الباحث القرآني

سُورَةُ العادِياتِ مَكِّيَّةٌ في قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وجابِرٍ والحَسَنِ وعِكْرِمَةَ وعَطاءٍ، مَدَنِيَّةٌ في قَوْلِ أنَسٍ وقَتادَةَ وإحْدى الرِّوايَتَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقَدْ أخْرَجَ عَنْهُ البَزّارُ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والدّارَقُطْنِيُّ في الأفْرادِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ أنَّهُ قالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ خَيْلًا فاسْتَمَرَّتْ شَهْرًا لا يَأْتِيهِ مِنها خَبَرٌ، فَنَزَلَتْ: ﴿والعادِياتِ﴾ إلَخْ». (p-215)وآيُها إحْدى عَشْرَةَ آيَةً بِلا خِلافٍ. وأخْرَجَ أبُو عُبَيْدٍ في فَضائِلِهِ مِن مُرْسَلِ الحَسَنِ أنَّها تَعْدِلُ بِنِصْفِ القُرْآنِ. وأخْرَجَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِن طَرِيقِ عَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مَرْفُوعًا ولَمْ أقِفْ عَلى سِرِّهِ. ولَمّا ذَكَرَ سُبْحانَهُ فِيما قَبْلَها الجَزاءَ عَلى الخَيْرِ والشَّرِّ وأتْبَعَ ذَلِكَ فِيها بِتَعْنِيتِ مَن آثَرَ دُنْياهُ عَلى آخِرَتِهِ ولَمْ يَسْتَعِدَّ لَها بِفِعْلِ الخَيْرِ. ولا يَخْفى ما في قَوْلِهِ تَعالى هُناكَ: ﴿وأخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقالَها﴾ وقَوْلِهِ سُبْحانَهُ هُنا: ﴿إذا بُعْثِرَ ما في القُبُورِ﴾ مِنَ المُناسَبَةِ أوِ العَلاقَةِ عَلى ما سَمِعْتَ مِن أنَّ المُرادَ بِالأثْقالِ ما في جَوْفِها مِنَ الأمْواتِ أوْ ما يَعُمُّهم والكُنُوزُ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿والعادِياتِ﴾ الجُمْهُورُ عَلى أنَّهُ قَسَمٌ بِخَيْلِ الغُزاةِ في سَبِيلِ اللَّهِ تَعالى الَّتِي تَعْدُو؛ أيْ تَجْرِي بِسُرْعَةٍ نَحْوَ العَدُوِّ، وأصْلُ العادِياتِ العادُواتُ بِالواوِ فَقُلِبَتْ ياءً لِانْكِسارِ ما قَبْلَها. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ضَبْحًا﴾ مَصْدَرٌ مَنصُوبٌ بِفِعْلِهِ المَحْذُوفِ أيْ: تَضْبَحُ أوْ يَضْبَحْنَ ضَبْحًا والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ، وضَبْحُها صَوْتُ أنْفاسِها عِنْدَ عَدْوِها. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: الخَيْلُ إذا عَدَتْ قالَتْ احْ احْ فَذَلِكَ ضَبْحُها. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ: الضَّبْحُ مِنَ الخَيْلِ الحَمْحَمَةُ ومِنَ الإبِلِ التَّنَفُّسُ. وفِي البَحْرِ: تَصْوِيتٌ جَهِيرٌ عِنْدَ العَدْوِ الشَّدِيدِ لَيْسَ بِصَهِيلٍ ولا رُغاءٍ ولا نُباحٍ بَلْ هو غَيْرُ الصَّوْتِ المُعْتادِ مِن صَوْتِ الحَيَوانِ الَّذِي يُنْسَبُ هو إلَيْهِ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: لَيْسَ يَضْبَحُ مِنَ الحَيَوانِ غَيْرُ الخَيْلِ والكِلابِ، ولا يَصِحُّ عَنْهُ؛ فَإنَّ العَرَبَ اسْتَعْمَلَتِ الضَّبْحَ في الإبِلِ والأسْوَدِ مِنَ الحَيّاتِ والبُومِ والأرْنَبِ والثَّعْلَبِ ورُبَّما تُسْنِدُهُ إلى القَوْسِ. أنْشَدَ أبُو حَنِيفَةَ في صِفَتِها: ؎حَنّانَةٌ مِن نَشَمٍ أوْ تالِبِ تَضْبَحُ في الكَفِّ ضُباحَ الثَّعْلَبِ وذَكَرَ بَعْضُهم أنَّ أصْلَهُ لِلثَّعْلَبِ فاسْتُعِيرَ لِلْخَيْلِ كَما في قَوْلِ عَنْتَرَةَ: ؎والخَيْلُ تَكْدَحُ حِينَ تَضْ ∗∗∗ بَحُ في حِياضِ المَوْتِ ضَبْحا وإنَّهُ مِن ضَبَحَتْهُ النّارُ غَيَّرَتْ لَوْنَهُ ولَمْ تُبالِغْ فِيهِ. ويُقالُ: انْضَبَحَ لَوْنُهُ تَغَيَّرَ إلى السَّوادِ قَلِيلًا. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: الضَّبْحُ وكَذا الضَّبْعُ بِمَعْنى العَدْوِ الشَّدِيدِ؛ وعَلَيْهِ قِيلَ: إنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِلْعادِياتِ ولَيْسَ هُناكَ فِعْلٌ مُقَدَّرٌ. وجُوِّزَ عَلى تَفْسِيرِهِ بِما تَقَدَّمَ أنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلى المَصْدَرِيَّةِ بِهِ أيْضًا لَكِنْ بِاعْتِبارِ أنَّ العَدْوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلضَّبْحِ فَهو في قُوَّةِ فِعْلِ الضَّبْحِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلى الحالِ مُؤَوَّلًا بِاسْمِ الفاعِلِ بِناءً عَلى أنَّ الأصْلَ فِيها أنْ تَكُونَ غَيْرَ جامِدَةٍ؛ أيْ والعادِياتِ ضابِحاتٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب