الباحث القرآني

(p-٢١٠)سُورَةُ العادِياتِ مَقْصُودُها الإعْلامُ بِأنَّ أكْثَرَ الخَلْقِ يَوْمَ الزَّلْزَلَةِ هالِكٌ لِإيثارِ الفانِي مِنَ العِزِّ [والمالِ] عَلى الباقِي عِنْدَ ذِي الجَلالِ، المَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالقَسَمِ وهو والعادِياتُ والمُقْسَمُ عَلَيْهِ وما عُطِفَ عَلَيْهِ، وقَدْ عُلِمَ أنَّ اسْمَها أدَلُّ شَيْءٍ عَلى ذَلِكَ لِما هَدى إلَيْهِ القَسَمَ والمُقْسَمَ عَلَيْهِ: ”بِسْمِ اللَّهِ“ الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ فَلا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ ”الرَّحْمَن“ الَّذِي عَمَّ بِنِعْمَةِ إيجادِهِ وبَيانِهِ فَنِعْمَتُهُ أتَمُّ نِعْمَةٍ وأشْمَلُ ”الرَّحِيم“ الَّذِي خَصَّ خُلَّصَ عِبادِهِ بِتَوْفِيقِهِ فَأتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ وأكْمَلَ. * * * لَمّا خَتَمَ الزَّلْزَلَةَ بِالجَزاءِ لِأعْمالِ الشَّرِّ يَوْمَ الفَصْلِ، افْتَتَحَ هَذِهِ بِبَيانِ ما يَجُرُّ إلى تِلْكَ الأعْمالِ مِنَ الطَّبْعِ، وما يَنْجَرُّ إلَيْهِ ذَلِكَ الطَّبْعُ مِمّا يَتَخَيَّلُهُ مِنَ النَّفْعِ، مُوَبِّخًا مَن لا يَسْتَعِدُّ لِذَلِكَ اليَوْمِ بِالِاحْتِرازِ التّامِّ مِن تِلْكَ الأعْمالِ، مُعَنِّفًا مِن أثَرِ دُنْياهُ عَلى أُخْراهُ، مُقْسِمًا بِما لا يَكُونُ إلّا عِنْدَ أهْلِ النِّعَمِ الكِبارِ المُوجِبَةِ لِلشُّكْرِ، فَمَن غَلَبَ عَلَيْهِ الرُّوحُ شَكَرَ، ومَن غَلَبَ (p-٢١١)عَلَيْهِ الطَّبْعُ - وهُمُ الأكْثَرُ - كَفَرَ فَقالَ: ﴿والعادِياتِ﴾ أيِ الدَّوابِّ الَّتِي مِن شَأْنِها أنْ تَجْرِيَ بِغايَةِ السُّرْعَةِ، وهي الخَيْلُ الَّتِي ظُهُورُها عَزَّ وبُطُونُها كَنْزٌ، وهي لِرَجُلٍ وِزْرٌ ولِرَجُلٍ أجْرٌ، فَمَن فاخَرَ بِها ونادى بِها أهْلَ الإسْلامِ وأبْطَرَهُ عِزَّها حَتّى قَطَعَ الطَّرِيقَ وأخافَ الرَّفِيقَ كانَتْ لَهُ شَرًّا، ومَن جَعَلَها في سَبِيلِ اللَّهِ كانَتْ لَهُ أجْرًا، ومَن حَمَلَ عَلَيْها ولَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ في رِقابِها وظُهُورِها وكانَتْ لَهُ سِتْرًا، وإنَّما أقْسَمَ بِها لِيَتَأمَّلَ ما فِيها مِنَ الأسْرارِ الكِبارِ الَّتِي بايَنَتْ بِهِ أمْثالَها مِنَ الدَّوابِّ كالثَّوْرِ مَثَلًا والحِمارِ لِيَعْلَمَ أنَّ الَّذِي خَصَّها بِذَلِكَ فاعِلٌ مُخْتارٌ واحِدٌ قَهّارٌ، فالقَسَمُ في الحَقِيقَةِ بِهِ سُبْحانَهُ. ولَمّا كانَتْ دالَّةً عَلى الضّابِحاتِ بِالِالتِزامِ، قالَ ناصِبًا بِهِ أوْ بِـ ”تُضْبَحُ“ مُقَدَّرًا: ﴿ضَبْحًا﴾ [والضَّبْحُ] صَوْتٌ جَهِيرٌ مِن أفْواهِها عِنْدَ العَدْوِ الشَّدِيدِ، لَيْسَ بِصَهِيلٍ ولا حَمْحَمَةٍ ولا رُغاءٍ وهو النَّفْسُ، ولَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الدَّوابِّ يُضْبَحُ غَيْرُ الفَرَسِ والكَلْبِ والثَّعْلَبِ، وأصْلُهُ لِلثَّعْلَبِ واسْتُعِيرَ لِلْخَيْلِ، وحَكاهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما فَقالَ: أحَّ أحَّ، أوِ الضَّبْحُ عَدْوٌ دُونَ التَّقْرِيبِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب