﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾: خِطابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ؛ فِيهِ إرْشادٌ لَهم إلى الخَيْرِ؛ وإشارَةٌ إلى بَعْضٍ آخَرَ مِن جِناياتِ اليَهُودِ؛ ﴿لا تَقُولُوا راعِنا﴾: المُراعاةُ: المُبالَغَةُ في الرَّعْيِ؛ وهو حِفْظُ الغَيْرِ؛ وتَدْبِيرُ أُمُورِهِ؛ وتَدارُكُ مَصالِحِهِ؛ وكانَ المُسْلِمُونَ إذا ألْقى عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا مِنَ العِلْمِ يَقُولُونَ: راعِنا يا رَسُولَ اللَّهِ؛ أيْ: راقِبْنا؛ وانْتَظِرْنا؛ وتَأنَّ بِنا؛ حَتّى نَفْهَمَ كَلامَكَ؛ ونَحْفَظَهُ؛ وكانَتْ لِلْيَهُودِ كَلِمَةٌ عِبْرانِيَّةٌ؛ أوْ سُرْيانِيَّةٌ؛ يَتَسابُّونَ بِها فِيما بَيْنَهُمْ؛ وهِيَ: "راعِينا"؛ قِيلَ: مَعْناها: اسْمَعْ لا سَمِعْتَ؛ فَلَمّا سَمِعُوا بِقَوْلِ المُؤْمِنِينَ ذَلِكَ افْتَرَصُوهُ؛ واتَّخَذُوهُ ذَرِيعَةً إلى مَقْصِدِهِمْ؛ فَجَعَلُوا يُخاطِبُونَ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ؛ يَعْنُونَ بِهِ تِلْكَ المِسَبَّةَ؛ أوْ نِسْبَتَهُ ﷺ إلى الرَّعَنِ؛ وهو الحُمْقُ؛ والهَوَجُ؛ رُوِيَ أنَّ سَعْدَ بْنَ عُبادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَمِعَها مِنهم فَقالَ: يا أعْداءَ اللَّهِ؛ عَلَيْكم لَعْنَةُ اللَّهِ؛ والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ سَمِعْتُها مِن رَجُلٍ مِنكم يَقُولُها لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَأضْرِبَنَّ عُنُقَهُ؛ قالُوا: أوَلَسْتُمْ تَقُولُونَها؟ فَنَزَلَتِ الآيَةُ؛ ونُهِيَ فِيها المُؤْمِنُونَ عَنْ ذَلِكَ؛ قَطْعًا لِألْسِنَةِ اليَهُودِ عَنِ التَّدْلِيسِ؛ وأُمِرُوا بِما في مَعْناها؛ ولا يُقْبَلُ التَّلْبِيسُ؛ فَقِيلَ: ﴿وَقُولُوا انْظُرْنا﴾؛ أيْ: انْظُرْ إلَيْنا؛ بِالحَذْفِ والإيصالِ؛ أوْ: انْتَظِرْنا؛ عَلى أنَّهُ مِن "نَظَرَهُ"؛ إذا انْتَظَرَهُ؛ وقُرِئَ: "أنْظِرْنا"؛ مِن: "النَّظْرَةُ"؛ أيْ: أمْهِلْنا حَتّى نَحْفَظَ؛ وقُرِئَ: "راعُونا"؛ عَلى صِيغَةِ الجَمْعِ؛ لِلتَّوْقِيرِ؛ و"راعِنًا"؛ عَلى صِيغَةِ الفاعِلِ؛ أيْ: قَوْلًا ذا رَعَنٍ؛ كَـ "دارِعٌ"؛ و"لابِنٌ"؛ لِأنَّهُ لَمّا أشْبَهَ قَوْلَهُمْ: راعِينا؛ وكانَ سَبَبًا لِلسَّبِّ بِالرَّعَنِ اتُّصِفَ بِهِ.
﴿واسْمَعُوا﴾: وأحْسِنُوا سَماعَ ما يُكَلِّمُكم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؛ ويُلْقِي عَلَيْكم مِنَ المَسائِلِ بِآذانٍ واعِيَةٍ؛ وأذْهانٍ حاضِرَةٍ؛ حَتّى تَحْتاجُوا إلى الِاسْتِعاذَةِ؛ وطَلَبِ المُراعاةِ؛ أوْ: واسْمَعُوا ما كُلِّفْتُمُوهُ مِنَ النَّهْيِ؛ والأمْرِ؛ بِجِدٍّ واعْتِناءٍ؛ حَتّى لا تَرْجِعُوا إلى ما نُهِيتُمْ عَنْهُ؛ أوْ: واسْمَعُوا سَماعَ طاعَةٍ؛ وقَبُولٍ؛ ولا يَكُنْ سَماعُكم مِثْلَ سَماعِ اليَهُودِ؛ حَيْثُ قالُوا: سَمِعْنا وعَصَيْنا؛ ﴿وَلِلْكافِرِينَ﴾؛ أيِ اليَهُودِ؛ الَّذِينَ تَوَسَّلُوا بِقَوْلِكُمُ المَذْكُورِ إلى كُفْرَياتِهِمْ؛ وجَعَلُوهُ سَبَبًا لِلتَّهاوُنِ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ وقالُوا لَهُ ما قالُوا؛ ﴿عَذابٌ ألِيمٌ﴾: لِما اجْتَرَؤُوا عَلَيْهِ مِنَ العَظِيمَةِ؛ وهو تَذْيِيلٌ لِما سَبَقَ؛ فِيهِ وعِيدٌ شَدِيدٌ لَهُمْ؛ ونَوْعُ تَحْذِيرٍ لِلْمُخاطَبِينَ عَمّا نُهُوا عَنْهُ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقُولُوا۟ رَ ٰعِنَا وَقُولُوا۟ ٱنظُرۡنَا وَٱسۡمَعُوا۟ۗ وَلِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابٌ أَلِیمࣱ"}