الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أيْمانِكُمْ ولَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ واللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: ٢٢٥].
الأصلُ في اللَّغْوِ: أنّه ما لا قِيمَةَ له مِنَ الكلامِ، أو الساقطُ مِن القولِ، ومِن ذلك قولُهُ تعالى: ﴿وإذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرامًا ﴾ [الفرقان: ٧٢].
ورَبِّ أسْرابِ حَجِيجٍ كُظَّمِ
عَنِ اللَّغا ورَفَثِ التَّكَلُّمِ[[«ديوان العَجّاج» (١/٤٥٦).]]
واللُّغَةُ: ما يُتَكَلَّمُ به، وعمومُ الأصواتِ تسمّى لُغاتٍ، وفي الحديثِ: (مَن قالَ فِي الجُمُعَةِ: صَهْ، فَقَدْ لَغا) [[أخرجه أبو داود (١٠٥١) (١/٢٧٦)، من حديث عليٍّ رضي الله عنه.]]، أيْ: تكلَّمَ، واستَلْغاهُ: استَنْطَقَهُ ليتكلَّمَ، يقالُ: إذا أردتَّ أنْ تَسمَعَ مِن الأعرابِ، فاسْتَلْغِهم.
معنى لغوِ الأيمانِ:
واللَّغْوُ هنا: هو ما يَجْرِي على اللِّسانِ مِن غيرِ إرادةٍ لمعناهُ، ولا قصدٍ لظاهرِهِ، فيُطلَقُ بلا رَوِيَّةٍ ولا فِكْرٍ، ويدخُلُ في اللَّغْوِ: الإشارةُ والعبارةُ، ومِن اللَّغْوِ: الكتابةُ لِما تَخُطُّهُ اليدُ ولا تريدُ معناهُ، إلاَّ أنّ اللسانَ أقرَبُ إلى ورودِ اللَّغْوِ عليه مِن القلَمِ، لأنّ اللسانَ يَجري عليه الكلامُ أسرعَ مِن القَلَمِ، والقلَمَ يصاحِبُهُ غالبًا التأمُّلُ وحضورُ الذِّهْنِ.
فاللسانُ يَسبِقُ القصدَ لسرعتِه، فما خرَجَ منه سابقًا للقصدِ، فهو لَغْوٌ، وتتأكَّدُ اليمينُ إذا صاحَبَ القصدُ القولَ، أو سبَقَ خروجَ القولِ.
ومِن اللَّغْوِ الذي يَسبِقُ به اللسانُ القصدَ، قولُ: (لا، واللهِ) و(بَلى واللهِ)، و(أفعَلُ واللهِ)، في حديثِ الناسِ، ولو كانت صورتُهُ الظاهرةُ صورةَ يمينٍ، لاعتبارِ القصدِ في الشريعةِ، ولذا قال تعالى: ﴿ولَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾، يَعني: ما انعقَدَتْ قلوبُكُمْ على قَصْدِه، كما في قولِهِ تعالى في المائدةِ: ﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أيْمانِكُمْ ولَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُّمُ الأَيْمانَ﴾ [٨٩].
فسَّر اللَّغْوَ بذلك أكثرُ المفسِّرينَ مِن السلفِ، روى عُرْوةُ، عن عائشةَ: «اللَّغْوُ: لا واللهِ، وبَلى واللهِ»، أخرَجَهُ البخاريُّ[[أخرجه البخاري (٤٦١٣) (٦/٥٢).]].
وروى ابنُ جريرٍ نحوَهُ عنِ ابنِ عبّاسٍ[[«تفسير الطبري» (٤/١٤).]] وابنِ عُمرَ، وعن الشَّعْبيِّ وأبي قِلابةَ[[«تفسير الطبري» (٤/١٧).]] ومُجاهِدٍ والنَّخَعيِّ والزُّهْريِّ[[ينظر: «تفسير ابن أبي حاتم» (٢/٤٠٨).]]، وبهذا قال الشافعيُّ.
وصحَّ عنِ النَّخَعيِّ، أنّه جعَلَ اليمينَ لأجلِ الإكرامِ بالإطعامِ والضِّيافةِ مِن اللَّغْوِ، كقولِهِ: «واللهِ لَيَأْكُلَنَّ، واللهِ لَيَشْرَبَنَّ»[[«تفسير الطبري» (٤/٣٠).]].
ومَن قال: «لا واللهِ، وبَلى واللهِ»، ونحوَ هذا، قاصدًا اليمينَ، فهي يمينٌ ولو كانت ممّا تجري مجرى اللَّغْوِ عادةً، لانعقادِ القصدِ، وقد قيَّدَتْ عائشةُ وغيرُها لَغْوَ اليمينِ بعدَمِ القصدِ، قالتْ: «ما لم يَعقِدْ عليه قَلْبَه»[[«تفسير الطبري» (٤/١٦).]].
لأنّ الأصلَ في هذه الألفاظِ أنّها يمينٌ، ورُفِعَ انعقادُها، لانتفاءِ القصدِ.
ومِن السلفِ مَن فسَّر اللَّغْوَ بالحَلِفِ على شيءٍ يظُنُّهُ كذلك، وهو ليس كذلك، فهو خطأٌ مِن الحالفِ وليس بعمدٍ، قال أبو هريرةَ في لَغْوِ اليمينِ: «حَلِفُ الإنسانِ على الشيءِ يَظُنُّ أنّه الذي حلَفَ عليهِ، فإذا هو غيرُ ذلك»، رواهُ ابنُ جريرٍ[[«تفسير الطبري» (٤/١٩).]].
ورُوِيَ هذا القولُ عن عليِّ بنِ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عبّاسٍ، به[[«تفسير الطبري» (٤/٢٠).]]، وجاء عن مجاهِدٍ[[«تفسير الطبري» (٤/٢١).]] والزُّهْريِّ والنَّخَعيِّ[[«تفسير الطبري» (٤/٢٢).]] وقتادةَ[[«تفسير الطبري» (٤/٢٣).]]، وقال به أبو حَنِيفةَ ومالكٌ وجماعةٌ مِن فقهاءِ الحنابلةِ، وقال مالكٌ في هذا المعنى، كما في «الموطَّأِ»: «هذا أحسنُ ما سَمِعْتُ»[[«موطأ مالك» (عبد الباقي) (٢/٤٧٧).]]، أيْ: في تفسيرِ الآيةِ.
وحمَلَهُ بعضُ السلفِ على يمينِ الغَضْبانِ، وهو قولٌ قالَهُ ابنُ عبّاسٍ وطاوُسٌ[[«تفسير الطبري» (٤/٢٦).]].
وهذه الأقوالُ يَجمَعُها انتفاءُ القصدِ مِن الحالفِ، وهي مِن التنوُّعِ لا التضادِّ، فقد فسَّر الواحدُ مِن السلفِ اللَّغْوَ بجميعِ ما سبَقَ، وبعضُهم بأكثَرِهِ، وذلك أنّ اللَّغْوَ ما كانت صورتُهُ صورةَ يمينٍ، ولكنِ انتَفى القصدُ الموجِبُ لانعقادِهِ يمينًا.
والأصلُ: أنّ النِّيَّةَ معتبَرةٌ لانعِقادِ الأقوالِ والأعمالِ، والثوابِ والعقابِ عليها، كما في «الصَّحيحَيْنِ»، مِن حديثِ عمرَ، قال ﷺ: (إنَّما الأَعْمالُ بِالنِّيّاتِ) [[أخرجه البخاري (١) (١/٦)، ومسلم (١٩٠٧) (٣/١٥١٥).]].
ويدخُلُ في لغوِ اليمينِ: ما حلَفَ عليه الإنسانُ، ثُمَّ نَسِيَهُ قبلَ التمكُّنِ مِن الوفاءِ به، قال به النَّخَعيُّ[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٢/٤٠٩).]]، وذلك كمَن حلَفَ على شيءٍ، ثمَّ نَسِيَ أيُّ شيءٍ حلَفَ عليه، فهو لا يذكُرُ إلاَّ اليمينَ، ولا يذكُرُ ما حلَفَ عليه لِيَفِيَ به.
ويدخُلُ في اللغوِ ذِكْرُ اليمينِ على شيءٍ نسيانًا، وهو يقصِدُ شيئًا آخَرَ.
معنى عَدَمِ المؤاخذةِ في لغوِ اليمين:
وقولُه تعالى: ﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أيْمانِكُمْ﴾، المؤاخَذةُ في الآيةِ محمولةٌ على المؤاخَذةِ في الآخِرةِ، وعلى المؤاخَذةِ في الدُّنيا بعَدَمِ الكفّارةِ، وهما قولانِ للمفسِّرينَ، ويَظهَرُ تفسيرُ ذلك كما في قولِه: ﴿ولَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُّمُ الأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِن أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِيكُمْ﴾ الآيةَ [المائدة: ٨٩]، على خلافٍ عند المفسِّرينَ في رجوعِ قولِهِ تعالى: ﴿فَكَفّارَتُهُ﴾، هل هو راجعٌ إلى لغوِ اليمينِ، أو إلى ﴿ما﴾ في قولِه: ﴿بِما عَقَّدْتُّمُ﴾؟
وهذا الخلافُ في المؤاخَذةِ في الآيةِ، على معنيَيْنِ متَّسِعٍ وضيِّقٍ:
فمِن العلماءِ: مَن قال: نَفى اللهُ المؤاخَذةَ كلَّها في الدُّنيا والآخِرةِ، وهذا المعنى المتَّسِعُ، فلا إثمَ ولا كفّارةَ.
ومِنهم: مَن قال: نَفى اللهُ المؤاخَذةَ الأُخرويَّةَ فقَطْ، وهذا المعنى الضَّيِّقُ، فلا إثمَ في الآخِرةِ، وتجِبُ الكفّارةُ.
وقال بالمعنى الضيِّقِ جماعةٌ مِن السلفِ، صَحَّ عنِ ابنِ عبّاسٍ، رواهُ عنهُ عليُّ بنُ أبي طَلْحةَ، قال: «اللَّغْوُ مِن الأَيْمانِ: هي التي تُكَفَّرُ، لا يُؤاخِذُ اللهُ بها»[[«تفسير الطبري» (٨/٦٢١).]].
وصَحَّ عن النَّخَعيِّ، وجاء عنِ الضَّحّاكِ وغيرِه، أخرَجَه ابنُ جريرٍ[[«تفسير الطبري» (٨/٦٢٢).]].
وجاء عن عليِّ بنِ أبي طَلْحةَ خلافُ ما رواهُ عنِ ابنِ عبّاسٍ هنا[[«تفسير الطبري» (٨/٦٢٠).]].
وقال بالمعنى المتَّسِعِ أكثَرُ المفسِّرينَ مِنَ السَّلَفِ، صحَّ عن عائشةَ والشَّعْبيِّ والحسَنِ والنَّخَعيِّ ويحيى بنِ سعيدٍ وعليِّ بنِ أبي طَلْحةَ[[«تفسير الطبري» (٨/٦١٨ ـ ٦٢٠).]]، وقال به ابنُ جريرٍ الطبريُّ[[«تفسير الطبري» (٨/٦٢٢ ـ ٦٢٣).]].
وحمَلَ بعضُ السلفِ لغوَ اليمينِ التي لا يؤاخَذُ عليها الإنسانُ على يمينِ المعصيةِ، فلا يؤاخَذُ بتركِهِ للوفاءِ بها، لتحريمِ عملِ المحرَّمِ، واليمينُ لا تَرفعُ التحريمَ، وهو قولٌ مرويٌّ عن الشَّعْبيِّ ومسروقٍ وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ[[«تفسير الطبري» (٤/٢٧ ـ ٢٩)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٢/٤٠٩).]].
وهو داخلٌ في اعتبارِ القصدِ على ما سَبَقَ، لأنّ عقدَ القلبِ على المحرَّمِ باطلٌ، ووجودُ العقودِ المحرَّمةِ الباطِنةِ والظاهِرةِ كعَدَمِها.
تكفيرُ يمينِ المعصيةِ:
إلاَّ أنّ العلماءَ اختَلَفُوا في الكفّارةِ في اليمينِ على فِعْلِ الحرامِ، مع اتفاقِهم على دخولِها في عدمِ المؤاخَذةِ بتركِ الوفاءِ بها، بل تحريمِ فعلِ المحرَّمِ ولو بيمينٍ:
رُوِيَ عنِ ابنِ عَبّاسٍ ومسروقٍ وابنِ جُبَيْرٍ: عدَمُ الكفّارةِ.
روى شُعْبَةُ، عن عاصِمٍ، عن عِكْرِمةَ، عن ابنِ عَبّاسٍ: «أيُكَفِّرُ خُطُواتِ الشَّيْطانِ؟! لَيْسَ عَلَيْهِ كَفّارَةٌ».
وقال مسروقٌ: «كُلُّ يَمِينٍ لا يَحِلُّ لَكَ أنْ تَفِيَ بِها، فَلَيْسَ فِيها كَفّارَةٌ».
أخرَجَهُ ابنُ جريرٍ[[«تفسير الطبري» (٤/٢٩).]].
وأمّا ما أخرَجَهُ أحمَدُ والطَّيالِسيُّ والنَّسائيُّ وابنُ ماجَهْ مِن طريقِ عمرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، الحديثَ، وفيه عِندَهم: (فَلْيَدَعْها، ولْيَأْتِ الذي هُوَ خَيْرٌ، فَإنَّ تَرْكَها كَفّارَتُها) [[أخرجه الطيالسي في «مسنده» (٢٣٧٣) (٤/١٨)، وأحمد (٦٩٩٠) (٢/٢١٢)، وأبو داود (٣٢٧٤) (٣/٢٢٨)، والنسائي (٣٧٨١) (٧/١٠)، وابن ماجه (٢١١١) (١/٦٨٢).]].
فهذا اللفظُ منكَرٌ، أنكَرَهُ الحُفّاظُ كأبي داودَ، قال: «الأحاديثُ كلُّها: (فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ)، إلاَّ شيئًا لا يُعبَأُ به»[[«سنن أبي داود» (٣/٢٢٨).]].
ولفظُ النَّسائيِّ: (فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، ولْيَأْتِ الذي هُوَ خَيْرٌ) [[أخرجه النسائي (٣٧٨١) (٧/١٠).]]، وهو أصحُّ.
ورُوِيَ نحوُ اللفظِ المنكَرِ السابقِ مِن حديثِ عائشةَ وأبي هُرَيْرةَ، ولا يصحُّ منها شيءٌ.
وفي مسلمٍ، مِن حديثِ عدِيٍّ مِن وجهَيْنِ: ذِكْرُ التَّرْكِ، وليس فيه ذِكْرُ الكفّارةِ، ولكن أخرَجَهُ مِن وجهٍ آخَرَ بذِكْرِ الكفّارةِ[[أخرجه مسلم (١٦٥١) (٣/١٢٧٣).]].
وذِكْرُ الكفّارةِ عند تركِ اليمينِ، وفِعْلُ الأَخْيَرِ مِن الأمرَيْنِ: صَحَّ في مسلمٍ عن أبي هريرةَ مرفوعًا[[أخرجه مسلم (١٦٥٠) (٣/١٢٧١).]].
وجاء مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، عندَ أحمدَ[[أخرجه أحمد (٦٩٠٧) (٢/٢٠٤).]].
ومِن حديثِ أمِّ سَلَمةَ، عندَ الطَّبَرانيِّ[[أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (٦٩٤) (٢٣/٣٠٧).]].
وقيلَ: إنّ آيةَ المائدةِ في عدَمِ المؤاخَذةِ بلغوِ اليمينِ إنّما نزَلَتْ في تحريمِ الحلالِ على الدَّوامِ، وهذا مِن الأَيْمانِ المحرَّمةِ، كما روى ابنُ جريرٍ، عن العَوْفِيِّ، عن ابنِ عَبّاسٍ، قالَ: لمّا نَزَلَتْ: ﴿ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٨٧] في القَوْمِ الذينَ كانُوا حَرَّمُوا النِّساءَ واللَّحْمَ عَلى أنْفُسِهِمْ، قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ نَصْنَعُ بِأَيْمانِنا التي حَلَفْنا عَلَيْها؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ـ تَعالى ذِكْرُهُ ـ: ﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أيْمانِكُمْ﴾ الآيَةَ[[«تفسير الطبري» (٨/٦١٦).]].
وقال ابنُ المسيَّبِ، وعُرْوةُ، وأبو بكرٍ: بعَدمِ الكفّارةِ، فقد روى ابنُ جريرٍ، عن إسحاقَ بنِ عِيسى ابنِ بِنْتِ داوُدَ بنِ أبِي هِنْدٍ، قالَ: حَدَّثَنا خالِدُ بنُ إلْياسَ، عَنْ أُمِّ أبِيهِ: أنَّها حَلَفَتْ ألاَّ تُكَلِّمَ ابْنَةُ ابْنِها ابْنَةَ أبِي الجَهْمِ، فَأَتَتْ سَعِيدَ بنَ المُسَيَّبِ، وأَبا بَكْرٍ، وعُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ، فَقالُوا: لا يَمِينَ فِي مَعْصِيَةٍ، ولا كَفّارَةَ عَلَيْها[[«تفسير الطبري» (٤/٢٨).]].
كفارةُ اليمين الغموسِ:
ومِن هذا: خِلافُهم في اليمينِ الغَمُوسِ فيمَن يَحْلِفُ كاذبًا، وهو يعلَمُ كَذِبَ نفسِهِ، كمَن يحلِفُ أنّه فعَلَ وهو يعلمُ أنه لم يَفعَل، أو رَأى وهو يعلمُ أنه لم يَرَ، قال قتادةُ وعطاءٌ والحكَمُ: بالكَفّارةِ، لأنّها يمينٌ انعقَدَ القلبُ عليها، وهي داخِلةٌ في عمومِ قولِه: ﴿ولَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾، وقال بهذا الشافعيُّ وغيرُهُ، خلافًا لجمهورِ الفقهاءِ، فقد قالوا بعدَمِ انعقادِها، وهو قولُ مالكٍ وأبي حنيفةَ وأحمدَ والأوزاعيِّ، وذلك لعَدَمِ انعقادِ القلبِ على عزمِ أن يَفعَلَ أو لا يفعَلَ، والأدلَّةُ مِن الكتابِ والسُّنةِ في الكفّارةِ إنّما هي في عقدِ العزمِ على المستقبَلِ فِعْلًا أو تَرْكًا، وليس فيها شيءٌ عن الماضي، وليس في الأدلَّةِ ما يؤيِّدُ ذلك، وقد قال ابنُ المنذِرِ: «ليس في الأدلَّةِ خبَرٌ يدلُّ على هذا».
ويأتي مزيدُ كلامٍ في اليمينِ الغَمُوسِ في تفسيرِ سورةِ آل عمران في قولِ اللهِ تعالى: ﴿يَشْتَرُونَ بَعَهْدِ اللَّهِ وأَيْمانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [٧٧].
ومِن العلماءِ: مَن قيَّدَ المؤاخَذةَ في الآيةِ بالمؤاخذةِ في الآخِرةِ فحَسْبُ، وأمّا الكفّارةُ فهي تثبُتُ لأَيْمانٍ مخصوصةٍ دلَّ عليها الدليلُ بغيرِ هذه الآيةِ، وأنّ الكفّارةَ الواردةَ في آيةِ المائدةِ خاصَّةٌ ببعضِ الأيمانِ التي انعقَدَ عليها القلبُ لا كُلِّها.
وقولُه تعالى: ﴿ولَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾.
كَسْبُ القلبِ: قَصْدُهُ، وللقلبِ كَسْبٌ، وهو كلُّ ما يُؤاخَذُ به، فإذا اجتمَعَ القصدُ القلبيُّ، ولفظُ اليمينِ، كانت يمينًا، وقد جاء عن عَطاءٍ، قال: «لا تُؤاخَذُ حَتّى تَقصِدَ الأَمْرَ، ثُمَّ تَحْلِفَ عَلَيْهِ بِاللهِ الذي لا إلَهَ إلاَّ هُوَ، فَتَعْقِدَ عَلَيْهِ يَمِينَكَ»[[«تفسير الطبري» (٤/٣٧).]].
ثمَّ ذكَرَ اللهُ غُفْرانَهُ لعِبادِهِ وحِلْمَهُ عليهم، بعدمِ التشديدِ بالمؤاخَذةِ في كلِّ ما يقولونَ ولو كان لَغْوًا.
ويأتي في سورةِ المائدةِ ذِكْرٌ لبعضِ مسائلِ اليمينِ وعَقْدِها وكفّارتِها بإذنِ اللهِ.
{"ayah":"لَّا یُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِیۤ أَیۡمَـٰنِكُمۡ وَلَـٰكِن یُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق