الباحث القرآني

قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أيْمانِكُمْ﴾؛ اَلْآيَةَ؛ قالَ أبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ (تَعالى) اللَّغْوَ في مَواضِعَ؛ فَكانَ المُرادُ بِهِ مَعانِيَ مُخْتَلِفَةً؛ عَلى حَسَبِ الأحْوالِ الَّتِي خَرَجَ عَلَيْها الكَلامُ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً﴾ [الغاشية: ١١]؛ يَعْنِي كَلِمَةً فاحِشَةً؛ قَبِيحَةً؛ و﴿لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا ولا تَأْثِيمًا﴾ [الواقعة: ٢٥]؛ عَلى هَذا المَعْنى؛ وقالَ: ﴿وإذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أعْرَضُوا عَنْهُ﴾ [القصص: ٥٥]؛ يَعْنِي الكُفْرَ؛ والكَلامَ القَبِيحَ؛ وقالَ: ﴿والغَوْا فِيهِ﴾ [فصلت: ٢٦]؛ يَعْنِي الكَلامَ الَّذِي لا يُفِيدُ شَيْئًا؛ لِيَشْغَلُوا السّامِعِينَ عَنْهُ؛ وقالَ: ﴿وإذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرامًا﴾ [الفرقان: ٧٢]؛ يَعْنِي الباطِلَ؛ ويُقالُ: "لَغا في كَلامِهِ؛ يَلْغُو"؛ إذا أتى بِكَلامٍ لا فائِدَةَ فِيهِ؛ وقَدْ رُوِيَ في لَغْوِ اليَمِينِ مَعانٍ عَنِ السَّلَفِ؛ فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: "هُوَ الرَّجُلُ يَحْلِفُ عَلى الشَّيْءِ؛ يَراهُ كَذَلِكَ؛ فَلا يَكُونُ"؛ وكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ؛ وإبْراهِيمَ؛ قالَ مُجاهِدٌ: ﴿ولَكِنْ يُؤاخِذُكم بِما عَقَّدْتُمُ الأيْمانَ﴾ [المائدة: ٨٩]؛ أنْ تَحْلِفَ عَلى الشَّيْءِ؛ وأنْتَ تَعْلَمُ؛ وهَذا في مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾؛ وقالَتْ عائِشَةُ: "هُوَ «قَوْلُ الرَّجُلِ: لا واللَّهِ؛ وبَلى واللَّهِ» "؛ ورُوِيَ عَنْها مَرْفُوعًا إلى النَّبِيِّ ﷺ: "وذَلِكَ عِنْدَنا في النَّهْيِ عَنِ اليَمِينِ عَلى الماضِي"؛ رَوى عَنْها عَطاءٌ أنَّها قالَتْ: "قَوْلُ الرَّجُلِ: فَعَلْنا واللَّهِ كَذا؛ وصَنَعْنا واللَّهِ كَذا"؛ ورُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ الحَسَنِ؛ والشَّعْبِيِّ؛ وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: "هُوَ الرَّجُلُ يَحْلِفُ عَلى الحَرامِ؛ فَلا يُؤاخِذُهُ اللَّهُ بِتَرْكِهِ"؛ وهَذا التَّأْوِيلُ مُوافِقٌ لِتَأْوِيلِ مَن تَأوَّلَ قَوْلَهُ: ﴿عُرْضَةً لأيْمانِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٤]؛ أنْ يَمْتَنِعَ بِاليَمِينِ مِن فِعْلٍ مُباحٍ؛ أوْ يُقْدِمَ بِها عَلى فِعْلٍ مَحْظُورٍ؛ وإذا كانَ اللَّغْوُ مُحْتَمِلًا لِهَذِهِ المَعانِي؛ ومَعْلُومٌ أنَّهُ لَمّا عَطَفَ قَوْلَهُ: ﴿ولَكِنْ يُؤاخِذُكم بِما كَسَبَتْ﴾؛ أنَّ مُرادَهُ ما عَقَدَ قَلْبُهُ فِيهِ عَلى الكَذِبِ؛ والزُّورِ؛ وجَبَ أنْ تَكُونَ هَذِهِ المُؤاخَذَةُ هي عِقابَ الآخِرَةِ؛ وألّا تَكُونَ الكَفّارَةَ المُسْتَحَقَّةَ بِالحِنْثِ؛ لِأنَّ تِلْكَ الكَفّارَةَ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِكَسْبِ القَلْبِ لِاسْتِواءِ حالِ (p-٤٤)القاصِدِ بِها لِلْخَيْرِ؛ والشَّرِّ؛ وتَساوِي حُكْمِ العَمْدِ؛ والسَّهْوِ؛ فَعُلِمَ أنَّ مُرادَهُ ما يَسْتَحِقُّ مِنَ العِقابِ بِقَصْدِهِ إلى اليَمِينِ الغَمُوسِ؛ وهي اليَمِينُ عَلى الماضِي؛ قالَ القاصِدُ بِها خِلافَها إلى الكَذِبِ؛ فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ اللَّغْوُ هي الَّتِي لا يُقْصَدُ بِها إلى الكَذِبِ؛ وهي عَلى الماضِي؛ ويَظُنُّ أنَّهُ كَما حَلَفَ عَلَيْهِ؛ فَسَمّاها لَغْوًا مِن حَيْثُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِها حُكْمٌ في إيجابِ كَفّارَةٍ؛ ولا في اسْتِحْقاقِ عُقُوبَةٍ؛ وهي الَّتِي رُوِيَ مَعْناها عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ؛ وعائِشَةَ؛ أنَّها «قَوْلُ الرَّجُلِ: لا واللَّهِ؛ وبَلى واللَّهِ»؛ في عَرْضِ كَلامِهِ؛ وهو يَظُنُّ أنَّهُ صادِقٌ؛ فَكانَ بِمَنزِلَةِ اللَّغْوِ مِنَ الكَلامِ؛ الَّذِي لا فائِدَةَ فِيهِ؛ ولا حُكْمَ لَهُ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِهِ ما قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ - فِيمَن حَلَفَ عَلى الحَرامِ - فَلا يُؤاخِذُهُ اللَّهُ بِتَرْكِهِ؛ يَعْنِي بِهِ عِقابَ الآخِرَةِ؛ وإنْ كانَتِ الكَفّارَةُ واجِبَةً إذا حَنِثَ؛ وقالَ مَسْرُوقٌ: "كُلُّ يَمِينٍ لَيْسَ لَهُ الوَفاءُ بِها فَهي لَغْوٌ؛ لا تَجِبُ فِيها كَفّارَةٌ"؛ وهَذا مُوافِقٌ لِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ والأوْلى الَّذِي قَدَّمْنا؛ إلّا أنَّ سَعِيدًا يُوجِبُ الكَفّارَةَ؛ ومَسْرُوقًا لا يُوجِبُها؛ وإنْ حَنِثَ؛ وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رِوايَةٌ أُخْرى؛ وهي أنَّ لَغْوَ اليَمِينِ ما تَجِبُ فِيهِ الكَفّارَةُ مِنها؛ ورُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ الضَّحّاكِ؛ ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ لَغْوَ اليَمِينِ حِنْثُ النِّسْيانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب