الباحث القرآني
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وقُولُوا انْظُرْنا واسْمَعُوا ولِلْكافِرِينَ عَذابٌ ألِيمٌ﴾
يَتَعَيَّنُ في مِثْلِ هَذِهِ الآيَةِ تَطَلُّبُ سَبَبِ نُزُولِها لِيَظْهَرَ مَوْقِعُها ووَجْهُ مَعْناها فَإنَّ النَّهْيَ عَنْ أنْ يَقُولَ المُؤْمِنُونَ كَلِمَةَ لا ذَمَّ فِيها ولا سَخَفَ لا بُدَّ أنْ يَكُونَ لِسَبَبٍ وقَدْ ذَكَرُوا في سَبَبِ نُزُولِها أنَّ المُسْلِمِينَ كانُوا إذا ألْقى عَلَيْهِمُ النَّبِيءُ ﷺ الشَّرِيعَةَ والقُرْآنَ يَتَطَلَّبُونَ مِنهُ الإعادَةَ والتَّأنِّيَ في إلْقائِهِ حَتّى يَفْهَمُوهُ ويَعُوهُ فَكانُوا يَقُولُونَ لَهُ: راعِنا يا رَسُولَ اللَّهِ أيْ لا تَتَحَرَّجْ مِنّا وارْفُقْ وكانَ المُنافِقُونَ مِنَ اليَهُودِ يَشْتُمُونَ النَّبِيءَ ﷺ في خَلَواتِهِمْ سِرًّا وكانَتْ لَهم كَلِمَةً بِالعِبْرانِيَّةِ تُشْبِهُ كَلِمَةَ راعِنا بِالعَرَبِيَّةِ ومَعْناها في العِبْرانِيَّةِ سَبٌّ وقِيلَ مَعْناها لا سَمِعْتَ دُعاءً، فَقالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ كُنّا نَسُبُّ مُحَمَّدًا سِرًّا فَأعْلِنُوا بِهِ الآنَ أوْ قالُوا هَذا وأرادُوا بِهِ اسْمَ فاعِلٍ مِن رَعَنَ إذا اتَّصَفَ بِالرُّعُونَةِ وسَيَأْتِي فَكانُوا يَقُولُونَ هاتِهِ الكَلِمَةَ مَعَ المُسْلِمِينَ ناوِينَ بِها السَّبَّ فَكَشَفَهُمُ اللَّهُ، وأبْطَلَ عَمَلَهم بِنَهْيِ المُسْلِمِينَ عَنْ قَوْلِ هاتِهِ الكَلِمَةِ حَتّى يَنْتَهِيَ المُنافِقُونَ عَنْها، ويَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ أطْلَعَ نَبِيَّهُ عَلى سِرِّهِمْ.
(p-٦٥١)ومُناسَبَةُ نُزُولِ هاتِهِ الآيَةِ عَقِبَ الآياتِ المُتَقَدِّمَةِ في السِّحْرِ وما نَشَأ عَنْ ذَمِّهِ أنَّ السِّحْرَ كَما قَدَّمْنا راجِعٌ إلى التَّمْوِيهِ وأنَّ مِن ضُرُوبِ السِّحْرِ ما هو تَمْوِيهُ ألْفاظٍ وما مَبْناهُ عَلى اعْتِقادِ تَأْثِيرِ الألْفاظِ في المَسْحُورِ بِحَسَبِ نِيَّةِ السّاحِرِ وتَوْجِيهِهِ النَّفْسِيِّ إلى المَسْحُورِ، وقَدْ تَأصَّلَ هَذا عِنْدَ اليَهُودِ واقْتَنَعُوا بِهِ في مُقاوَمَةِ أعْدائِهِمْ.
ولَمّا كانَ أذى الشَّخْصِ بِقَوْلٍ أوْ فِعْلٍ لا يُعْلَمُ مَغْزاهُما كَخِطابِهِ بِلَفْظٍ يُفِيدُ مَعْنًى، ومَقْصُودُ المُتَكَلِّمِ مِنهُ أذًى، أوْ كَإهانَةٍ صَوَّرَتْهُ أوِ الوَطْءِ عَلى ظِلِّهِ كُلُّ ذَلِكَ راجِعًا إلى الِاكْتِفاءِ بِالنِّيَّةِ والتَّوَجُّهِ في حُصُولِ الأذى كانَ هَذا شَبِيهًا بِبَعْضِ ضُرُوبِ السِّحْرِ، ولِذَلِكَ كانَ مِن شِعارِ مَنِ اسْتَهْواهُمُ السِّحْرُ واشْتَرَوْهُ ناسَبَ ذِكْرَ هاتِهِ الحالَةِ مِن أحْوالِهِمْ عَقِبَ الكَلامِ عَلى افْتِتانِهِمْ بِالسِّحْرِ وحُبِّهِ دُونَ بَقِيَّةِ ما تَقَدَّمَ مِن أحْوالِهِمْ وهاتِهِ المُناسَبَةُ هي مُوجَبُ التَّعْقِيبِ في الذِّكْرِ. وإنَّما فُصِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَمّا قَبْلَها لِاخْتِلافِ الغَرَضَيْنِ لِأنَّ هَذِهِ في تَأْدِيبِ المُؤْمِنِينَ ثُمَّ يَحْصُلُ مِنهُ التَّعْرِيضُ بِاليَهُودِ في نِفاقِهِمْ وأذاهم والإشْعارُ لَهم بِأنَّ كَيْدَهم قَدْ أطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ نَبِيَّهُ وقَدْ كانُوا يَعُدُّونَ تَفَطُّنَ المَسْحُورِ لِلسِّحْرِ يُبْطِلُ أثَرَهُ فَأشْبَهُهُ التَّفَطُّنُ لِلنَّوايا الخَبِيثَةِ وصَرِيحِ الآياتِ قَبْلَها في أحْوالِهِمُ الدِّينِيَّةِ المُنافِيَةِ لِأُصُولِ دِينِهِمْ ولِأنَّ الكَلامَ المُفْتَتَحَ بِالنِّداءِ والتَّنْبِيهِ ونَحْوِهِ نَحْوَ: ”يا أيُّها النّاسُ“ و”يا زَيْدُ“ وألّا ونَحْوَها لا يُناسِبُ عَطْفَهُ عَلى ما قَبْلَهُ ويَنْبَغِي أنْ يُعْتَبَرَ افْتِتاحُ كَلامٍ بِحَيْثُ لا يُعْطَفُ إلّا بِالفاءِ إذا كانَ مُتَرَتِّبًا عَمّا قَبْلَهُ لِأنَّ العَطْفَ بِالفاءِ بَعِيدٌ عَنِ العَطْفِ بِالواوِ وأوْسَعُ مِن جِهَةِ التَّناسُبِ.
”وراعِنا“ أمْرٌ مِن راعاهُ يُراعِيهِ وهو مُبالَغَةٌ في رَعاهُ يَرْعاهُ إذا حَرَسَهُ بِنَظَرِهِ مِنَ الهَلاكِ والتَّلَفِ وراعِي مِثْلَ رَعى قالَ طَرَفَةُ خَذُولٌ تُراعِي رَبْرَبًا بِخَمِيلَةٍ وأُطْلِقَ مَجازًا عَلى حِفْظِ مَصْلَحَةِ الشَّخْصِ والرِّفْقِ بِهِ ومُراقَبَةِ نَفْعِهِ وشاعَ هَذا المَجازُ حَتّى صارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً ومِنهُ رَعاكَ اللَّهُ ورَعى ذِمامَهُ، فَقَوْلُ المُسْلِمِينَ لِلنَّبِيءِ ﷺ راعِنا هو فِعْلُ طَلَبٍ مِنَ الرَّعْيِ بِالمَعْنى المَجازِيِّ أيِ الرِّفْقِ والمُراقَبَةِ أيْ لا تَتَحَرَّجْ مِن طَلَبِنا وارْفُقْ بِنا. وقَوْلُهُ ”﴿وقُولُوا انْظُرْنا﴾“ أبَدَلَهم بِقَوْلِهِمْ ”راعِنا“ كَلِمَةٌ تُساوِيها في الحَقِيقَةِ والمَجازِ وعَدَدِ الحُرُوفِ والمَقْصُودِ مِن غَيْرِ أنْ يَتَذَرَّعَ بِها الكُفّارُ لِأذى النَّبِيءِ ﷺ وهَذا مِن أبْدَعِ البَلاغَةِ فَإنْ نَظَرَ في الحَقِيقَةِ بِمَعْنى حَرَسَ وصارَ مَجازًا عَلى تَدْبِيرِ المَصالِحِ، ومِنهُ قَوْلُ الفُقَهاءِ هَذا مِنَ النَّظَرِ، والمَقْصُودُ مِنهُ الرِّفْقُ والمُراقَبَةُ في التَّيْسِيرِ فَيَتَعَيَّنُ أنَّ قَوْلَهُ ”انْظُرْنا“ بِضَمِّ هَمْزَةِ الوَصْلِ وضَمِّ الظّاءِ وأنَّهُ مِنَ النَّظَرِ لا مِنَ الِانْتِظارِ.
(p-٦٥٢)وقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى مَشْرُوعِيَّةِ أصْلٍ مِن أصُولِ الفِقْهِ وهو مِن أصُولِ المَذْهَبِ المالِكِيِّ يُلَقَّبُ بِسَدِّ الذَّرائِعِ وهي الوَسائِلُ الَّتِي يُتَوَسَّلُ بِها إلى أمْرٍ مَحْظُورٍ.
وقَوْلُهُ تَعالى ”واسْمَعُوا“ أُرِيدَ بِهِ سَماعٌ خاصٌّ وهو الوَعْيُ ومَزِيدُ التَّلَقِّي حَتّى لا يَحْتاجُوا إلى طَلَبِ المُراعاةِ أوِ النَّظَرِ وقِيلَ أرادَ مِنِ ”اسْمَعُوا“ امْتَثِلُوا لِأوامِرِ الرَّسُولِ قالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وهو أظْهَرُ.
وقَوْلُهُ ﴿ولِلْكافِرِينَ عَذابٌ ألِيمٌ﴾ التَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ والمُرادُ بِالكافِرِينَ اليَهُودُ خاصَّةً أيْ تَأدَّبُوا أنْتُمْ مَعَ الرَّسُولِ ولا تَتَأسَّوْا بِاليَهُودِ في أقْوالِهِمْ فَلَهم عَذابٌ ألِيمٌ، والتَّعْبِيرُ بِالكافِرِينَ دُونَ اليَهُودِ زِيادَةٌ في ذَمِّهِمْ ولَيْسَ هُنا مِنَ التَّذْيِيلِ لِأنَّ الكَلامَ السّابِقَ مَعَ المُؤْمِنِينَ فَلا يَصْلُحُ ما بَعْدَهُ مِن تَعْمِيمِ حُكْمِ الكافِرِينَ لِتَذْيِيلِ ما قَبْلَهُ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقُولُوا۟ رَ ٰعِنَا وَقُولُوا۟ ٱنظُرۡنَا وَٱسۡمَعُوا۟ۗ وَلِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابٌ أَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق