الباحث القرآني
﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أيْمانِكم ولَكِنْ يُؤاخِذُكم بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكم واللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾
اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ، لِأنَّ الآيَةَ السّابِقَةَ لَمّا أفادَتِ النَّهْيَ عَنِ التَّسَرُّعِ بِالحَلِفِ إفادَةً صَرِيحَةً أوِ التِزامِيَّةً، كانَتْ نُفُوسُ السّامِعِينَ بِحَيْثُ يَهْجِسُ بِها التَّفَكُّرُ والتَّطَلُّعُ إلى حُكْمِ اليَمِينِ الَّتِي تَجْرِي عَلى الألْسُنِ. ومُناسَبَتُهُ لِما قَبْلَهُ ظاهِرَةٌ لا سِيِّما إنْ جَعَلْتَ قَوْلَهُ ﴿ولا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأيْمانِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٤] نَهْيًا عَنِ الحَلِفِ.
والمُؤاخَذَةُ مُفاعَلَةٌ مِنَ الأخْذِ بِمَعْنى العَدِّ والمُحاسَبَةِ، يُقالُ أخَذَهُ بِكَذا أيْ عَدَّهُ عَلَيْهِ لِيُعاتِبَهُ، أوْ يُعاقِبَهُ، قالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
؎لا تَأْخُذْنِي بِأقْوالِ الوُشاةِ ولَمْ أُذْنِبْ وإنْ كَثُرَتْ فِيَّ الأقاوِيلُ
فالمُفاعَلَةُ هُنا لِلْمُبالَغَةِ في الأخْذِ؛ إذْ لَيْسَ فِيهِ حُصُولُ الفِعْلِ مِنَ الجانِبَيْنِ (p-٣٨١)والمُؤاخَذَةُ بِاليَمِينِ، هي الإلْزامُ بِالوَفاءِ بِها، وعَدَمُ الحِنْثِ؛ ويَتَرَتَّبُ عَلى ذَلِكَ أنْ يَأْثَمَ إذا وقَعَ الحِنْثُ، إلّا ما أذِنَ اللَّهُ في كَفّارَتِهِ، كَما في آيَةِ سُورَةِ العُقُودِ.
واللَّغْوُ مَصْدَرُ لَغا، إذا قالَ كَلامًا خَطَأً، يُقالُ: لَغا يَلْغُو لَغْوًا كَدَعا، ولَغا يَلْغى لَغْيًا كَسَعى. ولُغَةُ القُرْآنِ بِالواوِ. وفي اللِّسانِ: أنَّهُ لا نَظِيرَ لَهُ إلّا قَوْلُهم أسَوْتُهُ أسْوًا وأسًى أصْلَحْتُهُ وفي الكَواشِي: ولَغا يَلْغُو لَغْوًا قالَ باطِلًا، ويُطْلَقُ اللَّغْوُ أيْضًا عَلى الكَلامِ السّاقِطِ، الَّذِي لا يُعْتَدُّ بِهِ، وهو الخَطَأُ، وهو إطْلاقٌ شائِعٌ. وقَدِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ في الأساسِ، ولَمْ يَجْعَلْهُ مَجازًا؛ واقْتَصَرَ عَلى التَّفْسِيرِ بِهِ في الكَشّافِ وتَبِعَهُ مُتابِعُوهُ.
و(في) لِلظَّرْفِيَّةِ المَجازِيَّةِ، المُرادُ بِها المُلابَسَةُ، وهي ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ، صِفَةُ اللَّغْوِ أوْ حالٌ مِنهُ، وكَذَلِكَ قَدَّرَهُ الكَواشِيُّ فَيَكُونُ المَعْنى، عَلى جَعْلِ اللَّغْوِ بِمَعْنى المَصْدَرِ، وهو الأظْهَرُ: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِأنْ تَلْغُوا لَغْوًا مُلابِسًا لِلْأيْمانِ، أيْ لا يُؤاخِذُكم بِالأيْمانِ الصّادِرَةِ صُدُورَ اللَّغْوِ، أيْ غَيْرِ المَقْصُودِ مِنَ القَوْلِ.
فَإذا جَعَلْتَ اللَّغْوَ اسْمًا، بِمَعْنى الكَلامِ السّاقِطِ الخاطِئِ، لَمْ تَصِحَّ ظَرْفِيَّتُهُ في الأيْمانِ، لِأنَّهُ مِنَ الأيْمانِ، فالظَّرْفِيَّةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِيُؤاخِذُكم، والمَعْنى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ في أيْمانِكم بِاللَّغْوِ، أيْ لا يُؤاخِذُكم مِن بَيْنِ أيْمانِكم بِاليَمِينِ اللَّغْوِ، والأيْمانُ جَمْعُ يَمِينٍ، واليَمِينُ القَسَمُ والحَلِفُ، وهو ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعالى، أوْ بَعْضِ صِفاتِهِ، أوْ بَعْضِ شُئُونِهِ العُلْيا أوْ شَعائِرِهِ. فَقَدْ كانَتِ العَرَبُ تَحْلِفُ بِاللَّهِ، وبِرَبِّ الكَعْبَةِ، وبِالهَدْيِ، وبِمَناسِكِ الحَجِّ. والقَسَمُ عِنْدَهم بِحَرْفٍ مِن حُرُوفِ القَسَمِ الثَّلاثَةِ: الواوُ والباءُ والتّاءُ، ورُبَّما ذَكَرُوا لَفْظَ حَلَفْتُ أوْ أقْسَمْتُ، ورُبَّما حَلَفُوا بِدِماءِ البُدْنِ، ورُبَّما قالُوا والدِّماءِ، وقَدْ يُدْخِلُونَ لامًا عَلى عَمْرِ اللَّهِ، يُقالُ: لَعَمْرُ اللَّهِ، ويَقُولُونَ: عَمَرَكَ اللَّهُ، ولَمْ أرَ أنَّهم كانُوا يَحْلِفُونَ بِأسْماءِ الأصْنامِ. فَهَذا الحَلِفُ الَّذِي يُرادُ بِهِ التِزامُ فِعْلٍ، أوْ بَراءَةٌ مِن حَقٍّ. وقَدْ يَحْلِفُونَ بِأشْياءَ عَزِيزَةٍ عِنْدَهم لِقَصْدِ تَأْكِيدِ الخَبَرِ أوِ الِالتِزامِ، كَقَوْلِهِمْ وأبِيكَ ولَعَمْرُكَ ولَعَمْرِي، ويَحْلِفُونَ بِآبائِهِمْ، ولَمّا جاءَ الإسْلامُ نَهى عَنِ الحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ. ومِن عادَةِ العَرَبِ في القَسَمِ أنَّ بَعْضَ القَسَمِ يُقْسِمُونَ بِهِ عَلى التِزامِ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ المُقْسِمُ لِيُلْجِئَ نَفْسَهُ إلى عَمَلِهِ ولا يَنْدَمَ عَنْهُ، وهو مِن قَبِيلِ قَسَمِ النَّذْرِ، فَإذا أرادَ أحَدٌ أنْ يُظْهِرَ عَزْمَهُ عَلى فِعْلٍ لا مَحالَةَ مِنهُ، ولا مَطْمَعَ لِأحَدٍ في صَرْفِهِ عَنْهُ، أكَّدَهُ بِالقَسَمِ، قالَ بِلِعاءُ بْنُ قَيْسٍ:(p-٣٨٢)
؎وفارِسٍ في غِمارِ المَوْتِ مُنْغَمِسٍ ∗∗∗ إذا تَألّى عَلى مَكْرُوهَةٍ صَدَقا
أيْ إذا حَلَفَ عَلى أنْ يُقاتِلَ أوْ يَقْتُلَ أوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ المَصاعِبِ والأضْرارِ، ومِنهُ سُمِّيَتِ الحَرْبُ كَرِيهَةً، فَصارَ نُطْقُهم بِاليَمِينِ مُؤْذِنًا بِالعَزْمِ، وكَثُرَ ذَلِكَ في ألْسِنَتِهِمْ في أغْراضِ التَّأْكِيدِ ونَحْوِهِ، حَتّى صارَ يَجْرِي ذَلِكَ عَلى اللِّسانِ كَما تَجْرِي الكَلِماتُ الدّالَّةُ عَلى المَعانِي مِن غَيْرِ إرادَةِ الحَلِفِ، وصارَتْ كَثْرَتُهُ في الكَلامِ لا تَنْحَصِرُ، فَكَثُرَ التَّحَرُّجُ مِن ذَلِكَ في الإسْلامِ قالَ كُثَيِّرٌ:
؎قَلِيلُ الألايِي حافِظٌ لِيَمِينِهِ ∗∗∗ وإنْ سَبَقَتْ مِنهُ الألِيَّةُ بَرَّتِ
فَأشْبَهَ جَرَيانُ الحَلِفِ عَلى اللِّسانِ اللَّغْوَ مِنَ الكَلامِ.
وقَدِ اخْتَلَفَ العُلَماءُ في المُرادِ مِن لَغْوِ اليَمِينِ في هَذِهِ الآيَةِ، فَذَهَبَ الجُمْهُورُ إلى أنَّ اللَّغْوَ هو اليَمِينُ الَّتِي تَجْرِي عَلى اللِّسانِ، لَمْ يَقْصِدِ المُتَكَلِّمُ بِها الحَلِفَ، ولَكِنَّها جَرَتْ مَجْرى التَّأْكِيدِ. أوِ التَّنْبِيهِ، كَقَوْلِ العَرَبِ: لا واللَّهِ، وبَلى واللَّهِ، وقَوْلِ القائِلِ: واللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ مِن فُلانٍ كَلامًا عَجَبًا، وغَيْرُ هَذا لَيْسَ بِلَغْوٍ، وهَذا قَوْلُ عائِشَةَ، رَواهُ عَنْها في المُوَطَّأِ والصِّحاحِ، وإلَيْهِ ذَهَبَ الشَّعْبِيُّ، وأبُو قِلابَةَ، وعِكْرِمَةُ، ومُجاهِدٌ، وأبُو صالِحٍ، وأخَذَ بِهِ الشّافِعِيُّ. والحُجَّةُ لَهُ أنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ اللَّغْوَ قَسِيمًا لِلَّتِي كَسَبَها القَلْبُ، في هَذِهِ الآيَةِ، ولِلَّتِي عَقَدَ عَلَيْها الحالِفُ اليَمِينَ في قَوْلِهِ: ﴿ولَكِنْ يُؤاخِذُكم بِما عَقَّدْتُمُ الأيْمانَ﴾ [المائدة: ٨٩] فَما عَقَّدْتُمُ الأيْمانَ هو ما كَسَبَتْهُ القُلُوبُ؛ لِأنَّ ما كَسَبَتْ قُلُوبُكم مُبَيَّنٌ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مُجْمَلُ ما عَقَّدْتُمْ، فَتَعَيَّنَ أنْ تَكُونَ اللَّغْوُ هي الَّتِي لا قَصْدَ فِيها إلى الحَلِفِ، وهي الَّتِي تَجْرِي عَلى اللِّسانِ دُونَ قَصْدٍ، وعَلَيْهِ فَمَعْنى نَفْيِ المُؤاخَذَةِ نَفْيُ المُؤاخَذَةِ بِالإثْمِ وبِالكَفّارَةِ؛ لِأنَّ نَفْيَ الفِعْلِ يَعُمُّ، فاليَمِينُ الَّتِي لا قَصْدَ فِيها، لا إثْمَ ولا كَفّارَةَ عَلَيْها، وغَيْرُها تَلْزَمُ فِيهِ الكَفّارَةُ لِلْخُرُوجِ مِنِ الإثْمِ بِدَلِيلِ آيَةِ المائِدَةِ؛ إذْ فَسَّرَ المُؤاخَذَةَ فِيها بِقَوْلِهِ ﴿فَكَفّارَتُهُ إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ﴾ [المائدة: ٨٩] فَيَكُونُ في الغَمُوسِ، وفي يَمِينِ التَّعْلِيقِ، وفي اليَمِينِ عَلى الظَّنِّ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ خِلافُهُ، الكَفّارَةُ في جَمِيعِ ذَلِكَ.
وقالَ مالِكٌ: لَغْوُ اليَمِينِ أنْ يَحْلِفَ عَلى شَيْءٍ يَظُنُّهُ كَذَلِكَ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ خِلافُ ظَنِّهِ. قالَ في المُوَطَّأِ: وهَذا أحْسَنُ ما سَمِعْتُ إلَيَّ في ذَلِكَ وهو مَرْوِيٌّ في غَيْرِ المُوَطَّأِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ ومَن قالَ بِهِ الحَسَنُ، وإبْراهِيمُ، وقَتادَةُ، والسُّدِّيُّ، ومَكْحُولٌ، وابْنُ أبِي نَجِيحٍ.
ووَجْهُهُ مِنَ الآيَةِ: أنَّ اللَّهَ تَعالى جَعَلَ المُؤاخَذَةَ عَلى كَسْبِ القَلْبِ في اليَمِينِ، ولا تَكُونُ (p-٣٨٣)المُؤاخَذَةُ إلّا عَلى الحِنْثِ، لا أصْلِ القَسَمِ؛ إذْ لا مُؤاخَذَةَ لِأجْلِ مُجَرَّدِ الحَلِفِ لا سِيَّما مَعَ البَرِّ، فَتَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِن كَسْبِ القَلْبِ كَسْبَهُ الحِنْثَ أيْ تَعَمُّدَهُ الحِنْثَ، فَهو الَّذِي فِيهِ المُؤاخَذَةُ، والمُؤاخَذَةُ أُجْمِلَتْ في هاتِهِ الآيَةِ، وبُيِّنَتْ في آيَةِ المائِدَةِ بِالكَفّارَةِ، فالحالِفُ عَلى ظَنٍّ يَظْهَرُ بَعْدُ خِلافُهُ لا تَعَمُّدَ عِنْدَهُ لِلْحِنْثِ، فَهو اللَّغْوُ، فَلا مُؤاخَذَةَ فِيهِ، أيْ لا كَفّارَةَ وأمّا قَوْلُ الرَّجُلِ: لا واللَّهِ وبَلى واللَّهِ، وهو كاذِبٌ، فَهو عِنْدَ مالِكٍ قَسَمٌ لَيْسَ بِلَغْوٍ، لِأنَّ اللَّغَوِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالحِنْثِ بَعْدَ اعْتِقادِ الصِّدْقِ، والقائِلُ لا واللَّهِ كاذِبًا، لَمْ يَتَبَيَّنْ حِنْثُهُ لَهُ بَعْدَ اليَمِينِ، بَلْ هو غافِلٌ عَنْ كَوْنِهِ حالِفًا، فَإذا انْتَبَهَ لِلْحَلِفِ، وجَبَتْ عَلَيْهِ المَفازَةُ، لِأنَّهُ حَلِفَها حِينَ حَلِفَها وهو حانِثٌ.
وإنَّما جَعَلْنا تَفْسِيرَ ما كَسَبَتْ قُلُوبُكم كَسْبَ القَلْبِ لِلْحِنْثِ، لِأنَّ مَساقَ الآيَةِ في الحِنْثِ لِأنَّ قَوْلَهُ ﴿ولا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأيْمانِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٤]، إمّا إذْنٌ في الحِنْثِ، أوْ نَهْيٌ عَنِ الحَلِفِ خَشْيَةَ الحِنْثِ، عَلى الوَجْهَيْنِ الماضِيَيْنِ، وقَوْلُهُ ﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ﴾ بَيانٌ وتَعْلِيلٌ لِذَلِكَ، وحُكْمُ البَيانِ حُكْمُ المُبَيَّنِ، لِأنَّهُ عَيَّنَهُ.
وقالَ جَماعَةٌ: اللَّغْوُ ما لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الكَذِبُ، فَتَشْمَلُ القِسْمَيْنِ، سَواءٌ كانَ بِلا قَصْدٍ كالَّتِي تَجْرِي عَلى الألْسُنِ في (لا واللَّهِ وبَلى واللَّهِ) أمْ كانَ بِقَصْدٍ، مَعَ اعْتِقادِ الصِّدْقِ، فَتَبَيَّنَ خِلافُهُ. ومِمَّنْ قالَ بِهَذا: ابْنُ عَبّاسٍ، والشَّعْبِيُّ وقالَ بِهِ أبُو حَنِيفَةَ، فَقالَ: اللَّغْوُ لا كَفّارَةَ فِيها ولا إثْمَ.
واحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ تَعالى جَعَلَ اللَّغْوَ هُنا، مُقابِلًا لِما كَسَبَتْهُ القُلُوبُ، ونَفى المُؤاخَذَةَ عَنِ اللَّغْوِ، وأثْبَتَها لِما كَسَبَهُ القَلْبُ، والمُؤاخَذَةُ لا مَحالَةَ عَلى الحِنْثِ لا عَلى أصْلِ الحَلِفِ، فاللَّغْوُ هي الَّتِي لا حَنِثَ فِيها؛ ولَمْ يَرَ بَيْنَ آيَةِ البَقَرَةِ وآيَةِ المائِدَةِ تَعارُضًا حَتّى يَحْمِلَ إحْداهُما عَلى الأُخْرى بَلْ قالَ: إنَّ آيَةَ البَقَرَةِ جَعَلَتِ اللَّغْوَ مُقابِلًا لِما كَسَبَهُ القَلْبُ، وأثْبَتَ المُؤاخَذَةَ لِما كَسَبَهُ القَلْبُ أيْ عَزَمَتْ عَلَيْهِ النَّفْسُ، والمُؤاخَذَةُ مُطْلَقَةٌ تَنْصَرِفُ إلى أكْمَلِ أفْرادِها، وهي العُقُوبَةُ الأُخْرَوِيَّةُ فَيَتَعَيَّنُ أنَّهُ ما كَسَبَتْهُ القُلُوبُ، أُرِيدَ بِهِ الغَمُوسُ؛ وجَعَلَ في آيَةِ المائِدَةِ اللَّغْوَ مُقابِلًا لِلْأيْمانِ المَعْقُودَةِ، والعَقْدُ في الأصْلِ: الرَّبْطُ، وهو مَعْناهُ لُغَةً، وقَدْ أضافَهُ إلى الأيْمانِ، فَدَلَّ عَلى أنَّها اليَمِينُ الَّتِي فِيها تَعْلِيقٌ، وقَدْ فَسَّرَ المُؤاخَذَةَ فِيها بِقَوْلِهِ: ﴿فَكَفّارَتُهُ إطْعامُ﴾ [المائدة: ٨٩] إلَخْ، فَظَهَرَ مِنَ الآيَتَيْنِ أنَّ اللَّغْوَ ما قابَلَ الغَمُوسَ، والمُنْعَقِدَةَ، وهو نَوْعانِ لا مَحالَةَ، وظَهَرَ حُكْمُ الغَمُوسِ، وهي الحَلِفُ بِقَصْدِ الكَذِبِ، فَهو الإثْمُ، وحُكْمُ المُنْعَقِدَةِ، أنَّهُ الكَفّارَةُ، فَوافَقَ مالِكًا في الغَمُوسِ وخالَفَهُ في أحَدِ نَوْعَيِ اللَّغْوِ، وهَذا تَحْقِيقُ مَذْهَبِهِ.
(p-٣٨٤)وفِي اللَّغْوِ غَيْرُ هَذِهِ المَذاهِبِ، مَذاهِبُ أنْهاها ابْنُ عَطِيَّةَ إلى عَشَرَةٍ، لا نُطِيلُ بِها.
وقَوْلُهُ ﴿واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ٢١٨] تَذْيِيلٌ لِحُكْمِ نَفْيِ المُؤاخَذَةِ، ومُناسِبَةِ اقْتِرانِ وصْفِ الغَفُورِ بِالحَلِيمِ هُنا، دُونَ الرَّحِيمِ لِأنَّ هَذِهِ مَغْفِرَةٌ لِذَنْبٍ هو مِن قَبِيلِ التَّقْصِيرِ في الأدَبِ مَعَ اللَّهِ تَعالى، فَلِذَلِكَ وصَفَ اللَّهُ نَفْسَهُ بِالحَلِيمِ، لِأنَّ الحَلِيمَ هو الَّذِي لا يَسْتَفِزُّهُ التَّقْصِيرُ في جانِبِهِ، ولا يَغْضَبُ لِلْغَفْلَةِ، ويَقْبَلُ المَعْذِرَةَ.
{"ayah":"لَّا یُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِیۤ أَیۡمَـٰنِكُمۡ وَلَـٰكِن یُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق