وهي مَكِّيَّةٌ بِلا خِلافٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ، والنَّحّاسُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ ﴿إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ بِمَكَّةَ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عائِشَةَ وابْنُ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ وابْنُ المُنْذِرِ، والطَّبَرانِيُّ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن سَرَّهُ أنْ يَنْظُرَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ كَأنَّهُ رَأْيٌ عَيْنٍ فَلْيَقْرَأْ: ﴿إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾، ﴿إذا السَّماءُ انْفَطَرَتْ﴾، ﴿إذا السَّماءُ انْشَقَّتْ﴾» .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْلُهُ: ﴿إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ ارْتِفاعُ الشَّمْسِ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ ما بَعْدَهُ عَلى الِاشْتِغالِ، وهَذا عِنْدَ البَصْرِيِّينَ، وأمّا عِنْدَ الكُوفِيِّينَ والأخْفَشِ فَهو مُرْتَفِعٌ عَلى الِابْتِداءِ.
والتَّكْوِيرُ الجَمْعُ، وهو مَأْخُوذٌ مَن كارَ العِمامَةَ عَلى رَأْسِهِ يَكُورُها.
قالَ الزَّجّاجُ: لُفَّتْ كَما تُلَفُّ العِمامَةُ، يُقالُ: كَوَّرْتُ العِمامَةَ عَلى رَأْسِي أُكَوِّرُها كَوْرًا، وكَوَّرْتُها تَكْوِيرًا: إذا لَفَفْتَها.
قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: كُوِّرَتْ مِثْلَ تَكْوِيرِ العِمامَةِ تُلَفُّ فَتُجْمَعُ.
قالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ كُوِّرَتْ: أيْ رُمِيَ بِها، ومِنهُ كَوَّرْتُهُ فَتَكَوَّرَ: أيْ سَقَطَ.
وقالَ قَتادَةُ، والكَلْبِيُّ: ذَهَبَ ضَوْؤُها.
وقالَ مُجاهِدٌ: اضْمَحَلَّتْ.
قالَ الواحِدِيُّ: قالَ المُفَسِّرُونَ: تَجْمَعُ الشَّمْسُ بَعْضُها إلى بَعْضٍ ثُمَّ تُلَفُّ فَيُرْمى بِها.
فالحاصِلُ أنَّ التَّكْوِيرَ إمّا بِمَعْنى لَفِّ جِرْمِها، أوْ لَفِّ ضَوْئِها، أوِ الرَّمْيِ بِها.
﴿وإذا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ أيْ تَهافَتَتْ وانْقَضَتْ وتَناكَرَتْ، يُقالُ انْكَدَرَ الطّائِرُ مِنَ الهَواءِ: إذا انْقَضَّ، والأصْلُ في الِانْكِدارِ الِانْصِبابُ.
قالَ الخَلِيلُ: يُقالُ انْكَدَرَ عَلَيْهِمُ القَوْمُ: إذا جاءُوا أرْسالًا فانْصَبُّوا عَلَيْهِمْ.
قالَ أبُو عُبَيْدَةُ: انْصَبَّتْ كَما يَنْصَبُّ العِقابُ.
قالَ الكَلْبِيُّ، وعَطاءٌ: تُمْطِرُ السَّماءُ يَوْمَئِذٍ نُجُومًا، فَلا يَبْقى نَجْمٌ في السَّماءِ إلّا وقَعَ عَلى الأرْضِ، وقِيلَ انْكِدارُها طَمْسُ نُورِها.
﴿وإذا الجِبالُ سُيِّرَتْ﴾ أيْ قُلِعَتْ عَنِ الأرْضِ، وسُيِّرَتْ في الهَواءِ، ومِنهُ قَوْلُهُ: ﴿ويَوْمَ نُسَيِّرُ الجِبالَ وتَرى الأرْضَ بارِزَةً﴾ [الكهف: ٤٧] .
﴿وإذا العِشارُ عُطِّلَتْ﴾ العِشارُ: النُّوقُ الحَوامِلُ الَّتِي في بُطُونِها أوْلادُها الواحِدَةُ عَشْراءُ، وهي الَّتِي قَدْ أتى عَلَيْها في الحَمْلِ عَشَرَةُ أشْهُرٍ ثُمَّ لا يَزالُ ذَلِكَ اسْمُها حَتّى تَضَعَ.
وخَصَّ العِشارَ لِأنَّها أنْفَسُ مالٍ عِنْدَ العَرَبِ، وأعَزُّهُ عِنْدَهم، ومَعْنى عُطِّلَتْ: تُرِكَتْ هَمَلًا بِلا راعٍ، وذَلِكَ لِما شاهَدُوا مِنَ الهَوْلِ العَظِيمِ، قِيلَ وهَذا عَلى وجْهِ المَثَلِ لِأنَّ يَوْمَ القِيامَةِ لا تَكُونُ فِيهِ ناقَةٌ عَشْراءُ، بَلِ المُرادُ أنَّهُ لَوْ كانَ لِلرَّجُلِ ناقَةٌ عَشْراءُ في ذَلِكَ اليَوْمِ أوْ نُوقٌ عِشارٌ لَتَرَكَها ولَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْها اشْتِغالًا بِما هو فِيهِ مِن هَوْلِ يَوْمِ القِيامَةِ، وسَيَأْتِي آخِرُ البَحْثِ إنْ شاءَ اللَّهُ ما يُفِيدُ أنَّ هَذا في الدُّنْيا.
وقِيلَ العِشارُ: السَّحابُ، فَإنَّ العَرَبَ تُشَبِّهُها بِالحامِلِ، ومِنهُ قَوْلُهُ: ﴿فالحامِلاتِ وِقْرًا﴾ [الذاريات: ٢] وتَعْطِيلُها عَدَمُ إمْطارِها. قَرَأ الجُمْهُورُ عُطِّلَتْ بِالتَّشْدِيدِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ في رِوايَةٍ عَنْهُ بِالتَّخْفِيفِ.
وقِيلَ المُرادُ أنَّ الدِّيارَ تَعَطَّلُ فَلا تُسْكَنُ، وقِيلَ الأرْضُ الَّتِي تُعْشَرُ زَرْعُها تُعَطَّلُ فَلا تُزْرَعُ.
﴿وإذا الوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ الوُحُوشُ ما تَوَحَّشَ مِن دَوابِّ البَرِّ، ومَعْنى حُشِرَتْ: بُعِثَتْ حَتّى يَقْتَصَّ بَعْضُها مِن بَعْضٍ، فَيَقْتَصُّ لِلْجَمّاءِ مِنَ القُرَناءِ.
وقِيلَ حَشْرُها مَوْتُها، وقِيلَ إنَّها مَعَ نَفْرَتِها اليَوْمَ مِنَ النّاسِ وتَبَدُّدِها في الصَّحارى تُضَمُّ ذَلِكَ اليَوْمَ إلَيْهِمْ.
قَرَأ الجُمْهُورُ حُشِرَتْ بِالتَّخْفِيفِ، وقَرَأ الحَسَنُ، وعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ بِالتَّشْدِيدِ.
﴿وإذا البِحارُ سُجِّرَتْ﴾ أيْ أُوقِدَتْ فَصارَتْ نارًا تَضْطَرِمُ.
وقالَ الفَرّاءُ: مُلِئَتْ بِأنْ صارَتْ بَحْرًا واحِدًا.
ورُوِيَ عَنْ قَتادَةَ، وابْنِ حِبّانَ أنَّ مَعْنى الآيَةِ: يَبِسَتْ ولا يَبْقى فِيها قَطْرَةٌ، يُقالُ سَجَرْتُ الحَوْضَ أسْجُرُهُ سَجْرًا: إذا مَلَأْتُهُ.
وقالَ القُشَيْرِيُّ: هو مِن سَجَرْتُ التَّنُّورَ أسْجُرُهُ سَجْرًا: إذا أحَمَيْتُهُ.
قالَ ابْنُ زَيْدٍ، وعَطِيَّةُ، وسُفْيانُ، ووَهْبٌ وغَيْرُهم: أُوقِدَتْ فَصارَتْ نارًا، وقِيلَ مَعْنى سُجِّرَتْ أنَّها صارَتْ حَمْراءَ كالدَّمِ، مِن قَوْلِهِمْ عَيْنٌ سَجْراءُ: أيْ حَمْراءُ.
قَرَأ الجُمْهُورُ سُجِّرَتْ بِتَشْدِيدِ الجِيمِ.
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو بِتَخْفِيفِها.
﴿وإذا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ أيْ قُرِنَ بَيْنَ الرَّجُلِ الصّالِحِ مَعَ الرَّجُلِ الصّالِحِ في الجَنَّةِ، وقُرِنَ بَيْنَ رَجُلِ السُّوءِ مَعَ رَجُلِ السُّوءِ في النّارِ.
وقالَ عَطاءٌ: (p-١٥٩٠)زُوِّجَتْ نُفُوسُ المُؤْمِنِينَ بِالحُورِ العِينِ وقُرِنَتْ نُفُوسُ الكافِرِينَ بِالشَّياطِينِ.
وقِيلَ قُرِنَ كُلُّ شَكْلٍ إلى شَكْلِهِ في سُلْطانٍ كَما في قَوْلِهِ: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وأزْواجَهُمْ﴾ [الصافات: ٢٢] وقالَ عِكْرِمَةُ ﴿وإذا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ يَعْنِي قُرِنَتِ الأرْواحُ بِالأجْسادِ.
وقالَ الحَسَنُ: أُلْحِقَ كُلُّ امْرِئٍ بِشِيعَتِهِ: اليَهُودُ بِاليَهُودِ، والنَّصارى بِالنَّصارى، والمَجُوسُ بِالمَجُوسِ، وكُلُّ مَن كانَ يَعْبُدُ شَيْئًا مَن دُونِ اللَّهِ يَلْحَقُ بَعْضُهم بِبَعْضٍ والمُنافِقُونَ بِالمُنافِقِينَ، والمُؤْمِنُونَ بِالمُؤْمِنِينَ.
وقِيلَ يُقْرَنُ الغاوِي بِمَن أغْواهُ مِن شَيْطانٍ أوْ إنْسانٍ، ويُقْرَنُ المُطِيعُ بِمَن دَعاهُ إلى الطّاعَةِ مِنَ الأنْبِياءِ والمُؤْمِنِينَ.
وقِيلَ قُرِنَتِ النُّفُوسُ بِأعْمالِها.
﴿وإذا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ﴾ أيِ المَدْفُونَةُ حَيَّةً، وقَدْ كانَ العَرَبُ إذا وُلِدَتْ لِأحَدِهِمْ بِنْتٌ دَفَنَها حَيَّةً مَخافَةَ العارِ أوِ الحاجَةِ، يُقالُ: وأدَ يَئِدُ وأْدًا فَهو وائِدٌ، والمَفْعُولُ بِهِ مَوْءُودٌ، وأصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الثِّقَلِ لِأنَّها تُدْفَنُ، فَيُطْرَحُ عَلَيْها التُّرابُ فَيُثْقِلُها فَتَمُوتُ، ومِنهُ ﴿ولا يَئُودُهُ حِفْظُهُما﴾ [البقرة: ٢٥٥] أيْ لا يُثْقِلُهُ، ومِنهُ قَوْلُ مُتَمِّمِ بْنِ نُوَيْرَةَ:
؎ومَوْءُودَةٌ مَقْبُورَةٌ في مَغارَةٍ
ومِنهُ قَوْلُ الرّاجِزِ:
؎سَمَّيْتُها إذا وُلِدَتْ تَمُوتُ ∗∗∗ والقَبْرُ صِهْرٌ ضامِنٌ رَمَيْتُ
قَرَأ الجُمْهُورُ المَوْءُودَةُ بِهَمْزَةٍ بَيْنَ واوَيْنِ ساكِنَيْنَ كالمَوْعُودَةِ.
وقَرَأ البَزِّيُّ في رِوايَةٍ عَنْهُ بِهَمْزَةٍ مَضْمُونَةٍ ثُمَّ واوٍ ساكِنَةٍ.
وقَرَأ الأعْمَشُ " المَوْدَةُ " بِزِنَةِ المَوْزَةِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ سُئِلَتْ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وقَرَأ الحَسَنُ بِكَسْرِ السِّينِ مَن سالَ يَسِيلُ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ قُتِلَتْ بِالتَّخْفِيفِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ بِالتَّشْدِيدِ عَلى التَّكْثِيرِ.
وقَرَأ عَلِيٌّ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ " سَألَتْ " مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ " قَتَلْتُ " بِضَمِّ التّاءِ الأخِيرَةِ.
ومَعْنى سُئِلَتْ عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ: أنَّ تَوْجِيهَ السُّؤالِ إلَيْها لِإظْهارِ كَمالِ الغَيْظِ عَلى قاتِلِها حَتّى كانَ لا يَسْتَحِقُّ أنْ يُخاطِبَ ويَسْألَ عَنْ ذَلِكَ، وفِيهِ تَبْكِيتٌ لِقاتِلِها وتَوْبِيخُ لَهُ شَدِيدٌ.
قالَ الحَسَنُ: أرادَ اللَّهُ أنْ يُوَبِّخَ قاتِلَها لِأنَّها قُتِلَتْ بِغَيْرِ ذَنْبٍ، وفي مُصْحَفِ أُبَيٍّ " وإذا المَوْءُودَةُ سَألَتْ بِأيِّ ذَنْبٍ قَتَلْتَنِي " .
﴿وإذا الصُّحُفُ نُشِرَتْ﴾ يَعْنِي صَحائِفَ الأعْمالِ نُشِرَتْ لِلْحِسابِ، لِأنَّها تُطْوى عِنْدَ المَوْتِ وتُنْشَرُ عِنْدَ الحِسابِ، فَيَقِفُ كُلُّ إنْسانٍ عَلى صَحِيفَتِهِ فَيَعْلَمُ ما فِيها، فَيَقُولُ: ﴿مالِ هَذا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً إلّا أحْصاها﴾ [الكهف: ٤٩] قَرَأ نافِعٌ، وعاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو عَمْرٍو نُشِرَتْ بِالتَّخْفِيفِ.
وقَرَأ الباقُونَ بِالتَّشْدِيدِ عَلى التَّكْثِيرِ.
﴿وإذا السَّماءُ كُشِطَتْ﴾ الكَشْطُ: قَلْعٌ عَنْ شِدَّةِ التِزاقٍ، فالسَّماءُ تُكْشَطُ كَما يُكْشَطُ الجِلْدُ عَنِ الكَبْشِ، والقَشْطُ بِالقافِ لُغَةٌ في الكَشْطِ، وهي قِراءَةُ ابْنُ مَسْعُودٍ.
قالَ الزَّجّاجُ: قُلِعَتْ كَما يُقْلَعُ السَّقْفُ.
وقالَ الفَرّاءُ: نُزِعَتْ فَطُوِيَتْ.
وقالَ مُقاتِلٌ: كُشِفَتْ عَمّا فِيها.
قالَ الواحِدِيُّ: ومَعْنى الكَشْطُ رَفْعُكَ شَيْئًا عَنْ شَيْءٍ قَدْ غَطّاهُ.
﴿وإذا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ﴾ أيْ أُوقِدَتْ لِأعْداءِ اللَّهِ إيقادًا شَدِيدًا.
قَرَأ الجُمْهُورُ " سُعِرَتْ " بِالتَّخْفِيفِ، وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ ذَكْوانَ، وحَفْصٌ بِالتَّشْدِيدِ لِأنَّها أُوقِدَتْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ.
قالَ قَتادَةُ: سُعْرُها غَضَبُ اللَّهِ وخَطايا بَنِي آدَمَ.
﴿وإذا الجَنَّةُ أُزْلِفَتْ﴾ أيْ قُرِّبَتْ إلى المُتَّقِينَ وأُدْنِيَتْ مِنهم.
قالَ الحَسَنُ: إنَّهم يَقْرُبُونَ مِنها لا أنَّها تَزُولُ عَنْ مَوْضِعِها.
وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: مَعْنى أُزْلِفَتْ: تَزَيَّنَتْ.
والأوَّلُ أوْلى لِأنَّ الزُّلْفى في كَلامِ العَرَبِ القُرْبُ.
قِيلَ هَذِهِ الأُمُورُ الِاثْنا عَشَرَ: سِتٌّ مِنها في الدُّنْيا، وهي مِن أوَّلِ السُّورَةِ إلى قَوْلِهِ: ﴿وإذا البِحارُ سُجِّرَتْ﴾، وسِتٌّ في الآخِرَةِ وهي ﴿وإذا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ إلى هُنا.
وجَوابُ الجَمِيعِ قَوْلُهُ: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أحْضَرَتْ﴾ عَلى أنَّ المُرادَ الزَّمانُ المُمْتَدُّ مِنَ الدُّنْيا إلى الآخِرَةِ، لَكِنْ لا بِمَعْنى أنَّها تَعْلَمُ ما تَعْلَمُ في كُلِّ جُزْءٍ مِن أجْزاءِ هَذا الوَقْتِ المُمْتَدِّ، بَلِ المُرادُ عَلِمَتْ ما أحْضَرَتْهُ عِنْدَ نَشْرِ الصُّحُفِ: يَعْنِي ما عَمِلَتْ مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ. ومَعْنى ما أحْضَرَتْ: ما أحْضَرَتْ مِن أعْمالِها، والمُرادُ حُضُورُ صَحائِفِ الأعْمالِ، أوْ حُضُورُ الأعْمالِ نَفْسِها، كَما ورَدَ أنَّ الأعْمالَ تُصَوَّرُ بِصُوَرٍ تَدُلُّ عَلَيْها وتُعْرَفُ بِها، وتَنْكِيرُ نَفْسٍ المُفِيدُ لِثُبُوتِ العِلْمِ المَذْكُورِ لِفَرْدٍ مِنَ النُّفُوسِ، أوْ لِبَعْضٍ مِنها لِلْإيذانِ بِأنَّ ثُبُوتَهُ لِجَمِيعِ أفْرادِها مِنَ الظُّهُورِ والوُضُوحِ بِحَيْثُ لا يَخْفى عَلى أحَدٍ. ويَدُلُّ عَلى هَذا قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِن خَيْرٍ مُحْضَرًا﴾ [آل عمران: ٣٠] وقِيلَ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِلْإشْعارٍ بِأنَّهُ إذا عَلِمَتْ حِينَئِذٍ نَفْسٌ مِنَ النُّفُوسِ ما أحْضَرَتْ وجَبَ عَلى كُلِّ نَفْسٍ إصْلاحُ عَمَلِها مَخافَةَ أنْ تَكُونَ هي تِلْكَ الَّتِي عَلِمَتْ ما أحْضَرَتْ، فَكَيْفَ وكَلُّ نَفْسٍ تَعْلَمُهُ عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِكَ لِمَن تَنْصَحُهُ: لَعَلَّكَ سَتَنْدَمُ عَلى ما فَعَلْتَ، ورُبَّما نَدِمَ الإنْسانُ عَلى فَعَلَهُ.
﴿فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ﴾ " لا " زائِدَةَ كَما تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ وتَحْقِيقُ ما فِيهِ مِنَ الأقْوالِ في أوَّلِ سُورَةِ القِيامَةِ: أيْ فَأُقْسِمُ بِالخُنَّسِ، وهي الكَواكِبُ، وسُمِّيَتِ الخُنَّسُ، مِن خَنَسَ: إذا تَأخَّرَ لِأنَّها تَخْنِسُ بِالنَّهارِ فَتَخْفى ولا تَرى، وهي زُحَلٌ والمُشْتَرِي والمِرِّيخُ والزُّهْرَةُ وعُطارِدٌ كَما ذَكَرَهُ أهْلُ التَّفْسِيرِ.
ووَجْهُ تَخْصِيصِها بِالذِّكْرِ مِن بَيْنِ سائِرِ النُّجُومِ أنَّها تَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ وتَقْطَعُ المَجَرَّةَ.
وقالَ في الصِّحاحِ: الخُنَّسُ: الكَواكِبُ كُلُّها، لِأنَّها تَخْنِسُ في المَغِيبِ، أوْ لِأنَّها تَخْفى نَهارًا، أوْ يُقالُ هي الكَواكِبُ السَّيّارَةُ مِنها دُونَ الثّابِتَةِ.
قالَ الفَرّاءُ: إنَّها الكَواكِبُ الخَمْسَةُ المَذْكُورَةُ، لِأنَّها تَخْنِسُ في مَجْراها، وتَكْنِسُ: أيْ تَسْتَتِرُ كَما تَكْنِسُ الظِّباءُ في المَغارِ، ويُقالُ سُمِّيَتْ خُنَّسًا لِتَأخُّرِها، لَأنَّها الكَواكِبُ المُتَحَيِّرَةُ الَّتِي تَرْجِعُ وتَسْتَقِيمُ.
يُقالُ خَنَسَ عَنْهُ يَخْنِسُ خُنُوسًا: إذا تَأخَّرَ، وأخْنَسَهُ غَيْرُهُ: إذا خَلَّفَهُ ومَضى عَنْهُ، والخُنَّسُ: تَأخُّرُ الأنْفِ عَنِ الوَجْهِ مَعَ ارْتِفاعٍ قَلِيلٍ في الأرْنَبَةِ.
ومَعْنى الجَوارِ أنَّها تَجْرِي مَعَ الشَّمْسِ والقَمَرِ، ومَعْنى الكُنَّسِ أنَّها تَرْجِعُ حَتّى تَخْفى تَحْتَ ضَوْءِ الشَّمْسِ، فَخُنُوسُها رُجُوعُها، وكُنُوسُها اخْتِفاؤُها تَحْتَ ضَوْئِها، وقِيلَ خُنُوسُها خَفاؤُها بِالنَّهارِ، وكُنُوسُها غُرُوبُها.
قالَ الحَسَنُ، وقَتادَةُ: هي النُّجُومُ الَّتِي (p-١٥٩١)تَخْنِسُ بِالنَّهارِ وإذا غَرَبَتْ، والمَعْنى مُتَقارِبٌ لِأنَّها تَتَأخَّرُ في النَّهارِ عَنِ البَصَرِ لِخَفائِها فَلا تُرى، وتَظْهَرُ بِاللَّيْلِ وتَكْنِسُ في وقْتِ غُرُوبِها.
وقِيلَ المُرادُ بِها بَقْرُ الوَحْشِ لِأنَّها تَتَّصِفُ بِالخُنَّسِ وبِالجَوارِ وبِالكُنَّسِ.
وقالَ عِكْرِمَةُ: الخُنَّسُ البَقْرُ والكُنَّسُ الظِّباءُ، فَهي تَخْنِسُ إذا رَأتِ الإنْسانَ وتَنْقَبِضُ وتَتَأخَّرُ وتَدْخُلُ كِناسَها.
وقِيلَ هي المَلائِكَةُ.
والأوَّلُ أوْلى لِذِكْرِ اللَّيْلِ والصُّبْحِ بَعْدَ هَذا، والكُنَّسُ مَأْخُوذٌ مِنَ الكُنّاسِ الَّذِي يَخْتَفِي فِيهِ الوَحْشُ. والخُنَّسُ جَمْعُ خانِسٍ وخانِسَةٍ. والكُنَّسُ جَمْعُ كانِسٍ وكانِسَةٍ.
﴿واللَّيْلِ إذا عَسْعَسَ﴾ قالَ أهْلُ اللُّغَةِ: هو مِنَ الأضْدادِ، يُقالُ عَسْعَسَ اللَّيْلُ: إذا أقْبَلَ، وعَسْعَسَ: إذا أدْبَرَ.
ويَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ هُنا أدْبَرَ قَوْلُهُ: ﴿والصُّبْحِ إذا تَنَفَّسَ﴾ قالَ الفَرّاءُ: أجْمَعَ المُفَسِّرُونَ عَلى أنَّ مَعْنى عَسْعَسَ أدْبَرَ، كَذا حَكاهُ عَنْهُ الجَوْهَرِيُّ، وقالَ الحَسَنُ: أقْبَلَ بِظَلامِهِ.
قالَ الفَرّاءُ: العَرَبُ تَقُولُ عَسْعَسَ اللَّيْلُ: إذا أقْبَلَ، وعَسْعَسَ اللَّيْلُ: إذا أدْبَرَ، وهَذا لا يُنافِي ما تَقَدَّمَ عَنْهُ؛ لِأنَّهُ حَكى عَنِ المُفَسِّرِينَ أنَّهم أجْمَعُوا عَلى حَمْلِ مَعْناهُ في هَذِهِ الآيَةِ عَلى أدْبَرَ، وإنْ كانَ في الأصْلِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الإقْبالِ والإدْبارِ.
قالَ المُبَرِّدُ: هو مِنَ الأضْدادِ.
قالَ: والمَعْنَيانِ يَرْجِعانِ إلى شَيْءٍ واحِدٍ، وهو ابْتِداءُ الظَّلامِ في أوَّلِهِ وإدْبارُهُ في آخِرِهِ.
قالَ رُؤْبَةُ بْنُ العَجّاجِ:
؎يا هِنْدُ ما أسْرَعَ ما تَعَسْعَسا ∗∗∗ مِن بَعْدِ ما كانَ فَتًى تَرَعْرَعا
وقالَ امْرُؤُ القَيْسِ:
؎عَسْعَسَ حَتّى لَوْ نَشاءُ إذْ دَنا ∗∗∗ كانَ لَنا مِن نارِهِ مُقْتَبَسْ
وقَوْلُهُ:
؎الماءُ عَلى الرَّبْعِ القَدِيمِ تَعَسْعَسا
﴿والصُّبْحِ إذا تَنَفَّسَ﴾ التَّنَفُّسُ في الأصْلِ: خُرُوجُ النَّسِيمِ مِنَ الجَوْفِ.
وتَنَفُّسُ الصُّبْحِ: إقْبالُهُ؛ لِأنَّهُ يُقْبِلُ بِرُوحٍ ونَسِيمٍ، فَجَعَلَ ذَلِكَ تَنَفُّسًا لَهُ مَجازًا.
قالَ الواحِدِيُّ: تَنَفَّسَ: أيِ امْتَدَّ ضَوْؤُهُ حَتّى يَصِيرَ نَهارًا، ومِنهُ يُقالُ لِلنَّهارِ إذا زادَ: تَنَفَّسَ.
وقِيلَ ﴿إذا تَنَفَّسَ﴾ إذا انْشَقَّ وانْفَلَقَ، ومِنهُ تَنَفَّسَتِ القَوْسُ: أيْ تَصَدَّعَتْ.
ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحانَهُ جَوابَ القَسَمِ فَقالَ: ﴿إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ يَعْنِي جِبْرِيلَ لِكَوْنِهِ نَزَلَ بِهِ مِن جِهَةِ اللَّهِ سُبْحانَهُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وأضافَ القَوْلَ إلى جِبْرِيلَ لِكَوْنِهِ مُرْسَلًا بِهِ، وقِيلَ المُرادُ بِالرَّسُولِ في الآيَةِ مُحَمَّدٌ ﷺ، والأوَّلُ أوْلى.
ثُمَّ وصَفَ الرَّسُولَ المَذْكُورَ بِأوْصافٍ مَحْمُودَةٍ فَقالَ: ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ﴾ أيْ ذِي قُوَّةٍ شَدِيدَةٍ في القِيامِ بِما كُلِّفَ بِهِ، كَما في قَوْلِهِ: ﴿شَدِيدُ القُوى﴾، ومَعْنى ﴿عِنْدَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ﴾ أنَّهُ ذُو رِفْعَةٍ عالِيَةٍ ومَكانَةٍ مَكِينَةٍ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحانَهُ، وهو في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ مِن مَكِينٍ، وأصْلُهُ الوَصْفُ فَلَمّا قُدِّمَ صارَ حالًا، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ نَعْتًا لِرَسُولٍ، يُقالُ مَكَنَ فُلانٌ عِنْدَ فُلانٍ مَكانَةً: أيْ صارَ ذا مَنزِلَةٍ عِنْدَهُ ومَكانَةٍ.
قالَ أبُو صالِحٍ: مِن مَكانَتِهِ عِنْدَ ذِي العَرْشِ أنَّهُ يَدْخُلُ سَبْعِينَ سُرادِقًا بِغَيْرِ إذْنٍ.
ومَعْنى مُطاعٌ أنَّهُ مُطاعٌ بَيْنَ المَلائِكَةِ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ ويُطِيعُونَهُ ﴿ثَمَّ أمِينٍ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ بِفَتْحِ ثَمَّ عَلى أنَّها ظَرْفُ مَكانٍ لِلْبَعِيدِ، والعامِلُ فِيهِ مُطاعٌ أوْ ما بَعْدَهُ، والمَعْنى: أنَّهُ مُطاعٌ في السَّماواتِ أوْ أمِينٌ فِيها: أيْ مُؤْتَمَنٌ عَلى الوَحْيِ وغَيْرِهِ، وقَرَأ هُشَيْمٌ، وأبُو جَعْفَرٍ، وأبُو حَيْوَةَ بِضَمِّها عَلى أنَّها عاطِفٌ، وكانَ العَطْفُ بِها لِلتَّراخِي في الرُّتْبَةِ لِأنَّ ما بَعْدَها أعْظَمُ مِمّا قَبْلَها، ومَن قالَ: إنَّ المُرادَ بِالرَّسُولِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فالمَعْنى: أنَّهُ ذُو قُوَّةٍ عَلى تَبْلِيغِ الرِّسالَةِ إلى الأُمَّةِ مُطاعٍ، يُطِيعُهُ مَن أطاعَ اللَّهَ، أمِينٌ عَلى الوَحْيِ.
﴿وما صاحِبُكم بِمَجْنُونٍ﴾ الخِطابُ لِأهْلِ مَكَّةَ، والمُرادُ بِصاحِبِهِمْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، والمَعْنى: وما مُحَمَّدٌ يا أهْلَ مَكَّةَ بِمَجْنُونٍ، وذِكْرُهُ بِوَصْفِ الصُّحْبَةِ لِلْإشْعارِ بِأنَّهم عالِمُونَ بِأمْرِهِ، وأنَّهُ لَيْسَ مِمّا يَرْمُونَهُ بِهِ مِنَ الجُنُونِ وغَيْرِهِ في شَيْءٍ، وأنَّهُمُ افْتَرَوْا عَلَيْهِ ذَلِكَ عَنْ عِلْمٍ مِنهم بِأنَّهُ أعْقَلُ النّاسِ وأكْمَلُهم، وهَذِهِ الجُمْلَةُ داخِلَةٌ في جَوابِ القَسَمِ، فَأقْسَمَ سُبْحانَهُ بِأنَّ القُرْآنَ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ، وأنَّ مُحَمَّدًا ﷺ لَيْسَ كَما يَقُولُونَ مِن أنَّهُ مَجْنُونٌ، وأنَّهُ يَأْتِي بِالقُرْآنِ مِن جِهَةِ نَفْسِهِ.
﴿ولَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ﴾ اللّامُ جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ: أيْ وتاللَّهِ لَقَدْ رَأى مُحَمَّدٌ جِبْرِيلَ بِالأُفُقِ المُبِينِ: أيْ بِمَطْلَعِ الشَّمْسِ مِن قِبَلِ المَشْرِقِ؛ لِأنَّ هَذا الأُفُقَ إذا كانَتِ الشَّمْسُ تَطْلُعُ مِنهُ فَهو مُبِينٌ؛ لِأنَّ مِن جِهَتِهِ تُرى الأشْياءُ.
وقِيلَ الأُفُقُ المُبِينُ: أقْطارُ السَّماءِ ونَواحِيها، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎أخَذْنا بِأقْطارِ السَّماءِ عَلَيْكُمُ ∗∗∗ لَنا قَمَراها والنُّجُومُ الطَّوالِعُ
وإنَّما قالَ سُبْحانَهُ: ﴿ولَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ﴾ مَعَ أنَّهُ قَدْ رَآهُ غَيْرَ مَرَّةٍ؛ لِأنَّهُ رَآهُ هَذِهِ المَرَّةَ في صُورَتِهِ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَناحٍ، قالَ سُفْيانُ: إنَّهُ رَآهُ في أُفُقِ السَّماءِ الشَّرْقِيِّ.
وقالَ ابْنُ بَحْرٍ: في أُفُقِ السَّماءِ الغَرْبِيِّ.
وقالَ مُجاهِدٌ: رَآهُ نَحْوَ أجْيادٍ وهو مُشْرِقُ مَكَّةَ، والمُبِينُ صِفَةٌ لِلْأُفُقِ قالَهُ الرَّبِيعُ.
وقِيلَ صِفَةٌ لِمَن رَآهُ قالَهُ مُجاهِدٌ:، وقِيلَ مَعْنى الآيَةِ: ولَقَدْ رَأى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ عَزَّ وجَلَّ، وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ في هَذا في سُورَةِ النَّجْمِ.
وما هو أيْ مُحَمَّدٌ ﷺ عَلى الغَيْبِ يَعْنِي خَبَرَ السَّماءِ وما اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِمّا كانَ غائِبًا عِلْمُهُ عَنْ أهْلِ مَكَّةَ ﴿بِضَنِينٍ﴾ بِمُتَّهَمٍ: أيْ هو ثِقَةٌ فِيما يُؤَدِّي عَنِ اللَّهِ سُبْحانَهُ.
وقِيلَ بِضَنِينٍ بِبَخِيلٍ: أيْ لا يَبْخَلُ بِالوَحْيِ، ولا يُقَصِّرُ في التَّبْلِيغِ، وسَبَبُ هَذا الِاخْتِلافِ اخْتِلافُ القُرّاءِ، فَقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، والكِسائِيُّ " بِظَنِينٍ " بِالظّاءِ المُشالَةِ أيْ: بِمُتَّهَمٍ، والظِّنَّةُ التُّهْمَةُ، واخْتارَ هَذِهِ القِراءَةَ أبُو عُبَيْدٍ قالَ: لِأنَّهم لَمْ يَبْخَلُوا ولَكِنْ كَذَّبُوهُ.
وقَرَأ الباقُونَ ﴿بِضَنِينٍ﴾ بِالضّادِ: أيْ بِبَخِيلٍ، مَن ضَنِنْتُ بِالشَّيْءِ أضِنُّ ضَنًا: إذا بَخِلْتُ.
قالَ مُجاهِدٌ: أيْ لا يَضِنُّ عَلَيْكم بِما يَعْلَمُ بَلْ يُعَلِّمُ الخَلْقَ كَلامَ اللَّهِ وأحْكامَهُ.
وقِيلَ المُرادُ جِبْرِيلُ إنَّهُ لَيْسَ عَلى الغَيْبِ بِضَنِينٍ، والأوَّلُ أوْلى.
﴿وما هو بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ﴾ أيْ وما القُرْآنُ بِقَوْلِ شَيْطانٍ مِنَ الشَّياطِينِ المُسْتَرِقَةِ لِلسَّمْعِ المَرْجُومَةِ بِالشُّهُبِ.
قالَ الكَلْبِيُّ: يَقُولُ إنَّ القُرْآنَ لَيْسَ بِشِعْرٍ ولا كِهانَةٍ كَما قالَتْ قُرَيْشٍ.
قالَ عَطاءٌ: يُرِيدُ بِالشَّيْطانِ: الشَّيْطانَ الأبْيَضَ الَّذِي كانَ يَأْتِي النَّبِيَّ ﷺ في صُورَةِ جِبْرِيلَ يُرِيدُ أنْ يَفْتِنَهُ.
ثُمَّ بَكَّتَهم سُبْحانَهُ ووَبَّخَهم فَقالَ: ﴿فَأيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ أيْ أيْنَ (p-١٥٩٢)تَعْدِلُونَ عَنْ هَذا القُرْآنِ وعَنْ طاعَتِهِ كَذا قالَهُ قَتادَةُ.
وقالَ الزَّجّاجُ: مَعْناهُ أيَّ طَرِيقٍ تَسْلُكُونَ أبْيَنَ مِن هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي قَدْ بَيَّنْتُ لَكم. يُقالُ أيْنَ تَذْهَبُ، وإلى أيْنَ تَذْهَبُ ؟ وحَكىالفَرّاءُ عَنِ العَرَبِ: ذَهَبْتُ الشّامَ، وخَرَجْتُ العِراقَ، وانْطَلَقْتُ السُّوقَ: أيْ إلَيْها.
قالَ: سَمِعْناهُ في هَذِهِ الأحْرُفِ الثَّلاثَةِ، وأنْشَدَ لِبَعْضِ بَنِي عَقِيلٍ:
؎تَصِيحُ بِنا حَنِيفَةُ إذْ رَأتْنا ∗∗∗ وأيُّ الأرْضِ تَذْهَبُ بِالصِّياحِ
تُرِيدُ إلى أيِّ الأرْضِ تَذْهَبُ، فَحَذَفَ إلى.
﴿إنْ هو إلّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ أيْ ما القُرْآنُ إلّا مَوْعِظَةٌ لِلْخَلْقِ أجْمَعِينَ، وتَذْكِيرٌ لَهم.
وقَوْلُهُ: ﴿لِمَن شاءَ مِنكم أنْ يَسْتَقِيمَ﴾ بَدَلٌ مِنَ العالَمِينَ بِإعادَةِ الجارِّ ومَفْعُولِ المَشِيئَةِ أنْ يَسْتَقِيمَ أيْ لِمَن شاءَ مِنكُمِ الِاسْتِقامَةَ عَلى الحَقِّ والإيمانِ والطّاعَةِ.
﴿وما تَشاءُونَ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ العالَمِينَ﴾ أيْ وما تَشاءُونَ الِاسْتِقامَةَ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ تِلْكَ المَشِيئَةَ، فَأعْلَمَهم سُبْحانَهُ أنَّ المَشِيئَةَ في التَّوْفِيقِ إلَيْهِ، وأنَّهم لا يَقْدِرُونَ عَلى ذَلِكَ إلّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وتَوْفِيقِهِ، ومِثْلُ هَذا قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿وما كانَ لِنَفْسٍ أنْ تُؤْمِنَ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ﴾ [يونس: ١٠٠] وقَوْلُهُ: ﴿ولَوْ أنَّنا نَزَّلْنا إلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وكَلَّمَهُمُ المَوْتى وحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ١١١] وقَوْلُهُ: ﴿إنَّكَ لا تَهْدِي مَن أحْبَبْتَ ولَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشاءُ﴾ [القصص: ٥٦] والآياتُ القُرْآنِيَّةُ في هَذا المَعْنى كَثِيرَةٌ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ قالَ: أظْلَمَتْ ﴿وإذا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ قالَ: تَغَيَّرَتْ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، والدَّيْلَمِيُّ عَنْ أبِي مَرْيَمَ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ في قَوْلِهِ: ﴿إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ قالَ: كُوِّرَتْ في جَهَنَّمَ ﴿وإذا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ قالَ: انْكَدَرَتْ في جَهَنَّمَ»، فَكُلُّ مَن عُبِدَ مَن دُونِ اللَّهِ فَهو في جَهَنَّمَ، إلّا ما كانَ مِن عِيسى وأُمِّهِ، ولَوْ رَضِيا أنْ يُعْبَدا لَدَخَلاها.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ أبِي العالِيَةِ قالَ: سِتُّ آياتٍ مِن هَذِهِ السُّورَةِ في الدُّنْيا، والنّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْها، وسِتٌّ يَنْظُرُونَ في الآخِرَةِ ﴿إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ إلى ﴿وإذا البِحارُ سُجِّرَتْ﴾ هَذِهِ في الدُّنْيا والنّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْها ﴿وإذا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ إلى ﴿وإذا الجَنَّةُ أُزْلِفَتْ﴾ هَذِهِ في الآخِرَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا في الأهْوالِ وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قالَ: سِتُّ آياتٍ قَبْلَ يَوْمِ القِيامَةِ: بَيْنَما النّاسُ في أسْواقِهِمْ إذْ ذَهَبَ ضَوْءُ الشَّمْسِ، فَبَيْنَما هم كَذَلِكَ إذْ وقَعَتِ الجِبالُ عَلى وجْهِ الأرْضِ فَتَحَرَّكَتْ واضْطَرَبَتْ واخْتَلَطَتْ، فَفَزِعَتِ الجِنُّ إلى الإنْسِ والإنْسُ إلى الجِنِّ، واخْتَلَطَتِ الدَّوابُّ والطَّيْرُ والوَحْشُ فَماجُوا بَعْضُهم في بَعْضٍ.
﴿وإذا الوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ قالَ: اخْتَلَطَتْ ﴿وإذا العِشارُ عُطِّلَتْ﴾ قالَ: أهْمَلَها أهْلُها ﴿وإذا البِحارُ سُجِّرَتْ﴾ قالَ الجِنُّ لِلْإنْسِ: نَحْنُ نَأْتِيكم بِالخَبَرِ، فانْطَلَقُوا إلى البَحْرِ فَإذا هو نارٌ تَأجَّجُ، فَبَيْنَما هم كَذَلِكَ إذْ تَصَدَّعَتِ الأرْضُ صَدْعَةً واحِدَةً إلى الأرْضِ السّابِعَةِ وإلى السَّماءِ السّابِعَةِ، فَبَيْنَما هم كَذَلِكَ إذْ جاءَتْهم رِيحٌ فَأماتَتْهم.
وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإذا الوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ قالَ: حَشْرُ البَهائِمِ مَوْتُها، وحَشْرُ كُلِّ شَيْءٍ المَوْتُ غَيْرَ الجِنِّ والإنْسِ فَإنَّهُما يُوافِيانِ يَوْمَ القِيامَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ والخَطِيبُ في المُتَّفِقِ والمُفْتَرِقِ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿وإذا الوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ قالَ: يُحْشَرُ كُلُّ شَيْءٍ يَوْمَ القِيامَةِ حَتّى أنَّ الدَّوابَّ لَتُحْشَرُ.
وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في البَعْثِ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿وإذا البِحارُ سُجِّرَتْ﴾ قالَ: تُسْجَرُ حَتّى تَصِيرَ نارًا.
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ عَنْهُ ﴿سُجِّرَتْ﴾ قالَ: اخْتَلَطَ ماؤُها بِماءِ الأرْضِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، والفِرْيابِيُّ، وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وأبُو نُعَيْمٍ في الحِيلَةِ، والبَيْهَقِيُّ في البَعْثِ عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ في قَوْلِهِ: ﴿وإذا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ قالَ: يُقْرَنُ بَيْنَ الرَّجُلِ الصّالِحِ مَعَ الصّالِحِ في الجَنَّةِ ويُقْرَنُ بَيْنَ الرَّجُلِ السُّوءِ مَعَ الرَّجُلِ السُّوءِ في النّارِ، كَذَلِكَ تَزْوِيجُ الأنْفُسِ. وفي رِوايَةٍ: ثُمَّ قَرَأ ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وأزْواجَهُمْ﴾ وأخْرَجَ نَحْوَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا.
وأخْرَجَ البَزّارُ، والحاكِمُ في الكُنى والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قالَ: «جاءَ قَيْسُ بْنُ عاصِمٍ التَّمِيمِيُّ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: إنِّي وأدْتُ ثَمانِيَ بَناتٍ لِي في الجاهِلِيَّةِ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أعْتِقْ عَنْ كُلِّ واحِدَةِ رَقَبَةً، قالَ: إنِّي صاحِبُ إبِلٍ، قالَ: فَأهْدِ عَنْ كُلِّ واحِدَةٍ بَدَنَةً» وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿وإذا الجَنَّةُ أُزْلِفَتْ﴾ قالَ: قُرِّبَتْ.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ مِن طُرُقٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ﴾ قالَ: هي الكَواكِبُ تَكْنِسُ بِاللَّيْلِ وتَخْنِسُ بِالنَّهارِ فَلا تُرى.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ﴾ قالَ خَمْسَةُ أنْجُمٍ: زُحَلُ وعُطارِدُ والمُشْتَرِي وبِهْرامُ والزُّهْرَةُ، لَيْسَ شَيْءٌ يَقْطَعُ المَجَرَّةَ غَيْرَها.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والخَطِيبُ في كِتابِ النُّجُومِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ قالَ: هي النُّجُومُ السَّبْعَةُ: زُحَلُ وبِهْرامُ وعُطارِدُ والمُشْتَرِي والزُّهْرَةُ والشَّمْسُ والقَمَرُ، خُنُوسُها رُجُوعُها، وكُنُوسُها تَغَيُّبُها بِالنَّهارِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، والفِرْيابِيُّ، وابْنُ سَعْدٍ، وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: بِالخُنَّسِ الجَوارِي الكُنَّسِ قالَ: هي بَقَرُ الوَحْشِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: هي البَقَرُ تَكْنِسُ إلى الظِّلِّ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ قالَ: تَكْنِسُ لِأنْفُسِها في أُصُولِ الشَّجَرِ تَتَوارى فِيهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أيْضًا قالَ: هي الظِّباءُ.
وأخْرَجَ ابْنُ راهَوَيْهِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ في قَوْلِهِ: ﴿الجَوارِ الكُنَّسُ﴾ قالَ: هي الكَواكِبُ.
(p-١٥٩٣)وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ الخُنَّسُ البَقَرُ ﴿الجَوارِ الكُنَّسُ﴾ الظِّباءُ، ألَمْ تَرَها إذا كانَتْ في الظِّلِّ كَيْفَ تَكْنِسُ بِأعْناقِها ومَدَّتْ نَظَرَها.
وأخْرَجَ أبُو أحْمَدَ الحاكِمُ في الكُنى عَنْ أبِي العُدَيْسِ قالَ: كُنّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ فَأتاهُ رَجُلٌ، فَقالَ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ ما ﴿الجَوارِ الكُنَّسُ﴾ فَطَعَنَ عُمَرُ بِمُخَصَّرَةٍ مَعَهُ في عِمامَةِ الرَّجُلِ فَألْقاها عَنْ رَأْسِهِ، فَقالَ عُمَرُ: أحَرُورِيٌّ ؟ والَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ بِيَدِهِ لَوْ وجَدْتُكَ مَحْلُوقًا لَأنْحَيْتُ القَمْلَ عَنْ رَأْسِكَ. وهَذا مُنْكَرٌ، فالحَرُورِيَّةُ لَمْ يَكُونُوا في زَمَنِ عُمَرَ ولا كانَ لَهم في ذَلِكَ الوَقْتِ ذِكْرٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿واللَّيْلِ إذا عَسْعَسَ﴾ قالَ: إذا أدْبَرَ ﴿والصُّبْحِ إذا تَنَفَّسَ﴾ قالَ: إذا بَدا النَّهارُ حِينَ طُلُوعِ الفَجْرِ.
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ عَنْهُ ﴿إذا عَسْعَسَ﴾ قالَ: إقْبالُ سَوادِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ أيْضًا ﴿إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ قالَ: جِبْرِيلُ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وأبُو نُعَيْمٍ في الدَّلائِلِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﴿ولَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ﴾ قالَ: رَأى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَناحٍ قَدْ سَدَّ الأُفُقَ.
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ قالَ: إنَّما عَنى جِبْرِيلَ أنْ مُحَمَّدًا رَآهُ في صُورَتِهِ عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهى.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ، قالَ: السَّماءُ السّابِعَةُ.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ كانَ يَقْرَأُ ﴿بِضَنِينٍ﴾ بِالضّادِ، وقالَ: بِبَخِيلٍ.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قَرَأ " وما هو عَلى الغَيْبِ بِظَنِينٍ " بِالظّاءِ قالَ: لَيْسَ بِمُتَّهَمٍ.
وأخْرَجَ الدّارَقُطْنِيُّ في الأفْرادِ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والخَطِيبُ في تارِيخِهِ عَنْ عائِشَةَ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ يَقْرَأُ " بِظَنِينٍ " بِالظّاءِ»
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ ﴿لِمَن شاءَ مِنكم أنْ يَسْتَقِيمَ﴾ قالُوا: الأمْرُ إلَيْنا إنْ شِئْنا اسْتَقَمْنا وإنْ شِئْنا لَمْ نَسْتَقِمْ، فَهَبَطَ جِبْرِيلُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: كَذَبُوا يا مُحَمَّدُ ﴿وما تَشاءُونَ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ العالَمِينَ﴾» .
{"ayahs_start":1,"ayahs":["إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ","وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتۡ","وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ سُیِّرَتۡ","وَإِذَا ٱلۡعِشَارُ عُطِّلَتۡ","وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ","وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ","وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتۡ","وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُىِٕلَتۡ","بِأَیِّ ذَنۢبࣲ قُتِلَتۡ","وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتۡ","وَإِذَا ٱلسَّمَاۤءُ كُشِطَتۡ","وَإِذَا ٱلۡجَحِیمُ سُعِّرَتۡ","وَإِذَا ٱلۡجَنَّةُ أُزۡلِفَتۡ","عَلِمَتۡ نَفۡسࣱ مَّاۤ أَحۡضَرَتۡ","فَلَاۤ أُقۡسِمُ بِٱلۡخُنَّسِ","ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ","وَٱلَّیۡلِ إِذَا عَسۡعَسَ","وَٱلصُّبۡحِ إِذَا تَنَفَّسَ","إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولࣲ كَرِیمࣲ","ذِی قُوَّةٍ عِندَ ذِی ٱلۡعَرۡشِ مَكِینࣲ","مُّطَاعࣲ ثَمَّ أَمِینࣲ","وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجۡنُونࣲ","وَلَقَدۡ رَءَاهُ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡمُبِینِ","وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَیۡبِ بِضَنِینࣲ","وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَیۡطَـٰنࣲ رَّجِیمࣲ","فَأَیۡنَ تَذۡهَبُونَ","إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرࣱ لِّلۡعَـٰلَمِینَ","لِمَن شَاۤءَ مِنكُمۡ أَن یَسۡتَقِیمَ","وَمَا تَشَاۤءُونَ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"],"ayah":"وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتۡ"}