الباحث القرآني
﴿وكَذَلِكَ﴾ أيْ ومِثْلَ هَذا اَلْإيحاءِ اَلْبَدِيعِ عَلى أنَّ اَلْإشارَةَ لِما بَعُدَ ﴿أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحًا مِن أمْرِنا﴾ وهو ما أُوحِيَ إلَيْهِ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ أوِ اَلْقُرْآنُ اَلَّذِي هو لِلْقُلُوبِ بِمَنزِلَةِ اَلرُّوحِ لِلْأبْدانِ حَيْثُ يُحْيِيها حَياةً أبَدِيَّةً، وقِيلَ: أيْ ومِثْلَ اَلْإيحاءِ اَلْمَشْهُورِ لِغَيْرِكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ، وقِيلَ: أيْ ومِثْلَ ذَلِكَ اَلْإيحاءِ اَلْمُفَصَّلِ أوْحَيْنا إلَيْكَ إذْ كانَ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ اِجْتَمَعَتْ لَهُ اَلطُّرُقُ اَلثَّلاثُ سَواءٌ فُسِّرَ اَلْوَحْيُ بِالإلْقاءِ أمْ فُسِّرَ بِالكَلامِ اَلشِّفاهِيِّ، وقَدْ ذُكِرَ أنَّهُ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ قَدْ أُلْقِيَ إلَيْهِ في اَلْمَنامِ كَما أُلْقِيَ إلى إبْراهِيمَ عَلَيْهِ اَلسَّلامُ وأُلْقِي إلَيْهِ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ في اَلْيَقَظَةِ عَلى نَحْوِ إلْقاءِ اَلزَّبُورِ إلى داوُدَ عَلَيْهِ اَلسَّلامُ.
فَفِي اَلْكِبْرِيتِ اَلْأحْمَرِ لِلشَّعْرانِيِّ نَقْلًا عَنِ اَلْبابِ اَلثّانِي مِنَ اَلْفُتُوحاتِ اَلْمَكِّيَّةِ أنَّهُ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أُعْطِيَ اَلْقُرْآنَ مُجْمَلًا قَبْلَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ اَلسَّلامُ مِن غَيْرِ تَفْصِيلِ اَلْآياتِ والسُّوَرِ. وعَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ تَفْسِيرُ اَلرُّوحِ بِالنُّبُوَّةِ.
وقالَ اَلرَّبِيعُ: هو جِبْرِيلُ عَلَيْهِ اَلسَّلامُ، وعَلَيْهِ فَأوْحَيْنا مُضَمَّنٌ مَعْنى أرْسَلْنا، والمَعْنى أرْسَلْناهُ بِالوَحْيِ إلَيْكَ لِأنَّهُ لا يُقالُ: أوْحى اَلْمَلَكَ بَلْ أرْسَلَهُ.
ونَقَلَ اَلطَّبَرْسِيُّ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ وأبِي عَبْدِ اَللَّهِ رَضِيَ اَللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّ اَلْمُرادَ بِهَذا اَلرُّوحِ مَلَكٌ أعْظَمُ مِن جِبْرائِيلَ ومِيكائِيلَ كانَ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ولَمْ يَصْعَدْ إلى اَلسَّماءِ، وهَذا اَلْقَوْلُ في غايَةِ اَلْغَرابَةِ ولَعَلَّهُ لا يَصِحُّ عَنْ هَذَيْنِ اَلْإمامَيْنِ، وتَنْوِينُ (رُوحًا) لِلتَّعْظِيمِ أيْ رُوحًا عَظِيمًا ﴿ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ ولا الإيمانُ﴾ اَلظّاهِرُ أنَّ ما اَلْأُولى نافِيَةٌ والثّانِيَةُ اِسْتِفْهامِيَّةٌ في مَحَلِّ رَفْعٍ عَلى اَلِابْتِداءِ و(الكِتابُ) خَبَرٌ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِتَدْرِي وجُمْلَةُ (ما كُنْتَ) إلَخْ حالِيَّةٌ مِن ضَمِيرِ (أوْحَيْنا) أوْ هي مُسْتَأْنَفَةٌ والمُضِيُّ بِالنِّسْبَةِ إلى زَمانِ اَلْوَحْيِ.
واسْتَشْكَلَتِ اَلْآيَةُ بِأنَّ ظاهِرَها يَسْتَدْعِي عَدَمَ اَلِاتِّصافِ بِالإيمانِ قَبْلَ اَلْوَحْيِ ولا يَصِحُّ ذَلِكَ لِأنَّ اَلْأنْبِياءَ عَلَيْهِمُ اَلسَّلامُ جَمِيعًا قَبْلَ اَلْبَعْثَةِ مُؤْمِنُونَ لِعِصْمَتِهِمْ عَنِ اَلْكُفْرِ بِإجْماعِ مَن يُعْتَدُّ بِهِ، وأُجِيبَ بِعِدَّةِ أجْوِبَةٍ، اَلْأوَّلُ أنَّ اَلْإيمانَ هُنا لَيْسَ اَلْمُرادُ بِهِ اَلتَّصْدِيقَ اَلْمُجَرَّدَ بَلْ مَجْمُوعُ اَلتَّصْدِيقِ والإقْرارِ والأعْمالِ فَإنَّهُ كَما يُطْلَقُ عَلى ذَلِكَ يُطْلَقُ عَلى هَذا شَرْعًا، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمانَكُمْ﴾ والأعْمالُ لا سَبِيلَ إلى دِرايَتِها مِن غَيْرِ سَمْعٍ فَهو مُرَكَّبُ والمُرَكَّبُ يَنْتَفِي بِانْتِفاءِ بَعْضِ أجْزائِهِ فَلا يَلْزَمُ مِنَ اِنْتِفاءِ اَلْإيمانِ اَلْمُرَكَّبِ بِانْتِفاءِ اَلْأعْمالِ اِنْتِفاءُ اَلْإيمانِ بِالمَعْنى اَلْآخَرِ أعْنِي اَلتَّصْدِيقَ وهو اَلَّذِي أجْمَعَ اَلْعُلَماءُ عَلى اِتِّصافِ اَلْأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلامُ بِهِ قَبْلَ اَلْبَعْثَةِ، ولِذا عُبِّرَ بِتَدْرِي دُونَ أنْ يُقالَ: لَمْ تَكُنْ مُؤْمِنًا وهو جَوابٌ حَسَنٌ ولا يَلْزَمُهُ نَفْيُ اَلْإيمانِ عَمَّنْ لا يَعْمَلُ اَلطّاعاتِ لِيَكُونَ اَلْقَوْلُ بِهِ اِعْتِزالًا كَما لا يَخْفى.
اَلثّانِي أنَّ اَلْإيمانَ إنَّما يُعْنى بِهِ اَلتَّصْدِيقُ بِاَللَّهِ تَعالى وبِرَسُولِهِ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ دُونَ اَلتَّصْدِيقِ بِاَللَّهِ عَزَّ وجَلَّ ودُونَ ما يَدْخُلُ فِيهِ اَلْأعْمالُ والنَّبِيُّ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُخاطَبٌ بِالإيمانِ بِرِسالَةِ نَفْسِهِ كَما أنَّ أُمَّتَهُ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُخاطَبُونَ بِذَلِكَ، ولا شَكَّ أنَّهُ قَبْلَ اَلْوَحْيِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ يَعْلَمُ أنَّهُ رَسُولُ اَللَّهِ وما عَلِمَ ذَلِكَ إلّا بِالوَحْيِ فَإذا كانَ اَلْإيمانُ هو اَلتَّصْدِيقُ بِاَللَّهِ تَعالى ورَسُولِهِ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ولَمْ يَكُنْ هَذا اَلْمَجْمُوعُ ثابِتًا قَبْلَ اَلْوَحْيِ بَلْ كانَ اَلثّابِتُ هو اَلتَّصْدِيقَ بِاَللَّهِ تَعالى خاصَّةً اَلْمُجْمَعَ عَلى اِتِّصافِ اَلْأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلامُ بِهِ قَبْلَ اَلْبَعْثَةِ اِسْتَقامَ نَفْيُ اَلْإيمانِ قَبْلَ اَلْوَحْيِ وإلى هَذا ذَهَبَ اِبْنُ اَلْمُنِيرِ. اَلثّالِثُ أنَّ اَلْمُرادَ شَرائِعُ اَلْإيمانِ ومَعالِمُهُ مِمّا لا طَرِيقَ إلَيْهِ إلّا اَلسَّمْعُ وإلَيْهِ ذَهَبَ مُحْيِي اَلسُّنَّةِ اَلْبَغَوِيُّ وقالَ: إنَّ اَلنَّبِيَّ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كانَ قَبْلَ اَلْوَحْيِ عَلى دِينِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ اَلسَّلامُ ولَمْ تَتَبَيَّنْ لَهُ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ (p-59)والسَّلامُ شَرائِعُ دِينِهِ، ولا يَخْفى أنَّهُ إذا لَمْ يُعْتَبَرُ كَوْنُ اَلْكَلامِ عَلى حَذْفِ مُضافٍ يَلْزَمُهُ إطْلاقُ اَلْإيمانِ عَلى اَلْأعْمالِ وحْدَها وهو خِلافُ اَلْمَعْرُوفِ. اَلرّابِعُ أنَّ اَلْكَلامَ عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ فَقِيلَ اَلتَّقْدِيرُ دَعْوَةُ اَلْإيمانِ أيْ ما كُنْتَ تَدْرِي كَيْفَ تَدْعُو اَلْخَلْقَ إلى اَلْإيمانِ وإلَيْهِ يُشِيرُ كَلامُ أبِي اَلْعالِيَةِ.
وقالَ اَلْحُسَيْنُ بْنُ اَلْفَضْلِ: أيْ أهْلُ اَلْإيمانِ أيْ لا تَدْرِي مَنِ اَلَّذِي يُؤْمِنُ، وأنْتَ تَدْرِي أنَّهُ لا يَرْتَضِي هَذا إلّا مَن لا يُدْرى. اَلْخامِسُ اَلْمُرادُ نَفْيُ دِرايَةِ اَلْمَجْمُوعِ أيْ ما كُنْتَ تَدْرِي قَبْلَ اَلْوَحْيِ مَجْمُوعَ اَلْكِتابِ والإيمانِ فَلا يُنافِي كَوْنَهُ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ كانَ يَدْرِي اَلْإيمانَ وحْدَهُ ويَأْباهُ إعادَةُ (لا) اَلسّادِسُ أنَّ اَلْمُرادَ ما كُنْتَ تَدْرِي ذَلِكَ إذْ كُنْتَ في اَلْمَهْدِ وإلَيْهِ ذَهَبَ عَلِيُّ بْنُ عِيسى وهو خِلافُ اَلظّاهِرِ، والظّاهِرُ أنَّ اَلْمُرادَ اِسْتِمْرارُ اَلنَّفْيِ إلى زَمَنِ اَلْوَحْيِ، وظاهِرُ كَلامِ اَلْكَشْفِ يَمِيلُ إلى اِعْتِبارِ نَحْوِ ذَلِكَ اَلْقَيْدِ قالَ: لَعَلَّ اَلْأشْبَهَ أنَّ اَلْإيمانَ عَلى ظاهِرِهِ والآيَةُ وارِدَةٌ في مَعْرِضِ اَلِامْتِنانِ والإيحاءُ يَشْمَلُ اَلْإلْقاءَ في اَلرُّوعِ وإرْسالَ اَلرَّسُولِ فالإيمانُ عَرَفَهُ بِالأوَّلِ والكِتابَ بِالثّانِي عَلى أنَّ اَلْآيَةَ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَرَفَهُما بَعْدَ أنْ لَمْ يَكُنْ عارِفًا وهو كَذَلِكَ أمّا أنَّهُ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ عَرَفَهُما بَعْدَ اَلْوَحْيِ فَلا فَجازَ أنْ يَعْرِفَهُما بِهِ وجازَ أنْ يَعْرِفَ واحِدًا مِنهُما مُعَيَّنًا بِهِ. وقَدْ دَلَّ اَلدَّلِيلُ عَلى أنَّ اَلْمُعَرَّفَ بِهِ هو اَلْكِتابُ والإيمانُ بَعْدَ اَلْعَقْلِ وقَبْلَ اَلْوَحْيِ، والتَّمَسُّكُ بِهِ عَلى أنَّهُ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ مُتَعَبِّدًا بِشَرْعِ مَن قَبْلَهُ ضَعِيفٌ لِأنَّ عَدَمَ اَلدِّرايَةِ لا يَلْزَمُهُ عَدَمُ اَلتَّعَبُّدِ بَلْ يَلْزَمُهُ سُقُوطُ اَلْإثْمِ إنْ لَمْ يَكُنْ تَقْصِيرًا اِنْتَهى.
وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ اَلْمُتَبادِرَ أنَّهُ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ عَرَفَهُما بَعْدَ اَلْوَحْيِ، وأمّا قَوْلُهُ قُدِّسَ سِرُّهُ في تَضْعِيفِ اَلتَّمَسُّكِ بِذَلِكَ عَلى أنَّهُ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ مُتَعَبِّدًا بِشَرْعِ مَن قَبْلَهُ إنَّ عَدَمَ اَلدِّرايَةِ لا يَلْزَمُهُ عَدَمُ اَلتَّعَبُّدِ فَقَدْ قِيلَ عَلَيْهِ: إنَّهُ ساقِطٌ لِأنَّهُ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ إذا لَمْ يَدْرِ شَرْعًا فَكَيْفَ يَتَعَبَّدُ بِهِ، وقَدْ يُجابُ بِأنَّ مُرادَ اَلْمُدَقِّقِ أنَّ اَلدِّرايَةَ اَلْمَنفِيَّةَ اَلدِّرايَةُ بِمَعْنى اَلْعِلْمِ اَلْجازِمِ اَلثّابِتِ اَلْمُطابِقِ لِلْواقِعِ وعَدَمُها لا يَلْزَمُهُ عَدَمُ اَلتَّعَبُّدِ إذْ يَكْفِي في اَلتَّعَبُّدِ بِشَرْعِ مَن قَبْلَهُ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ اَلظَّنُّ اَلرّاجِحُ ثُبُوتُهُ فَلَعَلَّهُ كانَ حاصِلًا لَهُ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
ومِثْلُ هَذا اَلظَّنِّ يَكْفِي لِلْمُتَعَبِّدِينَ اَلْيَوْمَ بِشَرْعِ نَبِيِّنا عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ فَإنَّ أكْثَرَ اَلْفُرُوعِ ظَنِّيَّةٌ، ومَن يَتَتَبَّعُ اَلْأخْبارَ يَعْلَمُ أنَّ اَلْعَرَبَ لَمْ يَزالُوا عَلى بَقايا مِن دِينِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ اَلسَّلامُ مِنَ اَلْحَجِّ والخِتانِ وإيقاعِ اَلطَّلاقِ والغُسْلِ مِنَ اَلْجَنابَةِ وتَحْرِيمِ ذَواتِ اَلْمَحارِمِ بِالقَرابَةِ والصِّهْرِ وغَيْرِ ذَلِكَ وأنَّ اَلنَّبِيَّ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ كانَ أحْرَصَ اَلنّاسِ عَلى اِتِّباعِ دِينِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ اَلسَّلامُ. وفي اَلصَّحِيحِ أنَّهُ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ كانَ أيْ قَبْلَ اَلْبَعْثَةِ يَتَحَنَّثُ بِغارِ حِراءٍ، وفُسِّرَ اَلتَّحَنُّثُ بِالتَّحَنُّفِ أيِ اِتِّباعِ اَلْحَنِيفِيَّةِ وهي دِينُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ، والفاءُ تُبْدَلُ ثاءً في كَثِيرٍ مِن كَلامِهِمْ وفي رِوايَةِ اِبْنِ هِشامٍ في اَلسِّيَرِ يَتَحَنَّفُ بِالفاءُ بَدَلَ اَلثّاءِ، نَعَمْ فُسِّرَ أيْضًا بِالتَّعَبُّدِ كَما في صَحِيحِ اَلْبُخارِيِّ وبِاتِّقاءِ اَلْحِنْثِ أيِ اَلْإثْمِ كالتَّحَرُّجِ والتَّأثُّمِ وكُلُّ ذَلِكَ مِمّا ذَكَرَهُ اَلْحافِظُ اَلْقَسْطَلّانِيُّ في شَرْحِ اَلصَّحِيحِ.
ثُمَّ إنَّ اَلظّاهِرَ أنَّ مَن قالَ: إنَّهُ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ كانَ مُتَعَبِّدًا بِشَرْعِ مَن قَبْلَهُ لَيْسَ مُرادُهُ أنَّهُ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ كانَ مُتَعَبِّدًا بِجَمِيعِ شَرْعِ مَن قَبْلَهُ بَلْ بِما تَرَجَّحَ عِنْدَهُ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ثُبُوتُهُ. واَلَّذِي يَنْبَغِي أنْ يُرَجَّحَ كَوْنُ ذَلِكَ مِن شَرْعِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ اَلسَّلامُ لِأنَّهُ مِن ذُرِّيَّتِهِ عَلَيْهِما اَلصَّلاةُ والسَّلامُ وقَدْ كُلِّفَتِ اَلْعَرَبُ بِدِينِهِ.
وقالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ عِبادَتَهُ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ اَلتَّفَكُّرُ والِاعْتِبارُ، ولَعَلَّهُ أيْضًا مِمّا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ كَوْنُهُ مِن شَرِيعَتِهِ عَلَيْهِ اَلسَّلامُ ورُبَّما يُقالُ: بِما عَلِمَهُ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لا عَلى ذَلِكَ اَلْوَجْهِ مِن (p-60)شَرْعِ مَن قَبْلَهُ أنَّهُ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ مُوحى إلَيْهِ وأنَّهُ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ مُتَعَبِّدٌ بِما يُوحى إلَيْهِ إلّا أنَّ اَلْوَحْيَ اَلسّابِقَ عَلى اَلْبِعْثَةِ كانَ إلْقاءً ونَفْثًا في اَلرُّوعِ وما عَمِلَ بِما كانَ مِن شَرائِعِ أبِيهِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِما اَلصَّلاةُ والسَّلامُ إلّا بِواسِطَةِ ذَلِكَ اَلْإلْقاءِ وإذا كانَ بَعْضُ إخْوانِهِ مِنَ اَلْأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلامُ قَدْ أُوتِيَ اَلْحُكْمَ صَبِيًّا اِبْنَ سَنَتَيْنِ أوْ ثَلاثٍ فَهو عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ أوْلى بِأنْ يُوحى إلَيْهِ ذَلِكَ اَلنَّوْعُ مِنَ اَلْإيحاءِ صَبِيًّا أيْضًا.
ومَن عَلِمَ مَقامَهُ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وصَدَّقَ بِأنَّهُ اَلْحَبِيبُ اَلَّذِي كانَ نَبِيًّا وآدَمُ بَيْنَ اَلْماءِ والطِّينِ لَمْ يَسْتَبْعِدْ ذَلِكَ فَتَأمَّلْ.
﴿ولَكِنْ جَعَلْناهُ﴾ أيِ اَلرُّوحَ اَلَّذِي أوْحَيْناهُ إلَيْكَ، وقالَ اِبْنُ عَطِيَّةَ: اَلضَّمِيرُ لِلْكِتابِ، وقِيلَ: لِلْإيمانِ ورُجِّحَ بِالقُرْبِ، وقِيلَ: لِلْكِتابِ والإيمانِ ووُحِّدَ لِأنَّ مَقْصِدَهُما واحِدٌ فَهو نَظِيرُ ﴿واللَّهُ ورَسُولُهُ أحَقُّ أنْ يُرْضُوهُ﴾ .
﴿نُورًا﴾ عَظِيمًا ﴿نَهْدِي بِهِ مَن نَشاءُ﴾ هِدايَتَهُ ﴿مِن عِبادِنا﴾ وهو اَلَّذِي يَصْرِفُ اِخْتِيارَهُ نَحْوَ اَلِاهْتِداءِ بِهِ والجُمْلَةُ إمّا مُسْتَأْنَفَةٌ أوْ صِفَةُ (نُورًا) وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنَّكَ لَتَهْدِي﴾ تَقْرِيرٌ لِهِدايَتِهِ، وبَيانٌ لِكَيْفِيَّتِها، ومَفْعُولُ (لَتَهْدِي) مَحْذُوفٌ ثِقَةً بِغايَةِ اَلظُّهُورِ أيْ وإنَّكَ لَتَهْدِي بِذَلِكَ اَلنُّورِ مَن تَشاءُ هِدايَتَهُ ﴿إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ هو اَلْإسْلامُ وسائِرُ اَلشَّرائِعِ والأحْكامِ وقَرَأ اِبْنُ اَلسَّمَيْقَعِ (لَتُهْدِي) بِضَمِّ اَلتّاءِ وكَسْرِ اَلدّالِ مِن أهْدى، وقَرَأ حَوْشَبٌ (لَتُهْدى) مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ أيْ لَيَهْدِيكَ اَللَّهُ وقُرِئَ لَتَدْعُو
{"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ رُوحࣰا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِی مَا ٱلۡكِتَـٰبُ وَلَا ٱلۡإِیمَـٰنُ وَلَـٰكِن جَعَلۡنَـٰهُ نُورࣰا نَّهۡدِی بِهِۦ مَن نَّشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِیۤ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق