الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحًا مِن أمْرِنا﴾ .
قَدْ قَدَّمْنا الآياتِ المُوَضِّحَةَ لَهُ في أوَّلِ سُورَةِ ”النَّحْلِ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُنَزِّلُ المَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِن أمْرِهِ عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ﴾ الآيَةَ [النحل: ٢] .
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ ولا الإيمانُ ولَكِنْ جَعَلْناهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَن نَشاءُ مِن عِبادِنا﴾ .
قَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ ولا الإيمانُ﴾ - يُبَيِّنُ اللَّهُ - جَلَّ وعَلا - فِيهِ مِنَّتَهُ عَلى هَذا النَّبِيِّ الكَرِيمِ، بِأنَّهُ عَلَّمَهُ هَذا القُرْآنَ العَظِيمَ ولَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وعَلَّمَهُ تَفاصِيلَ دِينِ الإسْلامِ ولَمْ يَكُنْ يَعْلَمُها قَبْلَ ذَلِكَ.
(p-٧٩)فَقَوْلُهُ: ﴿ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ﴾ أيْ ما كُنْتَ تَعْلَمُ ما هو هَذا الكِتابُ الَّذِي هو القُرْآنُ العَظِيمُ، حَتّى عَلَّمْتُكَهُ، وما كُنْتَ تَدْرِي ما الإيمانُ الَّذِي هو تَفاصِيلُ هَذا الدِّينِ الإسْلامِيِّ، حَتّى عَلَّمْتُكَهُ.
وَمَعْلُومٌ أنَّ الحَقَّ الَّذِي لا شَكَّ فِيهِ الَّذِي هو مَذْهَبُ أهْلِ السُّنَّةِ والجَماعَةِ - أنَّ الإيمانَ شامِلٌ لِلْقَوْلِ والعَمَلِ مَعَ الِاعْتِقادِ.
وَذَلِكَ ثابِتٌ في أحادِيثَ صَحِيحَةٍ كَثِيرَةٍ، مِنها حَدِيثُ وفْدِ عَبْدِ القَيْسِ المَشْهُورُ، ومِنها حَدِيثُ: «مَن قامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا» . . . ”الحَدِيثَ، فَسَمّى فِيهِ قِيامَ رَمَضانَ إيمانًا، وحَدِيثُ“ «الإيمانُ بِضْعٌ وسَبْعُونَ شُعْبَةً»، وفي بَعْضِ رِواياتِهِ «بِضْعٌ وسِتُّونَ شُعْبَةً، أعْلاها شَهادَةُ ألّا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وأدْناها إماطَةُ الأذى عَنِ الطَّرِيقِ» .
والأحادِيثُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، ويَكْفِي في ذَلِكَ ما أوْرَدَهُ البَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ، فَهو - صَلَواتُ اللَّهِ وسَلامُهُ عَلَيْهِ - ما كانَ يَعْرِفُ تَفاصِيلَ الصَّلَواتِ المَكْتُوبَةِ وأوْقاتَها، ولا صَوْمَ رَمَضانَ، وما يَجُوزُ فِيهِ وما لا يَجُوزُ، ولَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ تَفاصِيلَ الزَّكاةِ ولا ما تَجِبُ فِيهِ ولا قَدْرَ النِّصابِ وقَدْرَ الواجِبِ فِيهِ، ولا تَفاصِيلَ الحَجِّ ونَحْوَ ذَلِكَ، وهَذا هو المُرادُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلا الإيمانُ﴾ .
وَما ذَكَرَهُ هُنا مِن أنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ هَذِهِ الأُمُورَ حَتّى عَلَّمَهُ إيّاها بِأنْ أوْحى إلَيْهِ هَذا النُّورَ العَظِيمَ الَّذِي هو كِتابُ اللَّهِ - جاءَ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الكِتابَ والحِكْمَةَ وعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ الآيَةَ [النساء: ١١٣] . وقَوْلُهُ - جَلَّ وعَلا -: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أحْسَنَ القَصَصِ بِما أوْحَيْنا إلَيْكَ هَذا القُرْآنَ وإنْ كُنْتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافِلِينَ﴾ [يوسف: ٣] .
فَقَوْلُهُ في آيَةِ ”يُوسُفَ“ هَذِهِ: ﴿وَإنْ كُنْتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافِلِينَ﴾، كَقَوْلِهِ هُنا: ﴿ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ ولا الإيمانُ﴾، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضالًّا فَهَدى﴾ [الضحى: ٧] عَلى أصَحِّ التَّفْسِيراتِ كَما قَدَّمْناهُ في سُورَةِ ”الشُّعَراءِ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالَ فَعَلْتُها إذًا وأنا مِنَ الضّالِّينَ﴾ [الشعراء: ٢٠] . إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَلَكِنْ جَعَلْناهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَن نَشاءُ﴾، الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: (جَعَلْناهُ) راجِعٌ إلى القُرْآنِ العَظِيمِ المَذْكُورِ في قَوْلِهِ: ﴿رُوحًا مِن أمْرِنا﴾ . (p-٨٠)وَقَوْلُهُ: ﴿ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ﴾، أيْ ولَكِنْ جَعْلَنا هَذا القُرْآنَ العَظِيمَ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَن نَشاءُ هِدايَتَهُ مِن عِبادِنا.
وَسُمِّي القُرْآنُ نُورًا؛ لِأنَّهُ يُضِيءُ الحَقَّ ويُزِيلُ ظُلُماتِ الجَهْلِ والشَّكِّ والشِّرْكِ.
وَما ذَكَرَهُ هُنا مِن أنَّ هَذا القُرْآنَ نُورٌ - جاءَ مُوَضَّحًا في آياتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ياأيُّها النّاسُ قَدْ جاءَكم بُرْهانٌ مِن رَبِّكم وأنْزَلْنا إلَيْكم نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء: ١٧٤] .
• وَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ﴾ [الأعراف: ١٥٧] .
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قَدْ جاءَكم مِنَ اللَّهِ نُورٌ وكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ ويُخْرِجُهم مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ بِإذْنِهِ ويَهْدِيهِمْ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [المائدة: ١٥ - ١٦] .
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ والنُّورِ الَّذِي أنْزَلْنا﴾ [التغابن: ٨] .
وَما دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآياتُ الكَرِيمَةُ مِن كَوْنِ هَذا القُرْآنُ نُورًا - يَدُلُّ عَلى أنَّهُ هو الَّذِي يَكْشِفُ ظُلُماتِ الجَهْلِ، ويَظْهَرُ في ضَوْئِهِ الحَقُّ، ويَتَمَيَّزُ عَنِ الباطِلِ، ويُمَيَّزُ بِهِ بَيْنَ الهُدى والضَّلالِ والحَسَنِ والقَبِيحِ.
فَيَجِبُ عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ أنْ يَسْتَضِيءَ بِنُورِهِ، فَيَعْتَقِدَ عَقائِدَهُ، ويُحِلَّ حَلالَهُ، ويُحَرِّمَ حَرامَهُ، ويَمْتَثِلَ أوامِرَهُ، ويَجْتَنِبَ ما نَهى عَنْهُ، ويَعْتَبِرَ بِقَصَصِهِ وأمْثالِهِ.
والسُّنَّةُ كُلُّها داخِلَةٌ في العَمَلِ بِهِ، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكم عَنْهُ فانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧] .
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ .
الصِّراطُ المُسْتَقِيمُ قَدْ بَيَّنَهُ تَعالى في قَوْلِهِ: ﴿اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضّالِّينَ﴾ [الفاتحة: ٦ - ٧] .
وَقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَإنَّكَ لَتَهْدِي﴾ الآيَةَ، قَدْ بَيَّنّا الآياتِ المُوَضِّحَةَ لَهُ في سُورَةِ ”فُصِّلَتْ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ﴾ الآيَةَ [فصلت: ١٧]، وبَيَّنّا هُناكَ وجْهَ الجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ مَعَ قَوْلِهِ: ﴿إنَّكَ لا تَهْدِي مَن أحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦] .
(p-٨١)والصِّراطُ في لُغَةِ العَرَبِ: الطَّرِيقُ الواضِحُ، والمُسْتَقِيمُ: الَّذِي لا اعْوِجاجَ فِيهِ، ومِنهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:
؎أمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلى صِراطٍ إذا اعْوَجَّ المَوارِدُ مُسْتَقِيمُ
{"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ رُوحࣰا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِی مَا ٱلۡكِتَـٰبُ وَلَا ٱلۡإِیمَـٰنُ وَلَـٰكِن جَعَلۡنَـٰهُ نُورࣰا نَّهۡدِی بِهِۦ مَن نَّشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِیۤ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق