الباحث القرآني
﴿وكَذَلِكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحًا مِن أمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ ولا الإيمانُ ولَكِنْ جَعَلْناهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَن نَشاءُ مِن عِبادِنا﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿وما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلّا وحْيًا﴾ [الشورى: ٥١] الآيَةَ، وهَذا دَلِيلٌ عَلَيْهِمْ أنَّ القُرْآنَ أُنْزِلَ مِن عِنْدِ اللَّهِ أعْقَبَ بِهِ إبْطالَ شُبْهَتِهِمُ الَّتِي تَقَدَّمَ لِإبْطالِها قَوْلُهُ: ﴿وما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلّا وحْيًا﴾ [الشورى: ٥١] الآيَةَ، أيْ كانَ وحْيُنا إلَيْكَ مِثْلَ كَلامِنا الَّذِي كَلَّمْنا بِهِ مَن قَبْلِكَ عَلى ما صَرَّحَ بِهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنّا أوْحَيْنا إلَيْكَ كَما أوْحَيْنا إلى نُوحٍ والنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ﴾ [النساء: ١٦٣] . والمَقْصُودُ مِن هَذا هو قَوْلُهُ: ﴿ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ ولا الإيمانُ﴾ .
(p-١٥١)والإشارَةُ إلى سابِقٍ في الكَلامِ وهو المَذْكُورُ آنِفًا في قَوْلِهِ: ﴿وما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلّا وحْيًا﴾ [الشورى: ٥١] الآيَةَ، أيْ ومِثْلَ الَّذِي ذُكِرَ مِن تَكْلِيمِ اللَّهِ وحْيُنا إلَيْكَ رُوحًا مِن أمْرِنا، فَيَكُونُ عَلى حَدِّ قَوْلِ الحارِثِ بْنِ حِلِّزَةَ:
؎مِثْلَها تَخْرُجُ النَّصِيحَةُ لِلْقَوْمِ فَلاةً مِن دُونِهَـا أفْـلاءُ
أيْ مِثْلَ نَصِيحَتِنا الَّتِي نَصَحْناها لِلْمَلِكِ عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ تَكُونُ نَصِيحَةُ الأقْوامِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ لِأنَّها نَصِيحَةُ قَرابَةِ ذَوِي أرْحامٍ.
ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الإشارَةُ إلى ما يَأْتِي مِن بَعْدُ وهو الإيحاءُ المَأْخُوذُ مَن (أوْحَيْنا إلَيْكَ) أيْ مِثْلَ إيحائِنا إلَيْكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ، أيْ لَوْ أُرِيدَ تَشْبِيهُ إيحائِنا إلَيْكَ في رِفْعَةِ القَدْرِ والهُدى ما وُجِدَ لَهُ شَبِيهٌ إلّا نَفْسُهُ عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْناكم أُمَّةً وسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣] كَما تَقَدَّمَ في سُورَةِ البَقَرَةِ. والمَعْنى: إنَّ ما أوْحَيْنا إلَيْكَ هو أعَزُّ وأشْرَفُ وحْيٍ بِحَيْثُ لا يُماثِلُهُ غَيْرُهُ.
وكِلا المَعْنَيَيْنِ صالِحٌ هُنا فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ كِلاهُما مَحْمَلًا لِلْآيَةِ عَلى نَحْوِ ما ابْتَكَرْناهُ في المُقَدِّمَةِ التّاسِعَةِ مِن هَذا التَّفْسِيرِ. ويُؤْخَذُ مِن هَذِهِ الآيَةِ أنَّ النَّبِيءَ مُحَمَّدًا ﷺ قَدْ أُعْطِي أنْواعَ الوَحْيِ الثَّلاثَةَ، وهو أيْضًا مُقْتَضى الغَرَضِ مِن مَساقِ هَذِهِ الآياتِ.
والرُّوحُ: ما بِهِ حَياةُ الإنْسانِ، وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ [الإسراء: ٨٥] في سُورَةِ الإسْراءِ. وأطْلَقَ الرُّوحَ هُنا مَجازًا عَلى الشَّرِيعَةِ الَّتِي بِها اهْتِداءُ النُّفُوسِ إلى ما يَعُودُ عَلَيْهِمْ بِالخَيْرِ في حَياتِهِمُ الأُولى وحَياتِهِمُ الثّانِيَةِ، شُبِّهَتْ هِدايَةُ عُقُولِهِمْ بَعْدَ الضَّلالَةِ بِحُلُولِ الرُّوحِ في الجَسَدِ فَيَصِيرُ حَيًّا بَعْدَ أنْ كانَ جُثَّةً.
ومَعْنى (مِن أمْرِنا) مِمّا اسْتَأْثَرْنا بِخَلْقِهِ وحَجَبْناهُ عَنِ النّاسِ فالأمْرُ المُضافُ إلى (p-١٥٢)اللَّهِ بِمَعْنى الشَّأْنِ العَظِيمِ، كَقَوْلِهِمْ: أمِرَ أمْرُ فُلانٍ، أيْ شَأْنُهُ، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿بِإذْنِ رَبِّهِمْ مِن كُلِّ أمْرٍ﴾ [القدر: ٤] .
والمُرادُ بِالرُّوحِ مِن أمْرِ اللَّهِ: ما أُوحِيَ بِهِ إلى النَّبِيءِ ﷺ مِنَ الإرْشادِ والهِدايَةِ سَواءٌ كانَ بِتَلْقِينِ كَلامٍ مُعَيَّنٍ مَأْمُورٍ بِإبْلاغِهِ إلى النّاسِ بِلَفْظِهِ دُونَ تَغَيُّرٍ وهو الوَحْيُ القُرْآنِيُّ المَقْصُودُ مِنهُ أمْرانِ: الهِدايَةُ والإعْجازُ، أمْ كانَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِذَلِكَ بَلِ الرَّسُولُ مَأْمُورٌ بِتَبْلِيغِ المَعْنى دُونَ اللَّفْظِ وهو ما يَكُونُ بِكَلامٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ بِهِ الإعْجازُ، أوْ بِإلْقاءِ المَعْنى إلى الرَّسُولِ بِمُشافَهَةِ المَلَكِ، ولِلرَّسُولِ في هَذا أنْ يَتَصَرَّفَ مِن ألْفاظِ ما أُوحِيَ إلَيْهِ بِما يُرِيدُ التَّعْبِيرَ بِهِ أوْ بِرُؤْيا المَنامِ أوْ بِالإلْقاءِ في النَّفْسِ كَما تَقَدَّمَ.
واخْتِتامُ هَذِهِ السُّورَةِ بِهَذِهِ الآيَةِ مَعَ افْتِتاحِها بَقَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ يُوحِي إلَيْكَ﴾ [الشورى: ٣] الآيَةَ فِيهِ مُحَسِّنُ رَدِّ العَجُزِ عَلى الصَّدْرِ.
وجُمْلَةُ ﴿ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ (أوْحَيْنا) أيْ أوْحَيْنا إلَيْكَ في حالَ انْتِفاءِ عِلْمِكَ بِالكِتابِ والإيمانِ، أيْ أفَضْنا عَلَيْكَ مَوْهِبَةَ الوَحْيِ في حالِ خُلُوِّكَ عَنْ عِلْمِ الكِتابِ وعِلْمِ الإيمانِ. وهَذا تَحَدٍّ لِلْمُعانِدِينَ لِيَتَأمَّلُوا في حالِ الرَّسُولِ ﷺ فَيَعْلَمُوا أنَّ ما أُوتِيَهُ مِنَ الشَّرِيعَةِ والآدابِ الخُلُقِيَّةِ هو مِن مَواهِبِ اللَّهِ تَعالى الَّتِي لَمْ تَسْبِقْ لَهُ مُزاوَلَتُها، ويَتَضَمَّنُ امْتِنانًا عَلَيْهِ وعَلى أُمَّتِهِ المُسْلِمِينَ.
ومَعْنى عَدَمِ دِرايَةِ الكِتابِ: عَدَمُ تَعَلُّقِ عِلْمِهِ بِقِراءَةِ كِتابٍ أوْ فَهْمِهِ.
ومَعْنى انْتِفاءِ دِرايَةِ الإيمانِ: عَدَمُ تَعَلُّقِ عِلْمِهِ بِما تَحْتَوِي عَلَيْهِ حَقِيقَةُ الإيمانِ الشَّرْعِيِّ مِن صِفاتِ اللَّهِ وأُصُولِ الدِّينِ وقَدْ يُطْلَقُ الإيمانُ عَلى ما يُرادِفُ الإسْلامَ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣] وهو الإيمانُ الَّذِي يَزِيدُ ويَنْقُصُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إيمانًا﴾ [المدثر: ٣١]، فَيُزادُ في مَعْنى عَدَمِ دِرايَةِ الإيمانِ انْتِفاءُ تَعَلُّقِ عِلْمِ الرَّسُولِ ﷺ بِشَرائِعِ الإسْلامِ. فانْتِفاءُ دِرايَتِهِ بِالإيمانِ مِثْلُ انْتِفاءِ دِرايَتِهِ بِالكِتابِ، أيِ انْتِفاءِ العِلْمِ بِحَقائِقِهِ ولِذَلِكَ قالَ ما كُنْتَ تَدْرِي ولَمْ يَقُلْ: ما كُنْتَ مُؤْمِنًا.
(p-١٥٣)وكِلا الِاحْتِمالَيْنِ لا يَقْتَضِي أنَّ الرَّسُولَ ﷺ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا بِوُجُودِ اللَّهِ ووَحْدانِيَّةِ إلَهِيَّتِهِ قَبْلَ نُزُولِ الوَحْيِ عَلَيْهِ إذِ الأنْبِياءُ والرُّسُلُ مَعْصُومُونَ مِنَ الشِّرْكِ قَبْلَ النُّبُوءَةِ فَهم مُوَحِّدُونَ لِلَّهِ ونابِذُونَ لِعِبادَةِ الأصْنامِ، ولَكِنَّهم لا يَعْلَمُونَ تَفاصِيلَ الإيمانِ، وكانَ نَبِيُّنا ﷺ في عَهْدِ جاهِلِيَّةِ قَوْمِهِ يَعْلَمُ بُطْلانَ عِبادَةِ الأصْنامِ، وإذْ قَدْ كانَ قَوْمُهُ يُشْرِكُونَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ في الإلَهِيَّةِ فَبُطْلانُ إلَهِيَّةِ الأصْنامِ عِنْدَهُ تُمَحِّضُهُ لِإفْرادِ اللَّهِ بِالإلَهِيَّةِ لا مَحالَةَ.
وقَدْ أخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ فِيما رَواهُ أبُو نُعَيْمٍ في دَلائِلِ النُّبُوءَةِ عَنْ شَدّادِ بْنِ أوْسٍ وذَكَرَهُ عِياضٌ في الشِّفاءِ غَيْرَ مَعْزُوٍّ: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ لَمّا نَشَأْتُ - أيْ عَقَلْتُ - بُغِّضَتْ إلَيَّ الأوْثانُ وبُغِّضَ إلَيَّ الشِّعْرُ، ولَمْ أهُمَّ بِشَيْءٍ مِمّا كانَتِ الجاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ إلّا مَرَّتَيْنِ فَعَصَمَنِي اللَّهُ مِنهُما ثُمَّ لَمْ أعُدْ» .
وعَلى شِدَّةِ مُنازَعَةِ قُرَيْشٍ إيّاهُ في أمْرِ التَّوْحِيدِ فَإنَّهم لَمْ يُحاجُّوهُ بِأنَّهُ كانَ يَعْبُدُ الأصْنامَ مَعَهم.
وفِي هَذِهِ الآيَةِ حُجَّةٌ لِلْقائِلِينَ بِأنَّ رَسُولَ ﷺ لَمْ يَكُنْ مُتَعَبِّدًا قَبْلَ نُبُوءَتِهِ بِشَرْعٍ.
وإدْخالُ (لا) النّافِيَةِ في قَوْلِهِ ولا الإيمانُ تَأْكِيدٌ لِنَفْيِ دِرايَتِهِ إيّاهُ، أيْ ما كُنْتَ تَدْرِي الكِتابَ ولا الإيمانَ، لِلتَّنْصِيصِ عَلى أنَّ المَنفِيَّ دِرايَةُ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما.
وقَوْلُهُ: ﴿ولَكِنْ جَعَلْناهُ نُورًا﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ﴾ . وضَمِيرُ جَعَلْناهُ عائِدٌ إلى الكِتابِ في قَوْلِهِ: ﴿ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ﴾ . والتَّقْدِيرُ: وجَعَلَنا الكِتابَ نُورًا. وأُقْحِمَ في الجُمْلَةِ المَعْطُوفَةِ حَرْفُ الِاسْتِدْراكِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ مَضْمُونَ هَذِهِ الجُمْلَةِ عَكْسُ مَضْمُونِ جُمْلَةِ ﴿ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ﴾ .
والِاسْتِدْراكُ ناشِئٌ عَلى ما تَضَمَّنَتْهُ جُمْلَةُ ﴿ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ﴾ لِأنَّ ظاهِرَ نَفْيِ دِرايَةِ الكِتابِ أنَّ انْتِفاءَها مُسْتَمِرٌّ فاسْتَدْرَكَ بِأنَّ اللَّهَ هَداهُ، بِالكِتابِ وهَدى بِهِ أُمَّتَهُ، فالِاسْتِدْراكُ واقِعٌ في المَحَزِّ. والتَّقْدِيرُ: ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ ولا الإيمانُ ثُمَّ هَدَيْناكَ بِالكِتابِ ابْتِداءً وعَرَّفْناكَ بِهِ الإيمانَ وهَدَيْتَ بِهِ النّاسَ ثانِيًا (p-١٥٤)فاهْتَدى بِهِ مَن شِئْنا هِدايَتَهُ، أيْ وبَقِيَ عَلى الضَّلالِ مَن لَمْ نَشَأْ لَهُ الِاهْتِداءَ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ويَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦] .
وشُبِّهَ الكِتابُ بِالنُّورِ لِمُناسَبَةِ الهَدْيِ بِهِ لِأنَّ الإيمانَ والهُدى والعِلْمَ تُشَبَّهُ بِالنُّورِ، والضَّلالَ والجَهْلَ والكُفْرَ تُشَبَّهُ بِالظُّلْمَةِ، قالَ تَعالى: ﴿يُخْرِجُهم مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ﴾ [البقرة: ٢٥٧] . وإذا كانَ السّائِرُ في الطَّرِيقِ في ظُلْمَةٍ ضَلَّ عَنِ الطَّرِيقِ فَإذا اسْتَنارَ لَهُ اهْتَدى إلى الطَّرِيقِ، فالنُّورُ وسِيلَةُ الِاهْتِداءِ ولَكِنْ إنَّما يَهْتَدِي بِهِ مَن لا يَكُونُ لَهُ حائِلٌ دُونَ الِاهْتِداءِ وإلّا لَمْ تَنْفَعْهُ وسِيلَةُ الِاهْتِداءِ ولِذَلِكَ قالَ تَعالى: ﴿نَهْدِي بِهِ مَن نَشاءُ مِن عِبادِنا﴾، أيْ نَخْلُقُ بِسَبَبِهِ الهِدايَةَ في نُفُوسِ الَّذِينَ أعَدَدْناهم لِلْهُدى مِن عِبادِنا.
فالهِدايَةُ هُنا هِدايَةٌ خاصَّةٌ وهي خَلْقُ الإيمانِ في القَلْبِ.
* * *
﴿وإنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ﴿صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ [الشورى: ٥٣]
أيْ نَهْدِي بِهِ مَن نَشاءُ بِدَعْوَتِكَ وواسِطَتِكَ فَلَمّا أثْبَتَ الهَدْيَ إلى اللَّهِ وجَعَلَ الكِتابَ سَبَبًا لِتَحْصِيلِ الهِدايَةِ عَطَفَ وساطَةَ الرَّسُولِ في إيصالِ ذَلِكَ الهَدْيِ تَنْوِيهًا بِشَأْنِ الرَّسُولِ ﷺ .
فَجُمْلَةُ وإنَّكَ لَتَهْدِي عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿نَهْدِي بِهِ مَن نَشاءُ مِن عِبادِنا﴾ . وفي الكَلامِ تَعْرِيضٌ بِالمُشْرِكِينَ إذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ وإذْ كَبُرَ عَلَيْهِمْ ما يَدْعُوهم إلَيْهِ مَعَ أنَّهُ يَهْدِيهِمْ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
والهِدايَةُ في قَوْلِهِ وإنَّكَ لَتَهْدِي هِدايَةٌ عامَّةٌ. وهي: إرْشادُ النّاسِ إلى طَرِيقِ الخَيْرِ فَهي تُخالِفُ الهِدايَةَ في قَوْلِهِ: ﴿نَهْدِي بِهِ مَن نَشاءُ﴾ .
وحَذَفَ مَفْعُولَ لَتَهْدِي لِلْعُمُومِ، أيْ لَتَهْدِي جَمِيعَ النّاسِ، أيْ تُرْشِدُهم إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، وهَذا كَقَوْلِهِ: ﴿وهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: ١٠] ﴿فَلا اقْتَحَمَ العَقَبَةَ﴾ [البلد: ١١] .
(p-١٥٥)وتَأْكِيدُ الخَبَرِ بِـ (إنَّ) لِلِاهْتِمامِ بِهِ؛ لِأنَّ الخَبَرَ مُسْتَعْمَلٌ في تَثْبِيتِ قَلْبِ النَّبِيءِ ﷺ بِالشَّهادَةِ لَهُ بِهَذا المَقامِ العَظِيمِ فالخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ في لازِمِ مَعْناهُ، عَلى أنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ أيْضًا لِلتَّعْرِيضِ بِالمُنْكِرِينَ لِهَدْيِهِ فَيَكُونُ في التَّأْكِيدِ مُلاحَظَةُ تَحْقِيقِهِ وإبْطالُ إنْكارِهِمْ.
فَكَما أنَّ الخَبَرَ مُسْتَعْمَلٌ في لازِمَيْنِ مِن لَوازِمِ مَعْناهُ فَكَذَلِكَ التَّأْكِيدُ بِـ (إنَّ) مُسْتَعْمَلٌ في غَرَضَيْنِ مِن أغْراضِهِ، وكِلا الأمْرَيْنِ مِمّا أُلْحِقَ بِاسْتِعْمالِ المُشْتَرَكِ في مَعْنَيَيْهِ.
وتَنْكِيرُ (صِراطٍ) لِلتَّعْظِيمِ مِثْلُ تَنْكِيرِ عَظْمٍ في قَوْلِ أبِي خِراشٍ:
؎فَلا وأبِي الطَّيْرِ المُرِبَّةِ في الضُّحى عَلى خالِدٍ لَقَدْ وقَعْنَ عَلى عَـظْـمِ
ولِأنَّ التَّنْكِيرَ أنْسَبُ بِمَقامِ التَّعْرِيضِ بِالَّذِينِ لَمْ يَأْبَهُوا بِهِدايَتِهِ.
وعَدَلَ عَنْ إضافَةِ (صِراطٍ) إلى اسْمِ الجَلالَةِ ابْتِداءً لِقَصْدِ الإجْمالِ الَّذِي يَعْقُبُهُ التَّفْصِيلُ بِأنْ يُبْدِلَ مِنهُ بَعْدَ ذَلِكَ (صِراطَ اللَّهِ) لِيَتَمَكَّنَ بِهَذا الأُسْلُوبِ المَعْنى المَقْصُودُ فَضْلَ تَمَكُّنٍ عَلى نَحْوِ قَوْلِهِ: ﴿اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦] ﴿صِراطَ الَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: ٧] .
وإجْراءُ وصْفِ اسْمِ الجَلالَةِ بِاسْمِ المَوْصُولِ وصِلَتِهِ لِلْإيماءِ أنَّ سَبَبَ اسْتِقامَةِ الصِّراطِ الَّذِي يَهْدِي إلَيْهِ النَّبِيءُ بِأنَّهُ صِراطُ الَّذِي يَمْلِكُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ فَلا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ مِمّا يَلِيقُ بِعِبادِهِ، فَلَمّا أرْسَلَ إلَيْهِمْ رَسُولًا بِكِتابٍ لا يُرْتابُ في أنَّ ما أرْسَلَ لَهم فِيهِ صَلاحُهم.
{"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ رُوحࣰا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِی مَا ٱلۡكِتَـٰبُ وَلَا ٱلۡإِیمَـٰنُ وَلَـٰكِن جَعَلۡنَـٰهُ نُورࣰا نَّهۡدِی بِهِۦ مَن نَّشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِیۤ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق