الباحث القرآني

(p-١١١٦)أجْمَلَ - سُبْحانَهُ - قِصَّةَ نُوحٍ تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ في أوَّلِ السُّورَةِ ﴿ولَقَدْ فَتَنّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٣] وفِيهِ تَثْبِيتٌ لِلنَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، كَأنَّهُ قِيلَ لَهُ: إنَّ نُوحًا لَبِثَ ألْفَ سَنَةٍ إلّا خَمْسِينَ عامًا يَدْعُو قَوْمَهُ ولَمْ يُؤْمِن مِنهم إلّا قَلِيلٌ، فَأنْتَ أوْلى بِالصَّبْرِ لِقِلَّةِ مُدَّةِ لُبْثِكَ وكَثْرَةِ عَدَدِ أُمَّتِكَ. قِيلَ: ووَقَعَ في النَّظْمِ إلّا خَمْسِينَ عامًا ولَمْ يَقُلْ تِسْعَمِائَةِ سَنَةٍ وخَمْسِينَ، لِأنَّ في الِاسْتِثْناءِ تَحْقِيقَ العَدَدِ بِخِلافِ الثّانِي، فَقَدْ يُطْلَقُ عَلى ما يَقْرُبُ مِنهُ. وقَدِ اخْتُلِفَ في مِقْدارِ عُمْرِ نُوحٍ. وسَيَأْتِي آخِرَ البَحْثِ. ولَيْسَ في الآيَةِ إلّا أنَّهُ لَبِثَ فِيهِمْ هَذِهِ المُدَّةَ، وهي لا تَدُلُّ عَلى أنَّها جَمِيعُ عُمْرِهِ. فَقَدْ تَلَبَّثَ في غَيْرِهِمْ قَبْلَ اللُّبْثِ فِيهِمْ، وقَدْ تَلَبَّثَ في الأرْضِ بَعْدَ هَلاكِهِمْ بِالطُّوفانِ، والفاءِ في ﴿فَأخَذَهُمُ الطُّوفانُ﴾ لِلتَّعْقِيبِ أيْ: أخَذَهم عَقِبَ تَمامِ المُدَّةِ المَذْكُورَةِ، والطُّوفانُ يُقالُ: لِكُلِّ شَيْءٍ كَثِيرٍ مُطِيفٍ بِجَمْعٍ مُحِيطٍ بِهِمْ مِن مَطَرٍ أوْ قَتْلٍ أوْ مَوْتٍ، قالَهُ النَّحّاسُ. وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وقَتادَةُ، والسُّدِّيُّ: هو المَطَرُ. وقالَ الضَّحّاكُ: الغَرَقُ، وقِيلَ: المَوْتُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎أفْناهم طُوفانُ مَوْتٍ جارِفٍ وجُمْلَةُ وهم ظالِمُونَ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ أيْ: مُسْتَمِرُّونَ عَلى الظُّلْمِ ولَمْ يَنْجَعْ فِيهِمْ ما وعَظَهم بِهِ نُوحٌ وذَكَّرَهم هَذِهِ المُدَّةَ بِطُولِها. ﴿فَأنْجَيْناهُ وأصْحابَ السَّفِينَةِ﴾ أيْ: أنْجَيْنا نُوحًا وأنْجَيْنا مَن مَعَهُ في السَّفِينَةِ مِن أوْلادِهِ وأتْباعِهِ. واخْتُلِفَ في عَدَدِهِمْ عَلى أقْوالٍ، وجَعَلْناها أيِ: السَّفِينَةَ آيَةً لِلْعالَمِينَ أيْ: عِبْرَةً عَظِيمَةً لَهم، وفي كَوْنِها آيَةً وُجُوهٌ: أحُدُها: أنَّها كانَتْ باقِيَةً عَلى الجُودِيِّ مُدَّةً مَدِيدَةً. وثانِيها: أنَّ اللَّهَ سَلَّمَ السَّفِينَةَ مِنَ الرِّياحِ المُزْعِجَةِ، وثالِثُها: أنَّ الماءَ غِيضَ قَبْلَ نَفاذِ الزّادِ. وهَذا غَيْرُ مُناسِبٍ لِوَصْفِ السَّفِينَةِ بِأنَّ اللَّهَ جَعَلَها آيَةً، وقِيلَ: إنَّ الضَّمِيرَ راجِعٌ في جَعَلْناها إلى الواقِعَةِ أوْ إلى النَّجاةِ، أوْ إلى العُقُوبَةِ بِالغَرَقِ. ﴿وإبْراهِيمَ إذْ قالَ لِقَوْمِهِ﴾ انْتِصابُ إبْراهِيمَ بِالعَطْفِ عَلى نُوحًا. وقالَ النَّسائِيُّ: هو مَعْطُوفٌ عَلى الهاءِ في جَعَلْناها، وقِيلَ: مَنصُوبٌ بِمُقَدَّرٍ أيْ: واذْكُرْ إبْراهِيمَ. وإذْ قالَ مَنصُوبٌ عَلى الظَّرْفِيَّةِ أيْ: وأرْسَلْنا إبْراهِيمَ وقْتَ قَوْلِهِ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ أوْ جَعَلْنا إبْراهِيمَ آيَةً وقْتَ قَوْلِهِ هَذا: أوْ واذْكُرْ إبْراهِيمَ وقْتَ قَوْلِهِ، عَلى أنَّ الظَّرْفَ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن إبْراهِيمَ ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ﴾ أيْ: أفْرِدُوهُ بِالعِبادَةِ وخُصُّوهُ بِها واتَّقُوهُ أنْ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ذَلِكم خَيْرٌ لَكم أيْ: عِبادَةُ اللَّهِ وتَقْواهُ خَيْرٌ لَكم مِنَ الشِّرْكِ، ولا خَيْرَ في الشِّرْكِ أبَدًا، ولَكِنَّهُ خاطَبَهم بِاعْتِبارِ اعْتِقادِهِمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شَيْئًا مِنَ العِلْمِ، أوْ تَعْلَمُونَ عِلْمًا تُمَيِّزُونَ بِهِ بَيْنَ ما هو خَيْرٌ وما هو شَرٌّ. قَرَأ الجُمْهُورُ " وإبْراهِيمَ " بِالنَّصْبِ، ووَجْهُهُ ما قَدَّمْنا. وقَرَأ النَّخَعِيُّ وأبُو جَعْفَرٍ وأبُو حَنِيفَةَ بِالرَّفْعِ عَلى الِابْتِداءِ، والخَبَرُ مُقَدَّرٌ أيْ: ومِنَ المُرْسَلِينَ إبْراهِيمُ. ﴿إنَّما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أوْثانًا﴾ بَيَّنَ لَهم إبْراهِيمُ أنَّهم يَعْبُدُونَ ما لا يَنْفَعُ ولا يَضُرُّ ولا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ، والأوْثانُ هي الأصْنامُ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: الصَّنَمُ ما يُتَّخَذُ مِن ذَهَبٍ أوْ فِضَّةٍ أوْ نُحاسِ، والوَثَنُ ما يُتَّخَذُ مِن جَصٍّ أوْ حِجارَةٍ. وقالَ الجَوْهَرِيُّ: الوَثَنُ الصَّنَمُ والجَمْعُ أوْثانٌ ﴿وتَخْلُقُونَ إفْكًا﴾ أيْ: وتَكْذِبُونَ كَذِبًا عَلى أنَّ مَعْنى تَخْلُقُونَ تَكْذِبُونَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْناهُ: تَعْمَلُونَ وتَنْحِتُونَ أيْ: تَعْمَلُونَها وتَنْحِتُونَها لِلْإفْكِ. قالَ الحَسَنُ: مَعْنى تَخْلُقُونَ تَنْحِتُونَ أيْ: إنَّما تَعْبُدُونَ أوْثانًا وأنْتُمْ تَصْنَعُونَها. قَرَأ الجُمْهُورُ " تَخْلُقُونَ " بِفَتْحِ الفَوْقِيَّةِ وسُكُونِ الخاءِ وضَمِّ اللّامِ، مُضارِعُ خَلَقَ و" إفْكًا " بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وسُكُونِ الفاءِ. وقَرَأ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، والسُّلَمِيُّ، وقَتادَةُ بِفَتْحِ الخاءِ، واللّامُ مُشَدَّدَةٌ، والأصْلُ تَتَخَلَّقُونَ. ورُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ أنَهُ قَرَأ بِضَمِّ التّاءِ وتَشْدِيدِ اللّامِ مَكْسُورَةً. وقَرَأ ابْنُ الزُّبَيْرِ وفُضَيْلُ بْنُ ورْقانَ أفِكًا بِفَتْحِ الهَمْزَةِ وكَسْرِ الفاءِ، وهو مَصْدَرٌ كالكَذِبِ، أوْ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أيْ: خَلْقًا أفِكًا ﴿إنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكم رِزْقًا﴾ أيْ: لا يَقْدِرُونَ عَلى أنْ يَرْزُقُوكم شَيْئًا مِنَ الرِّزْقِ ﴿فابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾ أيِ: اصْرِفُوا رَغْبَتَكم في أرْزاقِكم إلى اللَّهِ فَهو الَّذِي عِنْدَهُ الرِّزْقُ كُلُّهُ فاسْألُوهُ مِن فَضْلِهِ ووَحِّدُوهُ دُونَ غَيْرِهِ واشْكُرُوا لَهُ أيْ: عَلى نَعْمائِهِ، فَإنَّ الشُّكْرَ مُوجِبٌ لِبَقائِها وسَبَبٌ لِلْمَزِيدِ عَلَيْها، يُقالُ: شَكَرْتُهُ وشَكَرْتُ لَهُ، إلَيْهِ تُرْجَعُونَ بِالمَوْتِ ثُمَّ بِالبَعْثِ لا إلى غَيْرِهِ. ﴿وإنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِن قَبْلِكم﴾ قِيلَ: هَذا مِن قَوْلِ إبْراهِيمَ أيْ: وإنْ تُكَذِّبُونِي فَقَدْ وقَعَ ذَلِكَ لِغَيْرِي مِمَّنْ قَبْلَكم، وقِيلَ: هو مِن قَوْلِ اللَّهِ - سُبْحانَهُ - أيْ: وإنْ تُكَذِّبُوا مُحَمَّدًا فَذَلِكَ عادَةُ الكُفّارِ مَعَ مَن سَلَفَ ﴿وما عَلى الرَّسُولِ إلّا البَلاغُ المُبِينُ﴾ لِقَوْمِهِ الَّذِي أُرْسِلَ إلَيْهِمْ، ولَيْسَ عَلَيْهِ هِدايَتُهم، ولَيْسَ ذَلِكَ في وُسْعِهِ. ﴿أوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ " أوَلَمْ يَرَوْا " بِالتَّحْتِيَّةِ عَلى الخَبَرِ، واخْتارَ هَذِهِ القِراءَةَ أبُو عُبَيْدٍ وأبُو حاتِمٍ. قالَ أبُو عُبَيْدٍ: كَأنَّهُ قالَ: أوَلَمْ يَرَ الأُمَمُ. وقَرَأ أبُو بَكْرٍ، والأعْمَشُ، وابْنُ وثّابٍ، وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِالفَوْقِيَّةِ عَلى الخِطابِ مِن إبْراهِيمَ لِقَوْمِهِ، وقِيلَ: هو خِطابٌ مِنَ اللَّهِ لِقُرَيْشٍ. قَرَأ الجُمْهُورُ " كَيْفَ يُبْدِئُ " بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ مِن أبْدَأ يُبْدِئُ. وقَرَأ الزُّبَيْرِيُّ، وعِيسى بْنُ عُمَرَ وأبُو عَمْرٍو بِفَتْحِها مِن بَدَأ يَبْدَأُ. وقَرَأ الزُّهْرِيُّ " كَيْفَ بَدَأ "، والمَعْنى ألَمْ يَرَوْا كَيْفَ يَخْلُقُهُمُ اللَّهُ ابْتِداءً نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ ثُمَّ يُخْرِجُهُ إلى الدُّنْيا ثُمَّ يَتَوَفّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وكَذَلِكَ سائِرُ الحَيَواناتِ وسائِرُ النَّباتاتِ، فَإذا رَأيْتُمْ قُدْرَةَ اللَّهِ - سُبْحانَهُ - عَلى الِابْتِداءِ والإيجادِ فَهو القادِرُ عَلى الإعادَةِ، والهَمْزَةُ لِإنْكارِ عَدَمِ رُؤْيَتِهِمْ، والواوُ لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ ﴿إنَّ ذَلِكَ عَلى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ لِأنَّهُ إذا أرادَ أمْرًا قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. ثُمَّ أمَرَ - سُبْحانَهُ - إبْراهِيمَ أنْ يَأْمُرَ قَوْمَهُ بِالمَسِيرِ في الأرْضِ، (p-١١١٧)لِيَتَفَكَّرُوا ويَعْتَبِرُوا فَقالَ: ﴿قُلْ سِيرُوا في الأرْضِ فانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأ الخَلْقَ﴾ عَلى كَثْرَتِهِمْ واخْتِلافِ ألْوانِهِمْ وطَبائِعِهِمْ وألْسِنَتِهِمْ وانْظُرُوا إلى مَساكِنِ القُرُونِ الماضِيَةِ والأُمَمِ الخالِيَةِ وآثارِهِمْ لِتَعْلَمُوا بِذَلِكَ كَمالَ قُدْرَةِ اللَّهِ. وقِيلَ: إنَّ المَعْنى: قُلْ لَهم يا مُحَمَّدُ سِيرُوا، ومَعْنى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأةَ الآخِرَةَ﴾ أنَّ اللَّهَ الَّذِي بَدَأ النَّشْأةَ الأُولى وخَلَقَها عَلى تِلْكَ الكَيْفِيَّةِ يُنْشِئُها نَشْأةً ثانِيَةً عِنْدَ البَعْثِ، والجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ سِيرُوا في الأرْضِ داخِلَةٌ مَعَها في حَيِّزِ القَوْلِ، وجُمْلَةُ إنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تَعْلِيلٌ لِما قَبْلَها. قَرَأ الجُمْهُورُ " النَّشْأةَ " بِالقَصْرِ وسُكُونِ الشِّينِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو بِالمَدِّ وفَتْحُ الشِّينِ، وهُما لُغَتانِ كالرَّأْفَةِ والرَّآفَةِ. وهِيَ مُنْتَصِبَةٌ عَلى المَصْدَرِيَّةِ بِحَذْفِ الزَّوائِدِ، والأصْلُ الإنْشاءَةُ. ﴿يُعَذِّبُ مَن يَشاءُ ويَرْحَمُ مَن يَشاءُ﴾ أيْ: هو - سُبْحانَهُ - بَعْدَ النَّشْأةِ الآخِرَةِ يُعَذِّبُ مَن يَشاءُ تَعْذِيبَهُ وهُمُ الكُفّارُ والعُصاةُ ويَرْحَمُ مَن يَشاءُ رَحْمَتَهُ، وهُمُ المُؤْمِنُونَ بِهِ المُصَدِّقُونَ لِرُسُلِهِ العامِلُونَ بِأوامِرِهِ ونَواهِيهِ وإلَيْهِ تُقْلَبُونَ أيْ: تُرْجَعُونَ وتُرَدُّونَ لا إلى غَيْرِهِ. ﴿وما أنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ في الأرْضِ ولا في السَّماءِ﴾ قالَ الفَرّاءُ: ولا مَن في السَّماءِ بِمُعْجِزِينَ اللَّهَ فِيها. قالَ: وهو كَما في قَوْلِ حَسّانَ: ؎فَمَن يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنكم ∗∗∗ ويَمْدَحُهُ ويَنْصُرُهُ سَواءُ أيْ: ومَن يَمْدَحُهُ ويَنْصُرُهُ سَواءٌ. ومِثْلُهُ قَوْلُهُ - تَعالى -: ﴿وما مِنّا إلّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ﴾ [الصافات: ١٦٤] أيْ: إلّا مَن لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ، والمَعْنى: أنَّهُ لا يُعْجِزُهُ - سُبْحانَهُ - أهْلُ الأرْضِ ولا أهْلُ السَّماءِ في السَّماءِ إنْ عَصَوْهُ. وقالَ قُطْرُبٌ: إنَّ مَعْنى الآيَةِ: ولا في السَّماءِ لَوْ كُنْتُمْ فِيها، كَما تَقُولُ: لا يَفُوتُنِي فُلانٌ هاهُنا ولا بِالبَصْرَةِ: يَعْنِي ولا بِالبَصْرَةِ لَوْ صارَ إلَيْها. وقالَ المُبَرِّدُ: المَعْنى ولا مَن في السَّماءِ، عَلى أنَّ مَن لَيْسَتْ مَوْصُولَةً بَلْ نَكِرَةً، وفي السَّماءِ صِفَةٌ لَها، فَأُقِيمَتِ الصِّفَةُ مَقامَ المَوْصُوفِ، ورَدَّ ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمانَ وقالَ: لا يَجُوزُ، ورَجَّحَ ما قالَهُ قُطْرُبٌ ﴿وما لَكم مِن دُونِ اللَّهِ مِن ولِيٍّ ولا نَصِيرٍ﴾ مِن مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ أيْ: لَيْسَ لَكم ولِيٌّ يُوالِيكم ولا نَصِيرٌ يَنْصُرُكم ويَدْفَعُ عَنْكم عَذابَ اللَّهِ. ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ ولِقائِهِ﴾ المُرادُ بِالآياتِ التَّنْزِيلِيَّةُ أوِ التَّكْوِينِيَّةُ أوْ جَمِيعُهُما، وكَفَرُوا بِلِقاءِ اللَّهِ أيْ: أنْكَرُوا البَعْثَ وما بَعْدَهُ ولَمْ يَعْمَلُوا بِما أخْبَرَتْهم بِهِ رُسُلُ اللَّهِ - سُبْحانَهُ - والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: أُولَئِكَ إلى الكافِرِينَ بِالآياتِ واللِّقاءِ، وهو مُبْتَدَأٌ وخَبَرُهُ ﴿يَئِسُوا مِن رَحْمَتِي﴾ أيْ: إنَّهم في الدُّنْيا آيِسُونَ مِن رَحْمَةِ اللَّهِ لَمْ يَنْجَعْ فِيهِمْ ما نَزَلَ مِن كُتُبِ اللَّهِ ولا ما أخْبَرَتْهم بِهِ رُسُلُهُ. وقِيلَ: المَعْنى: أنَّهم يَيْئَسُونَ يَوْمَ القِيامَةِ مِن رَحْمَةِ اللَّهِ وهي الجَنَّةُ. والمَعْنى: أنَّهم أيِسُوا مِنَ الرَّحْمَةِ وأُولَئِكَ لَهم عَذابٌ ألِيمٌ كَرَّرَ - سُبْحانَهُ - الإشارَةَ لِلتَّأْكِيدِ، ووَصَفَ العَذابَ بِكَوْنِهِ ألِيمًا لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهُ في غايَةِ الشِّدَّةِ. ﴿فَما كانَ جَوابُ قَوْمِهِ إلّا أنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أوْ حَرِّقُوهُ﴾ هَذا رُجُوعٌ إلى خِطابِ إبْراهِيمَ بَعْدَ الِاعْتِراضِ بِما تَقَدَّمَ مِن خِطابِ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - عَلى قَوْلِ مَن قالَ: إنَّ قَوْلَهُ ﴿قُلْ سِيرُوا في الأرْضِ﴾ خِطابُ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، وأمّا عَلى قَوْلِ مَن قالَ: إنَّهُ خِطابٌ لِإبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فالكَلامُ في سِياقِهِ سابِقًا ولاحِقًا أيْ: قالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ عِنْدِ المُشاوَرَةِ بَيْنَهُمُ: افْعَلُوا بِإبْراهِيمَ أحَدَ الأمْرَيْنِ المَذْكُورَيْنِ، ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلى تَحْرِيقِهِ ﴿فَأنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النّارِ﴾ وجَعَلَها عَلَيْهِ بَرْدًا وسَلامًا إنَّ في ذَلِكَ أيْ: في إنْجاءِ اللَّهِ لِإبْراهِيمَ لَآياتٍ بَيِّنَةً أيْ: دَلالاتٍ واضِحَةً وعَلاماتٍ ظاهِرَةً عَلى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ وبَدِيعِ صُنْعِهِ: حَيْثُ أضْرَمُوا تِلْكَ النّارَ العَظِيمَةَ وألْقَوْهُ فِيها ولَمْ تَحْرِقْهُ ولا أثَّرَتْ فِيهِ أثَرًا، بَلْ صارَتْ إلى حالَةٍ مُخالِفَةٍ لِما هو شَأْنُ عُنْصُرِها مِنَ الحَرارَةِ والإحْراقِ، وإنَّما خَصَّ المُؤْمِنُونَ، لِأنَّهُمُ الَّذِينَ يَعْتَبِرُونَ بِآياتِ اللَّهِ - سُبْحانَهُ -، وأمّا مَن عَداهم فَهم عَنْ ذَلِكَ غافِلُونَ. قَرَأ الجُمْهُورُ بِنَصْبِ " جَوابَ قَوْمِهِ " عَلى أنَّهُ خَبَرُ كانَ وما بَعْدَهُ اسْمُها. وقَرَأ سالِمٌ الأفْطَسُ وعَمْرُو بْنُ دِينارٍ، والحَسَنُ بِرَفْعِهِ عَلى أنَّهُ اسْمُ كانَ وما بَعْدَهُ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الخَبَرِ. ﴿وقالَ إنَّما اتَّخَذْتُمْ مِن دُونِ اللَّهِ أوْثانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكم في الحَياةِ الدُّنْيا﴾ أيْ: قالَ إبْراهِيمُ لِقَوْمِهِ: أيْ: لِلتَّوادُدِ بَيْنَكم والتَّواصُلِ لِاجْتِماعِكم عَلى عِبادَتِها، ولِلْخَشْيَةِ مِن ذَهابِ المَوَدَّةِ فِيما بَيْنَكم إنْ تَرَكْتُمْ عِبادَتَها. قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو والكِسائِيُّ " مَوَدَّةُ بَيْنِكم "، بِرَفْعِ مَوَدَّةَ غَيْرِ مُنَوَّنَةٍ، وإضافَتِها إلى بَيْنِكم. وقَرَأ الأعْمَشُ، وابْنُ وثّابٍ " مَوَدَّةٌ " بِرَفْعِها مُنَوَّنَةً. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو بَكْرٍ بِنَصْبِ " مَوَدَّةَ "، مُنَوَّنَةً، ونَصَبَ " بَيْنَكم " عَلى الظَّرْفِيَّةِ. وقَرَأ حَمْزَةُ وحَفْصٌ بِنَصْبِ " مَوَدَّةَ " مُضافَةً إلى بَيْنِكم. فَأمّا قِراءَةُ الرَّفْعِ فَذَكَرَ الزَّجّاجُ لَها وجْهَيْنِ: الأوَّلُ أنَّها ارْتَفَعَتْ عَلى خَبَرِ إنَّ في إنَّما اتَّخَذْتُمْ وجَعَلَ ما مَوْصُوفَةً، والتَّقْدِيرُ: إنَّ الَّذِي اتَّخَذْتُمُوهُ مِن دُونِ اللَّهِ أوْثانًا مَوَدَّةُ بَيْنِكم. والوَجْهُ الثّانِي أنْ تَكُونَ عَلى إضْمارِ مُبْتَدَأٍ أيْ: هي مَوَدَّةٌ أوْ تِلْكَ مَوَدَّةٌ. والمَعْنى: أنَّ المَوَدَّةَ هي الَّتِي جَمَعَتْكم عَلى عِبادَةِ الأوْثانِ واتِّخاذِها. قِيلَ: ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَوَدَّةُ مُرْتَفِعَةً بِالِابْتِداءِ وخَبَرُها في الحَياةِ الدُّنْيا. ومَن قَرَأ بِرَفْعِ " مَوَدَّةَ " مُنَوَّنَةً فَتَوْجِيهُهُ كالقِراءَةِ الأُولى، ونَصْبِ بَيْنِكم عَلى الظَّرْفِيَّةِ. ومَن قَرَأ بِنَصْبِ مَوَدَّةٍ ولَمْ يُنَوِّنْها جَعْلَها مَفْعُولَ اتَّخَذْتُمْ وجَعَلَ إنَّما حَرْفًا واحِدًا لِلْحَصْرِ، وهَكَذا مَن نَصَبَها ونَوَّنَها. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ النَّصْبُ في هاتَيْنِ القِراءَتَيْنِ عَلى أنَّ المَوَدَّةَ عِلَّةٌ فَهي مَفْعُولٌ لِأجْلِهِ، وعَلى قِراءَةِ الرَّفْعِ يَكُونُ مَفْعُولُ اتَّخَذْتُمُ الثّانِي مَحْذُوفًا أيْ: أوْثانًا آلِهَةً، وعَلى تَقْدِيرِ أنَّ ما في قَوْلِهِ إنَّما اتَّخَذْتُمْ مَوْصُولَةٌ يَكُونُ المَفْعُولُ الأوَّلُ ضَمِيرَها أيِ: اتَّخَذْتُمُوهُ، والمَفْعُولُ الثّانِي أوْثانًا ﴿ثُمَّ يَوْمَ القِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكم بِبَعْضٍ﴾ أيْ: يَكْفُرُ بَعْضُ هَؤُلاءِ المُتَّخِذِينَ لِلْأوْثانِ العابِدِينَ لَها بِالبَعْضِ الآخَرِ مِنهم فَيَتَبَرَّأُ القادَةُ مِنَ الأتْباعِ، والأتْباعُ مِنَ القادَةِ، وقِيلَ: المَعْنى يَتَبَرَّأُ العابِدُونَ لِلْأوْثانِ مِنَ الأوْثانِ وتَتَبَرَّأُ الأوْثانُ مِنَ العابِدِينَ لَهم ﴿ويَلْعَنُ بَعْضُكم بَعْضًا﴾ أيْ: يَلْعَنُ كُلُّ فَرِيقٍ الآخَرَ عَلى التَّفْسِيرَيْنِ المَذْكُورَيْنِ ومَأْواكُمُ النّارُ أيِ: (p-١١١٨)الكُفّارُ، وقِيلَ: يَدْخُلُ في ذَلِكَ الأوْثانُ أيْ: هي مَنزِلُكُمُ الَّذِي تَأْوُونَ إلَيْهِ وما لَكَمْ مِن ناصِرِينَ يُخَلِّصُونَكم مِنها بِنُصْرَتِهِمْ لَكم. ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ أيْ: آمَنَ لِإبْراهِيمَ لُوطٌ فَصَدَّقَهُ في جَمِيعِ ما جاءَ بِهِ، وقِيلَ: إنَّهُ لَمْ يُؤْمِن بِهِ إلّا حِينَ رَأى النّارَ لا تَحْرِقُهُ، وكانَ لُوطٌ ابْنَ أخِي إبْراهِيمَ ﴿وقالَ إنِّي مُهاجِرٌ إلى رَبِّي﴾ قالَ النَّخَعِيُّ، وقَتادَةُ: الَّذِي قالَ إنِّي مُهاجِرٌ إلى رَبِّي هو إبْراهِيمُ. قالَ قَتادَةُ: هاجَرَ مِن " كُوثى " وهي قَرْيَةٌ مِن سَوادِ الكُوفَةِ إلى حَرّانَ ثُمَّ إلى الشّامِ ومَعَهُ ابْنُ أخِيهِ لُوطٌ وامْرَأتُهُ سارَةُ، والمَعْنى: إنِّي مُهاجِرٌ عَنْ دارِ قَوْمِي إلى حَيْثُ أعْبُدُ رَبِّي إنَّهُ هو العَزِيزُ الحَكِيمُ أيِ: الغالِبُ الَّذِي أفْعالُهُ جارِيَةٌ عَلى مُقْتَضى الحِكْمَةِ. وقِيلَ: إنَّ القائِلَ ﴿إنِّي مُهاجِرٌ إلى رَبِّي﴾ هو لُوطٌ، والأوَّلُ أوْلى لِرُجُوعِ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِ: ﴿ووَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ ويَعْقُوبَ﴾ إلى إبْراهِيمَ، وكَذا في قَوْلِهِ: ﴿وجَعَلْنا في ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ والكِتابَ﴾، وكَذا في قَوْلِهِ: ﴿وآتَيْناهُ أجْرَهُ في الدُّنْيا وإنَّهُ في الآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ﴾ فَإنَّ هَذِهِ الضَّمائِرَ كُلَّها لِإبْراهِيمَ بِلا خِلافٍ أيْ: مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالأوْلادِ، فَوَهَبَ لَهُ إسْحاقَ ولَدًا لَهُ ويَعْقُوبَ ولَدًا لِوَلَدِهِ إسْحاقَ وجَعَلَ في ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ والكِتابَ فَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا بَعْدَ إبْراهِيمَ إلّا مِن صُلْبِهِ، ووَحَّدَ الكِتابَ لِأنَّ الألِفَ واللّامَ فِيهِ لِلْجِنْسِ الشّامِلِ لِلْكُتُبِ، والمُرادُ التَّوْراةُ والإنْجِيلُ والزَّبُورُ والقُرْآنُ، ومَعْنى ﴿وآتَيْناهُ أجْرَهُ في الدُّنْيا﴾ أنَّهُ أُعْطِيَ في الدُّنْيا الأوْلادُ، وأخْبَرَهُ اللَّهُ بِاسْتِمْرارِ النُّبُوَّةِ فِيهِمْ، وذَلِكَ مِمّا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُهُ ويَزْدادُ بِهِ سُرُورُهُ، وقِيلَ: أجْرُهُ في الدُّنْيا أنَّ أهْلَ المِلَلِ كُلِّها تَدَّعِيهِ وتَقُولُ هو مِنهم. وقِيلَ: أعْطاهُ في الدُّنْيا عَمَلًا صالِحًا وعاقِبَةً حَسَنَةً ﴿وإنَّهُ في الآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ﴾ أيِ: الكامِلِينَ في الصَّلاحِ المُسْتَحِقِّينَ لِتَوْفِيرِ الأُجْرَةِ وكَثْرَةِ العَطاءِ مِنَ الرَّبِّ - سُبْحانَهُ - . وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: بَعْثُ اللَّهِ نُوحًا وهو ابْنُ أرْبَعِينَ سَنَةً ولَبِثَ في قَوْمِهِ ألْفَ سَنَةٍ إلّا خَمْسِينَ عامًا يَدْعُوهم إلى اللَّهِ وعاشَ بَعْدَ الطُّوفانِ سِتِّينَ سَنَةً حَتّى كَثُرَ النّاسُ وفَشَوْا. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: كانَ عُمْرُ نُوحٍ قَبْلَ أنْ يُبْعَثَ إلى قَوْمِهِ وبَعْدَ ما بُعِثَ ألْفًا وسَبْعَمِائَةِ سَنَةٍ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ أبِي شَدّادٍ قالَ: إنَّ اللَّهَ أرْسَلَ نُوحًا إلى قَوْمِهِ وهو ابْنُ خَمْسِينَ وثَلاثِمائَةِ سَنَةٍ فَلَبِثَ فِيهِمْ ألْفَ سَنَةٍ إلّا خَمْسِينَ عامًا، ثُمَّ عاشَ بَعْدَ ذَلِكَ خَمْسِينَ وثَلاثِمِائَةِ سَنَةٍ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا في كِتابِ ذَمِّ الدُّنْيا عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكِ قالَ: جاءَ مَلَكُ المَوْتِ إلى نُوحٍ فَقالَ: يا أطْوَلَ النَّبِيِّينَ عُمْرًا كَيْفَ وجَدْتَ الدُّنْيا ولَذَّتَها ؟ قالَ: كَرَجُلٍ دَخَلَ بَيْتًا لَهُ بابانِ، فَقالَ في وسَطِ البَيْتِ هُنَيْهَةً، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البابِ الآخَرِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ﴾ قالَ: أبْقاها اللَّهُ آيَةً فَهي عَلى الجُودِيِّ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وتَخْلُقُونَ إفْكًا﴾ قالَ: تَقُولُونَ كَذِبًا. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: النَّشْأةُ الآخِرَةُ قالَ: هي الحَياةُ بَعْدَ المَوْتِ، وهو النُّشُورُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ قالَ: صَدَقَ لُوطٌ إبْراهِيمَ. وأخْرَجَ أبُو يَعْلى وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أنَسٍ قالَ: «أوَّلُ مَن هاجَرَ مِنَ المُسْلِمِينَ إلى الحَبَشَةِ بِأهْلِهِ عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ، فَقالَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: صَحِبَهُما اللَّهُ، إنَّ عُثْمانَ لِأوَّلُ مَن هاجَرَ إلى اللَّهِ بِأهْلِهِ بَعْدَ لُوطٍ» . وأخْرَجَ ابْنُ مِندَهْ وابْنُ عَساكِرَ عَنْ أسْماءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ قالَتْ: " «هاجَرَ عُثْمانُ إلى الحَبَشَةِ فَقالَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: إنَّهُ أوَّلُ مَن هاجَرَ بَعْدَ إبْراهِيمَ ولُوطٍ» . وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ والطَّبَرانِيُّ والحاكِمُ في الكُنى عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «ما كانَ بَيْنَ عُثْمانَ وبَيْنَ رُقَيَّةَ وبَيْنَ لُوطٍ مُهاجِرٌ» . وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: أوَّلُ مَن هاجَرَ إلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ كَما هاجَرَ لُوطٌ إلى إبْراهِيمَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ووَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ ويَعْقُوبَ﴾ قالَ هُما ولَدا إبْراهِيمَ، وفي قَوْلِهِ: ﴿وآتَيْناهُ أجْرَهُ في الدُّنْيا﴾ قالَ إنَّ اللَّهَ وصّى أهْلَ الأدْيانِ بِدِينِهِ فَلَيْسَ مِن أهْلِ الأدْيانِ دِينٌ إلّا وهم يَقُولُونَ إبْراهِيمَ ويَرْضَوْنَ بِهِ. وأخْرَجَ هَؤُلاءِ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿وآتَيْناهُ أجْرَهُ في الدُّنْيا﴾ قالَ الذِّكْرُ الحَسَنُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أيْضًا قالَ: الوَلَدُ الصّالِحُ والثَّناءُ، وقَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ: هُما ولَدا إبْراهِيمَ لَعَلَّهُ يُرِيدُ ولَدَهُ ووَلَدَ ولَدِهِ، لِأنَّ ولَدَ الوَلَدِ بِمَنزِلَةِ الوَلَدِ، ومِثْلُ هَذا لا يَخْفى عَلى مِثْلِ ابْنِ عَبّاسٍ فَهو حَبْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ، وهَذِهِ الرِّوايَةُ عَنْهُ هي مِن رِوايَةِ العَوْفِيِّ، وفي الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ الكَرِيمَ ابْنَ الكَرِيمِ ابْنِ الكَرِيمِ ابْنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ إبْراهِيمَ» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب