الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أيْمانِكُمْ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: اللَّغْوُ في كَلامِ العَرَبِ: ما أُطْرِحَ ولَمْ يُعْقَدْ عَلَيْهِ أمْرٌ، ويُسَمّى ما لا يُعْتَدُّ بِهِ، لَغْوًا. وقالَ ابْنُ فارِسٍ: اشْتِقاقُ ذَلِكَ مِن قَوْلِهِمْ لِما لا يُعْتَدُّ [بِهِ ] مِن أوْلادِ الإبِلِ في الدِّيَةِ وغَيْرِها لَغْوًا، يُقالُ مِنهُ: لَغا يَلْغُو، وتَقُولُ: لِغَيٌّ بِالأمْرِ: إذا لَهِجَ بِهِ. وقِيلَ: إنَّ اشْتِقاقَ اللُّغَةِ مِنهُ [أيْ: يَلْهَجُ صاحِبُها بِها ] وفي المُرادِ بِاللَّغْوِ هاهُنا خَمْسَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنْ يَحْلِفَ عَلى الشَّيْءِ يَظُنُّ أنَّهُ كَما حَلَفَ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ أنَّهُ بِخِلافِهِ. وإلى هَذا المَعْنى ذَهَبَ أبُو هُرَيْرَةَ، وابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ، وعَطاءٌ، والشَّعْبِيُّ، وابْنُ جُبَيْرٍ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والسُّدِّيُّ عَنْ أشْياخِهِ، ومالِكٌ، ومُقاتِلٌ. والثّانِي: أنَّهُ: لا واللَّهِ، وبَلى واللَّهِ، مِن غَيْرِ قَصْدٍ لِعَقْدِ اليَمِينِ، وهو قَوْلُ عائِشَةَ، وطاوُوسٍ، وعُرْوَةَ، والنَّخَعِيِّ، (p-٢٥٥)والشّافِعِيِّ. واسْتَدَلَّ أرْبابُ هَذا القَوْلِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَكِنْ يُؤاخِذُكم بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ وكَسْبُ القَلْبِ: عَقْدُهُ وقَصْدُهُ، وهَذانَ القَوْلانِ مَنقُولانِ عَنِ الإمامِ أحْمَدَ، رَوى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ أنَّهُ قالَ: اللَّغْوُ عِنْدِي أنْ يَحْلِفَ عَلى اليَمِينِ، يَرى أنَّها كَذَلِكَ، ولا كَفّارَةَ. والرَّجُلُ يَحْلِفُ ولا يَعْقِدُ قَلْبَهُ عَلى شَيْءٍ، فَلا كَفّارَةَ. والثّالِثُ: أنَّهُ يَمِينُ الرَّجُلِ وهو غَضْبانٌ، رَواهُ طاوُوسٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والرّابِعُ: أنَّهُ حَلِفُ الرَّجُلِ عَلى مَعْصِيَةٍ، فَلْيَحْنَثْ، ولِيُكَفِّرْ، ولا إثْمَ عَلَيْهِ. قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. والخامِسُ: أنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلى شَيْءٍ، ثُمَّ يَنْساهُ. قالَهُ النَّخَعِيُّ. وقَوْلُ عائِشَةَ أصَحُّ الجَمِيعِ. قالَ حَنْبَلُ: سُئِلَ أحْمَدُ عَنِ اللَّغْوِ فَقالَ: الرَّجُلُ يَحْلِفُ فَيَقُولُ: لا واللَّهِ، وبَلى واللَّهِ، لا يُرِيدُ عَقْدَ اليَمِينِ، فَإذا عَقَدَ عَلى اليَمِينِ لَزِمَتْهُ الكَفّارَةُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَكِنْ يُؤاخِذُكم بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكم واللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ قالَ مُجاهِدٌ: أيْ: ما عَقَدَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكم "والحَلِيمُ": ذُو الصَّفْحِ الَّذِي لا يَسْتَفِزُّهُ غَضَبٌ، فَيُعَجِّلُ، ولا يَسْتَخِفُّهُ جَهْلُ جَأهْلٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلى العُقُوبَةِ. قالَ أبُو سُلَيْمانَ الخَطّابِيُّ: ولا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الحَلِيمِ مِن سامَحٍ مَعَ العَجْزِ عَنِ المُجازاةِ، إنَّما الحَلِيمُ الصَّفُوحُ مَعَ القُدْرَةِ، المُتَأنِّي الَّذِي لا يُعَجِّلُ بِالعُقُوبَةِ. وقَدْ أنْعَمَ بَعْضُ الشُّعَراءِ أبْياتًا في هَذا المَعْنى فَقالَ:
؎ لا يُدْرِكُ المَجْدَ أقْوامٌ وإنْ كَرُمُوا حَتّى يَذِلُّوا وإنْ عَزُّوا لِأقْوامٍ
؎ ويَشْتُمُوا فَتَرى الألْوانَ مُسْفِرَةً ∗∗∗ لا صَفْحَ ذُلٍّ ولَكِنْ صَفْحُ أحْلامٍ
قالَ، ويُقالُ: حَلَمَ الرَّجُلُ يَحْلُمُ حُلْمًا بِضَمِّ اللّامَ في الماضِي والمُسْتَقْبَلِ. وحَلَمَ في النَّوْمِ، بِفَتْحِ اللّامِ، يَحْلُمُ حُلْمًا، اللّامُ في المُسْتَقْبَلِ والحاءُ في المَصْدَرِ مَضْمُومَتانِ.
* فَصْلٌ
الإيمانُ عَلى ضَرْبَيْنِ، ماضٍ ومُسْتَقْبَلٍ، فالماضِي عَلى ضَرْبَيْنِ: يَمِينُ مُحَرَّمَةٌ، وهِيَ: (p-٢٥٦)اليَمِينُ الكاذِبَةُ، وهي أنْ يَقُولَ: واللَّهِ ما فَعَلْتُ، وقَدْ فَعَلَ. أوْ: لَقَدْ فَعَلْتُ، وما فَعَلَ. ويَمِينٌ مُباحَةٌ، وهي أنْ يَكُونَ صادِقًا في قَوْلِهِ: ما فَعَلْتُ. أوْ: لَقَدْ فَعَلْتُ. والمُسْتَقْبِلَةُ عَلى خَمْسَةِ أقْسامٍ. أحَدُها: يَمِينُ عَقْدُها طاعَةٌ، والمَقامُ عَلَيْها طاعَةٌ، وحَلُّها مَعْصِيَةٌ، مِثْلُ أنْ يَحْلِفَ، لِأُصَلِّيَنَّ الخَمْسَ، ولَأصُومَنَّ رَمَضانَ، أوْ شَرِبْتُ الخَمْرَ. والثّانِي: عَقْدُها مَعْصِيَةٌ، والمَقامُ عَلَيْها مَعْصِيَةٌ، وحَلُّها طاعَةٌ، وهي عَكْسُ الأُولى. والثّالِثُ: يَمِينٌ عَقْدُها طاعَةٌ، والمَقامُ عَلَيْها طاعَةٌ، وحَلُّها مَكْرُوهٌ، مِثْلُ أنْ يَحْلِفَ: لَيَفْعَلَنَّ النَّوافِلَ مِنَ العِباداتِ. والرّابِعُ: يَمِينٌ عَقْدُها مَكْرُوهٌ، والمَقامُ عَلَيْها مَكْرُوهٌ، وحَلُّها طاعَةٌ، وهي عَكْسُ الَّتِي قَبْلَها. والخامِسُ: يَمِينٌ عَقْدُها مُباحٌ، والمَقامُ عَلَيْها مُباحٌ، وحَلُّها مُباحٌ. مِثْلُ أنْ يَحْلِفَ: لا دَخَلْتُ بَلَدًا فِيهِ مَن يَظْلِمُ النّاسَ، ولا سَلَكْتُ طَرِيقًا مُخَوِّفًا، ونَحْوُ ذَلِكَ.
{"ayah":"لَّا یُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِیۤ أَیۡمَـٰنِكُمۡ وَلَـٰكِن یُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق