الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ الآية. اللغو: معناه في اللغة: الكلام الذي لا فائدة فيه ولا يعتد به [[ساقطة من (ي).]]، وهو مصدر يقال: لَغَا يَلْغُو لَغْوًا وَلغا يَلْغَى، ولغي يَلْغَى لغًا: إذا أتى بلغو [[قال الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 299: ويقال: لغوت ألْغُو لغوًا، ولغوْت أَلْغَى لغوًا، مثل محوت أمحو محوا وأمحى، ويقال: لغيت في الكلام ألغَى لغىً إذا أتيت بلغو.]]، قال الفراء. اللغا مصدرٌ للغَيْتُ، واللغوُ مَصْدَرٌ لِلَغَوْتُ. قال العجاج: ورُبَّ أسْرَابٍ حَجِيجٍ كُظّمِ ... عن اللَّغَا ورَفَثِ التَّكَلُّمِ [[سبق تخريجه 3/ 605.]] وقال ذو الرمة: ويُطْرَحُ بينها المَرْئِيُّ لَغْوًا ... كما أَلْغَيْتَ في المائةِ الحُوَارَا [[ورد البيت هكذا: ويَهْلِكُ بينها المَرْئِيُّ فيها ... كما أَلْغَيْتْ في الديةِ الحُوَارا وفي "اللسان": ويَهْلِكَ وسْطَها المرئي لَغْوًا وهو لذي الرمة يهجو هشام بن قيس المرئي أحد بني امرئ القيس، انظر الديوان 2/ 1379، "تفسير الثعلبي" 2/ 1016، "عمدة الحفاظ" للسمين الحلبي 4/ 34. "اللسان" 7/ 4049 مادة "لغا".]] قال ابن المظفر: يقول: اللَّغْو واللَّاغِيَةُ واللَّوَاغِي واللَّغَا واللغوي [[ينظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3275 مادة "لغو"، وبعض الكلام لغيره.]]، ومنه الحديث: "من قال يوم الجمعة لصاحبه صه [[سقطت من (م) و (أ).]] والإمام يخطب فقد لغا [[رواه البخاري (934) كتاب: الجمعة، باب. الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب، ومسلم (851) الجمعة، باب: الإنصات يوم الجمعة في الخطبة.]] ". ومثله من الكلام: الدَّلْو والدِّلاَء، والعَيْبُ والعَابُ. قال ابن الأنباري: اللغو عند العرب: ما يُطْرح من الكلام [[من قوله: الدَّلْو .. سقطت من (م) و (أ).]] استغناءً عنه ولا يفتقر إليه، قال الكميت: وبعد ذلك [[في (م): (ذاك).]] أيَّامٌ [[في (ي): (أيامَا).]] سَنَذْكُرها ... لم تنس لغوًا ولم تقدم على عمد [[في (م): (أمر) والبيت لم أهتد إلى من ذكره.]] أي: لم تنس اطراحًا لها. ويقال: لغَا الطائر يلغو لغوًا: إذا صَوَّتَ، وسُمِّيَ ذلك منه لَغْوًا؛ لأنه لا يُوْقَفُ على ما يُريدُه. قال الشاعر: باكرتُهُم بِسَبَا جَوْنٍ ذَارعٍ [[في (ش) (دارع)، وفي (ي) (دراع).]] ... قبل الصَّبَاحِ، وقَبْلَ لَغْوِ الطَّائرِ [[البيت لثعلبة بن صعير المازني في "لسان العرب" 3/ 1498 مادة: ذرع، و 7/ 4051 مادة: لغا. وروايته: بساء.]] السبا: اشتراء الخمر، والجَوْنُ: الزِّقُّ، والذَّارعُ [[في (م) و (ش) (الذراع)، وفي (ي) (الدراع).]]: الكبيرُ الكثيرُ [[(الكثير) ساقطة من (ي).]] الأخذ من الأرض، ولغو الطائر: تَصْوِيْتُه. قال الزجاج: وكلُّ ما لا خيرَ فيه مما يُؤْثَم فيه، أو يكون غير محتاج إليه في الكلام فهو لغوٌ [[في (ش) (أو).]] ولَغًا [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 299.]]. هذا معناه في اللغة [[ينظر لغا: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 299، "تهذيب اللغة" 4/ 3275 - 3276، "تفسير الثعلبي" 2/ 1016، "المفردات" ص 455، "عمدة الحفاظ" 4/ 33 == "اللسان" 7/ 4049 - 4051. وقال الراغب: اللغو من الكلام ما لا يعتد به، وهو الذي يورد لا عن روية وفكر، فيجري مجرى اللغا، وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور. وقد يسمى كل كلام قبيح لغوًا.]]. وأما التفسير: فقال مجاهد [[رواه عنه الطبري 2/ 406 بمعناه، وذكره النحاس في "معاني القرآن" 1/ 188، والثعلبي 2/ 1021.]] وعكرمة [[رواه عنه الطبري 2/ 404، وذكره ابن أبي حاتم 2/ 408]] والشعبي [[رواه عنه سعيد بن منصور 4/ 1528، والطبري 2/ 405، وذكره ابن أبي حاتم 2/ 408.]]: لغو اليمين، في هذه الآية، ما يسبق به اللسان من غير عقد ولا قصد، ويكون كالصلة للكلام، مثل قول القائل: لا والله، وبلى والله، وكلا والله، ونحو هذا، ولا كفارة فيه ولا إثم. وهو قول عائشة رضى الله عنها، قالت: أيمان اللغو ما كان في الهزل والمراء والخصومة، (الذي) لا يعقد عليه القلب [[حديث عائشة بهذا اللفظ موقوفًا عليها، رواه الطبري في "تفسيره" 2/ 411 - 412، وبنحوه عند عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 474، وأصله رواه البخاري (6663) كتاب: الأيمان، باب: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ومالك في "الموطأ" 2/ 477، والشافعي في "الأم" 7/ 257، والنسائي في "تفسيره" 1/ 444 رقم 169، والطبري في "تفسيره" 2/ 406، "ابن أبي حاتم" في "تفسيره" 2/ 408 وغيرهم موقوفا عليها. ورواه أبو داود مرفوعا (3254) كتاب: الأيمان، باب: لغو اليمين، والطبري 2/ 405، وابن حبان في "صحيحه" 10/ 176 وغيرهم، قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 167: وصحح الدارقطني الوقف.]]، ومثله روى حماد [[هو حماد بن أبي سليمان بن مسلم أبو إسماعيل الكوفي الأصبهاني، كان علامة إماما فقيه العراق، تفقه على إبراهيم النخعي فكان أنبل أصحابه وأفقههم، روى عنه تلميذه أبو حنيفة والأعمى وخلق كثير، توفي سنة 120هـ. ينظر "السير" 5/ 231 - 238، "الجرح والتعديل" 3/ 146.]] عن إبراهيم [[رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 443، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1030.]]، وهو كما روي أن رسول الله ﷺ مرَّ بقوم ينتضلون، ومعه رجل من أصحابه فرمى رجل من القوم، فقال: أصبت والله وأخطأ، فقال الذي مع النبي عليه الصلاة والسلام: حنث الرجل يا رسول الله، فقال ﷺ: [[قوله: (فقال -ﷺ-). ساقطة من (ش).]] "كل [[في (ي) و (ش). (كلا).]] أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة [[أخرجه الطبراني في: "المعجم الصغير" عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده 2/ 271 حديث رقم 1151. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 4/ 188: ورجاله ثقات إلا أن شيخ الطبراني يوسف بن يعقوب لم أجد من وثقهُ ولا جرحه، ورواه الطبري في "تفسيره" 2/ 412 عن الحسن قال ابن كثير: وهذا مرسل حسن عن الحسن، وقال الحافظ في "الفتح" 11/ 547: وهذا لا يثبت؛ لأنهم كانوا لا يعتمدون مراسيل الحسن، لأنه كان يأخذ عن كل أحد.]] ". وكأن الفرزدق أراد هذا المعنى بقوله: ولسْتَ بمأخُوذٍ بلَغْوٍ تَقُولُه ... إذا لم تَعَمَّد عاقِداتِ العَزَائمِ [[البيت للفرزدق في "ديوانه" 2/ 307، وانظره في "طبقات فحول الشعراء" 2/ 336، "الدر المصون" 2/ 430، "والأغاني" 19/ 14، "المفردات" ص 52، "وضح البرهان" للغزنوي 1/ 207.]] وقال ابن عباس في رواية الوالبي [[رواه عنه الطبري 2/ 406، وذكره ابن أبي حاتم 2/ 408.]] ومجاهد في رواية ابن أبي نجيح [[رواه في "تفسير مجاهد" 1/ 107، ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 91، والطبري في "تفسيره" 2/ 407.]]: لغو اليمين، أن يحلف الإنسان على الشيء يُرى أنه صادق فيه ثم يتبين له خلاف ذلك، فهو خطأ منه غير عَمدٍ، ولا كفارة عليه فيه ولا إثم، وهو قول الحسن [[رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 91، والطبري عنه 2/ 408.]] والنخعي [[رواه عنه سعيد بن منصور في "سننه" 4/ 1524، والطبري في "تفسيره" 2/ 407.]] والزهري [[ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1022، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 408، ضمن أهل القول الأول.]] وقتادة [[رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 91، والطبري في "تفسيره" 2/ 408، وعزاه في الدر 1/ 481 بمعناه إلى عبد بن حميد وأبي الشيخ.]] والربيع [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 2/ 408، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 409.]] والسدي [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 2/ 408، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 409.]]: وقال [[رواه سعيد بن منصور 4/ 1533، والطبري في "تفسيره" 2/ 409، "ابن أبي حاتم" في "تفسيره" 2/ 410.]] في رواية وُسيم [[في (م) (رستم) وفي (ي) (وسم).]] [[وسيم أو الوسيم، قال البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان في "الثقات": يروي عن طاوس عن ابن عباس، روى عه عطاء بن السائب، ولم يذكروا غيره. ينظر "التاريخ الكبير" 8/ 181، "الجرح والتعديل" 9/ 46.]]: اللغو: اليمين في حال الغضب والضجر من غير عقدٍ ولا عزم، وهو قول علي [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1024، وأبو حيان في "البحر المحيط" 2/ 179.]] - رضي الله عنه - وطاوس [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 2/ 409، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1024.]]. وقال ابن عباس [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 2/ 411، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1026.]] في رواية عكرمة ومسروق [[رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 8/ 462، والطبري في "تفسيره" 2/ 411.]]: اليمين الملغاة هي التي يحلف بها الحالف على أمر متى أمضاه وفعله كان معصية لله عز وجل، فهي ملغاة، إذ كان الواجب أن لا يستعمل ما حلف عليه. وقال الشعبي في الرجل يحلف على معصية: كفارته أن يتوب منها، وكل يمين لا يحل لك أن تفي بها فليس فيها كفارة [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 2/ 411، وابن أبي شية في "المصنف"، القسم الأول من الجزء 4/ ص 33.]]. يدل عليه ما روى عمرو [[هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، من رجال الحديث، قال ابن حجر: صدوق، سكن مكة وتوفي بالطائف سنة 118 هـ. انظر "تقريب التهذيب" ص 423 (5050)، "الأعلام" 5/ 79.]] بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ قال: "من حلف على معصية الله فلا يمين له [[أخرجه أبو داود رقم (2190) كتاب: الطلاق، باب: الطلاق قبل النكاح.]] ". وروت عمرة [[هي: عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية، تابعية روت عن عائشة توفيت سنة 103 هـ. انظر "التقريب" 750 (8643) "البداية والنهاية" 11/ 339، 503.]] عن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ: "من حلف على قطيعة رحم أو معصية، فبره أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه" [[أخرجه ابن ماجه (2110) كتاب: الكفارات، باب: من قال كفارتها تركها.]]. وبه قال سعيد بن جُبير إلا أنه قال: يحنث ويكفِّر، ولا يؤاخذه الله بالحِنث [[رواه عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 375، والطبري 2/ 411.]]. وقال الضحاك: هو اليمين المُكفَّرة [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 2/ 412، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1032.]]، سُميت لغوًا لأن الكفارة تُسقط منه الإثم، تقدير الآية: لا يؤاخذكم الله بالإثم في اليمين إذا كفرتم، وهذا اختيار الزجاج، قال: المعنى: لا يؤاخذكم الله بالإثم في [[من قوله: في اليمين. ساقطة من (أ) و (م).]] الحلف إذا كفرتم، وإنما قيل له [[ساقطة من (أ) و (م).]] لغو؛ لأن الإثم يسقط فيه إذا وقعت الكفارة [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 299.]]. أعلم الله عز وجل أن الإثم إنما هو في الإقامة على ترك البر والتقى، وأن اليمين إذا كفرت فالذنب فيها مغفور. وجملة اليمين على مذهب الشافعي، رحمه الله: قِسْمٌ على الماضي [[في (ي): (المعاصي).]] نفيًا أو إثباتًا مثل أن تقول: والله لقد كان كذا، أو لم يكن كذا. فإن كذب في يمينه متعمدًا فهذه الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم، وفيها [[في (م) و (أ): (فيها).]] الكفارة، وإذا [[في (ي) و (ش): (فإن).]] لم يتعمد واستبان الكذب فلا كفارة. القسم الثاني: اليمين [[ساقطة من (ي).]] على المستقبل نفيًا أو إثباتًا، مثل: والله لأفعلن، أو والله لا أفعل، فإن حَنِثَ لزمته الكفارة، وحالة الرضا والغضب سواء [[ينظر: "الأم" 7/ 64، "والسنن الكبرى للبيهقي" 10/ 36، "تفسير الثعلبي" 2/ 1033، "الإشراف على مذاهب أهل العلم" لابن المنذر 1/ 422، "اختلاف العلماء" للمروزي 212.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ أي: عزمتم وقصدتم، لأن كسب القلب العقد والنية [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 2/ 1032.]]. وقال الزجاج: أي: بعزمكم على أن لا تبروا وأن لا تتقوا، وأن تَعْتلَّوا في ذلك بأنكم حلفتم [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 299.]]. وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ معنى الحِلْم في كلام العرب: الأَنَاةُ والسُكُون، والعَرب تقول: ضَعِ الهَوْدَجَ على أحْلَمِ الجِمال، أي: على أَشَدِّها تَؤُدَةً في السير. ومنه الحُلُم؛ لأنه يُرَى في حال السكون، وحَلَمَةُ الثدي لأنها تُحَلِّم المرتَضِعَ، أي: تُسَكِّنُه، والحَلَمَةُ: القُراد، مُشَبَّهَةً بِحَلَمَةِ الثَّدْي [["تهذيب اللغة" 1/ 908، "المفردات" ص 136، "عمدة الحفاظ" 1/ 516 - 518، "اللسان" 2/ 979 - 982. قال الراغب: الحلم: ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب، وجمعه أحلام، قال الله تعالى: ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ﴾ [الطور: 32] قبل معناه: عقولهم، وليس الحلم في الحقيقة هو العقل، لكن فسروه بذلك لكونه من مسببات العقل.]]، ومعنى الحليم في صفة الله: الذي لا يَعْجَل بالعقوبة، بل يؤخر عقوبة الكافرين والعُصَاة [[قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ 1/ 516: الحلم: أصله ضبط عن هيجان الغضب، وإذا ورد في صفات الله فمعناه: الذي لا يستفزه عصيان العصاة، ولا يستخفه الغضب عليهم.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب