الباحث القرآني
(p-٦١)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
سُورَةُ العادِيات
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والعادِياتِ ضَبْحًا﴾ ﴿فالمُورِياتِ قَدْحًا﴾ ﴿فالمُغِيراتِ صُبْحًا﴾ ﴿فَأثَرْنَ بِهِ نَقْعًا﴾ ﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا﴾ .
قالَ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ في إمْلائِهِ:
العادِياتُ: جُمَعُ عادِيَةٍ، والعادِياتُ: المُسْرِعاتُ في مَسِيرِها.
فَمَعْنى العادِياتِ: أقْسَمَ بِالمُسْرِعاتِ في سَيْرِها.
ثُمَّ قالَ: وأكْثَرُ العُلَماءِ عَلى أنَّ المُرادَ بِهِ الخَيْلُ، تَعْدُو في الغَزْوِ، والقَصْدُ تَعْظِيمُ شَأْنِ الجِهادِ في سَبِيلِ اللَّهِ.
وَقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: المُرادُ بِالعادِياتِ: الإبِلُ تَعْدُو بِالحَجِيجِ مِن عَرَفاتٍ إلى مُزْدَلِفَةَ ومِنًى.
وَمَعْنى قَوْلِهِ: ضَبْحًا: أنَّها تَضْبَحُ ضَبْحًا، فَهو مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ، والضَّبْحُ: صَوْتُ أجْوافِ الخَيْلِ عِنْدَ جَرْيِها.
وَهَذا يُؤَيِّدُ القَوْلَ الأوَّلَ الَّذِي يَقُولُ هي الإبِلُ، ولا يَخْتَصُّ الضَّبْحُ بِالخَيْلِ.
﴿فالمُورِياتِ قَدْحًا﴾: أيِ الخَيْلُ تُورِي النّارَ بِحَوافِرِها مِنَ الحِجارَةِ، إذا سارَتْ لَيْلًا.
وَكَذَلِكَ الَّذِي قالَ: العادِياتُ: الإبِلُ. قالَ: بِرَفْعِها الحِجارَةَ فَيَضْرِبُ بَعْضُها بَعْضًا.
وَيَدُلُّ لِهَذا المَعْنى قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎تَنْفِي يَداها الحَصا في كُلِّ هاجِرَةٍ نَفْيَ الدَّراهِمِ تَنْقادُ الصَّيارِيفِ
(p-٦٢)﴿فالمُغِيراتِ صُبْحًا﴾ الخَيْلُ تُغِيرُ عَلى العَدُوِّ وقْتَ الصُّبْحِ.
وَعَلى القَوْلِ الثّانِي: فالإبِلُ تُغِيرُ بِالحُجّاجِ صُبْحًا مِن مُزْدَلِفَةَ إلى مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ.
﴿فَأثَرْنَ بِهِ نَقْعًا﴾: أيْ غُبارًا. قالَ بِهِ. أيْ: بِالصُّبْحِ أوْ بِهِ. أيْ بِالعَدُوِّ.
والمَفْهُومُ مِنَ العادِياتِ: تَوَسَّطْنَ بِهِ جَمْعًا، أيْ دَخَلْنَ في وسَطِ جَمْعٍ أيْ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنَ الكُفّارِ.
وَنَظِيرُ هَذا المَعْنى قَوْلُ بِشْرِ بْنِ أبِي حازِمٍ:
؎فَوَسَطْنَ جَمْعَهم وأفْلَتَ حاجِبٌ ∗∗∗ تَحْتَ العَجاجَةِ في الغُبارِ الأقْتَم
وَعَلى القَوْلِ الثّانِي الَّذِي يَقُولُ: العادِياتُ الإبِلُ تَحْمِلُ الحَجِيجَ.
فَمَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا﴾، أيْ: صِرْنَ بِسَبَبِ ذَلِكَ العَدُوِّ وسْطَ جَمْعٍ. وهي المُزْدَلِفَةُ، وجَمْعٌ اسْمٌ مِن أسْماءِ المُزْدَلِفَةِ.
وَيَدُلُّ لِهَذا المَعْنى قَوْلُ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ المَطَّلِبِ، عَمَّةِ النَّبِيِّ ﷺ وأُمِّ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما:
؎فَلا والعادِياتُ مُغْبِراتُ جَمْعٍ ∗∗∗ بِأيْدِيها إذا سَطَعَ الغُبارُ
وَهَذا الَّذِي ساقَهُ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ، قَدْ جَمَعَ أقْوالَ جَمِيعِ المُفَسِّرِينَ في هَذِهِ الآياتِ، وقَدْ سُقْتُهُ بِحُرُوفِهِ لِبَيانِهِ لِلْمَعْنى كامِلًا.
وَلَكِنْ مِمّا قَدَّمَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ أنَّ مِن أنْواعِ البَيانِ في الأضْواءِ: أنَّهُ إذا اخْتَلَفَ عُلَماءُ التَّفْسِيرِ في مَعْنًى وفي الآيَةِ قَرِينَةٌ تَرُدُّ أحَدَ القَوْلَيْنِ أوْ تُؤَيِّدُ أحَدَهُما فَإنَّهُ يُشِيرُ إلَيْهِ.
وَقَدْ وجَدْتُ اخْتِلافَ المُفَسِّرِينَ في هَذِهِ الآياتِ في نُقْطَةٍ أساسِيَّةٍ مِن هَذِهِ الآياتِ مَعَ اتِّفاقِهِمْ في الألْفاظِ، ومَعانِيها والأُسْلُوبِ وتَراكِيبِهِ.
وَنُقْطَةُ الخِلافِ هي مَعْنى الجَمْعِ الَّذِي تَوَسَّطْنَ بِهِ، أهُوَ المُزْدَلِفَةُ لِأنَّ مِن أسْمائِها جَمْعًا كَما في الحَدِيثِ: «وَقَفْتُ هاهُنا وجَمْعٌ كُلُّها مَوْقِفٌ» .
وَهَذا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، في نِقاشٍ بَيْنَهُ وبَيْنَ ابْنِ عَبّاسٍ. ساقَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
(p-٦٣)أمْ بِالجَمْعِ جَمْعِ الجَيْشِ في القِتالِ عَلى ما تَقَدَّمَ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ وغَيْرِهِ. حَكاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرِهِ.
وَقَدْ وجَدْنا قَرائِنَ عَدِيدَةً في الآيَةِ تَمْنَعُ مِن إرادَةِ المُزْدَلِفَةِ بِمَعْنى جَمْعٍ، وهي كالآتِي: أوَّلًا وصْفُ الخَيْلِ أوِ الإبِلِ عَلى حَدٍّ سَواءٍ بِالعادِياتِ، حَتّى حَدِّ الضَّبْحِ ووَرْيِ النّارِ بِالحَوافِرِ وبِالحَصا، لِأنَّها أوْصافٌ تَدُلُّ عَلى الجَرْيِ السَّرِيعِ.
وَمَعْلُومٌ أنَّ الإفاضَةَ مِن عَرَفاتٍ ثُمَّ مِنَ المُزْدَلِفَةِ لا تَحْتَمِلُ هَذا العَدْوَ، ولَيْسَ هو فِيها بِمَحْمُودٍ؛ «لِأنَّهُ ﷺ كانَ يُنادِي: ”السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ»“ فَلَوْ وُجِدَ لَما كانَ مَوْضِعَ تَعْظِيمٍ وتَفْخِيمٍ.
ثانِيًا: أنَّ المَشْهُورَ أنَّ إثارَةَ النَّقْعِ مِن لَوازِمِ الحَرْبِ، كَما قالَهُ بَشّارٌ:
؎كَأنَّ مَثارَ النَّقْعِ فَوْقَ رُءُوسِنا ∗∗∗ وأسْيافَنا لَيْلٌ تَهاوى كَواكِبُهُ
أيْ: لِشِدَّةِ الكَرِّ والفَرِّ.
ثالِثًا: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فالمُغِيراتِ صُبْحًا﴾ ﴿فَأثَرْنَ بِهِ نَقْعًا﴾ ﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا﴾، جاءَ مُرَتَّبًا بِالفاءِ، وهي تَدُلُّ عَلى التَّرْتِيبِ والتَّعْقِيبِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ المُغِيراتِ صُبْحًا، وبَعْدَها فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا.
وَجَمْعٌ هي المُزْدَلِفَةُ، وإنَّما يُؤْتى إلَيْها لَيْلًا. فَكَيْفَ يَقْرِنُ صُبْحًا، ويَتَوَسَّطْنَ المُزْدَلِفَةَ لَيْلًا.
وَعَلى ما حَكاهُ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ، أنَّهم يُغِيرُونَ صُبْحًا مِنَ المُزْدَلِفَةِ إلى مِنًى، تَكُونُ تِلْكَ الإغارَةُ صُبْحًا بَعْدَ التَّوَسُّطِ بِجَمْعٍ، والسِّياقُ يُؤَخِّرُها عَنِ الإغارَةِ ولَمْ يُقَدِّمْها عَلَيْها.
فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أنَّ إرادَةَ المُزْدَلِفَةِ غَيْرُ مُتَأتِّيَةٍ في هَذا السِّياقِ.
وَيَبْقى القَوْلُ الآخَرُ وهو الأصَحُّ. واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
وَلَوْ رَجَعْنا إلى نَظَرِيَّةِ تَرابُطِ السُّورِ لَكانَ فِيها تَرْجِيحًا لِهَذا المَعْنى، وهو أنَّهُ في السُّورَةِ السّابِقَةِ، ذُكِرَتِ الزَّلْزَلَةُ وصُدُورُ النّاسِ أشْتاتًا لِيُرُوا أعْمالَهم.
(p-٦٤)وَهُنا حَثَّ عَلى أفْضَلِ الأعْمالِ الَّتِي تُورِثُ الحَياةَ الأبَدِيَّةَ والسَّعادَةَ الدّائِمَةَ في صُورَةٍ مُماثِلَةٍ، وهي عَدْوُهم أشْتاتًا في سَبِيلِ اللَّهِ لِتَحْصِيلِ ذاكَ العَمَلِ الَّذِي يُحِبُّونَ رُؤْيَتَهُ في ذَلِكَ الوَقْتِ، وهو نُصْرَةُ دِينِ اللَّهِ أوِ الشَّهادَةِ في سَبِيلِ اللَّهِ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"وَٱلۡعَـٰدِیَـٰتِ ضَبۡحࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق