الباحث القرآني
(p-٢٣٠)﴿قُلْ سِيرُوا في الأرْضِ فانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأ الخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأةَ الآخِرَةَ إنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
اعْتِراضٌ انْتِقالِيٌّ مِنَ الإنْكارِ عَلَيْهِمْ تَرْكَ الِاسْتِدْلالِ بِما هو بِمَرْأًى مِنهم إلى إرْشادِهِمْ لِلِاسْتِدْلالِ بِما هو بَعِيدٌ عَنْهم مِن أحْوالِ إيجادِ المَخْلُوقاتِ، وتَعاقُبِ الأُمَمِ وخَلْفِ بَعْضِها عَنْ بَعْضٍ، فَإنَّ تَعَوُّدَ النّاسِ بِما بَيْنَ أيْدِيهِمْ يَصْرِفُ عُقُولَهم عَنِ التَّأمُّلِ فِيما وراءَ ذَلِكَ مِن دَلائِلِ دَقائِقِها عَلى ما تَدُلُّ عَلَيْهِ؛ فَلِذَلِكَ أمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أنْ يَدْعُوَهم إلى السَّيْرِ في الأرْضِ لِيُشاهِدُوا آثارَ خَلْقِ اللَّهِ الأشْياءَ مِن عَدَمٍ، فَيُوقِنُوا أنَّ إعادَتَها بَعْدَ زَوالِها لَيْسَ بِأعْجَبَ مِنِ ابْتِداءِ صُنْعِها.
وإنَّما أمَرَ بِالسَّيْرِ في الأرْضِ لِأنَّ السَّيْرَ يُدْنِي إلى الرّائِي مُشاهَداتٍ جَمَّةً مِن مُخْتَلَفِ الأرَضِينَ بِجِبالِها وأنْهارِها ومُحْتَوَياتِها، ويَمُرُّ بِهِ عَلى مَنازِلِ الأُمَمِ حاضِرِها وبائِدِها، فَيَرى كَثِيرًا مِن أشْياءَ وأحْوالٍ لَمْ يَعْتَدْ رُؤْيَةَ أمْثالِها، فَإذا شاهَدَ ذَلِكَ جالَ نَظَرُ فِكْرِهِ في تَكْوِينِها بَعْدَ العَدَمِ جَوَلانًا لَمْ يَكُنْ يَخْطُرُ لَهُ بِبالٍ حِينَما كانَ يُشاهِدُ أمْثالَ تِلْكَ المَخْلُوقاتِ في دِيارِ قَوْمِهِ؛ لِأنَّهُ لَمّا نَشَأ فِيها مِن زَمَنِ الطُّفُولَةِ فَما بَعْدَهُ قَبْلَ حُدُوثِ التَّفْكِيرِ في عَقْلِهِ اعْتادَ أنْ يَمُرَّ بِبَصَرِهِ عَلَيْها دُونَ اسْتِنْتاجٍ مِن دَلائِلِها، حَتّى إذا شاهَدَ أمْثالَها مِمّا كانَ غائِبًا عَنْ بَصَرِهِ جالَتْ في نَفْسِهِ فِكْرَةُ الِاسْتِدْلالِ، فالسَّيْرُ في الأرْضِ وسِيلَةٌ جامِعَةٌ لِمُخْتَلِفِ الدَّلائِلِ؛ فَلِذَلِكَ كانَ الأمْرُ بِهِ لِهَذا الغَرَضِ مِن جَوامِعِ الحِكْمَةِ. وجِيءَ في جانِبِ بَدْءِ الخَلْقِ بِالفِعْلِ الماضِي؛ لِأنَّ السّائِرَ لَيْسَ لَهُ مِن قَرارٍ في طَرِيقِهِ، فَنَدَرَ أنْ يَشْهَدَ حُدُوثَ بَدْءِ مَخْلُوقاتٍ، ولَكِنَّهُ يَشْهَدُ مَخْلُوقاتٍ مَبْدُوءَةً مِن قَبْلُ، فَيَفْطِنُ إلى أنَّ الَّذِي أوْجَدَها إنَّما أوْجَدَها بَعْدَ أنْ لَمْ تَكُنْ، وأنَّهُ قادِرٌ عَلى إيجادِ أمْثالِها، فَهو بِالأحْرى قادِرٌ عَلى إعادَتِها بَعْدَ عَدَمِها.
والِاسْتِدْلالُ بِالأفْعالِ الَّتِي مَضَتْ أمْكَنُ؛ لِأنَّ لِلشَّيْءِ المُتَقَرِّرِ تَحَقُّقًا مَحْسُوسًا.
وجِيءَ في هَذا الِاسْتِدْلالِ بِفِعْلِ النَّظَرِ؛ لِأنَّ إدْراكَ ما خَلَقَهُ اللَّهُ حاصِلٌ بِطَرِيقِ البَصَرِ، وهو بِفِعْلِ النَّظَرِ أوْلى وأشْهَرُ لِيَنْتَقِلَ مِنهُ إلى إدْراكِ أنَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأةَ الآخِرَةَ.
(p-٢٣١)ولِذَلِكَ أعْقَبَ بِجُمْلَةِ ﴿ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأةَ الآخِرَةَ﴾ فَهي جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ. وثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الرُّتَبِيِّ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [العنكبوت: ١٩] .
وإظْهارُ اسْمِ الجَلالَةِ بَعْدَ تَقَدُّمِ ضَمِيرِهِ في قَوْلِهِ: ﴿كَيْفَ بَدَأ الخَلْقَ﴾ وكانَ مُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يَقُولَ: ثُمَّ يُنْشِئُ - قالَ في ”الكَشّافِ“: لِأنَّ الكَلامَ كانَ واقِعًا في الإعادَةِ، فَلَمّا قَرَّرَهم في الإبْداءِ بِأنَّهُ مِنَ اللَّهِ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِأنَّ الإعادَةَ إنْشاءٌ مِثْلَ الإبْداءِ، فالَّذِي لَمْ يُعْجِزْهُ الإبْداءُ فَهو الَّذِي وجَبَ أنْ لا تُعْجِزَهُ الإعادَةُ. فَكَأنَّهُ قالَ: ثُمَّ ذاكَ الَّذِي أنْشَأ النَّشْأةَ الأُولى هو الَّذِي يُنْشِئُ النَّشْأةَ الآخِرَةَ فَلِلتَّنْبِيهِ عَلى هَذا المَعْنى أبْرَزَ اسْمَهُ وأوْقَعَهُ مُبْتَدَأً اهــ. يُرِيدُ أنَّ العُدُولَ عَنِ الإضْمارِ إلى الِاسْمِ الظّاهِرِ لِتَسْجِيلِ وُقُوعِ هَذا الإنْشاءِ الثّانِي، فَتَكُونُ الجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةً حَتّى تَكُونَ عُنْوانَ اعْتِقادٍ بِمَنزِلَةِ المَثَلِ؛ لِأنَّ في اسْمِ الجَلالَةِ إحْضارًا لِجَمِيعِ الصِّفاتِ الذّاتِيَّةِ الَّتِي بِها التَّكْوِينُ؛ ولِيُفِيدَ وُقُوعُ المُسْنَدِ إلَيْهِ مُخْبَرًا عَنْهُ بِمُسْنَدٍ فِعْلِيٍّ مَعْنى التَّقَوِّي.
وجُمْلَةُ ﴿إنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ تَذْيِيلٌ، أيْ قَدِيرٌ عَلى البَعْثِ وعَلى كُلِّ شَيْءٍ إذا أرادَهُ. وإظْهارُ اسْمِ الجَلالَةِ لِتَكُونَ جُمْلَةُ التَّذْيِيلِ مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِها فَتَجْرِي مَجْرى الأمْثالِ.
والنَّشْأةُ بِوَزْنِ فَعْلَةٍ: المَرَّةُ مِنَ النَّشْءِ وهو الإيجادُ، وكَذَلِكَ قَرَأها الجُمْهُورُ، عُبِّرَ عَنْها بِصِيغَةِ المَرَّةِ؛ لِأنَّها نَشْأةٌ دَفْعِيَّةٌ تُخالِفُ النَّشْءَ الأوَّلَ، ويُقالُ: النِّشاءَةُ بِمَدٍّ بَعْدَ الشِّينِ بِوَزْنِ الكَآبَةِ، ومِثْلُها الرَّأْفَةُ والرَّءافَةُ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو ”النَّشاءَةُ“ بِالمَدِّ. ووَصْفُها بِـ الآخِرَةِ إيماءٌ بِأنَّها مُساوِيَةٌ لِلنَّشْأةِ الأُولى، فَلا شُبْهَةَ لَهم في إحالَةِ وُقُوعِها. وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأةَ الأُولى﴾ [الواقعة: ٦٢] فَذَلِكَ عَلى سَبِيلِ المُشاكَلَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ قَبْلَهُ: ﴿ونُنْشِئَكم في ما لا تَعْلَمُونَ﴾ [الواقعة: ٦١] يَتَضَمَّنُ النَّشْأةَ الآخِرَةَ، فَعَبَّرَ عَنْ مَقالَتِها بِالنَّشْأةِ.
{"ayah":"قُلۡ سِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ ثُمَّ ٱللَّهُ یُنشِئُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡـَٔاخِرَةَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق