الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ أَرْشَدَهُمْ إِلَى إِثْبَاتِ الْمَعَادِ الَّذِي يُنْكِرُونَهُ، بِمَا يُشَاهِدُونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُونُوا شَيْئًا مَذْكُورًا، ثُمَّ وُجِدُوا وَصَارُوا أُنَاسًا سَامِعِينَ مُبْصِرِينَ، فَالَّذِي بَدَأَ هَذَا قَادِرٌ عَلَى إِعَادَتِهِ؛ فَإِنَّهُ سَهْلٌ عَلَيْهِ يَسِيرٌ لَدَيْهِ. ثُمَّ أَرْشَدَهُمْ إِلَى الِاعْتِبَارِ بِمَا فِي الْآفَاقِ مِنَ الْآيَاتِ الْمُشَاهَدَةِ [[في أ: "الباهرة".]] مِنْ خَلْقِ اللَّهِ الْأَشْيَاءَ: السَّمَوَاتِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْكَوَاكِبِ النَّيِّرَةِ: الثَّوَابِتِ، وَالسَّيَّارَاتِ، وَالْأَرَضِينَ وَمَا فِيهَا مِنْ مِهَادٍ وَجِبَالٍ، وَأَوْدِيَةٍ وبرارٍ وَقِفَارٍ، وَأَشْجَارٍ وَأَنْهَارٍ، وَثِمَارٍ وَبِحَارٍ، كُلُّ ذَلِكَ دَالٌّ عَلَى حُدُوثِهَا فِي أَنْفُسِهَا، وَعَلَى وُجُودِ صَانِعِهَا الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ، الَّذِي يَقُولُ لِلشَّيْءِ: كُنْ، فَيَكُونُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الرُّومِ: ٢٧] . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ﴾ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ . وَهَذَا الْمَقَامُ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فُصِّلَتْ: ٥٣] ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ﴾ [الطُّورِ: ٣٥، ٣٦] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ﴾ أَيْ: هُوَ الْحَاكِمُ الْمُتَصَرِّفُ، الَّذِي يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا يُسأل عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، فَلَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، مَهْمَا فَعَلَ فَعَدْلٌ؛ لأنه الْمَالِكُ الَّذِي لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ: "إِنَّ اللَّهَ لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ، لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ" [[رواه أبو داود في السنن برقم (٤٦٩٩) وابن ماجه في السنن برقم (٧٧) من حديث أبي بن كعب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما.]] . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾ أَيْ: تَرْجِعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ﴾ أَيْ: لَا يُعْجِزُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضِهِ، بَلْ هُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ خَائِفٌ مِنْهُ، فَقِيرٌ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْغَنِيُّ عَمَّا سِوَاهُ. ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ﴾ أَيْ: جَحَدُوهَا [[في ت، ف، أ: "جحدوا بها".]] وَكَفَرُوا بِالْمَعَادِ، ﴿أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي﴾ أَيْ: لَا نَصِيبَ لَهُمْ فِيهَا، ﴿وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي: موجع في الدنيا والآخرة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب