الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أيْمانِكُمْ﴾: اعْلَمْ أنَّ اللَّغْوَ مَذْكُورٌ في القُرْآنِ عَلى وُجُوهٍ، والمُرادُ بِهِ مَعانٍ مُخْتَلِفَةٌ عَلى حَسَبِ اخْتِلافِ الأحْوالِ الَّتِي خَرَجَ الكَلامُ عَلَيْها. فَقالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً﴾ [الغاشية: ١١] يَعْنِي: كَلِمَةً فاحِشَةً قَبِيحَةً. و﴿لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا ولا تَأْثِيمًا﴾ [الواقعة: ٢٥] عَلى هَذا المَعْنى، وقالَ: (p-١٤٦)﴿وإذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أعْرَضُوا عَنْهُ﴾ [القصص: ٥٥] يَعْنِي: الكُفْرَ والكَلامَ القَبِيحَ. وقالَ: ﴿والغَوْا فِيهِ لَعَلَّكم تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: ٢٦] . يَعْنِي الكَلامَ الَّذِي لا يُفِيدُ شَيْئًا لِيَشْتَغِلَ السّامِعُونَ عَنْهُ بِذَلِكَ، وقالَ: ﴿وإذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرامًا﴾ [الفرقان: ٧٢] يَعْنِي بِالباطِلِ. ويُقالُ: لَغا في كَلامِهِ يَلْغُو إذا أتى بِكَلامٍ لا فائِدَةَ فِيهِ. وقَدْ رُوِيَ في لَغْوِ اليَمِينِ مَعانٍ عَنِ السَّلَفِ: فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ: هو في الرَّجُلِ يَحْلِفُ عَلى الشَّيْءِ يَراهُ كَذَلِكَ، ولا يَكُونُ كَذَلِكَ. ورُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ، وإبْراهِيمَ، قالَ مُجاهِدٌ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَكِنْ يُؤاخِذُكم بِما عَقَّدْتُمُ الأيْمانَ﴾ [المائدة: ٨٩] . أنَّهُ يَحْلِفُ عَلى الشَّيْءِ وأنَّهُ يَعْلَمُ، وهَذا في مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ . وقالَتْ عائِشَةُ: ”هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ: لا واللَّهِ، بَلى واللَّهِ“ . وكَثُرَتْ أقاوِيلُ السَّلَفِ فِيهِ، وأقْرَبُها قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: هو الرَّجُلُ يَحْلِفُ عَلى الحَرامِ فَلا يُؤاخِذُهُ اللَّهُ بِتَرْكِهِ. (p-١٤٧)وذَلِكَ يَقْرُبُ مِن أحَدِ تَأْوِيلَيْ قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ولا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأيْمانِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٤] . وقَدْ ظَنَّ قَوْمٌ أنَّ المُرادَ بِهِ، المُؤاخَذَةُ في الآخِرَةِ، فَتَجِبُ الكَفّارَةُ في الدُّنْيا، ولَيْسَ عَلى ما ظَنُّوهُ، فَإنَّهُ تَعالى قالَ في مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أيْمانِكم ولَكِنْ يُؤاخِذُكُمُ بِما عَقَّدْتُمُ الأيْمانَ فَكَفّارَتُهُ﴾ [المائدة: ٨٩] . فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ المُؤاخَذَةَ المَذْكُورَةَ في القِسْمِ الثّانِي، هي المُتَيَقَّنَةُ في القِسْمِ الأوَّلِ. وظَنَّ أبُو حَنِيفَةَ، أنَّ قَوْلَهُ: ”عَقَّدْتُمْ“ يَدُلُّ عَلى ما يُتَصَوَّرُ عَقْدُ العَزْمِ عَلَيْهِ مِنَ الأفْعالِ، حَتّى يَخْرُجَ مِنهُ اليَمِينُ عَلى الماضِي، وذَلِكَ إنْ صَحَّ لَهُ، فَيَخْرُجُ مِنهُ الأيْمانُ عَلى فِعْلِ الغَيْرِ، وحَنَثِ النِّسْيانِ وغَيْرِهِما، فالأقْرَبُ في مَعانِيهِ، ما قالَتْهُ عائِشَةُ وهو مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب