الباحث القرآني
* (فصل)
ومن ذلك إقسامه سبحانه بـ ﴿والعادِياتِ ضَبْحًا فالمُورِياتِ قَدْحًا فالمُغِيراتِ صُبْحًا﴾
وقد اختلف الصحابة ومن بعدهم في ذلك فقال علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما هي إبل الحاج تعدو من عرفة إلى مزدلفة ومن مزدلفة إلى منى وهذا اختيار محمد بن كعب وأبي صالح وجماعة من المفسرين وقال عبد الله بن عباس هي خيل الغزاة وهذا قول أصحاب ابن عباس والحسن وجماعة واختاره الفراء والزجاج قال أصحاب الإبل السورة مكية ولم يكن ثم جهاد ولا خيل تجاهد وإنما أقسم بما يعرفونه ويألفونه وهي إبل الحاج إذا عدت من عرفة إلى مزدلفة فهي عاديات والضبح والضبع مد الناقة ضبعها في السير يقال ضبحت وضبعت بمعنى واحد وأنشد أبو عبيدة وقد اختار هذا القول:
؎فكان لكم أجري جميعًا وأضبحت ∗∗∗ بي البازل الوجناء في الآل تضبح
قالوا فهي تعدو ضبحًا فتورى بأخفافها النار من حك الأحجار بعضها ببعض فتثير النقع وهو الغبار بعدوها فيتوسط جمعًا وهي المزدلفة
قال أصحاب الخيل المعروف في اللغة أن الضبح أصوات أنفاس الخيل إذا عدون والمعنى والعاديات ضابحة فيكون ضبحًا مصدرًا على الأول وحالًا على الثاني قالوا والخيل هي التي تضبح في عدوها ضبحًا وهو صوت يسمع من أجوافها ليس بالصهيل ولا الحمحمة ولكن صوت أنفاسها في أجوافها من شدة العدو وقال الجرجاني كلا القولين قد جاء في التفسير إلا أن السياق يدل على أنها الخيل وهو قوله تعالى ﴿فالمُورِياتِ قَدْحًا﴾ والايراء لا يكون إلا للحافر لصلابته وأما الخف ففيه لين واسترخاء إنتهى
قالوا والضبح في الخيل أظهر منه في الإبل والايراء لسنابك الخيل أبين منه لاخفاف الإبل قالوا والنقع هو الغبار وإثارة الخيل بعدوها له أظهر من إثارة أخفاف الإبل والضمير في به عائد على المكان الذي تعدو فيه قالوا وأعظم ما يثير الغبار عند الإغارة إذا توسطت الخيل جمع العدو لكثرة حركتها واضطرابها في ذلك المكان وأما حمل الآية في إثارة الغبار في وادي محسر عند الإغارة فليس بالبين ولا يثور هناك غبار في الغالب لصلابة المكان قالوا وأما قولكم إنه لم يكن بمكة حين نزول الآية جهاد ولا خيل تجاهد فهذا لا يلزم لأنه سبحانه أقسم بما يعرفونه من شأن الخيل إذا كانت في غزو فأغارت فأثارت النقع وتوسطت جمع العدو وهذا أمر معروف وذكر خيل المجاهدين أحق ما دخل في هذا الوصف فذكره على وجه التمثيل لا الإختصاص فإن هذا شأن خيل المقاتلة وأشرف أنواع الخيل خيل المجاهدين والقسم إنما وقع بما تضمنه شأن هذه العاديات من الآيات البينات من خلق هذا الحيوان الذي هو من أكرم البهيم وأشرفه وهو الذي يحصل به العز والظفر والنصر على الأعداء فيعدوا طالبة للعدو وهاربة منه فيثير عدوها الغبار لشدته وتورى حوافرها وسنابكها النار من الأحجار لشدة عدوها فتدرك الغارة التي طلبتها حتى تتوسط جمع الأعداء فهذا من أعظم آيات الرب تعالى وأدلة قدرته وحكمته فذكرهم بنعمة عليهم في خلق هذا الحيوان الذي ينتصرون به على أعدائهم ويدركون به ثأرهم كما ذكرهم سبحانه بنعمه عليهم في خلق الإبل التي تحمل أثقالهم من بلد إلى بلد فالإبل أخص بحمل الأثقال والخيل أخص بنصرة الرجال فذكرهم بنعمه بهذا وهذا وخص الإغارة بالضبح لأن العدو لم ينتشروا إذ ذاك ولم يفارقوا محلهم وأصحاب الإغارة حامون مستريحون يبصرون مواقع الغارة والعدو لم يأخذوا أهبتهم بل هم في غرتهم وغفلتهم ولهذا كان النبي إذا أراد الغارة صبر حتى يطلع الفجر فإن سمع مؤذنًا أمسك وإلا أغار
ولما علم أصحاب الإبل أن أخفافها أبعد شيء من ورى النار تأولوا الآية على وجوه بعيدة فقال محمد بن كعب هم الحاج إذا أوقدوا نيرانهم ليلة المزدلفة وعلى هذا فيكون التقدير فالجماعات الموريات وهذا خلاف الظاهر وإنما الموريات هي العاديات وهي المغيرات روى سعيد بن جبير عن ابن عباس هم الذين يغيرون فيورون بالليل نيرانهم لطامعهم وحاجتهم كأنهم أخذوه من قوله تعالى ﴿أفَرَأيْتُمُ النّارَ الَّتِي تُورُونَ﴾ وهذا إن أريد به التمثيل وأن الآية تدل عليه فصحيح وإن أريد به اختصاص الموريات فليس كذلك لأن الموريات هي العاديات بعينها ولهذا عطفها عليه بالفاء التي للتسبب فإنها عدت فأورت وقال قتادة الموريات هي الخيل تورى نار العداوة بين المقتتلين وهذا ليس بشيء وهو بعيد من معنى الآية وسياقها وأضعف منه قول عكرمة هي الألسنة تورى نار العداوة بعظيم ما نتكلم به وأضعف منه ما ذكر عنه مجاهد هي أفكار الرجال تورى نار المكر والخديعة في الحرب وهذه الأقوال إن أريد أن اللفظ دل عليها وأنها هي المراد فغلط وإن أريد أنها أخذت من طريق الإشارة والقياس فأمرها قريب
وتفسير الناس يدور على ثلاثة أصول تفسير على اللفظ وهو الذي ينحو إليه المتأخرون وتفسير على المعنى وهو الذي يذكره السلف وتفسير على الإشارة والقياس وهو الذي ينحو إليه كثير من الصوفية وغيرهم وهذا لا بأس به بأربعة شرائط أن لا يناقض معنى الآية وأن يكون معنى صحيحًا في نفسه وأن يكون في اللفظ إشعار به وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان استنباطًا حسنًا
وأضعف من ذلك كله قول ابن جريج قدحًا يعني فالمنجحات أمرًا يريد البالغين بنجحهم فيما طلبوه وعطف قوله فأثرن فوسطن وهما فعلان على العاديات والموريات لما فيه من معنى الفعل
وكان ذكر الفعل في أثرن ووسطن أحسن من ذكر الاسم لأنه سبحانه قسم أفعالنا إلى قسمين وسيلة وغاية
فالوسيلة هي العدو وما يتبعه من الإيراء والإغارة والغاية هي توسط الجمع وما يتبعه من إثارة النقع فهن عاديات موريات مغيرات حتى يتوسطن الجمع ويثرن النقع
فالأول شأنهن الذي أعددن له
والثاني فعلهن الذي انتهين إليه والله أعلم.
فهذا شأن القسم.
* وقال في (الفروسية)
المُراد بقوله تَعالى ﴿والعادِيات ضَبْحًا﴾
الثّالِث عشر أن الله سُبْحانَهُ وتَعالى أقسم بِالخَيْلِ في كِتابه وذَلِكَ يدل على شرفها وفضلها عِنْده قالَ تَعالى
﴿والعادِيات ضَبْحًا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا﴾ [العاديات: ١-٣]
أقسم سُبْحانَهُ بِالخَيْلِ تعدو في سَبيله و (الضبح) صَوت في أجوافها عند جريها
﴿فالموريات قدحا﴾ توري النّار بحوافرها عِنْدَما تصك الحِجارَة
﴿فأثرن بِهِ نقعا﴾ (النَّقْع) الغُبار تثيره الخَيل عند عدوها
والضَّمِير في ﴿بِهِ﴾ قيل يعود على القدح وهو ضَعِيف فَإن الغُبار لا يثار بالقدح وقيل عائِد على المغار المَدْلُول عَلَيْهِ بقوله ﴿فالمغيرات﴾ أي أثرن بالمغار غبارا لِكَثْرَة جولاتها فِيهِ ويجوز أن يعود على المغار الَّذِي هو مصدر أي أثرن الغُبار بِسَبَب الإغارة ويجوز أن يعود على العَدو المَفْهُوم من لفظ ﴿العاديات﴾
والضَّمِير في ﴿وَبِه﴾ الثّانِيَة مثل الأولى وقيل عائِد على النَّقْع أي وسطن جمعا ملتبسات بالنقع وعَلى هَذا ف (جمع) هُنا مجمع العَدو وهَذا قَول ابْن مَسْعُود
وَقالَ عَليّ المُراد بها إبل الحاج أقسم الله سُبْحانَهُ بها لعدوها في الحَج الَّذِي هو من سَبيله و (جمع) الَّذِي وسطن بِهِ هو مُزْدَلِفَة أغرن بِهِ وقت الصُّبْح
والقَوْل الأول أرجح لوجوه
أحدها أن المُسْتَعْمل بالضبح إنَّما هو الخَيل ولِهَذا قالَ أهل اللُّغَة الضبح صَوت أنفاس الخَيل إذا عدت قالَ الله تَعالى ﴿والعادِيات ضَبْحًا﴾ ويُقال أيْضا ضبح الثَّعْلَب
الثّانِي وصفها بِأنَّها توري النّار من الحِجارَة عند عدوها وهَذا مشهود في الخَيل لقرع سنابكها في الحَدِيد للصفا فيتولد قدح النّار من بَينهما كَما يتَوَلَّد من الحَدِيد والصوان عند القدح
الثّالِث أنه وصفها بالإغارة وهِي وإن اسْتعْملت لِلْإبِلِ كَما كانَت قُرَيْش تَقول أشرقت ثبير كَيْما نغير لَكِن اسْتِعْمالها في إغارة الغَزْو أكثر
الرّابِع أنه سُبْحانَهُ وقت الإغارة بالصبح والحجاج عند الصُّبْح لا يغيرون وإنَّما يكونُونَ بموقف مُزْدَلِفَة وقريش إذْ ذاك لم تكن تغير حَتّى تطلع الشَّمْس فَلم تكن تغير بالصبح قُرَيْش ولا غَيرها من العَرَب
فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي ﷺ
أنه كانَ في الغَزْو لا يُغير حَتّى يصبح فَإذا أصبح فَإن سمع أذانا أمسك وإلّا أغار.
الخامِس أنه سُبْحانَهُ عطف توَسط الجمع بِالفاءِ الَّتِي هي للتَّرْتِيب بعد الإغارة وهَذا يَقْتَضِي أنَّها أغارت وقت الصُّبْح فتوسط الجمع بعد الإغارة ومن المَعْلُوم أن إبل الحاج لَها إغارتان إغارة في أول اللَّيْل إلى جمع وإغارة قبل طُلُوع الشَّمْس مِنها إلى منى والإغارة الأولى قبل الصُّبْح ولا يُمكن الجمع بَينهما وبَين وقت الصُّبْح وبَين توَسط جمع وهَذا ظاهر
السّادِس أن النَّقْع هو الغُبار وجمع مُزْدَلِفَة وما حوله كُله صفا، وهو واد بَين جبلين لا غُبار بِهِ تثيره الإبِل.
والله أعلم بمراده من كَلامه.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["وَٱلۡعَـٰدِیَـٰتِ ضَبۡحࣰا","فَٱلۡمُورِیَـٰتِ قَدۡحࣰا","فَٱلۡمُغِیرَ ٰتِ صُبۡحࣰا"],"ayah":"وَٱلۡعَـٰدِیَـٰتِ ضَبۡحࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق