الباحث القرآني
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا﴾ الرَّعْيُ حِفْظُ الغَيْرِ لِمَصْلَحَتِهِ سَواءٌ كانَ الغَيْرُ عاقِلًا أوْ لا، وسَبَبُ نُزُولِ الآيَةِ كَما أخَرَجَ أبُو نُعَيْمٍ في الدَّلائِلِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّ اليَهُودَ كانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ سِرًّا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وهو سَبٌّ قَبِيحٌ بِلِسانِهِمْ، فَلَمّا سَمِعُوا أصْحابَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يَقُولُونَ: أعْلَنُوا بِها فَكانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ، ويَضْحَكُونَ فِيما بَيْنَهُمْ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ، ورُوِيَ أنَّ سَعْدَ بْنَ عُبادَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ سَمِعَها مِنهُمْ، فَقالَ: يا أعْداءَ اللَّهِ، عَلَيْكم لَعْنَةُ اللَّهِ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ سَمِعْتُها مِن رَجُلٍ مِنكم يَقُولُها لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَأضْرَبَنَّ عُنُقَهُ، قالُوا: أوَلَسْتُمْ تَقُولُونَها، فَنَزَلَتِ الآيَةُ، ونُهِيَ المُؤْمِنُونَ سَدًّا لِلْبابِ، وقَطْعًا لِلْألْسِنَةِ وإبْعادًا عَنِ المُشابَهَةِ، وأخْرَجَ عُبَيْدٌ، وابْنُ جَرِيرٍ، والنَّحّاسُ عَنْ عَطاءٍ قالَ: كانَتْ راعِنا لُغَةَ الأنْصارِ في الجاهِلِيَّةِ، فَنَهاهُمُ اللَّهُ تَعالى عَنْها في الإسْلامِ، ولَعَلَّ المُرادَ أنَّهم يُكْثِرُونَها في كَلامِهِمْ (p-349)واسْتَعْمَلَها اليَهُودُ سَبًّا، فَنُهُوا عَنْها، وأمّا دَعْوى أنَّها لُغَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِهِمْ فَغَيْرُ ظاهِرٍ لِأنَّها مَحْفُوظَةٌ في لُغَةِ جَمِيعِ العَرَبِ، مُنْذُ كانُوا، وقِيلَ: ومَعْنى هَذِهِ الكَلِمَةِ عِنْدَ اليَهُودِ لَعَنَهُمُ اللَّهُ تَعالى اسْمَعْ لا سَمِعْتَ، وقِيلَ: أرادُوا نِسْبَتَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وحاشاهُ إلى الرَّعَنِ، فَجَعَلُوهُ مُشْتَقًّا مِنَ الرُّعُونَةِ، وهي الجَهْلُ، والحُمْقُ، وكانُوا إذا أرادُوا أنْ يُحَمِّقُوا إنْسانًا قالُوا: راعِنا، أيْ يا أحْمَقُ فالألِفُ حِينَئِذٍ لِمَدِّ الصَّوْتِ، وحَرْفُ النِّداءِ مَحْذُوفٌ، وقَدْ ذَكَرَ الفَرّاءُ أنَّ أصْلَ يا زَيْدُ، يا زَيْدا، بِالألِفِ لِيَكُونَ المُنادى بَيْنَ صَوْتَيْنِ، ثُمَّ اكْتُفِيَ بِيا ونُوِيَ الألِفُ، ويُحْتَمَلُ أنَّهم أرادُوا بِهِ المَصْدَرَ، أيْ رَعَنْتَ رُعُونَةً، أوْ أرادُوا صِرْتَ راعِنا، وإسْقاطُ التَّنْوِينِ عَلى اعْتِبارِ الوَقْفِ وقَدْ قَرَأ الحَسَنُ وابْنُ أبِي لَيْلى، وأبُو حَيْوَةَ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ بِالتَّنْوِينِ، وجَعَلَهُ الكَثِيرُ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أيْ قَوْلًا: راعِنا، وصِيغَةُ فاعِلٍ حِينَئِذٍ لِلنِّسْبَةِ كَلابِنٍ وتامِرٍ، ووُصِفَ القَوْلُ بِهِ لِلْمُبالَغَةِ، كَما يُقالُ: كَلِمَةٌ حَمْقاءُ، وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ، وأُبَيٌّ (راعَوْنا) عَلى إسْنادِ الفِعْلِ لِضَمِيرِ الجَمْعِ، لِلتَّوْقِيرِ، كَما أثْبَتَهُ الفارِسِيُّ، وذُكِرَ أنَّ في مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ (ارْعَوْنا)، وذَهَبَ بَعْضُ العُلَماءِ أنَّ سَبَبَ النَّهْيِ أنَّ لَفْظَ المُفاعَلَةِ يَقْتَضِي الِاشْتِراكَ في الغالِبِ، فَيَكُونُ المَعْنى عَلَيْهِ لِيَقَعَ مِنكَ رَعى لَنا، ومِنّا رَعى لَكَ وهو مُخِلٌّ بِتَعْظِيمِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ولا يَخْفى بُعْدُهُ عَنْ سَبَبِ النُّزُولِ بِمَراحِلَ، ﴿وقُولُوا انْظُرْنا﴾ أيِ انْتَظِرْنا، وتَأنَّ عَلَيْنا، أوِ انْظُرْ إلَيْنا لِيَكُونَ ذَلِكَ أقْوى في الإفْهامِ والتَّعْرِيفِ، وكانَ الأصْلُ أنْ يَتَعَدّى الفِعْلُ بِإلى، لَكِنَّهُ تُوُسِّعَ فِيهِ فَتَعَدّى بِنَفْسِهِ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ:
؎ظاهِراتُ الجَمالِ والحُسْنِ يَنْظُرُ نَ كَما يَنْظُرُ الأراكَ الظِّباءُ
وقِيلَ: هو مِن نَظَرِ البَصِيرَةِ، والمُرادُ بِهِ التَّفَكُّرُ والتَّدَبُّرُ فِيما يُصْلِحُ حالَ المَنظُورِ في أمْرِهِ، والمَعْنى: تَفَكَّرْ في أمْرِنا وخَيْرُ الأُمُورِ عِنْدِي أوْسَطُها، إلّا أنَّهُ يَنْبَغِي أنْ يُقَيَّدَ نَظَرَ العَيْنِ بِالمُقْتَرِنِ بِتَدْبِيرِ الحالِ لِتَقُومَ هَذِهِ الكَلِمَةُ مَقامَ الأُولى خالِيَةً مِنَ التَّدْلِيسِ، وبَدَأ بِالنَّهْيِ لِأنَّهُ مِن بابِ التُّرُوكِ، فَهو أسْهَلُ، ثُمَّ أتى بِالأمْرِ بَعْدَهُ الَّذِي هو أشَقُّ لِحُصُولِ الِاسْتِئْناسِ قَبْلُ بِالنَّهْيِ، وقَرَأ أُبَيٌّ والأعْمَشُ (أنْظِرْنا) بِقَطْعِ الهَمْزَةِ وكَسْرِ الظّاءِ مِنَ الإنْظارِ، ومَعْناهُ أمْهِلْنا حَتّى نَتَلَقّى عَنْكَ ونَحْفَظَ ما نَسْمَعُهُ مِنكَ، وهَذِهِ القِراءَةُ تَشْهَدُ لِلْمَعْنى الأوَّلِ عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ، إلّا أنَّها عَلى شُذُوذِها لا تَأْبى ما اخَتَرْناهُ، ﴿واسْمَعُوا﴾ أيْ ما أمَرْتُكم بِهِ، ونَهَيْتُكم عَنْهُ بِجِدٍّ حَتّى لا تَعُودُوا إلى ما نَهَيْتُكم عَنْهُ، ولا تَتْرُكُوا ما أمَرْتُكم بِهِ، أوْ هو أمْرٌ بِحُسْنِ الِاسْتِماعِ بِأنْ يَكُونَ بِإحْضارِ القَلْبِ وتَفْرِيغِهِ عَنِ الشَّواغِلِ حَتّى لا يَحْتاجَ إلى طَلَبٍ صَرِيحِ المُراعاةِ، فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلى التَّقْصِيرِ في السَّماعِ حَتّى ارْتَكَبُوا ما تَسَبَّبَ لِلْمَحْذُورِ، والمُرادُ سَماعُ القَبُولِ، والطّاعَةِ، فَيَكُونُ تَعْرِيضًا لِلْيَهُودِ، حَيْثُ قالُوا: سَمِعْنا وعَصَيْنا، وإذا كانَ المُرادُ سَماعَ هَذا الأمْرِ، والنَّهْيِ، يَكُونُ تَأْكِيدًا لِما تَقَدَّمَ.
﴿ولِلْكافِرِينَ عَذابٌ ألِيمٌ﴾ اللّامُ لِلْعَهْدِ، فالمُرادُ بِالكافِرِينَ اليَهُودُ الَّذِينَ قالُوا ما قالُوا، تَهاوُنًا بِالرَّسُولِ ﷺ المَعْلُومِ مِمّا سَبَقَ بِقَرِينَةِ السِّياقِ، ووُضِعَ المُظْهَرُ مَوْضِعَ المُضْمَرِ إيذانًا بِأنَّ التَّهاوُنَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ كُفْرٌ يُوجِبُ ألِيمَ العَذابِ، وفِيهِ مِن تَأْكِيدِ النَّهْيِ ما فِيهِ، وجَعْلُها لِلْجِنْسِ، فَيَدْخُلُ اليَهُودُ كَما اخْتارَهُ أبُو حَيّانَ لَيْسَ بِظاهِرٍ عَلى ما قِيلَ، لِأنَّ الكَلامَ مَعَ المُؤْمِنِينَ، فَلا يَصْلُحُ هَذا أنْ يَكُونَ تَذْيِيلًا.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقُولُوا۟ رَ ٰعِنَا وَقُولُوا۟ ٱنظُرۡنَا وَٱسۡمَعُوا۟ۗ وَلِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابٌ أَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق