الباحث القرآني

﴿قُلْ سِيرُوا في الأرْضِ﴾ أمْرٌ لِإبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أنْ يَقُولَ لَهم ذَلِكَ، أيْ: سِيرُوا فِيها. ﴿فانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأ الخَلْقَ﴾ أيْ: كَيْفَ خَلَقَهُمُ ابْتِداءً عَلى أطْوارٍ مُخْتَلِفَةٍ، وطَبائِعَ مُتَغايِرَةٍ، وأخْلاقٍ شَتّى، فَإنَّ تَرْتِيبَ النَّظَرِ عَلى السَّيْرِ في الأرْضِ مُؤْذِنٌ بِتَتَبُّعِ أحْوالِ أصْنافِ الخَلْقِ القاطِنِينَ في أقْطارِها. ﴿ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأةَ الآخِرَةَ﴾ بَعْدَ النَّشْأةِ الأُولى الَّتِي شاهَدْتُمُوها. والتَّعْبِيرُ عَنِ الإعادَةِ الَّتِي هي مَحَلُّ النِّزاعِ بِالنَّشْأةِ الآخِرَةِ المُشْعِرَةِ بِكَوْنِ البَدْءِ نَشْأةً أُولى لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهُما شَأْنٌ واحِدٌ مِن شُؤُونِ اللَّهِ تَعالى حَقِيقَةً، واسْمًا مِن حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنهُما اخْتِراعٌ، وإخْراجٌ مِنَ العَدَمِ إلى الوُجُودِ، ولا فَرْقَ بَيْنَهُما إلّا بِالأوَّلِيَّةِ والآخِرِيَّةِ، وقُرِئَ: (النَّشاءَةَ) بِالمَدِّ. وهُما لُغَتانِ كالرَّأْفَةِ والرَّآفَةِ، ومَحَلُّها النَّصْبُ عَلى أنَّها مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِـ "يُنْشِئُ" بِحَذْفِ الزَّوائِدِ، والأصْلُ الإنْشاءَةُ. أوْ بِحَذْفِ العامِلِ، أيْ: يُنْشِئُ فَيَنْشَأُونَ النَّشْأةَ الآخِرَةَ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأنْبَتَها نَباتًا حَسَنًا﴾ والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ "سِيرُوا في الأرْضِ" داخِلَةٌ مَعَها في حَيِّزِ القَوْلِ، وإظْهارُ الِاسْمِ الجَلِيلِ، وإيقاعُهُ مُبْتَدَأً مَعَ إضْمارِهِ في بَدَأ لِإبْرازِ مَزِيدِ الِاعْتِناءِ بِبَيانِ تَحَقُّقِ الإعادَةِ بِالإشارَةِ إلى عِلَّةِ الحُكْمِ، وتَكْرِيرِ الإسْنادِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ تَعْطِيلٌ لِما قَبْلَهُ بِطَرِيقِ التَّحْقِيقِ فَإنَّ مَن عَلِمَ قدرته تعالى عَلى جَمِيعِ الأشْياءِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها الإعادَةُ لا يَتَصَوَّرُ أنْ يَتَرَدَّدَ في قدرته عَلَيْها، ولا في وُقُوعِها بَعْدَ ما أخْبَرَ بِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب