الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا﴾ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ﴿لا تقولوا راعنا﴾ . فقال بعضهم: تأويله: لا تقولوا خلافا. * ذكر من قال ذلك: ١٧٢٠ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء في قوله: ﴿لا تقولوا راعنا﴾ ، قال: لا تقولوا خلافا. ١٧٢١ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿لا تقولوا راعنا﴾ ، لا تقولوا خلافا. ١٧٢٢ - وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ١٧٢٣ - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن رجل عن مجاهد مثله. ١٧٢٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن مجاهد مثله. * * * وقال آخرون: تأويله: أَرْعِنَا سمعك. أي: اسمع منا ونسمع منك. * ذكر من قال ذلك: ١٧٢٥ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله: ﴿راعنا﴾ ، أي: أَرْعِنا سمعك. ١٧٢٦ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله جل وعز: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا﴾ ، لا تقولوا اسمع منا ونسمع منك. ١٧٢٧ - وحدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ﴿راعنا﴾ ، قال: كان الرجل من المشركين يقول: أَرْعِني سمعك. * * * ثم اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نهى الله المؤمنين أن يقولوا"راعنا". فقال بعضهم: هي كلمة كانت اليهود تقولها على وجه الاستهزاء والمسبة، فنهى الله تعالى ذكره المؤمنين أن يقولوا ذلك للنبي ﷺ. * ذكر من قال ذلك: ١٧٢٨ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا﴾ قول كانت تقوله اليهود استهزاء، فزجر الله المؤمنين أن يقولوا كقولهم. ١٧٢٩ - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية: ﴿لا تقولوا راعنا﴾ ، قال: كان أناس من اليهود يقولون أرعنا سمعك! حتى قالها أناس من المسلمين: فكره الله لهم ما قالت اليهود فقال: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا﴾ ، كما قالت اليهود والنصارى. ١٧٣٠ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: ﴿لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا﴾ ، قال: كانوا يقولون: راعنا سمعك! فكان اليهود يأتون فيقولون مثل ذلك مستهزئين، فقال الله: ﴿لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا﴾ . ١٧٣١ - وحدثت عن المنجاب قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: ﴿لا تقولوا راعنا﴾ ، قال: كانوا يقولون للنبي ﷺ: راعنا سمعك! وإنما"راعنا" كقولك، عاطنا. ١٧٣٢ - وحدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا﴾ قال:"راعنا" القول الذي قاله القوم، قالوا: ﴿سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ﴾ [سورة النساء: ٤٦] قال:"قال: هذا الراعن" - والراعن: الخطاء - قال: فقال للمؤمنين: لا تقولوا خطاء، كما قال القوم، وقولوا: انظرنا واسمعوا. قال: كانوا ينظرون إلى النبي ﷺ ويكلمونه، ويسمع منهم، ويسألونه ويجيبهم. [[قوله"الراعن: الخطاء" لم أجده في غيره بعد. والذي في كتب التفسير واللغة. وربما كانت"الخطأ". وقد قالوا: "راعنا: الهجر من القول". وقالوا اشتقوه من الرعونة: وهي الحمق والجهل والاسترخاء.]] * * * وقال آخرون: بل هي كلمة كانت الأنصار في الجاهلية تقولها، فنهاهم الله في الإسلام أن يقولوها لنبيه ﷺ. * ذكر من قال ذلك: ١٧٣٣ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثني هشيم قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن عطاء في قوله: ﴿لا تقولوا راعنا﴾ ، قال: كانت لغة في الأنصار في الجاهلية، فنزلت هذه الآية: ﴿لا تقولوا راعنا﴾ ولكن قولوا انظرنا) إلى آخر الآية. ١٧٣٤ - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء قال: ﴿لا تقولوا راعنا﴾ ، قال: كانت لغة في الأنصار. ١٧٣٥ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عبد الملك، عن عطاء مثله. ١٧٣٦ - وحدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: ﴿لا تقولوا راعنا﴾ ، قال: إن مشركي العرب كانوا إذا حدث بعضهم بعضا يقول أحدهم لصاحبه: أَرْعِني سمعك! فنهوا عن ذلك. ١٧٣٧ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج:"راعنا"، قول الساخر. فنهاهم أن يسخروا من قول محمد ﷺ. * * * وقال بعضهم: بل كان ذلك كلام يهودي من اليهود بعينه، يقال له: رفاعة بن زيد. كان يكلم النبي ﷺ به على وجه السب له، وكان المسلمون أخذوا ذلك عنه، فنهى الله المؤمنين عن قيله للنبي ﷺ. * ذكر من قال ذلك: ١٧٣٨ - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا﴾ ، كان رجل من اليهود - من قبيلة من اليهود يقال لهم بنو قينقاع - كان يدعى رفاعة بن زيد بن السائب - قال أبو جعفر: هذا خطأ، إنما هو ابن التابوت، ليس ابن السائب - كان يأتي النبي ﷺ، فإذا لقيه فكلمه قال: [[في المطبوعة: "فقال"، والفاء لا مكان لها.]] أَرْعِني سمعك، واسمع غير مسمع = فكان المسلمون يحسبون أن الأنبياء كانت تفخم بهذا، فكان ناس منهم يقولون:"اسمع غير مسمع"، كقولك اسمع غير صاغر = وهي التي في النساء ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ﴾ [سورة النساء: ٤٦] ، يقول: إنما يريد بقوله طعنا في الدين. ثم تقدم إلى المؤمنين فقال:"لا تقولوا راعنا". [[تقدم إليه: أمره.]] * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في نهي الله جل ثناؤه المؤمنين أن يقولوا لنبيه:"راعنا" أن يقال: إنها كلمة كرهها الله لهم أن يقولوها لنبيه ﷺ، نظير الذي ذكر عن النبي ﷺ أنه قال: ١٧٣٩ -"لا تقولوا للعنب الكرم، ولكن قولوا: الحبَلة". [[الحديث: ١٧٣٩ - ذكره الطبري معلقا دون إسناد. وقد رواه أحمد في المسند: ٧٥٠٩، من حديث أبي هريرة، مرفوعا: "ولا تسموا العنب الكرم". ورواه الشيخان وغيرهما، كما بينا هناك. ورواه أيضًا قبل ذلك إشارة موجزا: ٧٢٥٦. وروى مسلم ٢: ١٩٧، من حديث علقمة بن وائل، عن أبيه، مرفوعا: "لا تقولوا الكرم، ولكن قولوا: الحبلة، يعني العنب".]] ١٧٤٠ - و"لا تقولوا: عبدي، ولكن قولوا: فتاي". [[الحديث: ١٧٤٠ - وهذا معلق أيضًا. وهو جزء من حديث طويل. رواه البخاري ومسلم وغيرهما، من حديث أبي هريرة، مرفوعا: ". . ولا يقل أحدكم عبدي، أمتي، وليقل: فتاى، فتاتي، غلامي". انظر البخاري ٥: ١٢٨ - ١٣١ (فتح) ، ومسلم ٢: ١٩٧.]] وما أشبه ذلك، من الكلمتين اللتين تكونان مستعملتين بمعنى واحد في كلام العرب، فتأتي الكراهة أو النهي باستعمال إحداهما، واختيار الأخرى عليها في المخاطبات. * * * فإن قال لنا قائل: فإنا قد علمنا معنى نهي النبي ﷺ في "العنب" أن يقال له"كرم"، وفي"العبد" أن يقال له"عبد"، فما المعنى الذي في قوله: ﴿راعنا﴾ حينئذ، الذي من أجله كان النهي من الله جل ثناؤه للمؤمنين عن أن يقولوه، حتى أمرهم أن يؤثروا قوله: ﴿انظرنا﴾ ؟ قيل: الذي فيه من ذلك، نظير الذي في قول القائل:"الكرم" للعنب، و"العبد" للمملوك. وذلك أن قول القائل:"عبدي" لجميع عباد الله، فكره للنبي ﷺ أن يضاف بعض عباد الله - بمعنى العبودية - إلى غير الله، وأمر أن يضاف ذلك إلى غيره، بغير المعنى الذي يضاف إلى الله عز وجل، فيقال:"فتاي". وكذلك وجه نهيه في"العنب" أن يقال:"كرم" خوفا من توهم وصفه بالكرَم، وإن كانت مُسَكَّنَة، فإن العرب قد تسكن بعض الحركات إذا تتابعت على نوع واحد. فكره أن يتصف بذلك العنب. فكذلك نهى الله عز وجل المؤمنين أن يقولوا:"راعنا"، لما كان قول القائل:"راعنا" محتملا أن يكون بمعنى احفظنا ونحفظك، وارقبنا ونرقبك. من قول العرب بعضهم لبعض:"رعاك الله": بمعنى حفظك الله وكلأك - ومحتملا أن يكون بمعنى: أَرْعنا سمعك، من قولهم:"أرعيت سمعي إرعاء - أو راعيته - سمعي رِعاء أو مراعاة"، بمعنى: فرغته لسماع كلامه. كما قال الأعشى ميمون بن قيس: يُرْعِي إلى قول سادات الرجال إذا ... أبدوا له الحزم أو ما شاءه ابتدعا [[ديوانه: ٨٦، وسيأتي في هذا الجزء ٢: ٥٤٠ وقد سلف تخريج أبيات من هذه القصيدة في ١: ١٠٦، ٢: ٩٤، وهي في هوذة بن علي كما سلف. يقول قبله: يا هوذ، يا خير من يمشي على قدم ... بحر المواهب للوراد والشرعا وابتدع: أحدث ما شاء.]] يعني بقوله"يرعى"، يصغي بسمعه إليه مفرغه لذلك. وكان الله جل ثناؤه قد أمر المؤمنين بتوقير نبيه ﷺ وتعظيمه، حتى نهاهم جل ذكره فيما نهاهم عنه عن رفع أصواتهم فوق صوته، وأن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض، وخوفهم على ذلك حبوط أعمالهم. [[اقرأ قول الله تعالى في صدر"سورة الحجرات".]] فتقدم إليهم بالزجر لهم عن أن يقولوا له من القول ما فيه جفاء، وأمرهم أن يتخيروا لخطابه من الألفاظ أحسنها، ومن المعاني أرقها. فكان من ذلك قولهم: ﴿راعنا﴾ لما فيه من احتمال معنى: ارعنا نرعاك، إذ كانت المفاعلة لا تكون إلا من اثنين، كما يقول القائل:"عاطنا، وحادثنا، وجالسنا"، بمعنى: افعل بنا ونفعل بك - [[قوله: "ومعنى" معطوف على قوله آنفًا: "لما فيه من احتمال معنى: ارعنا نرعاك. . ".]] ومعنى: أرعنا سمعك، حتى نفهمك وتفهم عنا. فنهى الله تعالى ذكره أصحاب محمد أن يقولوا ذلك كذلك، وأن يفردوا مسألته بانتظارهم وإمهالهم، ليعقلوا عنه بتبجيل منهم له وتعظيم، وأن لا يسألوه ما سألوه من ذلك على وجه الجفاء والتجهم منهم له، ولا بالفظاظة والغلظة، تشبها منهم باليهود في خطابهم نبي الله ﷺ، بقولهم له: ﴿اسمع غير مسمع وراعنا﴾ . يدل على صحة ما قلنا في ذلك قوله: ﴿ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم﴾ ، [[وهي الآية التي تلي الآية التي يفسرها.]] فدل بذلك أن الذي عاتبهم عليه، مما يسر اليهود والمشركين. * * * فأما التأويل الذي حكي عن مجاهد في قوله: ﴿راعنا﴾ أنه بمعنى: خلافا، فمما لا يعقل في كلام العرب. لأن"راعيت" في كلام العرب إنما هو على أحد وجهين: أحدهما بمعنى"فاعلت" من "الرِّعْية" وهي الرِّقبة والكَلاءة. والآخر بمعنى إفراغ السمع، بمعنى"أرعيته سمعي". وأما"راعيت" بمعنى"خالفت"، فلا وجه له مفهوم في كلام العرب. إلا أن يكون قرأ ذلك بالتنوين، ثم وجهه إلى معنى الرعونة والجهل والخطأ، على النحو الذي قال في ذلك عبد الرحمن بن زيد، فيكون لذلك - وإن كان مخالفا قراءة القراء - معنى مفهوم حينئذ. * * * وأما القول الآخر الذي حكي عن عطية ومن حكي ذلك عنه: أن قوله: ﴿راعنا﴾ كانت كلمة لليهود بمعنى السب والسخرية، فاستعملها المؤمنون أخذا منهم ذلك عنهم، فإن ذلك غير جائز في صفة المؤمنين: أن يأخذوا من كلام أهل الشرك كلاما لا يعرفون معناه، ثم يستعملونه بينهم وفي خطاب نبيهم ﷺ. ولكنه جائز أن يكون ذلك مما روي عن قتادة، أنها كانت كلمة صحيحة مفهومة من كلام العرب، وافقت كلمة من كلام اليهود بغير اللسان العربي، هي عند اليهود سب، وهي عند العرب: أرعني سمعك وفرغه لتفهم عني. فعلم الله جل ثناؤه معنى اليهود في قيلهم ذلك للنبي ﷺ، وأن معناها منهم خلاف معناها في كلام العرب، فنهى الله عز وجل المؤمنين عن قيلها للنبي ﷺ، لئلا يجترئ من كان معناه في ذلك غير معنى المؤمنين فيه، أن يخاطب رسول الله ﷺ به. وهذا تأويل لم يأت الخبر بأنه كذلك، من الوجه الذي تقوم به الحجة. وإذ كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بتأويل الآية ما وصفنا، إذ كان ذلك هو الظاهر المفهوم بالآية دون غيره. * * * وقد حكي عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه: ﴿لا تقولوا راعنا﴾ بالتنوين، بمعنى: لا تقولوا قولا"راعنا"، من"الرعونة" وهي الحمق والجهل. وهذه قراءة لقراء المسلمين مخالفة، فغير جائز لأحد القراءة بها لشذوذها وخروجها من قراءة المتقدمين والمتأخرين، وخلافِها ما جاءت به الحجة من المسلمين. ومن نون"راعنا" نونه بقوله: ﴿لا تقولوا﴾ ، لأنه حينئذ عامل فيه. ومن لم ينونه فإنه ترك تنوينه لأنه أمر محكي. لأن القوم كأنهم كانوا يقولون للنبي ﷺ: ﴿راعنا﴾ ، بمعنى مسألته: إما أن يرعيهم سمعه، وإما أن يرعاهم ويرقبهم - على ما قد بينت فيما قد مضى - فقيل لهم: لا تقولوا في مسألتكم إياه"راعنا". فتكون الدلالة على معنى الأمر في"راعنا" حينئذ سقوط الياء التي كانت تكون في"يراعيه" ويدل عليها - أعني على"الياء" الساقطة - كسرة"العين" من"راعنا". * * * وقد ذكر أن قراءة ابن مسعود: ﴿لا تقولوا راعونا﴾ ، بمعنى حكاية أمر صالحة لجماعة بمراعاتهم. فإن كان ذلك من قراءته صحيحا، وجه أن يكون القوم كأنهم نهوا عن استعمال ذلك بينهم في خطاب بعضهم بعضا، كان خطابهم للنبي ﷺ أو لغيره. ولا نعلم ذلك صحيحا من الوجه الذي تصح منه الأخبار. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: ﴿وقولوا انظرنا﴾ ، وقولوا يا أيها المؤمنون لنبيكم ﷺ: انظرنا وارقبنا، نفهم ونتبين ما تقول لنا، وتعلمنا، كما: ١٧٤١ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿وقولوا انظرنا﴾ فهمنا، بين لنا يا محمد. ١٧٤٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿وقولوا انظرنا﴾ فهمنا، بين لنا يا محمد. ١٧٤٣ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله. * * * يقال منه:"نظرت الرجل أنظره نظرة" بمعنى انتظرته ورقبته، ومنه قول الحطيئة: وقد نَظَرتكمُ أَعْشاء صادرةٍ ... للخِمس، طال بها حَوْزي وتَنْساسي [[ديوانه: ٥٣، واللسان (نظر) (حوز) (نس) (عشا) . من قصيدة يهجو بها الزبرقان ابن بدر، ويمدح بغيض بن عامر من شماس. والأعشاء جمع عشى (بكسر فسكون) : وهو ما تتعشاه الإبل. والصادرة: الإبل التي تصدر عن الماء. والخمس: من أظماء الإبل، وهو أن تظل في المرعى بعد يوم ورودها ثلاثة أيام، ثم ترد في الرابع. والحوز: السوق اللين، حاز الإبل: ساقها سوقا رويدا. والتنساس والنس، مصدر قولك: نس الإبل بينها: ساقها سوقا شديدا لورود الماء. ويروى"إيتاء صادرة". والإيتاء مصدر آنيت الشيء: إذ أخرته. يقول للزبرقان، حين نزل بداره، ثم تحول عنها إلى دار بغيض (انظر خبرهما في طبقات فحول الشعراء: ٩٦ - ٩٨) : انتظرت خيركم انتظار الإبل الخوامس لعشائها. وذلك أن الإبل إذا صدرت تعشت طويلا، وفي بطونها ماء كثير، فهي تحتاج إلى بقل كثير. يصف طول انتظاره حين لا صبر له على طول الانتظار. وقد شكاه الزبرقان إلى عمر لهذه القصيدة، ولقوله فيها: دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد، فإنك أنت الطاعم الكاسي]] ومنه قول الله عز وجل: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ [سورة الحديد: ١٣] ، يعني به: انتظرونا. * * * وقد قرئ"أنظرنا" و"أنظرونا" بقطع"الألف" في الموضعين جميعا [[زدت قول الله تعالى: "أنظرونا"، من أجل اختلاف" الحرفين.]] فمن قرأ ذلك كذلك أراد: أخرنا، كما قال الله جل ثناؤه: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [سورة ص: ٧٩] ، أي أخرني. ولا وجه لقراءة ذلك كذلك في هذا الموضع. لأن أصحاب رسول الله ﷺ إنما أمروا بالدنو من رسول الله ﷺ، والاستماع منه، وإلطاف الخطاب له، وخفض الجناح - لا بالتأخر عنه، ولا بمسألته تأخيرهم عنه. فالصواب - إذْ كان ذلك كذلك - [[في المطبوعة: "إن كان ذلك. . "، ليست بشيء.]] من القراءة قراءة من وصل الألف من قوله: ﴿انظرنا﴾ ، ولم يقطعها بمعنى: انتظرنا. * * * وقد قيل: إن معنى ﴿أنظرنا﴾ بقطع الألف بمعنى: أمهلنا. حكي عن بعض العرب سماعا:"أنظرني أكلمك"، وذكر سامع ذلك من بعضهم أنه استثبته في معناه، فأخبره أنه أراد أمهلني. فإن يكن ذلك صحيحا عنهم"فانظرنا" و"أنظرنا" - بقطع"الألف" ووصلها - متقاربا المعني. غير أن الأمر وإن كان كذلك، فإن القراءة التي لا أستجيز غيرها، قراءة من قرأ: ﴿وقولوا انظرنا﴾ ، بوصل"الألف" بمعنى: انتظرنا، لإجماع الحجة على تصويبها، ورفضهم غيرها من القراآت. * * * القول في تأويل قوله تعالى ﴿وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) ﴾ قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: ﴿واسمعوا﴾ ، واسمعوا ما يقال لكم ويتلى عليكم من كتاب ربكم، وعُوه وافهموه، كما:- ١٧٤٤ - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿واسمعوا﴾ ، اسمعوا ما يقال لكم. * * * فمعنى الآية إذًا: يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا لنبيكم: راعنا سمعك وفرغه لنا نفهمك وتفهم عنا ما نقول. ولكن قولوا: انتظرنا وترقبنا حتى نفهم عنك ما تعلمنا وتبينه لنا. واسمعوا منه ما يقول لكم، فعوه واحفظوه وافهموه. ثم أخبرهم جل ثناؤه أن لمن جحد منهم ومن غيرهم آياته، وخالف أمره ونهيه، وكذب رسوله، العذاب الموجع في الآخرة، فقال: وللكافرين بي وبرسولي عذاب أليم. يعني بقوله:"الأليم"، الموجع. وقد ذكرنا الدلالة على ذلك فيما مضى قبل، وما فيه من الآثار. [[انظر ما سلف ١: ٢٨٣، ثم هذا الجزء ٢: ١٤٠، ٣٧٧.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب