: إن الله تعالى كلما أراد أن يخلق شيئًا منه يقول له: كن، ما نستطيع هذا، قد يكون الله سبحانه وتعالى بإرادته أنشأه بيده على ما يريد، ثم قال له: كن، أي كن بشرًا سويًّا، وأما حديث: «أَجْعَلُ مَنْ خَلَقْتُهُ بِيَدَيَّ كَمَنْ خَلَقْتُهُ بِكَلِمَتِي»[[أخرجه البيهقي في الشعب (١٤٧) من حديث جابر بن عبد الله.]] هذا يجب أن ينظر فيه، فلا أدري عن صحته، إن شاء الله تحققوه لنا.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ﴾ [البقرة ١١٨] هؤلاء المكذبون للرسل، والمراد بهم من في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام بدليل قوله: ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ الذين لا يعلمون هم الذين في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، قالوا: ﴿لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ﴾ فاقترحوا على النبي عليه الصلاة والسلام أشياء جاء النبي عليه الصلاة والسلام بأعظم منها، ومع ذلك ما آمنوا بها، فدل هذا على أن اقتراحهم إنما هو تعنت وعناد، وليس لقصد الوصول إلى الحق؛ لأن الرسول ﷺ جاء بأعظم مما اقترحوه، ﴿قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ﴾. هل يلزم انتفاء صدق الرسول عليه الصلاة والسلام لانتفاء الآية التي طلبوا وهو تكليم الله لهم؟
* الطلبة: لا، لا يلزم.
* الشيخ: لا يلزم؛ لأن الثابت لا يتعين بدليل واحد؛ بمعنى أن الأشياء قد يكون لها أدلة متعددة، فثبوت رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام لا تتوقف على هذه الآيات التي اقترحوها ما دام أنه قد أتى بآيات أقوى منها، ولهذا من القواعد المقررة انتفاء الدليل المعين لا يستلزم انتفاء المدلول، لماذا؟ لأن المدلول له أدلة متعددة، إذا قدَّرنا أنه لم يثبت بهذا الدليل فقد ثبت بدليل آخر، إبراهيم لما جادله الذي قال: أنا أحيي وأميت جاء بدليل آخر ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾ [البقرة ٢٥٨]، المهم أن الذين قالوا: لولا يكلمنا الله، نقول: تكليم الله سبحانه وتعالى لكم لا يستلزم وجوده صِدْقَ الرسول عليه الصلاة والسلام ولا انتفاؤه عدم صدقه لوجود آيات وأدلة أقوى مما زعمتم، فكونكم تقولون: لا بد تجيئنا ها الآية ،هذا غير مُسلَّم ما دام وجد آيات دالة على صدقه، فطلبكم هذه الآية المعينة هذا تعنت، مثل ما لو طلبت من إنسان الحاجة وجابها لك، وقلت: لا، أنا ما أبي إلا من فلان وهي نفس الحاجة، وأيش معنى هذا؟
* طالب: التعنت.
* الشيخ: معنى هذا التعنت، مطلوبك حصل، أما كونك تتعنت بكذا وكذا بدون سبب، وهؤلاء بدون سبب؛ لأن تكليم الله لهم لا يريدون بذلك تشريف الله لهم بالكلام، ما يريدون هذا، لو أرادوا هذا لقلنا: إنه طلب معقول، لكن ماذا يريدون به؟
* طالب: التعجيز.
* الشيخ: يريدون به إثبات رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام، يقولون: إن كنت صادق خلي الله يكلمنا، عرفتم ولَّا لا؟ أنا أقول الآن: لو كانوا طلبوا أن يكلمهم الله تشريفًا لهم لكان طلبهم معقولًا، لكن هم طلبوا أن يكلمهم الله لتثبت بذلك رسالة الرسول ﷺ.
نقول: هذه الدعوى منكم تعنت؛ إذ إن الرسول ﷺ أتى بأمر أعظم من هذا، كذلك قالوا: ﴿أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ﴾ سبحان الله! ﴿أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ﴾؟ كأنهم ما جاءهم آية على صدق الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا من الجحود، فالأول تعنت، والثاني جحود، الأول: تعنت كونهم يقترفون شيئًا معينًا، يقولوا: نجيبوه ولَّا ما نؤمن، والثاني: جحود وإنكار أو تأتينا آية؛ لأن ما فيه شك أنه جاءتهم آيات عظيمة، أكبر آية جاءتهم هذا القرآن، قال لهم الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ [البقرة ٢٣]. ائتوا بسورة من مثله، قدروا؟
* الطلبة: لا يا شيخ.
* الشيخ: إذن، القرآن من محمد ﷺ؟ لا، لو كان من محمد استطاعوا أن يأتوا بمثله؛ لأنهم مثله، وإن كان هو أفصحهم بسبب ما نزل عليه من الوحي؛ إذن ﴿أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ﴾ نقول: هذا الاقتراح الأخير لا شك أنه جحود وإنكار، لماذا؟
* طالب: لأنه قد أتتهم آية.
* الشيخ: لأنه قد أتتهم آية بل آيات. قال الله عز وجل: ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾ [البقرة ١١٨]. (كذلك) أي مثل هذا القول قال الذين من قبلهم، وعلى هذا يكون ﴿مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾ توكيدًا لقوله: ﴿كَذَلِكَ﴾ أي: مثل هذا القول قالوه واقترحوه من قبلهم، قوم موسى قالوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة ٥٥]. وإلا ما نؤمن، ورينا الله عيانًا وإلا ما نؤمن لك، فهذه دأب المكذبين للرسل، ينكرون ويقترحون، وقد أوتوا من الآيات بأعظم مما اقترحوه، قال الله عز وجل: ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾، والغرض من قوله: ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾ الغرض من هذا تسلية الرسول عليه الصلاة والسلام، ولَّا لا؟
* الطلبة: إي نعم.
* الشيخ: لأن الإنسان المصاب إذا رأى أن غيره أصيب فإنه يتسلى بذلك، وهذا أمر معلوم، ولَّا لا؟ افرض مثلًا أن لصوصًا هجموا على بيوت فسرقوا من إنسان مئة ريال، طبعًا بيحزن، لكن لما أصبح قال الثاني: سُرق مني مئتين، وأيش يصير؟
* طالب: .. سهلة.
* الشيخ: تهون عليه، تهون عليه كثيرًا، الخنساء لما مات أخوها صخر قالت:
؎وَلَوْلَا كَثْرَةُ الْبَاكِينَ حَوْلِــــــــــــــي ∗∗∗ عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي ؎وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِنْ ∗∗∗ أُسَلِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّــــــــي
والله تعالى يسلِّي رسوله عليه الصلاة والسلام بأن هذا القول الذي قيل لك قد قيل لمن قبلك ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾. قال الله عز وجل: ﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ شوف، الأولون والآخرون قلوبهم متشابهة في رد الحق وإبطاله والعناد والتعنت والجحود من أول ما بُعثت الرسل إلى خاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام، بل وإلى يوم القيامة، القلوب قلوب أهل الكفر والعياذ بالله والعناد متشابهة، إنما يختلف الأسلوب، الموضوع واحد، لكن الأسلوب يختلف، قد يقترح هؤلاء شيئًا وهؤلاء شيئًا، لكن الكلام على جنس الاقتراح وعدم القبول ﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾، ولهذا قال: ﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ شوف القول يقول: ﴿مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾، والقلوب يقول: ﴿تَشَابَهَتْ﴾، فهل معنى ذلك أن المشابهة هي المماثلة ولَّا لا؟ اللي إحنا قررنا فيما سبق أن المشابهة ليست كالمماثلة؛ لأن المشابهة معناها المقاربة، والمماثلة هي المساواة ولَّا لا؟
* الطلبة: إي نعم.
* الشيخ: ولا ريب أن القلوب تتشابه، وإن تطابقت الأقوال؛ إذ قد يكون في قلوب هؤلاء ما ليس في قلوب هؤلاء من شدة الكفر والعناد، ولكن الأقوال تكون متطابقة.
قال الله تعالى: ﴿قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ بيّنا بمعنى أظهرنا؛ لأن (بان) بمعنى ظهر، و(بيَّن) بمعنى أظهر. وقوله: ﴿الْآيَاتِ﴾ جمع آية وهي العلامة المعيِّنة لمدلولها، كل علامة تُعيِّن مدلولها تُسمى آية؛ فالآيات المعيِّنة لمن هي آية له تسمى آية، فآيات الله تعالى هي العلامات الدالة عليه؛ أي: المعيِّنة له سبحانه وتعالى، وقد ذكر أهل العلم أنها تنقسم إلى قسمين: آيات شرعية وآيات كونية؛ فالآيات الشرعية ما جاءت به الرسل من الوحي وكانت آيات؛ لأنه لا يوجد لها نظير في صدق الأخبار وحسن القَصص وعدل الأحكام، آيات الله الشرعية ليس لها نظير من كلام البشر في هذه الأمور الثلاثة، وهي: صدق الأخبار، وحسن القصص؛ يعني جميع القصص اللي في القرآن (...) كلها قصص نافعة وعبر عظيمة، والثالث: وعدل الأحكام، لا يوجد لها نظير أبدًا، مهما وجدتَ مثلًا من النظم والقوانين والْمُثل السائرة وغير السائرة ما يمكن تجد مثل هذا القرآن؛ إذن فهو آية من آيات الله.
كذلك الآيات الكونية وظهورها أعظم وأبين؛ لأنه يمكنك أن تحاج بها عقليًّا من ينكر الله ولَّا لا، مثل ؟
* طالب: الليل والنهار، والشمس والقمر.
* الشيخ: إي نعم، مثل السماوات والأرض والشمس والقمر والليل والنهار وكل شيء.
؎وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ∗∗∗ تَدُلُّ عَلَى أَنَّــــــــــــهُ وَاحِدُ
فهي آيات، هذه الآيات يا جماعة يقول الله إنه قد بينها، لكن لمن؟ ﴿لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ الموقِن تبيَّنت له الآيات وعرفها، والشاك ما تتبين، الشاك ما تتبين -والعياذ بالله- وربما تنطمس، وربما تنطمس عليه الأمور، ويكون بعد الشك إلى مرحلة الإنكار؛ لأن الشك -كما تعرفون- مرحلة بين مرحلتين؛ بين الإقرار والإنكار، فقد يكون مع الشك والعياذ بالله يصل إلى حد الإنكار، والشك لا يكفي في الإيمان، وفي هذه الآية: ﴿قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ﴾ دليل على أن الله قد أقام الحجة، وعلى أن الآيات ما تنفع كل أحد إنما تنفع من أيقن، أما من شك فإنها لا تنفعه الآيات، لو هو شاك ﴿وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس ١٠١].
* طالب: شيخ، هذا القول قول يهود المدينة أن السورة مدنية؟
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: الذين قالوا بأن السورة مدنية.
* الشيخ: لا هي عامة، يعني ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ عامة، و(قال): فعل ماضٍ تشمل الموجود في زمن نزول الآية والذي قبله.
* الطالب: (...) هو فلق القمر، انشقاق القمر، (...) فهل..؟
* الشيخ: لا، العلماء قالوا: إنهم طلبوا آية غير معينة.
* الطالب: أجيبوا؟
* الشيخ: إيه، أجيبوا بهذه الآية، والذي يهلكون إذا اقترحوا فأجيبوا، إذا طلبوا آية معينة وأجيبوا لها فإنهم يهلكون.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ [البقرة ١١٩] يعني معناه: أن هؤلاء الذين يقولون: ﴿لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ﴾ يُرد عليهم بهذه الآية: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ﴾ وإن للتوكيد، أين اسمها؟
* طالب: (...).
* طالب آخر: اسمها الضمير.
* الشيخ: وأين الضمير؟
* الطالب: نحن.
* الشيخ: وأين نحن؟
* طالب: (نا) يا شيخ.
* الشيخ: اسمها (نا)، لكنها حُذفت النون فقط لتوالي الأمثال مع أنها أحيانًا لا تحذف (إننا)، ﴿وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ﴾ [هود ٦٢]، لكن ما تقول اسمها الألف بأني أخشى أن أحدكم يقول: اسمها الألف؛ إذ إن الألف لا تكون ضميرًا إلا إذا اتصلت بالفعل، مثل: قال، وقام، وما أشبه ذلك.
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾ أرسلناك لمن؟ حذف المرسل إليهم لإفادة العموم؛ لأن النبي ﷺ مرسَل إلى جميع الخلق وغيره من الرسل إلى مَنْ؟
* الطلبة: إلى قومه خاصة.
* الشيخ: إلى قومهم خاصة، أما الرسول ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ﴾.
وقوله: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾ الباء هنا للمصاحبة والملابسة، يعني أرسلناك متلبسًا بالحق، أو أن المعنى حاملًا الحق بهذه الرسالة؛ يعني أن الآية تحتمل معنيين؛ أحدهما: أن إرسالك حق. والثاني: أن ما أرسلت به حق، فهمتم الفرق بين المعنيين؟
والمعنيان ثابتان، الرسول عليه الصلاة والسلام رسالته حق، وعليه فالباء للملابسة، والرسول عليه الصلاة والسلام ما أرسل به فهو حق، وعلى هذا فالباء للمصاحبة، يعني رسالتك مصحوبة بالحق؛ لأن ما جئت به حق، والحق قلنا: إنه ضد الباطل، وهو الثابت المستقر، فإن أضيف إلى الأخبار فالمراد به الصدق، وإن أضيف إلى الأحكام فالمراد به العدل، ما جاء به الرسول صلى الله عليه سلم فهو حق في أخباره وفي أحكامه ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام ١١٥] الظاهر أنه لا يخفى على الجميع أن الحق مقبول ومطلوب من كل نفس، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: إذا كان هكذا، فمن رامَ الحقَّ وجده، ومن أعرض عنه إلى الباطل عوقب بحرمانه، فهمتم؟
﴿بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ اللهم صلِّ وسلم عليه ﴿بَشِيرًا﴾ حال من أين؟
* طالب: من الكاف في ﴿أَرْسَلْنَاكَ﴾.
* الشيخ: من الكاف في ﴿أَرْسَلْنَاكَ﴾ اللي هي المفعول. و﴿وَنَذِيرًا﴾: حال أخرى بواسطة حرف العطف، فجمع الله له بين كونه مبشِّرًا منذرًا؛ لأن ما جاء به أمر ونهي، المناسب للأمر البَشارة، وللنهي الإنذار، فعليه تكون رسالة النبي عليه الصلاة والسلام جامعة بين البُشرى وبين الإنذار، فمن الذي يُبشر بها؟ ومن الذي يُنذَر بها؟
بينه الله تعالى في عدة آيات؛ في سورة الكهف: ﴿لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا﴾ [الكهف ٢]، وكذلك قال: ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾ [مريم ٩٧].
إذن فالرسول ﷺ مبشِّر للمتقين الذين يعملون الصالحات، ومنذر لِلُّدِّ جمع (ألدّ)، وهو الخَصم المعاند، هؤلاء ينذرهم بالعقوبة الدنيوية أو الأخروية أو هما؟
* الطلبة: هما.
* الشيخ: هما، إي نعم، هما أو إحداهما، لا بد أن يأتيهم عقوبة، وإذا قلنا بأن العقوبة تشمل حرمان الإنسان من الطاعة والإيمان، فلا بد أن يكون معاقبًا بالأمرين: الدنيوية والدينية. ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾. في قوله: ﴿وَلَا تُسْأَلُ﴾ قراءتان إحداهما: ﴿وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾ بلا النافية، والفعل مبني للمجهول، يعني ولا تسأل أنت عن أصحاب الجحيم يعني ما يسألك الله عنهم؛ لأنك بلغت والحساب على من؟ على الله، والقراءة الثانية: ﴿وَلَا تَسْأَلْ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾ . ولا تسألْ على أن (لا) ناهية وتسأل: فعل مضارع مبني للفاعل، ولا تسأل أنت، أوْ: ولا تسألُ أيها المخاطب.
أما على القراءة الأولى: ﴿وَلَا تُسْأَلُ﴾ فالمعنى أنك لا تُسأل عنهم وكيف لم يؤمنوا إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب.
وعلى القراءة الثانية ﴿وَلَا تَسْأَلْ﴾ ﴿وَلَا تَسْأَلْ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾ المراد به الإنذار والوعيد؛ يعني لا تسأل عن أحوالهم فإنهم في أمر ما يحتاج إلى السؤال -والعياذ بالله- لأنهم أصحاب الجحيم؛ الجحيم النار نسأل الله العافية، وأَصْحَابِ، الصاحب هو الملازم؛ يعني أصحاب الجحيم أحد يسأل عن حالهم هل هم في نعيم ولَّا في بلاء؟
* طالب: من السياق هذا معلوم.
* الشيخ: لا تسأل عن حالهم؛ فإنهم -والعياذ بالله- في حال لا يتصورها الإنسان، وهذا في غاية ما يكون من الإنذار لهؤلاء المكذبين المخالفين الذين هم أصحاب الجحيم.
* طالب: بشير، من أين اشتق؟
* الشيخ: بشير من البشرى، والبشرى مصدر من بَشَّر، والتبشير كما قلنا أظنه مر علينا لكن يمكنني أذكركم به أيضًا أن البشرى والبَشارة هي الإخبار بما يَسُرُّ، ولا تكون في غير ما يَسُرُّ إلا أحيانًا، وإنما سميت (بُشرى) بُشرى لظهور أثرها على البَشرة، فإن الإنسان إذا سُرّ تبرق أسارير وجهه؛« كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا سُرّ استنار وجهه حتى كأنه فلقة قمر ﷺ »[[متفق عليه؛ البخاري (٣٥٥٦)، ومسلم (٢٧٦٩ / ٥٣) من حديث كعب بن مالك بلفظ: «إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ».]]. وهذا أمر ظاهر، يجيك الإنسان (مغلدن) تعرف إنه محزون، ويجيك ما شاء الله وجهه يتلامع تعرف أنه مسرور، وقد تطلق البشارة إما تهكمًا وإما لعِظَم وقعها عليهم بما يؤلم ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أما الإنذار فهو الإعلام بالْمَخُوفة؛ أي بما يخاف منه، والرسول ﷺ لا شك أنه مبشر بما يسر وهي الجنة، ومنذر بما يُخاف منه وهو النار.
* طالب: الذي يضر المشؤم منه يتغير تغير ملامح الوجه فيصدق اشتقاقه اللغوي، أيش هذا؟
* الشيخ: إي نعم، لكنهما حسب العرف والاستعمال ما يقال إلا فيما يسر؛ لأن كون الإنسان يتغير وجهه بما يسره هذا أمر مطلوب يستريح إليه الإنسان، وكونه يبشر بأمر يُؤَثِّر عليه، وإن كان يتغير لكن الأمر مكروه، فقد جرى العرف بأن البشارة إنما تكون في الأشياء المحبوبة، وقد تُطلق إما من باب التهكم كما قاله بعض العلماء في قوله: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ وإما من باب الحقيقة على أن الجسم أو البشرة تتأثر بذلك.
* طالب: يعني كل بحسب المضاف إليها وبحسب المعنى؟
* الشيخ: لكن أصل البشارة إنما تكون فيما يسر.
* الطالب: الدليل.
* الشيخ: لأن تغير البشَرَة بهذا أمر مطلوب ويحبه الإنسان، فلهذا قيلت فيما يسر، وإن كان قد يتأثر بما يؤلمه وبما يخاف منه لكنه ما يقال: (بشره) إلا على سبيل التهكم أو نادرًا، ولا يلزم من كون الاشتقاق لهذا المعنى أن يتعدى إلى غيره كما قلنا في جمع مثلًا مزدلفة تسمى جمعًا لاجتماع الناس فيها، ولا تسمى عرفة جمعًا وإن كان الناس يجتمعون فيها، ليس هذا بلازم.
قال: ﴿وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾ ﴿الْجَحِيمِ﴾ هي النار العظيمة، وهي لها أسماء كثيرة، منها: النار، ومنها: الجحيم، والسعير، وجهنم، كل ذلك لاختلاف أوصافها وإلا فهي واحدة.
* طالب: هل من أسمائها الهاوية؟
* الشيخ: لا، ما هو من أسمائها، لكنها في الحقيقة لها قعر، الشيء يهوي فيها، وما تسمى بالهاوية.
ثم قال: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ كأن النبي ﷺ يحب أن يتألف اليهود والنصارى، والذي يُحب أن يتألفهم يحب أن يرضوا عنه، فبين الله عز وجل أن هؤلاء اليهود والنصارى قوم ذو عِناد ما يمكن يرضون عنك مهما تألفتهم، ومهما ركنت إليهم بالتألف لا بالمودة فإنهم لن يرضَوا، ولهذا أول ما قدم الرسول ﷺ المدينة كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يُنْهَ عنه، ثم بعد ذلك تركهم وخالفهم قال الله تعالى: ﴿لَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم﴾ أي: دينهم. (...) يعني مع أنهم لا يؤمنون حتى يكلمهم.
قوله: ﴿أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ﴾ ما المراد بها؟
* طالب: ﴿أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ﴾ أي: معجزة.
* الشيخ: علامة على؟
* الطالب: علامة على نبوة النبي ﷺ.
* الشيخ: إي نعم.
قوله: ﴿قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِم﴾؟ من يعني بالذين من قبلهم؟
* طالب: اليهود والنصارى.
* الشيخ: نعم، تحفظ شيئًا مما قالوا؟
* الطالب: قولهم؛ قول اليهود: ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾.
* الشيخ: لموسى ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة ٥٥] نعم. قوله: ﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾، ما معنى التشابه؟
* الطالب: التشابه هو قريب من (...).
* الشيخ: قرب الشيء من الشيء.
قوله: ﴿قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ ما موضعها مما قبلها؟ موقعها مما قبلها في المعنى؟
* الطالب: تعليل.
* الشيخ: تعليل لأيش؟
* الطالب: تعليل في الرد عليهم في دعواهم، وأنها لا جدوى لها، وأن القرآن كامل، وأن قولهم هذا هو مجرد تعنت وقد بُينت لهم الآيات.
* الشيخ: يعني إبطال لقولهم: ﴿أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ﴾ فقال الله: ﴿قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ﴾ يعني الآيات جاءت مبينة أيضًا، ما فيها إشكال.
* طالب: حالية يا شيخ؟
* الشيخ: لا، استئنافية للرد عليهم، استئنافية لإبطال قولهم: ﴿أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ﴾. ما هي حالية؛ لأن ما هي قيد فيما قبلها، الحال قيد فيما قبلها، أما هذه فهي استئنافية لإبطال قولهم: ﴿أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ﴾؛ يعني أن الآيات قد جاءت مبينة.
قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾ الباء معناها؟
* طالب: الملابسة.
* الشيخ: نعم، والمصاحبة، ما معنى ﴿أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾؟
* الطالب: أرسلناك بالقول الحق.
* الشيخ: وأيش معنى بالقول الحق يعني؟
* الطالب: أرسلناك؛ أي مثبتًا بالحق.
* الشيخ: وأيش بعد؟
* طالب آخر: يعني مصاحبًا معك الحق، وكذلك أنت يعني تعمل بالحق، يعني ملازمًا لك.
* الشيخ: الملابسة والمصاحبة، فمعنى الملابسة أن رسالتك حق، الرسالة حق، ومعنى المصاحبة أن ما جئت به فهو حق، فتكون الرسالة حقًّا، وما جاء به وهو مرسَل به حق أيضًا، ما هو الحق باعتبار الأحكام؟
* الطالب: الشيء الثابت المستقر.
* الشيخ: هذا الثابت المستقر، أحسنت، وإذا أضيف إلى الأحكام فالمراد به؟
* الطالب: العدل.
* الشيخ: وإذا أضيف إلى الأخبار؟
* الطالب: الصدق.
* الشيخ: المراد به الصدق.
قوله: ﴿وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾ فيها قراءتان ما هما؟
* طالب: قراءة ﴿ولا تَسْأَلْ عن أصحاب الجحيم﴾ ، وقراءة ﴿وَلَا تُسْأَلُ﴾.
* الشيخ: وأيش الفرق بينهما؟
* الطالب: لا تُسْأَل، إحنا ما نُسأل عن حالهم.
* الشيخ: وحسابهم على الله، ولا تَسْأَل؟
* الطالب: أي: لا تسأل عن أحوالهم.
* الشيخ: فهم في حال يرثى لها. نحن قلنا فيما سبق إن القراءتين تعتبران معنيين، فكأنه يقول: لا تسأل عنهم ولا تُكلف بهم، وأيضًا هم في حال لا يحتاجون إلى السؤال عنهم
لأنهم- والعياذ بالله- في عذاب لا نظير له، نسأل الله العافية.
قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة ١١٥].
* يستفاد من الآية الكريمة: عموم مُلك الله؛ لأن المشرق والمغرب يحتويان كل شيء، ففيها عموم ملك الله.
ومنها أيضًا: إحاطة الله تعالى بكل شيء لقوله: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾.
ومن * فوائد الآية أيضًا: أنه لعموم ملك الله تعالى للمشرق والمغرب خلقًا وتقديرًا فله ملك المشرق والمغرب توجيهًا، وقد قلنا لكم: إن قوله: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا﴾ [البقرة ١٠٦] كلها منها إلى نسخ القبلة كله تمهيد لتحويل القبلة، فكأن الله يقول: ﴿لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ [البقرة ١٤٢] فإذا شاء جعل الاتجاه إلى اليمين، وإذا شاء جعله إلى اليسار ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾.
ومن * فوائد الآية أيضًا: جواز الصلاة إلى حيث كان وجهك عند العذر،كما فسرها كثير من أهل العلم بذلك، جواز الصلاة عند العذر إلى حيث كان وجهك.
* ومنها: جواز الصلاة إلى اتجاه مسيرك في السفر إذا كانت الصلاة نافلة، وقد فُسرت به الآية أيضًا، ولكن الآية أشمل من هذا.
* ومنها: إثبات الوجه لله سبحانه وتعالى لقوله: ﴿وَجْهُ اللَّهِ﴾.
* ومنها: أن الله تعالى له مكان لقوله: ﴿فَثَمَّ﴾؛ لأن ثم إشارة إلى المكان، لكن أين هو؟
* الطالب: فوق السماوات.
* الشيخ: نعم، في العلو، قال النبي عليه الصلاة والسلام للجارية: «أَيْنَ اللَّهُ؟». قالت: في السماء »[[أخرجه مسلم (٥٣٧ / ٣٣) من حديث معاوية بن الحكم السلمي.]]. وفيه إبطال لقول بدعتين ضالتين؛ إحداهما: بدعة الحلولية القائلين بأن الله تعالى في كل مكان بذاته؛ فإن هؤلاء قولهم باطل يبطله السمع والعقل والفطرة أيضًا، والثاني: قول النفاة المعطلة الذين يقولون: إن الله لا داخل العالَم ولا خارجه ولا فوق العالم ولا تحته، ولا يمين العالم ولا شمال العالم، ولا متصل بالعالم ولا منفصل عن العالم. هذا القول قال بعض أهل العلم: لو قيل لنا: صفوا لنا العدم ما وجدنا وصفًا أشد إحاطة من هذا الكلام للعدم؛ لأن هذا المعدوم في الحقيقة.
ومن * فوائد الآية الكريمة أيضًا: إثبات اسمين من أسماء الله؛ وهما: واسع وعليم ﴿وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ واسع، في أي شيء؟ كل صفاته واسعة لا نهاية لها، علمه ما له نهاية، قدرته لا نهاية لها، سمعه لا نهاية له، كل شيء من صفاته فإنه على أعلى ما يكون من السَّعَة والإحاطة، العلم أيضًا محيط بكل شيء ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق ١٢].
* ومنها أيضًا نستفيد إثبات السمع والعلم، نستفيد صفة ثانية من جمع السمع والعلم، للإشارة إلى أن عِلم الله واسع، واسع بمعنى أنه لا يفوته شيء من كل معلوم لا في الأرض ولا في السماء.
* ومنها: انفراد الله بالملك، من أين تؤخذ؟
* طالب: من تقديم الخبر.
* الشيخ: تقديم الخبر في قوله: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾.
﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ [البقرة ١١٦].
* يستفاد من هذه الآية: بيان عتو الإنسان وطغيانه؛ حيث سب الله سبحانه وتعالى هذه السبة العظيمة، فقال: إن الله اتخذ ولدًا، في الحديث الصحيح: «شَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، أَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ وَلَدًا، وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ؛ فَقَوْلُهُ: إِنَّهُ لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي»[[أخرجه البخاري (٤٩٧٤) من حديث أبي هريرة.]].
فهذا من أعظم- والعياذ بالله- العدوان، ففيه دليل على طغيان الإنسان من حيث هو وعتوه لقوله: ﴿اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ وهو يشير كما تقدم في التفسير إلى ثلاث طوائف، مَنْ؟
* الطلبة: اليهود، والنصارى، والمشركون.
* الشيخ: اليهود، والنصارى، والمشركون.
ومنها،* من فوائد الآية: أن الله أبطل هذه الدعوى الكاذبة من عدة أوجه:
أولًا: في قوله سبحانه، فإن تنزهه عن النقص يقتضي أن يكون منزهًا عن اتخاذ الولد؛ لأن اتخاذ الولد يُقصد به؟
* طالب: الإعانة.
* الشيخ: إي نعم، الإعانة ودفع الحاجة أو بقاء العنصر، والله تعالى منزه عن ذلك، ومنزه أيضًا عن المماثلة، ولو كان له ولد لكان مثيلًا لله.
وثانيًا: أبطل الله هذه الدعوى بقوله: ﴿بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، والمملوك لا يكون ولدًا للمالك حتى إنه شرعًا إذا ملك الإنسان ولده ماذا يكون؟ يَعْتِق عليه، فالمملوك ما يمكن يكون ولدًا للمالك، فالله خالق، وما سواه مخلوق، فكيف يكون المخلوق ولدًا للخالق؟
والوجه الثالث من إبطال هذه الدعوى أن جميع العباد كل العباد اللي في السماوات والأرض كل له خاضعون ذليلون، والولد لا يكون له مثل ذُلّ العبد، إذا كان الجميع عبيدًا له، كيف يكون أحد منهم ولدًا له؟ هل يذل العبد أمام أبيه كما يذل العبد أمام سيده؟ لا.
ومنها الوجه الرابع: أنه سبحانه وتعالى بديع السماوات والأرض؛ أي مبدعهما، فالقادر على خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق إنسانًا بلا أب، وهم يقولون: إنه ما له أب، فأبوه هو الله، فيقول: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ فالقادر على بدعهما قادر على أن يكون له ولد، قادر على أن يخلق إنسانًا بدون أب، كما قال تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ [غافر ٥٧].
الوجه الخامس: ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ومن كان هذه قدرتَه، فهل يستحيل عليه أن يوجد ولدًا بدون أب؟
* الطلبة: لا يستحيل.
* الشيخ: لا يستحيل، فبطلت شبهتهم التي احتجوا بها على أن عيسى ابن الله.
* الطالب: شيخ، كل له قانتون، يعني شمل العقلاء وغير العقلاء، وقانتون هم العقلاء؟
* الشيخ: تغليبًا، الآن انتهينا من الأدلة التي أبطل الله بها هذه الدعوى الكاذبة نرجع إلى الفوائد من هذه الآية؛ أولًا: امتناع أن يكون لله ولد، وأيش الدليل؟
* طالب: الوجوه الأربعة.
* الشيخ: الوجوه الخمسة، هذه الوجوه الخمسة.
وثانيًا: عموم مُلك الله سبحانه وتعالى لقوله: ﴿بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
* ومن الفوائد: أن الله لا شريك له في ملكه، من أين تؤخذ؟
* طالب: من تقديم الخبر.
* الشيخ: من تقديم الخبر ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
* ومنها: أن القنوت يُطلق على معنيين: المعنى العام، والمعنى الخاص؛ فالمعنى الخاص هو قنوت العبادة والطاعة، كما في قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا﴾ [الزمر ٩]. هذا قنوت أيش؟
* الطلبة: العبادة.
* الشيخ: الطاعة والعبادة الشرعية، وكما في قوله تعالى: ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ [التحريم ١٢]، وكما في قوله: ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [آل عمران ٤٣].
والثاني: قنوت الذل العام، وهذا شامل لكل من في السماوات والأرض، كما في هذه الآية: ﴿كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ حتى الكفار قانتون لله؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: حتى الكفار بهذا المعنى قانتون لله سبحانه وتعالى.
* ومنها: عِظَم قدرة الله سبحانه وتعالى، وأيش هو؟ ببدع السماوات والأرض؛ فإنها مخلوقات عظيمة.
* ومنها: حكمة الله سبحانه وتعالى؛ لأن هذه السماوات والأرض على نظام بديع عجيب، قال الله تعالى: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ [الملك ٣].
هذا النظام الواسع الكبير العظيم ما يختل ولا يتغير على مر السنين والأعوام، وأيش يدل عليه؟
* الطلبة: على قدرة الله.
* الشيخ: على قدرة بالغة باهرة، وحكمة عظيمة أيضًا بالغة، حكمة عظيمة، كل شيء منظم تنظيمًا بديعًا متناسبًا ما يصطدم شيء بشيء فيفسده، ولا يغير شيء شيئًا بل كل سائر على حسب ما أُمر به، قال الله تعالى: ﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾ [فصلت ١٢].
إذن ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ * يستفاد منها: القوة والقدرة والحكمة.
* طالب: (...) السماء (...).
* الشيخ: نعم.
* ومنها أيضًا: أن السماوات عدد؛ لأن الجمع يدل على العدد، فكم هي؟
* الطلبة: سبع.
* الشيخ: سبع، وهي كما قال الله تعالى: طباق ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا﴾ [نوح ١٥]. بعضها فوق بعض، وقد دل القرآن والسنة وإجماع المسلمين على أن السماء جرم محسوس، وليس كما قال أهل الإلحاد: إن الذي فوقنا علو لا نهاية له؛ لأن هذا كفر اللي يؤمن بهذا يكفر؛ لأنه كافر بالقرآن والسنة وإجماع المسلمين.
* ومنها أيضًا: أن الله سبحانه وتعالى لا يُعجزه شيء ولا يمتنع عن أمره شيء لقوله: ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران ٤٧].
* ومنها: إثبات أن القضاء نوعان: قضاء قدري، وقضاء شرعي، القضاء القدري مثل هذه الآية: ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا﴾ أي: قدَّره كونًا وخلقًا ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، والقضاء الشرعي كقوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ قضى شرعًا ولا قدرًا؟
* الطلبة: شرعًا.
* الشيخ: شرعًا؛ لأنه لو قضاه قدرًا ما أشرك أحد لعبد الناس كلهم الله، فهو قضاء شرعي، والفرق بينهما: أن القضاء الشرعي قد يقع وقد لا يقع؛ يعني قد يفعله المقضي عليه وقد لا يفعله، والقضاء الكوني لا بد أن يفعله، ولا بد أن يقع في المقضي عليه، كما أني الآن ذكرت الفرق بين القنوت العام والخاص؛ أن القنوت الخاص يُحمد عليه القانت، والقنوت العام لا يحمد عليه؛ لأنه ذل لله عز وجل كونًا وقدرًا.
* ومن فوائد الآية: إثبات القول لله كقوله: ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ﴾.
* ومنها: أن قوله بحروف.
* الطالب: ﴿قُلْ﴾.
* الشيخ: لا، قل، ما فيها قل.
* الطالب: لا، كُن.
* الشيخ: كن، كن هذه حروف.
* ومنها: أن قول الله مسموع ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ﴾ و(له) صريحة في توجيه القول للمقول له، ولولا أنه يسمعه ما صار في توجيهه له فائدة، ولهذا يسمعه الموجَّه إليه الأمر فيمتثل.
* ومنها: أن الجماد خاضع لله سبحانه وتعالى، حتى الجماد، وجه ذلك؟ لأن قوله: ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ يشمل الأمور المتعلقة بالحيوان والمتعلقة بالجماد، فالجماد إذا قال الله له: كن؛ كان.
ومنها،* من فوائد الآية: أنه ليس بين أمر الله بالتكوين وبين كونه تراخيًا، ما فيه تراخي بل يكون على الفورية، من أين تؤخذ؟
* طالب: من التعقيب بالفاء.
* الشيخ: إيه، من قوله: ﴿فَيَكُونُ﴾ بالفاء، والفاء تدل على التعقيب، على الترتيب والتعقيب.
* طالب: هل يحس الجماد؟
* الشيخ: إي نعم، يحس.
* الطالب: يدل على: ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت ١١] أنه قول فعلي حقيقي؟
* الشيخ: إيه، حقيقي نعم.
* الطالب: عرض الأمانة على السماوات حقيقي؟
* الشيخ: نعم، إي نعم حقيقي، ما فيه إشكال.
﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ من الذي خالف في أن كلام الله سبحانه وتعالى بحرف وصوت؟
* طالب: الأشاعرة.
* الشيخ: الأشاعرة.
* الطلبة: الجهمية.
* الشيخ: لا الجهمية ما خالفوا، قالوا: كلام الله بحرف وصوت، لكن كلام الله مخلوق ما هو من صفاته والمعتزلة كذلك، لكن الأشاعرة والكُلَّابية والماتريدية، كلهم يقولون: إن الكلام هو المعنى القائم بالنفس، وأن الحروف والأصوات عبارة عنه أو حكاية، ولهذا قال بعض محققيهم: إنه ليس بيننا وبين المعتزلة في الكلام فرق، ما بيننا وبينهم فرق؛ لأننا اتفقنا على أن ما بين دفتي المصحف مخلوق.
لكن هؤلاء يقولون؛ المعتزلة يقولون: اللي بين دفتي مصحف كلام الله، وأولئك يقولون: عبارة، فكان المعتزلة في هذه الناحية خيرًا منهم، كانوا خيرًا منهم في هذه الناحية؛ لأنهم يقولون: هذا كلام الله، ودول يقولون: ما هو كلام الله، هذا عبارة عنه، والكل اتفقوا على أن ما بين دفتي المصحف فإنه مخلوق، فالمهم أن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله سبحانه وتعالى يتكلم بكلام بصوت وحروف، وأنه مسموع، ولكن إذا قال قائل: كيف يمكن أن نتصور هذا ونحن نقول: إن الله ليس كمثله شيء؟ وأنتم تقولون: إنه بحروف؟
قلنا: نعم الحروف هي الحروف، لكن كيفية النطق وحقيقة النطق بها أو القول، هل يشبه نطق المخلوق وقوله؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، ما يشبهه، فمن هنا نعرف أننا لا نكون مشبهة إذا قلنا: إنه بحرف وصوت؛ لأننا نقول: صوت ليس كأصوات المخلوقين، بل هو حسب ما يليق بعظمته وجلاله.
ثم قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [البقرة ١١٨].
* يستفاد من هذه الآية: أن أهل الباطل لا يعارضون الحق إلا بباطل؛ لأن كون الآيات تأتي على حسب مقترحهم هذا تعنت واستكبار وإلا فالمقصود، وأيش المقصود؟
* طالب: (...).
* الشيخ: المقصود ثبوت الرسالة بالآيات سواء اقترحوها أم لا، ثم إنه لو جاءت الآيات على ما اقترحوا ما آمنوا ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ [القمر ٢] سحرتنا بالأول وسحرتنا بالتالي.
إذن أهل الباطل لا يمكن أن يعارضوا الحق إلا بباطل، وهذا يقوي صاحب الحق على ثبوته على ما عنده وعلى إنكاره للباطل، لا تتزعزع ما دمت على حق فإن أهل الباطل كل ما عندهم هباء.
ومنها: وصف من لم ينقد للحق بالجهل ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة ١١٨] كل إنسان يكابر الحق وينابذه فإنه أجهل الناس، وبهذا نعرف أن من سمى هذا العصر عصر النور، وكأن هذا الكلام يقتضي الحصر فهو خاطئ ولَّا مخطئ؟
* الطلبة: لا، خاطئ.
* الشيخ: خاطئ؛ لأن هذا العصر في الحقيقة عصر الظلمة إلا من أنار الله قلبه، عصر النور حقيقة هو عصر النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه، هذا عصر النور، أما عصرنا الآن كله جهل، كله عناد، كله استكبار والعياذ بالله.
ومنها: أن المشركين يقرون بأن الله يتكلم بحرف وصوت، من أين؟
* الطلبة: ﴿لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ﴾.
* الشيخ: ﴿لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ﴾ ولو كان الكلام كما قال الأشاعرة بالنفس ما كان لكلام الله لهم فائدة؛ لأنه في نفسه ما يسمعونه، فالمشركون يقرون بأن الله يتكلم؛ لأنه حقيقة الأمر ما يمكن تثبت الشرائع بدون أن يثبت كلام الله، إذ إن الوحي هو كلام الله، إذا أنكرنا كلام الله؟
* طالب: أنكرنا شريعته.
* الشيخ: كيف يثبت الوحي؟
ومنها أيضًا: أن ما من رسول إلا وله آية؛ لأن قولهم: ﴿أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ﴾ هذا مدعى غيرهم؛ إذ إن من لم يأتِ بآية لا يُلام من لم يصدقه، ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: رجل مثلًا يجي لا نعرفه، من بني جنسنا، يقول: أنا رسول الله، آمنوا بي وإلا قاتلتكم واستحللت نساءكم وأموالكم، نطيعه ولَّا لا؟
* الطلبة: لا، لا يستقيم.
* الشيخ: لا، ما نطيعه، ولو أننا أنكرناه لكنا غير ملومين، لكن الرسل تأتي بالآيات «مَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْآيَاتِ مَا يُؤْمِنُ عَلَى مِثْلِهِ الْبَشَرُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٢٧٤)، ومسلم (١٥٢ / ٢٣٩)، من حديث أبي هريرة.]]، فالله تعالى ما يرسل الرسل ويتركهم بدون تأييد أبدًا.
* طالب: ظاهر الآيات قول اليهود ما جئتنا ببينة، كيف ذلك؟
* الشيخ: استكبار، حتى أو تأتينا آية، نقول: جاءتكم آيات ما هي آية واحدة.
* الطالب: لكن هو ما أجابهم على هذا الدعاء؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ﴾ [هود ٥٣ - ٥٥].
* الشيخ: أكبر آية هذا التحدي لهم أنه قال: ﴿كِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ﴾ [هود ٥٥، ٥٦] هذا يعني (...).
كذلك * ومن فوائد الآية الكريمة: أن أقوال أهل الباطل تتشابه ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾، فأنت لو تأملت الدعاوى الباطلة التي رد بها المشركون رسالة الرسول ﷺ من زمنه إلى اليوم لوجدت أنها متشابهة، ﴿إِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ﴾ [المطففين ٣٢] واليوم يقولون للمتمسكين بالقرآن والسنة: هؤلاء رجعيون، هؤلاء دراويش ما يعرفون شيئًا.
* ومنها: تشابه قلوب الكفار لقوله: ﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.
* ومنها إبطال دعوى قولهم: ﴿أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ﴾ في قوله: ﴿قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ﴾.
* ومنها: أنه لا ينتفع بالآيات إلا من رزقهم الله العلم، العلم النافع؛ فإنهم ينتفعون.
* ومنها: أنه كلما ازداد الإنسان علمًا ازداد إيمانًا؛ لأنه إذا ازداد علمه ظهر له من آيات الله ما لم يظهر لغيره، ولهذا ﴿قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾. إذن نعود عن التفسير الأول قلت: ﴿بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾. الإيقان: هو التصديق من غير شك، والتصديق من غير شك تصديق لا شك معه، فكل ما إنسان مؤمن فإنه يتبين له من آيات الله ما لم يتبين لغيره، وكلما ازداد الإنسان إيمانًا تبين له من آيات الله ما لم يتبين لغيره.
* فيستفاد من الآية الكريمة: أن كل مؤمن فقد تبينت له الآيات.
* ويستفاد منها أيضًا: زيادة العلم بالإيمان؛ لأن من آيات الله هذا الوحي الذي جاء به الرسول ﷺ، فإن الوحي من آيات الله، فكلما كنت مؤمنًا تبين لك من هذه الآيات ما لم يتبين لغيرك، فبالإيمان يزداد العلم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ [المدثر ٣١].
وكلما كان الإنسان أكثر إيمانًا كان أكثر علمًا، وكلما ازداد علمه ازداد إيمانه، فهما متلازمان.
* طالب: كمثل اليهود عندهم علم لكن لم يعملوا به؟
* الشيخ: إيه، لكن إذا ازداد العلم عن إيمان ازداد بالإيمان.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾ [البقرة ١١٩]. من * هذه الآية الكريمة يستفاد: ثبوت رسالة النبي ﷺ لقوله: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ﴾.
* ومن فوائدها: أن النبي ﷺ رسول وليس كذابًا، وليس ربًّا؛ لأن الرسول ما يمكن أن يكون له مقام الْمُرسِل، وأيضًا هو غير كذاب؛ لأن الله قال: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ﴾ فأكده بـ (إن).
* ومنها: أن رسالة النبي ﷺ حق ومشتملة على الحق لقوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾، وهو العدل في الأحكام، والصدق في الأخبار، والحسن في القصص ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ [يوسف ٣].
* ومنها: أن رسالة النبي ﷺ متضمنة لأمر ونهي، وتبشير وإنذار لقوله: ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾. وقلنا: إن البشارة في مقابلة من فعلوا المأمورات، فيتضمن أمرًا يُبشَّر فاعله بثوابه، والنذارة لمن فعل المحظورات، فتتضمن محظورًا وإنذارًا لفاعله، وهكذا شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام متضمِّنة للأمرين: الأمر والنهي؛ يعني إيجابي وسلبي، والحكمة من ذلك ظاهرة؛ وذلك لأن الإنسان قد يهون عليه فعل الأوامر، ويشق عليه ترك المنهيات، فلو كانت الشريعة كلها أوامر ما تبين لنا المحنة أو الابتلاء في استطاعة الإنسان كف نفسه ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: يعني بعض الناس يهون عليه أنه يفعل، لكن ما يهون عليه أن يترك، فكان الابتلاء بالأمر والنهي، وبعض الناس يهون عليه أن يترك، لكن لا يهون عليه أن يفعل، مفهوم؟
فكان الابتلاء بالأمرين جميًعا، الشيخ الكبير يهون عليه ترك الزنا ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: يهون عليه ترك الزنا، ولكنه ليس كالشاب الذي لا يهون عليه ترك الزنا، قد يكون ترك الزنا بالنسبة للشاب صعبًا وشاقًّا، فلذلك ابتُلي الناس بهذا وبهذا، فالمهم إذن أن الابتلاء لا يتم إلا بتنويع التكليف، ولَّا لا؟ وهذا مر علينا كثيرًا وقلنا مثلًا: الصلاة تكليف بدني، والزكاة تكليف مالي، والحج تكليف بدني.
* الطلبة: ومالي.
* الشيخ: لا، مالي ما هو بلازم، لكنه غالبًا يكون فيه مال، ما يصل إليه الإنسان إلا بمال، والصيام؟ كف، الصيام كف.
* طالب: فعل.
* الشيخ: لا، ما هو فعل، الإنسان ما يفعل شيئًا، بس يترك شيئًا.
* طالب: كف عنه.
* الشيخ: فهو كف، كف عن محبوب، لكن الصلاة والزكاة إيجاد، فلذلك صار فيه ابتلاء كل الأركان الخمسة فيها ابتلاء بالفعل والكف؛ لأنه ما يتم الانقياد إلا بهذين الأمرين: بفعل المأمور، وترك المحظور.
* ومنها: أن وظيفة الرسل الإبلاغ، وليسوا مكلفين بعمل الناس لقوله: ﴿وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾ وعلى القراءة الثانية نستفيد فائدة ثانية وهي: شدة عذب أهل الجحيم والعياذ بالله، أصحاب الجحيم لقوله: ﴿وَلَا تسْأَلْ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾ .
{"ayahs_start":115,"ayahs":["وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَیۡنَمَا تُوَلُّوا۟ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَ ٰسِعٌ عَلِیمࣱ","وَقَالُوا۟ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدࣰاۗ سُبۡحَـٰنَهُۥۖ بَل لَّهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلࣱّ لَّهُۥ قَـٰنِتُونَ","بَدِیعُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَإِذَا قَضَىٰۤ أَمۡرࣰا فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ","وَقَالَ ٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَ لَوۡلَا یُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوۡ تَأۡتِینَاۤ ءَایَةࣱۗ كَذَ ٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِم مِّثۡلَ قَوۡلِهِمۡۘ تَشَـٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ قَدۡ بَیَّنَّا ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ","إِنَّاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِیرࣰا وَنَذِیرࣰاۖ وَلَا تُسۡـَٔلُ عَنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلۡجَحِیمِ"],"ayah":"بَدِیعُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَإِذَا قَضَىٰۤ أَمۡرࣰا فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق