الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وحْيًا﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: سَبَبُ نُزُولِها «أنَّ اليَهُودَ قالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: ألا تُكَلِّمُ اللَّهَ وتَنْظُرُ إلَيْهِ إنْ كُنْتَ نَبِيًّا صادِقًا كَما كَلَّمَهُ مُوسى ونَظَرَ إلَيْهِ؟ فَقالَ لَهُمْ: "لَمْ يَنْظُرْ مُوسى إلى اللَّهِ"، ونَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.» والمُرادُ بِالوَحْيِ هاهُنا: الوَحْيُ في المَنامِ.
﴿أوْ مِن وراءِ حِجابٍ﴾ كَمّا كَلَّمَ مُوسى.
﴿أوْ يُرْسِلَ﴾ قَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ: "يُرْسِلُ" بِالرَّفْعِ ﴿فَيُوحِيَ﴾ بِسُكُونِ الياءِ. وقَرَأ الباقُونَ: "يُرْسِلَ" بِنَصْبِ اللّامِ "فَيُوحِيَ" بِتَحْرِيكِ الياءِ، والمَعْنى: "أوْ يُرْسِلُ رَسُولًا" كِجِبْرائِيلَ "فَيُوحِي" ذَلِكَ الرَّسُولُ إلى المُرْسَلِ إلَيْهِ ﴿بِإذْنِهِ ما يَشاءُ﴾ . قالَ مَكِّيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ: مَن قَرَأ "أوْ يُرْسِلَ" بِالنَّصْبِ، عَطَفَهُ عَلى مَعْنى قَوْلِهِ: "إلّا وحْيًا" لِأنَّهُ بِمَعْنى: إلّا أنْ يُوحِيَ. (p-٢٩٨)وَمَن قَرَأ بِالرَّفْعِ، فَعَلى الِابْتِداءِ، كَأنَّهُ قالَ، أوْ هو يُرْسِلُ. قالَ القاضِي أبُو يَعْلى: وهَذِهِ الآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلى أنَّهُ لا يُكَلِّمُ بَشَرًا إلّا مِن وراءِ حِجابٍ في دارِ الدُّنْيا.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَذَلِكَ﴾ أيْ: وكَما أوْحَيْنا إلى الرُّسُلِ ﴿أوْحَيْنا إلَيْكَ﴾، وقِيلَ: الواوُ عَطْفٌ عَلى أوَّلِ السُّورَةِ، فالمَعْنى: كَذَلِكَ نُوحِي إلَيْكَ وإلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ.
"وَكَذَلِكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحًا مِن أمْرِنا" قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هو القُرْآنُ. وقالَ مُقاتِلٌ: وحْيًا بِأمْرِنا.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ﴾ وذَلِكَ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ القُرْآنَ قَبْلَ الوَحْيِ ﴿وَلا الإيمانُ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُ بِمَعْنى الدَّعْوَةِ إلى الإيمانِ، قالَهُ أبُو العالِيَةِ.
والثّانِي: أنَّ المُرادَ بِهِ: شَرائِعُ الإيمانِ ومَعالِمُهُ، وهي كُلُّها إيمانٌ؛ وقَدْ سَمّى الصَّلاةَ إيمانًا بِقَوْلِهِ: ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمانَكُمْ﴾ [البَقَرَةِ: ١٤٣]، هَذا اخْتِيارُ ابْنِ قُتَيْبَةَ، ومُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ.
والثّالِثُ: أنَّهُ ما كانَ يَعْرِفُ الإيمانَ حِينَ كانَ في المَهْدِ وإذْ كانَ طِفْلًا قَبْلَ البُلُوغِ، حَكاهُ الواحِدِيُّ. والقَوْلُ ما اخْتارَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وابْنُ خُزَيْمَةَ، وقَدِ اشْتُهِرَ في الحَدِيثِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّهُ كانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ يُوَحِّدُ اللَّهَ، ويُبْغِضُ اللّاتَ والعُزّى، ويَحُجُّ ويَعْتَمِرُ، ويَتَّبِعُ شَرِيعَةَ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ. قالَ الإمامُ أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَن زَعَمَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ عَلى دِينِ قَوْمِهِ، فَهو قَوْلُ سُوءٍ: ألَيْسَ كانَ لا يَأْكُلُ ما ذُبِحَ عَلى النُّصُبِ؟ وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: قَدْ جاءَ في الحَدِيثِ (p-٢٩٩)أنَّهُ كانَ عَلى دِينِ قَوْمِهِ أرْبَعِينَ سَنَةً. ومَعْناهُ: أنَّ العَرَبَ لَمْ يَزالُوا عَلى بَقايا مِن دَيْنِ إسْماعِيلَ، مِن ذَلِكَ حَجُّ البَيْتِ، والخِتانُ، وإيقاعُ الطَّلاقِ إذا كانَ ثَلاثًا، وأنَّ لِلزَّوْجِ الرَّجْعَةَ في الواحِدَةِ والِاثْنَتَيْنِ، وِدِيَةُ النَّفْسِ مِائَةٌ مِنَ الإبِلِ، والغُسْلُ مِنَ الجَنابَةِ، وتَحْرِيمُ ذَواتِ المَحارِمِ بِالقُرابَةِ والصِّهْرِ. وكانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى ما كانُوا عَلَيْهِ مِنَ الإيمانِ بِاللَّهِ والعَمَلِ بِشَرائِعِهِمْ في الخِتانِ والغُسْلِ والحَجِّ، وكانَ لا يَقْرُبُ الأوْثانَ، ويَعِيبُها. وكانَ لا يَعْرِفُ شَرائِعَ اللَّهِ الَّتِي شَرَعَها لِعِبادِهِ عَلى لِسانِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ﴾ [يَعْنِي القُرْآنَ] ﴿وَلا الإيمانُ﴾ يَعْنِي شَرائِعَ الإيمانِ؛ ولَمْ يُرِدِ الإيمانَ الَّذِي هو الإقْرارُ بِاللَّهِ، لِأنَّ آباءَهُ الَّذِينَ ماتُوا عَلى الشِّرْكِ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ويَحُجُّونَ لَهُ [البَيْتَ] مَعَ شِرْكِهِمْ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَكِنْ جَعَلْناهُ﴾ في هاءِ الكِنايَةِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها تَرْجِعُ إلى القُرْآنِ. والثّانِي: إلى الإيمانِ.
﴿نُورًا﴾ أيْ: ضِياءً ودَلِيلًا عَلى التَّوْحِيدِ ﴿نَهْدِي بِهِ مَن نَشاءُ﴾ [مِن عِبادِنا] إلى دِينِ الحَقِّ.
(p-٣٠٠)﴿وَإنَّكَ لَتَهْدِي﴾ أيْ: لَتَدْعُو ﴿إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وهو الإسْلامُ.
{"ayahs_start":51,"ayahs":["۞ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن یُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡیًا أَوۡ مِن وَرَاۤىِٕ حِجَابٍ أَوۡ یُرۡسِلَ رَسُولࣰا فَیُوحِیَ بِإِذۡنِهِۦ مَا یَشَاۤءُۚ إِنَّهُۥ عَلِیٌّ حَكِیمࣱ","وَكَذَ ٰلِكَ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ رُوحࣰا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِی مَا ٱلۡكِتَـٰبُ وَلَا ٱلۡإِیمَـٰنُ وَلَـٰكِن جَعَلۡنَـٰهُ نُورࣰا نَّهۡدِی بِهِۦ مَن نَّشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِیۤ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ","صِرَ ٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِی لَهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَاۤ إِلَى ٱللَّهِ تَصِیرُ ٱلۡأُمُورُ"],"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ رُوحࣰا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِی مَا ٱلۡكِتَـٰبُ وَلَا ٱلۡإِیمَـٰنُ وَلَـٰكِن جَعَلۡنَـٰهُ نُورࣰا نَّهۡدِی بِهِۦ مَن نَّشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِیۤ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق